"٦- صديقٌ منَ المشفى"

424 44 37
                                    

الأربعاء - 15/5/1974 م

" اقبِضوا عليها "
ضوضاءَ مزعجة اخترقَت أذُناي وأنا نائِمة ، صرَخاتٍ مختلطةٍ ببكاء ، وصوتُ سياراتِ الشرطة ، فتحتُ عينايَ ببطئ ، أخذتُ أرمشُ بسرعةٍ لأوَضّح رؤيتي المشوّشة ، لأجِدَ رجالَ الشّرطةِ يقيّدونَ الجدّة ، كانَت مستسلمةً لهم بشكلٍ كامل ، نَظَرَتْ إليَّ بعينانٍ دامعتان ، حرّكت شفتاها كأنّها تقولُ لي : " أنا آسِفة "

انتفضتُ من مكانِي لأوقفهم ، لكنّ ألَم رجلَيَّ أوقفني ، عدتُ إلى مكاني و لا حولَ لي ولا قُوّة ، حاولتُ الصّراخَ عليهِم لتركِها ، لكن بلا جدوى ، لَم أستَطِع إخراجَ همسَةٍ حتى ..

تقدَّمت ممرضةٌ في العشريناتِ من عمرِها ترتدي ملابِسَ بيضاء بسرعةٍ نحوي ، نظَرَت إلي بقلقْ ، أمرَتني بعدَمِ التّحرك ، ثمّ نادَت مُسعفينِ آخَرين ، حملاني معاً ووضعانِي على نقّالةٍ بيضاء ، وَ توجّها بي إلى سيّارةِ الإسعاف .

تلفّتتُ نحوي محاوِلَةً العثورَ على وجهٍ مألوف ، وإذا بِإيفان يصرُخُ ويركُض نحوِي باكِياً ، يدفَع أيّاً كانَ من يعترضُ طريقَه ، " إنها شقيقتي ، ابتعدوا عن طريقي ! " لَمحتُ خلفَهُ آدرِيان وجلوريا يَقِفانِ على عَتَبَة منزِلِهم ويحدّقانِ بي بصدمةٍ ممزوجةٍ بخوفٍ وقلَق ، ثُمّ رفعتُ بَصَري إلى المرأةِ المبتسمةِ بمكرٍ من نافذةِ العائلة ؛ نيكول بلاك .

عدتُ بأنظاري إلى مَنزلنا ، شرطيّين ضخمين ، أحدُهما أفريقيُّ الأصل ، والآخرُ أستراليّ ، يخرُجانِ ويجرانِ جدّتي المكبّلةِ بأصفادٍ حديديّةٍ في يديها اللتينِ خلفَ ظهرِها ، فتَح الشرطيّ الأفريقيُّ بابَ سيّارةِ الشرطة ، والآخرَ دفعَ جدّتي برفقٍ إلى الداخل ، وركبا بجانِبها ، وانطَلقت السيّارةُ بعيداً .

جاءَت الممرضةُ و إيفان ، جلسَ إيفان على يميني في الإسعاف ، والممرضةُ على يساري ، وبَدَأَت في تعقيمِ جروحي ، كنتُ أشعرُ بألمٍ شديد ، لكنّني لم أقوى على التّعبيرِ عن ألمي ، إلّا بالصمت ، كنتُ منهكةً لدرجةِ أنني لِم أستطِع ذرفَ دمعةٍ واحدة ؛ نَظر إليَّ إيفان بعينيهِ الزرقاوتينِ المتُلألِئَتينِ بالدموع ، كانَ يشعرُ بألمي ، فَأمسكَ بيدي وقامَ بالمَسحِ عليها ، فعاَد إليَّ شعورٌ طفيفٌ بالطمأنينةِ والسكينةْ .. كانَ هذا قبلَ أن أُغمض عينايَ من التّعب ، وأغطَّ في سباتٍ عميق .

*******
السبت - 18/5/1974 م

صوتٌ رقيقٌ ذو لكنةٍ إيرلنديةٍ لطيفةٍ اخترقَ مسامِعي : " آنِسة ، يا آنِسة " ، فتحتُ عينايَ ببطئٍ لأرى عينينٍ واسعتينٍ تحدّقانِ بي .

تفحصتُ المكانَ من حولي ، غرفةٌ بيضاءَ كبيرة بنافذتين ، وسريرٌ ابيضُ ومعداتٌ مخيفةٌ وكثيرة ، كانَ هناكَ عدةُ أجهزة موصولة بي ، وجهازٌ يصدرُ صوتَ نبضاتِ قلبي المنتظمة ، الشاشُ الأبيض يغطي رأسي ويداي ، وأشعرُ بصداعٍ أليم .

قلادة القمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن