الصالون الواسع أثار أعجاب ديللي كثيرا , لاحظت بعض القطع المرصعة الرائعة , ودارت مصف دورة حول المدفأة الأثري , الأرائك والمقاعد توحي براحة حقيقية , اللون الأحمر الغامق يسيطر على السجاد الشرقي القديم المفروش على الأرض الخشبية اللامعة, وعلى الجدار الخاص بالمدفأة وضعت أضاءة داخلية , وبالتأكيد فأن الحجارة المجلّوة التي كان لها بياض الكلس , ساهمت في أضفاء جو مشبع بالتهوية على هذا الصالون , كما علق عدد من اللوحات على بقية الجدران , ظنت ديللي أنها تعرف واحدة لجوجان ,ورجل الجمارك لروسو وأخرى لمودلياني , وتملكتها الرغبة بتفحص كل قطعة أثاث عن قرب , كل لوحة وكل كتاب , ولكن أرنستين قطعت عليها تأملها.
" السيدة دوبريان تنتظرك , ألتحقي بها قرب المدفأة يا آنسة".
خرجت أرنستين بعد أنأغلقت الباب بهدوء تاركة ديللي وحدها مع السيدة دوبريان , وتقدمت ديللي بخجل , بخطوات مترددة نحو المدفأة , وتوقفت في منتصف المسافة , لم يكن هناك أحد.
" تقدمي أليّ يا عزيزتي".
قفزت ديللي خائفة , أذن السيدة العجوز كانت هنا , لا شك أنها مسترخية على أريكة كبيرة بحيث لا ترى ألا من أعلى المسند".
" تعالي دليلة , لا تكوني خجولة , وسترين أنني لست مفترسة".
كان الصوت عميقا دافئا , ونادرا ما سمعت أحدا يناديها بأسمها الحقيقي دليلة ,ولم تسمعه بهذا الجمال من قبل.
تقدمت بخطوات كتمتها السجادة السميكة , وتوقفت أمام أوجيني دوبريان , كما تخيلتها كانت جالسة مقابل المدفأة , غارقة في الأريكة التي جعلتها تظهر أكثر رقة وأحساسا مما هي عليه في الحقيقة.
ترددت ديللي , كان الصوت ودودا ولكن قد يكون هذا ضربا من خيالها لأن السيدة دوبريان بقيت تماما بلا حراك , ولم تنهض لأستقبالها , ولم تلتفت حتى بوجهها نحو ضيفتها , رأسها كان ثقيلا منحنيا الى الأمام , ويداها الشفافتان البارزتا العروق موضوعتين على الركبتين.
" دليلة هل أنت هنا؟".
أحست ديللي بصدمة كبيرة , الآن فهمت أن السيدة كانت عمياء.
ولو لم تكن خطوبتها مع رايس مفتعلة ومختلفة من قبل عمها لكانت عرفت وفهمت تماما أنها لم تعرف ألا القليل عن رايس ولا شيء عن أسرته.
" هل أنت دليلة؟".
أسرعت ديللي وركعت قرب رجلي السيدة , معقودة اللسان , غير قادرة على قول كلمة واحدة , وضعت أصابعها المرتجفة بالقرب من أصابع مضيفتها وبعد لحظة تماسكت نفسها وأجابت بنبرة مترددة:
" نعم يا سيدتي , أنا ديللي".
رفعت السيدة يدها ومدتها بأتجاهها وكأنها تريد أن تزيح الستارة التي تمنعها من رؤية ديللي.
أتجهت بعينيها المطفأتين التي لم تتصور أنها قد ترى في حياتها جمالا كهذا , أوجيني دوبريان الآن أمرأة عجوز ولا بد أنها أنجبت أبنها رايس في سن متقدمة.
شعر شديد البياض كالثلج , وجه مخطط ببعض التجاعيد , بشرة بلون الرماد القديم مشدودة على هيكل شديد الدقة , الجسم بكامله في أنسجام لا يقارن , وجنتان عاليتان , ذقن مستقيمة , أنف مرسوم بشكل حسن , وأذنان ناعمتان تعطيان وجهها نوعا من الأرستقراطية , الفم لا يزال شابا بشكل غريب نسبة الى أمرأة بهذه السن مما ذكّر ديللي بفم آخر , دون أن تستطيع تحديده.
" كانت رغبتي قوية في لقائك يا دليلة . ( قالتها بأبتسامة كشفت عن أسنان براقة جمياة) أهلا وسهلا بك في مونبيردو".
" شرفني أن أتلقى دعوتك يا سيدتي , وآمل أن أحظى بأسقبالك لي مدة شهر أو أثنين".
" بالتأكيد , ولكنني آمل أن تبقي أكثر ... وأن كان هذا الطلب سابقا لأوانه".
وشاح من الحزن غطى معالم السيدة , وهذا ما أقلق ديللي , وشعرت بالخجل من الدور الذي جاءت تمثله , ولكي تخفي خجلها أرغمت نفسها أن تتابع الحوار:
" يجب قبل كل شيء أن أحدد كمية الوثائق التي سأعمل عليها".
عادت الأبتسامة الى وجه السيدة وقالت:
" جبال من الأوراق , طيلة هذه السنوات التي كان فيها رايس هنا وهناك وأما في الفنادق أو عند الأصدقاء , ولكن ليس في بيته على الأطلاق , كان يرسل الينا الوثائق لكي نحفظها له , كان يلزمه حقيبتان , واحدة للملابس وأخرى للمخطوطات , يا للمسكين لقد عاش حياة المتشردين".
تنهدت السيدة بعمق .
قاطعتها ديللي:
" أنا حزينة".
" لا تقولي أكثر من ذلك , أنه حزن مشترك , ولكن بدون شك أنك تتألمين أكثر مني , لقد مر وقت طويل لم يأت فيه الى هنا".
" كان يتحدث دائما عن أوفيرن وعن رغبته في زيارتك".
" لقد سعدنا جدا عندما عرفنا بخطوبتكما , وفكرنا بأنه لربما....".
وتوقفت السيدة عن الحديث فقد أنعقد لسانها من الأنفعال.
" أنا متفائلة من سير الأمور".
ديللي تكذب بلهجة تأمل أن تكون مقنعة.
" والآن يجب أن نعرف كل شيء عنك".
أنت تقرأ
أنشودة البحيرة -آبرا تايلور
Romanceالملخص في البداية ظنت ديللي ايفريت بكل براءة أنها ستكون سعيدة بدورها الجديد في حياة شاعر مشهور تطارده المعجبات .قبلت أن تكون الملهمة التي يكتب لها قصائد الحب , والخطيبة التي تحميه من المتطفلين وترعاه في نوبات يأسه المتكررة , ولكن كل هذا تغير عندما م...