( كان عليك التفكير في ذلك قبل الزواج مني ...... فأنا لن أسمح لكِ بالسفر , و لن أحررك .... )
للحظات ظنت تيماء أنها قد توهمت ما سمعته للتو ...
الا أن نظرة واحدة الى ملامح قاصي الهادئة و التي تتشابه مع نبرته الواثقة ... و نظرة عينيه الجليدية !! ... أخبرتها بوضوح أنه نطق للتو بما سمعته ...
و مع هذا قالت بعدم تصديق
( لن تسمح ..... لي ؟!! ........ هل هذا ما قلته للتو ؟!! ......... )
أومأ قاصي برأسه دون أي شعورٍ بالذنب و دون أن تحرر عيناه عينيها الواسعتين ... ثم قال بنفس الهدوء البارد
( هذا ما قلته , و ما سمعتِه بوضوح ....... لم أتزوجك بعد كل هذه السنوات من الإنتظار , كي أسمح لكِ بالسفر في النهاية .... ما هي الفترة التي ذكرتِها ؟!! .... اربع سنوات ؟!!! .... )
و دون أن ينتظر منها اجابة على سؤاله الوقح ... هز رأسه وهو يضحك ضحكة قصيرة جافة و خافتة ... و كأنه يسخر منها !!!
هل لديه من الجرأة و الوقاحة ما يجعله يسخر منها ؟!! .....
نظرت اليه وهو يبتعد عنها بهدوء ... الى ان جلس على اقرب مقعد مريح , ثم وضع ساقا فوق اخرى و اراح ذراعيه على مسنديه بدا مهيمنا على الوضح بأريحية وهو ينظر اليها و قد فقدت ملامحه السخرية ..
ثم قال بهدوء جليدي
( أربع سنوات !! .... أقضيها أنا هنا في انتظارك , أو ربما انتظار عطفك في الصفح عني !! .... )
رمشت تيماء بعينيها و هي تحاول التخلص من صدمة عدم تصديقها ... ثم لم تلبث أن هتفت بقسوة عارمة
( هل تسمع نفسك و أنت تتكلم ؟!! .... هل لديك أي فكرة عن مدى الجنون المحيط بك حاليا !! ..... )
لم تهتز ملامح قاصي وهو ينظر اليها صامتا ... جامد الوجه دون تعبير ...
فقط عيناه كانتا تتلقفان كل حركة منها ... و كل نفس مرتجف يخرج من بين شفتيها المتوترتين ...
أخذت تيماء نفسا مرتجفا بالفعل ... ثم شدت ظهرها لتقول بصوتٍ قاطع , محتد , يوحي بقرب فقدانها للسيطرة على نفسها , ...
( تلك المنحة هي المستقبل المتبقي لي ..... لن تحرمني منها مطلقا .... أنا التي لن تسمح لك بهذا ... )
ظل قاصي صامتا لعدة لحظات , دون أن تتغير تعابير وجهه , الا أن تيماء رأت عينيه تتغيران .. تتعمقان أكثر و كأنها قد آلمته .... و كأنه كان يظن أن رغبتها في البقاء معه ما هو الا أمر مسلم به !! ...
حسنا الخطأ خطأها من البداية .... هي التي جعلت من نفسها أمرا بديهي في حياة قاصي ....
لكنها ستعمل على تغيير هذا و على الفور ...
قال قاصي أخيرا بجفاء دون أن يتحرك من مكانه
( كان عليكِ التفكير في هذا قبل القبول بالزواج مني ...... الآن فقط تفكرين في مستقبلك المشرق !! ... لماذا لم تفكرين به سابقا ؟!! ..... انت ككل النساء يا تيماء , تحركها عواطفها لا عقلها .... لقد اتخذت قرارا بالقبول بي ... بكل علاتي و مساوئي .....و هذا القرار ليس حديثا , بل قديما جدا .... عمره خمس سنوات و اكثر ..... قبلتِ بي و انا مجهول الاسم و النسب .... مجرد خادم اجير لدى والدك .... قبلت برجلٍ لم تكن اي فتاة محترمة لتقبل بالزواج منه و منحه كل حبها ..... فهل اكتشافك لزواجي الصوري الآن يعد جريمة اخطر من كل ما سبق و قبلتِ به ؟!! ..... لا اظن يا تيماء ... لقد وقعت عقدا منذ سنواتٍ طويلة , عقدا بأن تكوني لي .... و أكون لكِ ..... )
عقدت تيماء حاجبيها من شدة الألم الذي عصف في قلبها في تلك اللحظة ...
و للمرة الأولى تتمنى لو استطاعت أن تقتله ... و تنتزع قلبه من صدره ....
فغرت شفتيها قليلا , ثم لم تلبث أن قالت بصوت متشنج
( اخرج من بيتي ........ الآن ....... )
لم يتحرك قاصي من مكانه , مجرد ظل ابتسامة ظهرت على شفتيه الصلبتين ثم قال بخشونة
( بيتك هو بيتي ...... بصفتي زوجك .... )
حينها فقط شعرت تيماء بأنها لن تتحمل أكثر , فهجمت عليه لتجذبه من مقدمة قميصه بكلتا قبضتيها وهي تصرخ في وجهه بعنف
( أخرج من هنا ..... أخرج من بيتي .... أنا من أدفع أيجاره و لي الحق برميك خارجا ...... أيها الخائن الدنيء ال ...... )
الا أنها لم تكمل كلامها الغاضب الوقح ... فقد مد يديه ليحيط بهما وجهها يجذبه اليه حتى أسكت كل عويلها بقبلة ....
للحظة تفاجئت ... و تسمرت مكانها محنية القوام أمامه , وهو يغمض عينيه لينال راحته في قبلتها القوية , الا أنها لم تلبث أن أخذت تضرب صدره بكل قوته كي يحرر وجهها ....
الى أن تركها أخيرا متنهدا بتنهيدة خشنة ... غاضبة و .... مرتاحة !! .....
أما هي فاستقامت ما أن حررها وتراجعت بسرعة للخلف , بتعثرٍ حتى سقطت أرضا ......
ظل ينظر اليها دون أن يتحرك من مكانه , بينما بقت هي مكانها أرضا تنظر اليه بعينين تهتزان بألم ....
ثم قالت أخيرا بصوتٍ مرتجف غاضب ... الا أنه كان خافتا , متداعيا ....
( ماذا أردت أن تثبت بهذا ؟!! .......... )
لم يرد قاصي على الفور .... بل ظل صامتا , و قد بدت ملامحه .. رقيقة , أم أنها تتوهم !! ....
ثم قال أخيرا بخفوت عميق
( لم أكن أثبت شيء ..... كنت أبتغي الراحة فقط .... )
و أمام عينيها الواسعتين وجدته يرجع رأسه للخلف , مغمضا عينيه و كأنه يسترجع مذاق قبلتها .....
نهضت تيماء بتوتر و هي ترتجف فعليا ... بداخلها رغبة عنيفة في البكاء , ثم قالت بعنف كي تمنع نفسها من الانفجار في البكاء
( حسنا ...... ابقى هنا ...... تمتع بشقتي لك و افعل بها ما شئت .... أنا التي سترحل , ..... )
استدارت عنه و هي تلتقط حجابها لتلفه حول وجهها عشوائيا , تتنفس بسرعة و جنون ... و الألم النازف في صدرها يزداد تشعبا و قسوة ....
قال قاصي من خلفها بصوت جامد
( الى أين ؟؟ ........... )
استدارت لتواجهه و هي تهتف بجنون
( الى أي مكانٍ بعيد عنك .......... أنا أكرهك ..... اكرهك .... )
توترت ملامح قاصي ., الا انه قال بهدوء جليدي
( لن تذهبي الى أي مكان يا تيماء ... ليس لكِ مكان آخر , أم تريدين الذهاب الى والدتك و زوجها ؟؟ ...... )
توقفت تيماء مكانها توليه ظهرها ... و هي تتنفس بسرعة , ناظرة أمامها بعينين مظلمتين , داكنتي اللون ...
عضت على شفتيها قليلا , الا أنها رفعت ذقنها و استدارت اليه قائلة بنبرة قاهرة .. مشددة على كل حرف
( سيكون هذا أفضل من التواجد معك حاليا ...... )
رد عليها قاصي بنفس الصلابة
( اذهبي و بدلي ملابسك يا تيماء ...... تعلمين أن أمك , لن تكون متعاونة معكِ في الوقت الحالي , و اراهن أنها لا تزال ناقمة عليكِ بسبب زواجنا المفاجىء ... و ما سببه لها .... )
عضت تيماء على شفتيها بشدة و ألم ...
تبا له !! ....
هل من المفترض به أن يستنتج كل شيء , بوضوح الشمس !!
ان كانت امها صعبة التحمل من قبل ... فقد تحولت الى انسانة مستحيل التعامل معها , منذ ان عرفت بزواجها من قاصي بتلك السرعة و الطريقة ...
لقد انتابتها حالة من الهلع ... خوفا مما سيترتب على هذا الزواج ....
كان الأمل لا يزال يداعبها في ان تدخل تيماء تحت عباءة جدها .... و أن تنالا رخاءا دائما بعدها , ....
لكن الأمل مات ما ان عرفت بزواج تيماء ...
باتت تهذي في الهاتف كالمجنونة .... ....
و ما أن أغلقت تيماء الهاتف معها , حتى انفجرت في البكاء , فقد كانت حينها في حاجة لأمها أكثر من اي وقت مضى ..
مهما كبرت و مهما وصلت الى مراتب عالية في دراستها ... كانت في حاجة لأمها بشدة و كأنها قد عادت الى سن الخامسة ....
أنت تقرأ
طائف في رحلة ابدية
Любовные романыمن بين جموع البشر ... كان هو الاول والاخير... واخر من رغبت بمواجهته في هذه الارض القاصية الواسعة صرخ بها والنار المشتعلة باللون الفيروزي تزيد من جذور روحه اختاري - فتبسمت شفتاها بمرارة بلون اكثر قتامة وهي تهمس بغضب وهل بين القانون والحياة اختيار...