لا بلانشدا .. الممرضة الشبح 2

343 23 6
                                    


ويقال أن الأشخاص الذين لم يعرفوا أو يجربوا العشق في حياتهم سابقا , يكون عشقهم الأول عظيما ومتفجرا كالبركان , لكنه يكون أيضا غرا وساذجا وأعمى , وهذا الوصف ينطبق تماما على سلوك أولاليا حينما وقعت في شراك الحب وتقلبت في حبائله , فعشقها للطبيب الشاب غمرها بسعادة لا توصف حتى أنها لم تعد ترى من هذا العالم المليء بالقبائح سوى جانبه الزاهي المتوهج الألوان , ولم تعد ترى في الآخرين , خصوصا حبيبها , سوى الأمور الإيجابية المبهرة , وهو ما جعلها تتغافل عن الهمس والغمز واللمز من قبل بعض زميلاتهما من أن حبيبها الطبيب الوسيم هو في الحقيقة شاب لعوب لا يتوانى عن مغازلة فتيات أخريات من وراء ظهرها . لكن آنى لأولاليا الغارقة في بحور الهيام أن تصدق هذا الكلام .. ولعلها حسبته نابع عن حسد وغيرة .

و مضت عدة شهور قبل أن يخبرها حبيبها بأنه يود خطبتها والزواج منها , فطارت فرحا بهذا الخبر , لكنه قال بأنه مدعو إلى مؤتمر طبي في مدينة أخرى وأنه سيغيب لمدة أسبوعين , وحالما يعود سيعلنان خطبتهما .

وغادر الطبيب الحبيب إلى مؤتمره فيما بقيت اولاليا تنتظر على أحر من الجمر .. ومرت الأيام تترى .. يوم .. أسبوع .. أسبوعان .. شهر .. شهران .. ولم يعد حبيبها الموعود ..

ماذا جرى يا ترى ؟ .. تساءلت اولاليا مع نفسها كل يوم وهي تمسح الدموع عن عيناها الجميلتان .. ثم حلت الكارثة وجاء الخبر المزلزل الصادم حين علمت من بعض زميلاتها بأن حبيبها وقع في غرام امرأة أخرى في تلك المدينة التي ذهب إليها ليحضر المؤتمر وأنهما تزوجا .. ليس هذا فحسب , بل الأدهى من ذلك أنها علمت بأن حبيبها كان قد قدم استقالته من المستشفى سرا في نفس اليوم الذي سافر فيه لحضور المؤتمر , أي أنه خطط لكل شيء مسبقا , وأن اولاليا لم تكن بالنسبة له سوى مغامرة ونزوة عابرة .

وهكذا بلحظة واحدة هوى برج الأوهام الشاهق الذي شيدته اولاليا في خيالها وتحول إلى ركام وحطام , وتبخرت ألوان العالم الزاهية من عينيها ولم يتبق في الوجود سوى لون واحد رمادي كئيب . لم تعد الحياة كالسابق أبدا , لم يعد لها طعم أو معنى . أصبحت أولاليا غارقة في أحزانها , وسارحة لمعظم الوقت . وبعد أن كانت أفضل ممرضات المستشفى وأكثرهن حرصا والتزاما صارت تتلقى العقوبة تلو الأخرى بسبب إهمالها ونسيانها لواجباتها , ويقال أن إهمالها كان كبيرا لدرجة أنها تسببت إحدى المرات بموت مريض بعد أن أعطته حقنة خاطئة فتم فصلها من عملها , وتزامن ذلك مع موت والدتها وانتقال شقيقها للعيش في العاصمة والاستقرار هناك , فأصبحت وحيدة ومنهكة نفسيا وجسديا , ولم يطل الوقت حتى تسلل مرض خطير إلى جسدها النحيل فانتهى بها الأمر راقدة على أحد أسرة المستشفى الذي كانت هي تداوي المرضى فيها , ويالها من مفارقة حزينة . وما لبثت أن لفظت أنفاسها بعد فترة قصيرة .

اصبحت مريضة في نفس المستشفى حيث كانت تعمل

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

اصبحت مريضة في نفس المستشفى حيث كانت تعمل

وعلى ما يبدو فأن أولاليا لم تبرح هذا العالم بعد موتها , فبعد بضعة أشهر , بدأت تسري حكايات في أرجاء المستشفى عن شبح ممرضة ذات شعر أشقر تتجول ما بين الردهات والحجرات والأقسام وتظهر أحيانا في حجرة العمليات أو صالة الطوارئ .. وأكثر ما يميزها هو نظافة ملابسها المكوية بعناية والناصعة البياض , ولهذا أطلقوا عليها أسم السيدة اللامعة (La Planchada) .

الغريب أن أغلب من شاهدوا شبحها قالوا بأنهم لم يستطيعوا أن يلمحوا منها سوى شعرها الأشقر وأن وجهها لم يكن واضحا , كما لم يستطيعوا سماع خطواتها وهي تسير لأنها بدت كما لو أنها تطوف أو تمشي على الهواء . والأغرب من ذلك هو أن هذه الممرضة الشبح لم تكتفي بالظهور فقط , بل كانت تعتني بالمرضى أحيانا , خصوصا عندما يتعرضون للإهمال من قبل بقية الممرضات , فتقدم الدواء لمن فات موعد دوائهم , وتعطي حقنة لمن هم بأمس الحاجة إليها , وتعقم الجروح وتلفها بعناية , وتضع الكمادات على جباه أولئك المصابين بالحمى .. وكم من ممرضة مثل ماريا نسيت أو تكاسلت عن تقديم العلاج لمريض ما ثم فوجئت لاحقا بأن هذا المريض تلقى علاجه بشكل صحيح من قبل ممرضة شقراء لا أحد يعرفها . هذا الأمر لم يحدث فقط في المستشفى الذي كانت أولاليا تعمل فيه خلال حياتها , بل أمتد إلى العديد من المستشفيات في طول البلاد وعرضها , وهكذا أصبحت "لا بلانشادا" واحدة من أشهر الأشباح في المكسيك . ومازالت الحكايات عن مشاهدتها مستمرة حتى يومنا هذا .

اصبح شبحها من اشهر الاشباح في المكسيكالبعض في المكسيك

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

اصبح شبحها من اشهر الاشباح في المكسيك
البعض في المكسيك

يقولون أن قصة اولولايا أقدم بكثير من ثلاثينات القرن الماضي , وأنها في الحقيقة تعود إلى ما قبل أحداث الحرب الأمريكية - المكسيكية عام 1846 , ففي تلك الحرب الطاحنة لم تفقد المكسيك فقط أكثر من نصف أراضيها لصالح الولايات المتحدة , بل فقدت أيضا الكثير من رجالها , إضافة إلى عشرات آلاف الجرحى , وهو ما تسبب بزخم كبير جدا على الممرضات آنذاك بحيث لم تكن تتاح لهن فرصة الراحة ولم يستطعن أن يقدمن العلاج للجميع , ولشدة دهشتهن كن يشاهدن أحيانا بعض الجرحى الذين تأخر علاجهم وكان متوقعا موتهم وقد تحسنت حالتهم وتم تطبيب جراحهم بعناية فائقة , وحين كن يسألن من فعل ذلك ؟ كان الجواب دوما بأنها الممرضة الشقراء التي لا يعرفها أحد!.

أما عن سبب تحول أولاليا لشبح بعد موتها واستمرارها في معالجة للمرضى , فيرى البعض أنه نوع من التكفير عن ذنبها بحق المرضى الذين ماتوا جراء إهمالها وتقاعسها عن واجبها أواخر حياتها.


اذا اعجبتكم القصة اضغطوا على ☆
واكتبوا تعليقا عن رائيكم فى هذه القصة

عالم الرعبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن