12- تعرفين سبب عودتي و الأخير

6.9K 241 28
                                    


الجدران تتقارب , تغيّر أشكالها , ثم تتلاشى بعيدا , وأخيرا يعم الظلام , وبعد وقت طويل نقطة ضوء ثم أأثنتان ثم عدد لا يحصى من الأسهم النارية ملأت المساحات وبهرت العيون.
وفي لحظات أخرى أرتسمت وجوه على السقف , وجه أرنستين القلق من شيء كالمعتاد , وجه السيدة دوبريان الشاحب كالموت , وجه رجل قد يكون عمها ولكنه ليس هو , أنه على الأغلب وجه راوول , حاد أو مخيف أو وقح أو مبتسم أو حزين.
وأخيرا لم يعد يسيطر ألا الليل , عميقا , أسمّ , وأزليا .
وعندما أستيقظت ديللي كانت الغرفة تسبح في أشعة الشمس .
قال صوت لطيف جدا:
" آنستي؟".
منتديات ليلاس
أدارت رأسها الذي يقرع كالطبل وتعرفت الى أرنستين , أرادت أن تكلمها , لكن عضلات وجهها كانت شبه متلاشية , فرفعت أرنستين لها رأسها وقربت كأسا من شفتيها الناشفتين , شربت بضع نقاط من الماء وأحست بالتحسن وأستطاعت أن تبتسم , ولكن الجهد كان كبيرا فأغمضت عينيها ونامت مجددا.
حلمت أن راوول يلمس وجهها بنعومة , ورغبت أن تلمسه لكن أعضاءها رفضت الأستجابة.
وأحست بحرارة أنفاسه على وجهها , ثم تلاشى الحلم , وعندما فتحت عينيها شاهدت أرنستين تمسح عرقها بمنشفة رطبة ومعطرة , ثم أعطتها بضع ملاعق من الشراب الساخن.
" الآنسة أفضل اليوم كما أرى".
بما أن أرنستين ترى ذلك فقد يكون صحيحا , مع أنها تشعر بأرهاق شديد.
" أريد أيضا قليلا من الحساء".
" لا يا آنستي , في هذا بعض الخطر , الحرارة لم تهبط ألا البارحة , والآنسة كانت مريضة جدا , وكادت تموت من البرد".
سألت وهي تتلفظ بصعوبة:
" كم من الوقت.....".
" الآنسة تهذي خلال أربعة أيام , والسيدة كانت قلقة جدا , ولكن الطبيب أكد لها البارحة بأن الوضع لم يعد خطرا ".
" وراوول؟".
" السيد راوول هو الذي وجدك بعد بحث يومين , الكل بحث عنك في شيزديو , يجب ألا تتعبي نفسك الآ ولا تفكري بشيء , نامي وعندما تصحين سأعطيك حساء".
كانت ديللي قد نامت قبل أن تنهي أرنستين كلامها , ثم أستفاقت بعد عدة ساعات من نوم عميق لم تزعجه الكوابيس , وكانت أرنستين تجلس بقربها أمام الطاولة.
" أرنستين عليك أن تكوني قرب السيدة دوبريان".
" لا يا آنسة , السيدة أمرتني أن أظل بقربك حتى تتماثلي للشفاء".
" ومن يعتني بها؟".
" لا تقلقي , هيلويس لطيفة جدا وتتدبر الأمر ,وبما أن مرحلة الخطورة قد أنتهت فسأعود الى جانب السيدة هذا المساء , والآن عليك أن تأكلي بشكل جيد لكي تستردي قواك".
وبعد قليل جاءتها ماري آنج بطبق من الحساء وآخر من الفاكهة المطبوخة , ويبدو أنها كانت قلقة بشأن صحتها كأرنستين .
بذلت مجهودا كبيرا لتأكل وقالت في نفسها ( الكل أهتم بي حتى السيدة دوبريان بعد كل ما حصل , ألا الشخص الوحيد الذي كنت بحاجة لرؤيته , أين هو الآن ؟ هل هو هنا؟ أم في باريس؟).
كان يلزمها يومان لكي تستعيد شيئا من الحيوية , ولكي تبقى صاحية لمدة ساعتين متتابعتين , أرنستين تعتني بها بشكل دائم , كذلك هيلويس كما تعرفت الى الطبيب شارل طبيب سان جوست الذي أعتنى بها وعاملها على أنها أنسانة ودودة وقريبة من القلب.
أتت السيدة العجوز لزيارتها , وكانت متعبة وبقيت معها فترة قصيرة , راوول ما زال غائبا , هل أتى لرؤيتها وهي في حالة الهذيان أم أنها تخيلت ذلك؟ ومن المؤكد أنه سافر الى باريس بعد أن وجدها , وبعد الوقت الذي أضاعه في البحث عنها أثناء أفتتاح معرضه.
في اليوم التالي نهضت من السرير ولكن ساقيها لم تقويا على حملها لفترة طويلة , فعادت مسرعة الى السرير , وبعد يومين أحست بالتحسن , ثم عاد الطبيب لزيارتها وأطمأن من نتائج الفحص.
" أنك قوية , وهذا من حسن الحظ , يا حبذا لو كانت السيدة دوبريان كذلك".
قالت وهي تتألم من أن تكون هي المسؤولة :
" يبدو لي أنها مريضة جدا".
تمتم :
" أنه مرض النفس , هذا التشخيص ينطبق عليك كذلك ".
أكدت بصوت مليء بالثقة:
" أشعر بأنني شفيت تماما , نزلت البارحة الى العشاء وأمضيت الصباح وأنا أتنزه في الشمس".
أكد لها الطبيب:
" أنت لم تستعيدي صحتك تماما , أعتقد أن في داخلك شيئا ما".
قالت كاذبة وهي ترغم نفسها على الأبتسام:
" لا , كنت أتمنى فقط أن ألتقي عمي وعمتي , فأنا لم أرهما منذ فترة طويلة".
" ستتحقق أمنيتك قريبا وأعتقد أنك خلال يومين أو ثلاثة يمكنك أن تتحملي أعباء السفر , وسأشرح هذا للسيدة دوبريان , لكن عليك أن تمنعي نفسك من الأنفعال الداخلي فهناك بعض الأمراض يعجز عن معالجتها أمهر الأطباء". 

أنشودة البحيرة -آبرا تايلورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن