الفصل الثاني

6.8K 285 20
                                    

في نفس العام ولكن على أرض أخرى -
أرض اﻷندلس
كان مجلس اﻻمير محمد بن عبيد الله أحد أمراء الطوائف في اﻷندلس مكتظا بوجود رجال من أهل السياسة و الشعر والعلم يتحدثون في كل اﻷمور وكان يجلس الى جانب اﻷمير فتى في الثانية عشرة من عمره يستمع الى حديث الرجال، كان أبيض البشرة وعينان سودوان وأنف وفم دقيقان كانت مﻻمحه تنم على الذكاء والوعد بمستقبله كأمير يخلف أباه في الحكم ، تطرق الحديث حول ما حدث في الشرق اﻷسﻻمي من انتهاء حكم العباسيين واجتياح المغول في تلك البﻻد انتبه الفتى الى الحديث فقد كان يشعر باﻷلم على ما حدث هناك وكيف أصبح حال المسلمين واﻷذﻻل الذي لحق بهم وسمع أحد الحاضرين وهو يقول بشماتة :
- هه هؤﻻء الحمقى - ويقصد العباسيين - لم يستطيعوا حماية دولتهم التي كانوا يزعمون أنها باقية الى قيام الساعة وأن حبل خﻻفتهم ممتد من السماء الى اﻷرض وأنظروا ماذا حدث؟ فالذي حدث ان دولتهم ذهبت وان حبلهم قد انقطع .. وحتى سكان مدينتهم بغداد التي كانوا يتفاخرون بها لم يسلموا من بطش المغول وسفكوا دماءهم واستولوا على الحكم وها هم يبيعون ويشترون بهم .
ضجت القاعة بالضحك على ما قاله الرجل وحده الفتى الصغير لم يضحك وأخذ بالنظر الى الرجل بكل غضب أنتبه والده أليه وقال :
- بني .. لم هذه النظرات الغاضبة
أجاب :
- لم يعجبني ما قاله ذلك الرجل صحيح أني لم أحب العباسيين أﻻ أني ﻻ أحب الشماتة في الحديث ايضا هذه ليست أخﻻقنا نحن المسلمين ألم ينهنا الرسول الكريم عن ذلك يا أبي
أبتسم الرجل ﻻبنه اليافع الحاد الذكاء وقال له وهو يربت على كتفه :
- بلى يا بني لقد نهانا عن ذلك .
وألتفت اﻷمير نحو الرجال في مجلسه وقال :
- اليوم ادركت أن الله سبحانه وتعالى قد أنعم علي وغمرني بفضله و أعطاني ثروة ﻻ تقدر بمال ...
كان الرجال ينظرون الى بعضهم البعض وهم يتساءلون ما الذي يتحدث به اﻷمير محمد و كان اﻷمير بدوره يتطلع أليهم وهو يبتسم واردف قائﻻ :
-...اليوم ادركت أني عندما يأخذ الله امانته فأن اسمي وعملي لن ينقطعا والسبب في ذلك - أشار نحو الفتى الجالس الى جانبه - هي اﻷخﻻق التي يتمتع بها ابني العزيز الوليد و التي تؤهله لكي يصبح أميرا من أمراء الطوائف يحكم بين الناس بالعدل ﻻ يماري وﻻ يجامل تلك هي صفات الحاكم الصالح .
هتف الحضور بلسان واحد :
- بارك الله لك فيه ...بارك الله لك فيه
وحده رجﻻ كان يجلس على الطرف البعيد لم يعجبه امتداح ابن أخيه فذلك ﻻ يصب في مصلحته فهو يتطلع لكي يكون الحاكم بعد أخيه ورأى في الوليد حجر عثرة في طريق تحقيق هدفه
بعد أن أنفض المجلس بعد فترة من الوقت بذهاب اﻷمير وابنه بدأ الرجال يخرجون من ديوان اﻷمارة بقي اﻷمير سعيد بن عبيد الله و رجل أخر قال الرجل للأمير :
-موﻻي لم يعجبني ما حدث اليوم فذلك معناه أن اﻷمير محمد يطلب منا أن نبايع ابنه بوﻻية العهد وأنت أحق منه في تولي ذلك اﻷمر من ذلك الفتى الصغير .

رد اﻷمير سعيد وهو يفكر كيف يزيح تلك الصخرة التي جثمت على صدره :
- صدقت وعلي التفكير مليا في كيفية أزاحته من طريقي
- موﻻي هل تفكر بقتل الفتى ؟
- ﻻ ليس كذلك ﻻ أريد أراقة أي قطرة دم منه بل أريد أن أجعل أباه هو من يبعده من هنا و يجعلني ولي للعهد من بعده بدﻻ من ابنه ولكن بأي حجة ..أريد حجة مقنعة وتثبت على الصبي بحيث تجعل من ابيه يغضب عليه وﻻ يريد رؤيته .
- أذن علينا أن ندبر مكيدة محكمة ﻻ يفلت منها مطلقا
- نعم يجب ذلك و أنت سوف تتولى هذا اﻷمر فكر بتدبير المكيدة
- أمرك يا موﻻي
ثم خرجا من ديوان اﻷمير محمد وكل ذهب في طريقه فالرجل أخذ بالتفكير كيف سوف يفعل ذلك وهو يسير في طريقه الى المكان الذي يقصده بينما توجه اﻷمير سعيد الى قصره الخاص والذي ﻻ يبعد كثيرا عن قصر أخيه اﻷمير .

التاجرة البغدادية واﻻمير اﻻندلسيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن