11-آلام دليلة

4.6K 153 2
                                    


كان الضباب ينسحب فوق البحيرة متخذا أشكالا خيالية , تساءلت ديللي أذا لم تكن مخيلتها هي التي تلعب عليها هذا الدور , موكب من الكائنات الغريبة سكنت هذا الليل اللامتناهي , وقد لا يكون هذا الضباب المتحرك ألا من صنع خيالها.
كانت تتجمد كلما عصفت الريح وهزت كيانها , لكن آلام جسمها لا تزال تذكّرها بأنها آدمية من لحم ودم , ولتتجنب أن تغرق في حالة جنونية , ركزت أنتباهها على أشياء صغيرة حقيقية , مثل العشب الذي تتلألأ عليه قطرات الندى , حجر غريب الشكل وحشرة في شق صخرة , وبعد قليل أنهكها هذا الجهد فأغمضت عينيها , منذ متى وهي على حافة البحيرة ؟ منذ يومين ؟ ثلاثة؟ دهر ؟ في البداية تراقص البرق وأشتدت العواصف وسقطت الأمطار كالشلالات وكأن الجنية صاحبة الأسطورة عادت لتكسر كل شيء.
وبعد بضع ساعات هدأت العواصف وتبعها سقوط مطر جليدي حتى الغسق , وتذكرت ديللي أنها صحت عدة مرات في الليل الحالك , وفي اليوم الثاني بزغت شمس شاحبة , خلعت ديللي كنزتها لتعرض فستانها المبلل وجسمها لأشعة الشمس , ثم عادت الغيوم لتغطي سطح السماء , وأعقبها مطر أضطرها أن تعيد كنزتها الى أكتافها وهي لا تزال رطبة.
منتديات ليلاس
ولم يتأخر في زيادة تعذيبها , لقد رفضت أن تحضر لها أرنستين بعض الأطعمة , ولحسن الحظ أستطاعت أن تروي ظمأها من المياه المتجمعة في حفرة الصخرة , وفي وقت لاحق أثناء النهار عادت تمطر رذاذا , ولكنه كان يخترق كيانها حتى العظم , سيما بعد أن طارت قبعتها مع الرياح.
وبعد ذلك فقدت أحساسها بالزمن , فأحيانا تدخل في حالة غيبوبة وأحيانا وبشكل لا أرادي تصحو على أثر الألم الذي ينتابها ويصعب التغلب عليه.
وفي اليوم الثاني أو قد يكون الثالث , تشكل لديها هوس جديد ألا وهو هوس سمعي بالأضافة الى الهوس البصري , لقد بدأت تسمع أصواتا يرتد صداها بعد أرتطامها بالصخور المحيطة بالبحيرة , وفي لحظة أرتسم أمامها خيال راوول عن بعد , ثم بدا وكأنه يقترب منها , وبدأ يكبر ويكبر حتى حجب الأفق , ووقعت مغمى عليها , سعيدة من أنها هربت من طيف راوول.
" ديللي".
رنت الكلمة في رأسها وأيقظت رغبتها في التحرر , أن السراب هذه المرة يمتلك صوتا ويدين وأكتافا حملتها وأصابع لامست وجهها , ومن أعماق يأسها تمنت أن يكون هذا الوهم حقيقيا.
ثم سمعت صوتا آخر وشاهدت أجساما أخرى , أحدها أدخل قضيبا حديديا تحت الخرة , وتحركت.
عض قدمها ألم فظيع ثم وصل الى الرسغ وأخيرا صعد الى الساق , بدت أمامها صورة راوول ثانية , أنه غاضب ولكن ليس منها وأنما من شخص آخر , كان يشتمه , ثم سمعت صراخا , وفجأة توقف الألم.
هوسها أخذ منحى آخر , لم تعد سجينة , شخص أخذها بين ذراعيه وهدهدها كالطفل , وأحست بأن قواها تغور وأغمي عليها.
عندما عادت الى وعيها وجدت نفسها في سيارة , لم تكن سيارة راوول وأنما هناك شخص آخر يقودها , ولكنها أحست بأن راوول هو الشخص الذي يجلس الى جانبها.
توقفت السيارة , وعندما أخرجوها , عبر برج القصر مجال رؤيتها ثم مريول أرنستين الأبيض , وسمعت صوتا آخر , ثم السلّم , فتح باب وأخيرا تعرفت على غرفتها.
وفي حالة نصف واعية رأت أرنستين تمد الشراشف على السرير , ثم ذهبت وعادت بطشت , شحص ما حملها يتؤدة الى السرير , أمسكت بيده خائفة من أن تبقى وحدها .
" دليلة".
أنه صوت راوول , قلق وحنون ومنعفل , أرادت أن تصرخ من يأسها , لكنها فقدت مقدرتها على الصراخ.
وأخيرا وجدت نفسها في سرير ناعم وغرق رأسها بين المخدات.
وبدون أن تميز أذا كانت في حالة حلم أم يقظة , لمحت راوول , أنه بقربها , يمسّد شعرها بيد ناعمة , ويقول كلاما لا تسمعه , فاضت دموعها بغزارة وأحست بأن أحدا يمسح دموعها , أرادت أن ترفع رأسها فسقط ثانية ,وتلاشت حواسها ودخلت في حالة غيبوبة.

أنشودة البحيرة -آبرا تايلورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن