10- بحيرة الرجل الضائع

4.5K 140 2
                                    

أوقفها راوول في آخر السلم .
صرخ بصوت يشبه التوسل:
" ديللي.....".
ألتفتت اليه وقد أخرجت كل مخالبها كحيوان جريح.
" أنت , كل هذا بسببك".
كانت تعرف أن هذا كذب , ولكنها كالمجنونة من شدة الأنفعال , وبحاجة الى أن تصب جام غضبها على أحد.
" أصحيح , هل أنت متأكدة؟".
" نعم صحيح , لو أنك لم تحرجني لأرتدي هذا القميص.......".
" أنه رائع عليك , ولكن هذا لا علاقة له بما حدث".
" لا؟ ولكن لو لم تلامسني مثل...".
توقفت وقد أحمرت خجلا من أعترافها.
" لكنك مع ذلك رفضت العقد".
راحت ترتقي السلم ولكنه أعترضها بذراعه:
" لا تسيئي الى نفسك".
" أنت الذي أساء الى براءتي , أجبرتني أن أعدك هذا الوعد السخيف بأن أرتدي القميص , وبدون سبب واضح , وأذا.....".
قاطعها بلهجة هادئة:
" ليست لديك أي فكرة عن أسبابي".
نظرت اليه نظرة مليئة بالحقد , ودون أن تضيف كلمة خرجت وأغلقت الباب بعنف.
وفي غرفتها تخلصت من ذلك العقد الملعون وكذلك من القميص.
لماذا ألحّ راوول على أرتدائه ؟ وأحست بأنها لو لم ترتعش في حضوره , لوجدت طريقة أقل مأساوية لرفض العقد , أو لربما تظاهرت بقبوله ولا تأخذه معها لدى مغادرتها القصر.
وبعينين ساهمتين وبدون تفكير سحبت الحقائب من الخزنة , لم يعد لديها أي شيء هنا , والكلام الذي يصعب أصلاحه سبق وأن قالته , وأنقبض صدرها لأنها وبشكل لا أرادي سبت للعجوز التي تحترمها والتي بدأت تحبها الآلآم , وأن وجودها في القصر سيذكر السيدة دوبريان بالأبن الذي عليها أن تنساه.
والأكثر من كل ذلك كانت بحاجة لأن تهرب من راوول , أنها لم تعد تقوى على النظر اليه وجها لوجه , وهي تتذكر أفعاله , لماذا بقيت مشلولة عندما سحب الوردة , وتمهلت يده على صدرها؟
وبالنسبة الى راوول , كان قد حذّرها منذ البداية أنه لن يسامحها أذا ما تسببت في آلام لأمه , رحيلها سيخفف عنه , وأن عبورها في حياته الخصبة لن يشكل ألا حادثا طارئا لا سيما مع فرحة أفتتاح معرضه في باريس.
منتديات ليلاس
وبالنتيجة قلبها مفعما بالحسرة لأنها ستخلّف وراءها ثمار أسابيع كاملة من العمل الدؤوب المضني , وقد يستطيع عمها أن يحصل عليها بعد ذلك , لأنها كانت قد أعدت كل المغلفات الرئيسية بالترتيب , أذا وافق راوول على أرسالها بالبريد مثلا.
عليها الآن أن تنظّم هربها بعناية وسرعة , أعدت فستانا أزرق بسيطا يناسب السفر ثم دسّت باقي الملابس في الحقائب واضعة نصب عينيها ألا تحمل ألا أصغرها , وبعد ذلك ستتحمل أرنستين أرسال الباقي بدون شك.
أستلقت على السرير وتأملت السقف , لا تريد أن تنام خوفا من أن لا تستيقظ في الوقت اللازم , كان عليها أن تنتظر حتى ينام سكان القصر كي تنقل حقيبتها الى السيارة.
وبتأن رتبت مخطط الغد , ستأخذ الرينو , عليها أن تختلق حجة لتستعيرها , تتركها في محطة سان جوست.
في الثالثة صباحا تسللت من غرفتها ونزلت السلم في الظلام بحذر وأمتعتها بيدها , وفي الصالة مشت بسهولة لأنها كانت مضاءة بأشعة القمر.
أمسكت أنفاسها وهي تفتح باب الدخول , وأجتازت الباحة بصمت ووصلت الى المرآب بعد أن مرت أمام مرسم راوول.
لحسن الحظ كان الباب مفتوحا , وفي الداخل أصطدمت بكتلة معدنية باردة فتحسستها بيدها لكي تحدد شكلها وعرفت أنها سيارة راوول , تقدمت بحذر في الآتجاه الآخر حتى لمست سيارة الرينو وفرحت عندما وجدتها غير مقفلة , وضعت أمتعتها على المقعد الخلفي وغطّتها بالغطاء الذي وجدته على المقعد يوم وصولها , ولم يبق أمامها ألا أن تعود الى غرفتها وتنتظر طلوع النهار , لم تجد صعوبة في أيجاد مخرج المرآب , كان مضاء بشعاع من النور , وأثناء خروجها أصطدمت بشيء معدني أحدث صوتا في الصمت الليلي كالجرس , فهرعت الى منطقة مظلمة وقلبها يضرب بشدة من الخوف.
سمعت صوت باب المرسم ينفتح على مصراعيه وظهر خيال راوول ........نظرت اليه , كان يمسك ريشة طويلة ويضع يده الأخرى في جيب بنطلونه , الصورة نفسها التي أحبتها والتي لن تراها بعد الآن , وأكثر ما كانت تخافه أن يكتشف وجودها لأنها بالتأكيد أزعجته في اللحظة التي يضع فيها اللمسات الأخيرة لبورتريه ويل , ولا تعرف العواقب.
عاد راوول الى مرسمه عندما لم يلاحظ شيئا غير طبيعي , وأغلق الباب , كانت بحاجة الى عدة دقائق كي يتأقلم نظرها مع الظلام , ولكي تستجمع شجاعتها لأجتياز الباحة.
أغتسلت ولبست قبل طلوع النهار , وجلست على حافة السرير تفكر بالحجة التي ستتخذها لتستعير السيارة , وفجأة تذكرت حديثها مع السيدة دوبريان , بشأن شيزديو , نزهة تستغرق يوما , ولن يلحظ أحد أختفاءها قبل العشاء , وفي هذه الفترة تكون تقريبا قد وصلت الى باريس. 

أنشودة البحيرة -آبرا تايلورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن