فقدت ديللي أحساسها بالمن , ولم تعد تعرف أذا كان راوول قد خرج منذ ساعة , أو نصف ساعة أو عشر دقائق , فالحالة التي عاشتها جعلتها تعوم في ذهول أبله , رأسها يضرب بشدة , وشعور بالغثيان أنتابها ,ولم تعرف أذا كان ذلك بسبب برودة الأرض التي لا تزال جاثية عليها أم بسبب رائحة العفونة التي تزداد شيئا فشيا.
وأدركت فجأة أنها جائعة , وكأن كل الأنفعالات تجمعت لديها في غريزة الجوع , ( لقد أستعادت الطبيعة تفوّقها ) , قالت لنفسها.
منتديات ليلاس
وبعد أن نهضت أصلحت ملابسها وجلست على أحد الكراسي ومن الغريب أنها شعرت بعد هذا الكابوس , بأنها مختلفة فهي أكثر أكثر نضجا وأصلب معنوية , وأن كانت لا تزال تتألم من رقبتها.
وفكرت بسلسلة الحوادث التي تعرضت لها منذ مجيئها , وبهذا الوجه المتجهم الذي يعكس كراهية لا مثيل لها , عندما أتهمها بمقتل أخيه من أمه . ( أقرأي هذه الرسالة) , هذه هي كلمات راول الأخيرة.
بدا لها أن رايس ربما كتب هذه الرسالة بعد تلك المحاضرة التي تتذكرها جيدا , والتي كانت فيها تلك الطالبة سالي حاضرة , سالي أنسانة جذابة , تعرّف اليها رايس في أحدى المناقشات الأدبية وتوجه اليها بالغزل مستخدما كل جاذبيته , وبالتالي فقد تناول الثلاثة عشاءهم وطلب رايس من سالي الزواج بلهجة لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد , وتلقت سالي ذلك بخفة لأنها لا تملك التجربة الكافية لتعرف مدى جديته , ولم تر في ذلك ألا تمهيدا لمغامرة عابرة.
وفي يوم المحاضرة الشهيرة , رايس كان قد سهر كثيرا مع سالي , وتخاصما , ورغم ذلك فقد لاقت المحاضرة نجاحا , رايس يعرف أن يكون مسليا حتى وهو فاقد لرشده والجمهور كان ينتظر أن يراه على ما هو عليه... ولكن طرأ ما لم يكن في الحسبان مما قلب كل شيء , فبعد أن بدأ رايس بالحديث نهضت سالي الجالسة في الصف الأول , وخرجت بصحبة رجل آخر , وعندما رآها رايس أضاع خط النص , وبدأ يلفظ جملا مفككة , أخيرا كان عليه أن ينسحب من على المنصة , وكان على ديللي أن تتحمل عبء النتائج , تألم من صداع لا يحتمل وتحدث عن الأنتحار عدة أيام وأختفت سالي لعدة أيام ثم ألتقاها في أحد المقاهي , عادت العلاقة بينهما متوترة , وبعد أسبوع توفي , كان يقود سيارته كالمعتاد بسرعة جنونية , وقد أضاع رشده أو أنه غفا على المقود , فأحيانا كان ينام في ظروف غير متوقعة.
على كل حال , ديللي لا تعتقد أنه قتل نفسه برغبة منه.
الرسالة مكتوبة بتأثير الهذيان , كانت مفككة , يشير فيها الى خطيبته دون أن يسميها , ويتحدث عن عدم وفائها , كما يشرح تشاؤمه منها ومن الحياة , وليس من المستغرب أن يعتبرها راوول المسؤولة بعد أن قرأ الرسالة.
وضعت ديللي الرسالة وتنهدت بألم وأخذت االمفتاح على أن تعود فيما بعد لتنظيف الغرفة , وستطلب من أرنستين أن تطيها كرسيا مريحا وسجادة لتدفى المكان حيث ستقضي فيه الأسابيع القادمة , ومهما يكن فهي لا تستطيع أن تعمل بجدية ألا مع الآلة الكاتبة , ولقد وعدها راوول بذلك.
أغلقت الباب وقفلته وفكرت أن تزيّته فيما بعد.
" آه يا آنستي كنا نتساءل أذا كنت قد نسيت أهمية الطعام , وجبتك تنتظرك".
جلست ديللي وبدأت تلتهم طعامها.
" يبدو أن الآنسة ما زالت متأثرة بالحادث , فأنا أراك شاحبة".
" لا لقد تحسنت يا آرنستين , أشكرك".
تفحصتها آرنستين بأنتباه وبنظرة لا تخطىء.
" الآنسة محظوظة كونها خرجت من الحادث ببعض الرضوض فقط".
وأشارت بأصابعها الى عنق ديللي مما زاد في شحوبها وأحساسها بالخزي.
" كان علي أن ألح هذا الصباح لكي ترتاح آنستي , لكن من الغريب أنني لم ألاحظ أنك شاحبة الى هذا الحد , والسيد راوول لن يكون مسرورا أذا لم أهتم بالآنسة بشكل لائق".
" السيد يعرف أنني وقعت هذا الصباح ولم يبد أي قلق".
" مع أنه ركب سيارته مسرعا دون أن يقول كلمة ودون أن يتناول طعام الغداء , وأعتقد أنه ذهب لأحضار الطبيب".
" كلا أنا لست بحاجة لطبيب وهو يعرف ذلك, ولا حاجة للقلق"
" على آنستي أن تعدني بأن ترتاح بعد تناول الغداء".
" حسنا يا آرنستين , سأفعل ذلك لأطمئنك".
هذا الوعد أفرح آرنستين كما أسعد ديللي لأرغامها على الراحة.
وعندما فتحت ديللي أجفانها كان النهار يقترب من نهايته , وبما أنها لم تكن معتادة أن تنام أثناء النهار فقد أستيقظت بحالة كان يلزمها فيها بضع دقائق لكي تتذكر أين هي موجودة.
بقيت فترة طويلة في الحمام , فهذا الصباح كان متعبا جسمانيا ونفسيا , ولكن للشباب قدرة على أستعادة حيويتهم.
وحان موعد العشاء فأختارت ثوبا من الحرير الأسود البسيط.
أنت تقرأ
أنشودة البحيرة -آبرا تايلور
Storie d'amoreالملخص في البداية ظنت ديللي ايفريت بكل براءة أنها ستكون سعيدة بدورها الجديد في حياة شاعر مشهور تطارده المعجبات .قبلت أن تكون الملهمة التي يكتب لها قصائد الحب , والخطيبة التي تحميه من المتطفلين وترعاه في نوبات يأسه المتكررة , ولكن كل هذا تغير عندما م...