5-حبيبة رايس

5K 144 1
                                    


فقدت ديللي أحساسها بالمن , ولم تعد تعرف أذا كان راوول قد خرج منذ ساعة , أو نصف ساعة أو عشر دقائق , فالحالة التي عاشتها جعلتها تعوم في ذهول أبله , رأسها يضرب بشدة , وشعور بالغثيان أنتابها ,ولم تعرف أذا كان ذلك بسبب برودة الأرض التي لا تزال جاثية عليها أم بسبب رائحة العفونة التي تزداد شيئا فشيا.
وأدركت فجأة أنها جائعة , وكأن كل الأنفعالات تجمعت لديها في غريزة الجوع , ( لقد أستعادت الطبيعة تفوّقها ) , قالت لنفسها.
منتديات ليلاس
وبعد أن نهضت أصلحت ملابسها وجلست على أحد الكراسي ومن الغريب أنها شعرت بعد هذا الكابوس , بأنها مختلفة فهي أكثر أكثر نضجا وأصلب معنوية , وأن كانت لا تزال تتألم من رقبتها.
وفكرت بسلسلة الحوادث التي تعرضت لها منذ مجيئها , وبهذا الوجه المتجهم الذي يعكس كراهية لا مثيل لها , عندما أتهمها بمقتل أخيه من أمه . ( أقرأي هذه الرسالة) , هذه هي كلمات راول الأخيرة.
بدا لها أن رايس ربما كتب هذه الرسالة بعد تلك المحاضرة التي تتذكرها جيدا , والتي كانت فيها تلك الطالبة سالي حاضرة , سالي أنسانة جذابة , تعرّف اليها رايس في أحدى المناقشات الأدبية وتوجه اليها بالغزل مستخدما كل جاذبيته , وبالتالي فقد تناول الثلاثة عشاءهم وطلب رايس من سالي الزواج بلهجة لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد , وتلقت سالي ذلك بخفة لأنها لا تملك التجربة الكافية لتعرف مدى جديته , ولم تر في ذلك ألا تمهيدا لمغامرة عابرة.
وفي يوم المحاضرة الشهيرة , رايس كان قد سهر كثيرا مع سالي , وتخاصما , ورغم ذلك فقد لاقت المحاضرة نجاحا , رايس يعرف أن يكون مسليا حتى وهو فاقد لرشده والجمهور كان ينتظر أن يراه على ما هو عليه... ولكن طرأ ما لم يكن في الحسبان مما قلب كل شيء , فبعد أن بدأ رايس بالحديث نهضت سالي الجالسة في الصف الأول , وخرجت بصحبة رجل آخر , وعندما رآها رايس أضاع خط النص , وبدأ يلفظ جملا مفككة , أخيرا كان عليه أن ينسحب من على المنصة , وكان على ديللي أن تتحمل عبء النتائج , تألم من صداع لا يحتمل وتحدث عن الأنتحار عدة أيام وأختفت سالي لعدة أيام ثم ألتقاها في أحد المقاهي , عادت العلاقة بينهما متوترة , وبعد أسبوع توفي , كان يقود سيارته كالمعتاد بسرعة جنونية , وقد أضاع رشده أو أنه غفا على المقود , فأحيانا كان ينام في ظروف غير متوقعة.
على كل حال , ديللي لا تعتقد أنه قتل نفسه برغبة منه.
الرسالة مكتوبة بتأثير الهذيان , كانت مفككة , يشير فيها الى خطيبته دون أن يسميها , ويتحدث عن عدم وفائها , كما يشرح تشاؤمه منها ومن الحياة , وليس من المستغرب أن يعتبرها راوول المسؤولة بعد أن قرأ الرسالة.
وضعت ديللي الرسالة وتنهدت بألم وأخذت االمفتاح على أن تعود فيما بعد لتنظيف الغرفة , وستطلب من أرنستين أن تطيها كرسيا مريحا وسجادة لتدفى المكان حيث ستقضي فيه الأسابيع القادمة , ومهما يكن فهي لا تستطيع أن تعمل بجدية ألا مع الآلة الكاتبة , ولقد وعدها راوول بذلك.
أغلقت الباب وقفلته وفكرت أن تزيّته فيما بعد.
" آه يا آنستي كنا نتساءل أذا كنت قد نسيت أهمية الطعام , وجبتك تنتظرك".
جلست ديللي وبدأت تلتهم طعامها.
" يبدو أن الآنسة ما زالت متأثرة بالحادث , فأنا أراك شاحبة".
" لا لقد تحسنت يا آرنستين , أشكرك".
تفحصتها آرنستين بأنتباه وبنظرة لا تخطىء.
" الآنسة محظوظة كونها خرجت من الحادث ببعض الرضوض فقط".
وأشارت بأصابعها الى عنق ديللي مما زاد في شحوبها وأحساسها بالخزي.
" كان علي أن ألح هذا الصباح لكي ترتاح آنستي , لكن من الغريب أنني لم ألاحظ أنك شاحبة الى هذا الحد , والسيد راوول لن يكون مسرورا أذا لم أهتم بالآنسة بشكل لائق".
" السيد يعرف أنني وقعت هذا الصباح ولم يبد أي قلق".
" مع أنه ركب سيارته مسرعا دون أن يقول كلمة ودون أن يتناول طعام الغداء , وأعتقد أنه ذهب لأحضار الطبيب".
" كلا أنا لست بحاجة لطبيب وهو يعرف ذلك, ولا حاجة للقلق"
" على آنستي أن تعدني بأن ترتاح بعد تناول الغداء".
" حسنا يا آرنستين , سأفعل ذلك لأطمئنك".
هذا الوعد أفرح آرنستين كما أسعد ديللي لأرغامها على الراحة.
وعندما فتحت ديللي أجفانها كان النهار يقترب من نهايته , وبما أنها لم تكن معتادة أن تنام أثناء النهار فقد أستيقظت بحالة كان يلزمها فيها بضع دقائق لكي تتذكر أين هي موجودة.
بقيت فترة طويلة في الحمام , فهذا الصباح كان متعبا جسمانيا ونفسيا , ولكن للشباب قدرة على أستعادة حيويتهم.
وحان موعد العشاء فأختارت ثوبا من الحرير الأسود البسيط. 

أنشودة البحيرة -آبرا تايلورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن