الفصل التاسع عشر ..الجزء الثاني

117K 2.3K 106
                                    


( ثبتي ذراعك .... لكن لا تصلبي جسدك , يكاد توترك يصلني من هذا البعد ..... )
رفعت سوار عينيها عن مؤخرة السلاح و هي تنظر الى ليث الواقف على بعد عشرة أمتار ....
بجوار قطعة من الخشب ... أوقفها على صندوقين كي تصوب عليها ...
هادئا هو بعينين واثقتين صلبتين نافذتين , بينما كانت لا تزال هي على غضبها الداخلي منه و من اجباره لها على نزع غطاء وجهها ....
كانت تريد التدريب و هي تضعه ,....
ففي المرة التي ستسخدم فيها السلاح أمام هدف بشري , ستكون مغطاة الوجه ... لا يظهر منها سوى عينيها ....
حين يأذن الله بذلك ......
لكن غضبها كان لو سبب آخر اضافي .... وهو هذا التوتر الذي تخلفه نظراته المتفحصة لها دون حياء ....
هو يربكها و يعلم بذلك .... و يعلم أن هذا يضايقها , لكنه لا يتراجع , بل تزداد عيناه ثقة و استفزازا .....
ليست تلك هي الطريقة المناسبة في النظر اليها و هي تتعامل مع سلاح محشو و معد للإطلاق ....
حين طال شرودها و انعقد حاجبيها .... أجفلت فجأة على صوت ليث يدوي ليشق الصمت مناديا
( سوار ...... لا تشردي , و أطلقي النار الآن ....... إياكِ و الشرود , بينما اصابعك على الزناد ... هل نسيتِ التعليمات الأساسية ؟!! ...... )
رفعت عينيها مجددا لتنظر اليها بغضب داخلي .... الا أن ملامحها كانت ساكنة و هادئة كبركة صافية ...
فنادت بنبرة آمرة ....
( ابتعد اذن عن مرمى نظري ........... )
ارتفع احدى حاجبي ليث وهو ينظر اليها بثبات , بينما لم يتحرك من مكانه ثم قال بهدوء
( لماذا ؟!! ......... )
قالت سوار بنفاذ صبر
( كي لا أصيبك ....... أي سؤال هذا ؟!! ....... )
أيضا لم يتحرك من مكانه .... فزاد الغيظ بداخلها حتى عضت على شفتها السفلية , بينما قال ليث ببساطة أقرب الى الإستفزاز
( هل أمني نفسي بأنكِ تخافين على حياتي مثلا ؟!! ........ )
ارتفع وجهها كله الآن عن السلاح ..... و نظرت اليه متحدية بهدوء و ثقة , قبل أن تقول
( اصابتك بطلق طائش ليس من برنامج يومي الأول كعروس في دار الهلالية ........ )
التوت شفتي ليث في ابتسامة ساخرة ..... ثم قال ببساطة
( أنا أثق بكِ ....... أطلقي النار ........ )
ارتبكت ملامحها للحظة ..... و طالت نظراتها اليه وهو يقف بعنفوان و هيبة بالقرب من هدف التصويب ..... و كأنه يتحدى الطلق الناري أن ينحرف في حضوره المهيب ....
رفعت سوار ذقنها و قالت بصلابة و هي تخفض سلاحها أرضا
( أشكرك على ثقتك .... لكن تلميذتك لم تمسك بالسلاح منذ فترة طويلة , فلا تكن هادئا الى تلك الدرجة ..... هلا ابتعدت رجاءا ...... )
تبادلا النظرات للحظات طويلة , ظنت فيها أنه سيطيل في استفزازها ..... الا أنه تحرك في النهاية الى اليمين عشر خطوات واسعة .... ثم توقف ناظرا اليها وهو يفتح ذراعيه باستسلام قائلا ببساطة
( هل هذا البعد مناسب لكِ كي لا تصيبين زوجك في مقتل ؟!! .......... )
زمت سوار شفتيها و هي تلمح تشديده الخفي على كلمة " زوجك " ..... لكنها تجاهلتها و أعادت رفع السلاح , ...... ربما لم تتمرن منذ فترة , لكنها ليست عمياء الي تلك الدرجة .....
فأغمضت عينا و حاولت التركيز على الهدف الذي أعده لها .... تمتمت باسم الله , ثم أطلقت النار و جسدها كله يرتجف من فرط انفعالها و هي تتخيل هدفها البشري ....
لكن تلك الطلقة انطلقت في الهواء مخطئة مسارها تماما .... بدت طائشة و انفعالية و بعيدة الهدف ....
اندفعت الطيور من مخابئها في فزع .... و تعالت أصوات نباح الكلاب من البعيد .......
لكن سوار لم تسمع سوى صوت الطلقة الطائشة ... فرفعت وجهها و اخفضت سلاحها بعنف و هي تهتف غاضبة
( تبا ............... )
كان قلبها ينبض بغضب و أسى ..... بينما ليث يراقبها بصمت و لم يبد على ملامحه أي انفعال ....
و مضت الثواني بطيئة وهو يترك لها الوقت كي تتعامل مع هذا الإنفعال الذي أفلت منها دون ارادتها .....
فأخذت نفسا عميقا .... ثم قالت بصوت متصلب لتشق جدار الصمت
( ألم أحذرك !! ...... لقد تراخت عضلاتي و زاغت حدة بصري ...... )
ساد الصمت لعدة لحظات قبل أن يقول ليث بهدوء مسيطر
( كلميني عن فتاة أخرى لم أعلمها بنفسي .... و تدربت على يدي منذ طفولتها ..... )
أفلتت منها ضحكة استهزاء مستاءة .... بينما دفعت شعرها الكثيف الى الخلف بعصبية , ثم لم تلبث ان هتفت بغضب
( هذا الشعر اللعين يعيقني ..... لا أريد اسداله بهذا الشكل , أريد التركيز على الهدف وهو لا يسهل مهمتي .... )
لم تلحظ أثناء نوبة الغضب العارم التي انتابتها أن ليث كلن يقترب منها ببطىء و عيناه ثابتتين عليها ...
الى أن أجفلت و هي تراه أمامها مباشرة .... فتراجعت خطوة متعثرة و هي تقول بعصبية ...
( لماذا تركت مكانك ؟!! ...... لم ننتهي بعد , أظننتي سأيأس لمجرد أنني أخطأت بأول تصويب ؟!! .... )
اقترب منها خطوة دون أن يرفع عيناه عن عينيها ... و كانت نظرة عينيه مخيفة و كأنه قادرا على قراءة كل أفكارها بوضوح تام .... مما زادها ارتباكا و توترا , فازداد غضبها من تأثيره على ثباتها بتلك الصورة الغير متوقعة .....
تكلم ليث أخيرا بصوتٍ واثق هادىء
( ارفعي سلاحك ......... )
عقدت سوار حاجبيها قليلا و هي تقول بخفوت مضطرب
( ماذا ؟ ......... )
رد عليها ليث بصوتٍ جاد
( ارفعي سلاحك لتعيدي التصويب ........ )
اضطربت أكثر , لكنها أعادت رفع سلاحها .... و اغمضت عينها و هي تقول بخفوت
( حسنا اذن ...... ابتعد قليلا ....... )
الا أن ليث لم يبتعد , بل على العكس , اقترب منها حتى صار خلفها تماما .... يكاد أن يكون ملامسا لها ....
كان جسدها قد استشعر حرارته بوضوح .... الى أن رأت كفه تمتد لتمسك بمرفقها المرفوع بحذر ....
بينما التفت ذراعه الأخرى حول ذراعها الممسكة بالسلاح .... فحاوطها تماما و كأنه يحتضنها , حتى أنها وجدت ظهرها ملاصقا لصدره ....
هتفت سوار بتوتر
( ماذا تفعل ؟!! ......... )
رد عليها ليث بنبرة آمرة خافتة ..... حركت بعض الشعريات الناعمة على جانب صدغها ....
( اهدىء ...... جسدك متوتر كفرس متحفزة ...... ارخي عضلاتك , لكن ثبتي ذراعك الحاملة للسلاح .......)
قالت سوار معترضة و هي تحاول الإبتعاد عنه
( لن أصوب و أنت تمسكني هكذا ..... ابتعد عني يا ليث ..... )
و على الرغم من أنه لم يشدد من قبضتيه عليها , الا أنها لم تستطع الإبتعاد .... كانت لمسات أصابعه من حولها ذات سلطة مهينة .... خاصة وهو يقول بخفوت ملامسا صدغها بشفتيه
( اجعلي سلاحك جزءا من جسدك ..... و كأنه امتدادا لذراعك ..... و ابعدي التوتر عن أعصابك ......لا تركزي على أي شيء آخر سوى الهدف أمامك , و كأن العالم من حولك قد اختفى و لم يعد هناك ما تبصره عيناكِ سواه ...... )
وهو يتكلم بخفوت .... كانت ذراعاه تحيطان بها أكثر .... و التحدي في امتلاكهما يزيد ... و كأنه يتحداها أن ترفض سطوتهما .....
أرادت الرفض و الإعتراض .... الا أنها لم تستطع , ....
شعرت بالغضب أكثر من فرض تلك السيطرة عليها , الا أنها لم تسمح لغضبها أن يثير انفعالها ....
لذا زمت شفتيها ... و رفعت ذقنها قبل أن تغمض احدى عينيها و تركز على الهدف أمامها محاولة بكل جهدها أن تتجاهل وجود ليث .... ثم تناست كل شيء و أطلقت النار وهو ممسك بها .....
جاءت الطلقة قريبة جدا جدا .... من الهدف ....
لم تسقطه أرضا , الا أنها كادت أن تلامسه .......
زفرت سوار بغضب و هي تصرخ فجأة مخفضة سلاحها بانفعال
( تبا ................. )
ثم حاولت الإبتعاد عن ليث , الا أنها شعرت حينها بالطوق الحديدي الذي يحيط بها .... و الذي أدارها فجأة اليه بكل قوة حتى ارتطمت بصدره ....
رفعت سوار وجهها المتصلب لتنظر اليه ... كانت عيناه غامضتين و قويتين بشكلٍ غير محتمل .....
فزاد ارتباكها و قالت بقوة
( اتركني يا ليث ........ )
الا أنه قال بصوت قوي
( ليس لأنكِ أخطأتِ هدفك .... يتعين علي أنا أيضا أن أفلت هدفي .......)
تلوت بين ذراعيه و هي تقول بحدة
( اتركني يا ليث ....... لا تستغل الموقف هكذا ...... )
لمعت عيناه فجأة ببريق من الغضب للمرة الأولى .... فأمسك بسلاحها يختطفه منها , ليبعده عنها و يسنده بعيدا .... ثم أحاط خصرها بذراعيه يمنعها من الحركة تماما و نظر الى عينيها بسلطة غاضبة طويلا قبل أن يتكلم بهدوء حذر
( أستغل الموقف ؟!! ...... اسمعي هذا جيدا يا سوار , لست في حاجة لإستغلال أي مواقف لأنال حقي بكِ....
أستطيع نيله الآن لو أردت و لن تملكي القوة لمقاومتي ...... )
تلوت سوار بين ذراعيه بقوة فرس غير مروضة ... الا أنها كانت تحارب قوة تفوق قوتها بمراحل
فقالت من بين أسنانها
( كان علي أن أدرك بأنك قد اشتريتني بموقفك النبيل للأبد .... و أن هناك ثمن له يتوجب علي دفعه ..... )
الآن شعرت بقوة قبضتيه على جسدها , حتى تأوهت بصمت و اتسعت عيناها و هي تنظر اليه بدهشة ...
و صدمتها أكثر ملامحه المتصلبة .... و عيناه الخطيرتان ....
قبل أن يقول أخيرا بصوت خافت ..... اكثر خطرا
( يبدو أنه ليست عضلاتك فقط من ارتخت ..... بل عقلك أيضا ..... لكنني لن أحاسبك على ما تفوهتِ به للتو , و سأعمل حسابا لما مررتِ به ...... لكن أحذرك يا سوار , أنني لن أقبل بالمزيد من الحماقات .... )
انتفضت بعنفوان لتبتعد عنه أخيرا ما أن سمح لها ..... و بدت متوهجة الوجه ... عيناها تبرقان بأنفة ... و نفسها مضطرب اباءا ... ثم قالت أخيرا بصوت محتد
( هل تهددني ؟؟ .......... )
قال ليث بخفوت و عيناه تحاصران عينيها بلا هوادة
( لنقل أنني أحذرك فحسب ....... زوجة ليث الهلالي عليها أن ترتقي عن التفوه بمثل تلك الحماقات .... أنت لم تعودي مراهقة مندفعة .... بل امرأة عليها أن تصون لسانها و كرامتها و كرامة زوجها .... )
كان الغضب يتلاعب بأعماقها بتهور .... فتملكتها رغبة عاتية في ايذاءه فقالت ساخرة بهدوء مفاجىء
( و هل هذه الصفات تنطبق على زوجتك الأولى مثلا ؟!! ........ )
ضاقت عينا ليث وهو يراقبها بصمت ... بينما شعرت بأنها تمادت كثيرا ... لكنها لم تخفض وجهها و لم تتهرب بعينيها من سطوة عينيها كي لا يظن بها الخوف أو التراجع ....
ثم قال أخيرا بهدوء جليدي
( ربما تمنيتِ لو ضربتها مثلا أمامك ؟؟ ............... )
ارتفع حاجبيها و هزت كتفيها و هي تقول ببساطة
( ما الذي يجعلني أتمنى هذا ؟!! ......... )
قال ليث بنفس الهدوء الجاف
( تصرفاتها أمامك .... في صباحية زواجنا ...... )
ارتسمت على شفتيها ابتسامة ناعمة ... سلبت عيناه عن عينيها للحظات قبل أن تقول بثقة
( اها ....... هذه أفعال نساء , أستطيع مجابهتها دون أن يرف لي جفن .... المرأة الضعيفة فقط هي من تحتاج الى رجل كي يضرب لها امرأة أخرى تزعجها ..... )
سألها ليث مباشرة و هو ينظر الى عمق عينيها باهتمام
( و هل فعلت ؟!! ..... هل أزعجتكِ ؟؟ ...... )
لم تشعر بالراحة من السؤال ..... لكنها عات لتهز كتفيها و قالت ببرود
( لا يمكنني انكار مدى جرأتها الأقرب الى الوقاحة ........ )
اقترب منها ليث خطوة أخرى ثم قال بهدوء غريب
( ألم تشعري بالغيرة مثلا ؟!! ......... )
ارتفع حاجبي سوار بدهشة حقيقية و هي تنظر الى عينيه .... ثم لم تلبث أن أفلتت من بين شفتيها ضحكة ساخرة و هي تقول بتعجب
( أغار منها ؟!! ....... و لما أغار ؟!! ......... )
قال ليث دون أن تحيد عيناه عن عينيها
( ربما لأنها المشاعر الطبيعية لأي امرأة تجاه زوجها و هي ترى غيرها تقبله ..... )
التوت ابتسامتها و تلاعبت أصابعها بخصلة من شعرها فأعادتها خلف أذنها لتقول ببرود
( آآه ...... لكنني لست أي امرأة , و المرأة التي تغار من تصرف أحمق كهذا تنقصها الثقة في نفسها ..... )
ابتسمت شفتاه ابتسامة باردة وهو ينظر اليها .... ثم قال أخيرا بهدوء
( صحيح ...... لست أي امرأة , ربما لم تعودي امرأة من الأساس ...... )
كتفت ذراعيها و رفعت ذقتها لتواجهه قائلة
( و ماذا بعد ؟!! ........ ما هو الإتهام التالي و المفترض به أن يثير استفزازي فأضعف و أحاول تملقك جسديا بطريقة مثيرة للشفقة كما فعلت زوجتك !! ...... )
قال ليث فجأة بقوة و نفور
( أي شخصية تحولتِ اليها !! ........... )
رفعت سوار وجهها و هتفت بعنف مماثل
( لم أتحول الى أي شخصية ..... هذه أنا سوار نفسها , المرأة التي لم تعرفها من قبل .... و التي لم تعد مراهقة مندفعة ومتوهجة العينين تعترف لها بحبك ...... أنت تحاول احياء ذكرى بعيدة جدا يا ليث , ذكرى لن تنفعك بشيء ..... لأن تلك الفتاة التي علمتها بنفسك و اعترفت لها بحبك لم يعد لها وجود ......
و التي تقف أمامك امرأة فقدت زوجها ليزوجوها بعده في صفقة تصالح ......و كأن من مات شخص من السهل أن ينسى ..... )
كان ليث يستمع اليها بوجه قاتم ... و ملامح متجهمة , بينما كانت عيناه غاضبتين بشدة .... صدره يغلي بنارٍ محرقة .... كل كلمة تنطق بها بتهور ما هي الا سهم طائش يضرب صدره ....
لكنه كان واقفا أمامها ثابتا , قويا .... و ما أن انتهت حتى سألها مباشرة
( هل أجبرك أحد على الزواج مني ؟؟ ...... أم أنكِ واقفتِ بمحض ارادتك ؟؟ ...... )
نظرت الى عينيه طويلا و قد أجفلها السؤال المباشر .....
لكنها قالت بخفوت جامد
( و هل أملك الإعتراض على زواج صلح بين العائلتين ؟!! ...... )
قال ليث بعنف كي لا تتهرب من سؤاله
( أي أنهم أجبروكِ ..... أريد سماعها منكِ ..... هيا قوليها ..... قولي لقد أجبروني على الزواج منك يا ليث .... )
ابعدت وجهها عنه و تتنفس بسرعة .... لكنه لم يسمح لها , فمد يده يقبض على ذقنها معيدا وجهها اليه بقوة و هدر امام عينيها البراقتين
( انطقي بها ....... لقد أجبروني على الزواج منك يا ليث ......... )
زفرت نفسا غاضبا لفح كفه الممسكة بذقنها .... لكنها نظرت الي عينيه و قالت فجأة
( لا يستطيع احد اجباري على شيء ......... )
ارتفع حاجبي ليث و قال باستهزاء
( اذن كنت تملكين القوة على الإعتراض ..... فلماذا اذن ادعاء دور الضحية ؟!! ...... )
ارادت الابتعاد عنه ... لكن ذراعه الأخرى احاطت خصرها و منعتها من الهرب ... و شدت كفه على ذقنها ليقول بصرامة ....
( انظري الي .......... قلت انظري الي ..... )
رفعت عيناها الى عينيه على مضض .... فصدمتها النظرة بهما قبل ان يسألها بصوت آمر
( لماذا وافقتِ على الزواج بي ؟؟ .........انطقي ...... )
ساد صمت مضطرب بينهما , الى ان قالت سوار بغضب
( لأركز على هدفي ......... )
ضاقت عينا ليث وهو يقول دون ان يحررها و كأنه يقرأ أفكارها
( أي هدف ؟؟ ............ )
رمشت بعينيها و أدركت بأنها قد تفوهت بالكثير في غمرة غضبها منه , لذا أخذت نفسا عميقا ثم قالت بخفوت مبعدة وجهها عنه مغيرة الموضوع ببراعة ...
( اتركني لأركز على هدفي ...... أريد أن أعيد المحاولة ..... )
كان صوتها خافتا .... ناعما .... و جفنيها مسبلين أمامه بأهدابهما الطويلة ...
و كم شعر في تلك اللحظة بالرغبة في ضربها , ثم اغراقها بين أحضانه ....
لذا إن كان رافضا للضرب .... فلن يمنعه أحد الآن من أخذها في أحضانه و بكل قوة ..... حتى هي لم تعد تملك الحق في منعه .....
انتفضت سوار و هي تراه يمسك بمعصميها بكل قوته ليرفعهما خلف عنقه ......
فهمست بتوتر
( ما اللذي ؟!! ......... )
الا أنه أعاد لف ذراعيه حول خصرها بقوة دافنا وجهه في صدغها الناعم حتى انصهر جسديهما في كيان واحد ...
لم يحاول حتى أن يقبلها ..... لكنه كان يحتضنها بقوة لا تقبل الجدل في أحقيتها ......
وقفا طويلا وهما في أحضان بعضهما .... أو بمعنى أصح , كانت تغرق ببطىء في هذا العناق القوى .. و الذي لا يطلب شيئا أكثر من الإعتراف بسلطته ....
كانت تريد الإبتعاد عنه .... الا أنها شعرت بتلك القوة التي تستمدها منه رغما عنها ... ...
أغمضت سوار عينيها مضطربة و هي تشعر بأصابعه تسافر في خصلات شعرها بدئا من قمة رأسها و حتى أسفل خصرها .....
رغما عنها تنهدت بصمت و هي تستسلم الى تلك الراحة المرفوضة بالنسبة لها .....
حين تكلم ليث أخيرا .... همس في أذنها بصوت أجش
( أنت تريدين الصراخ عاليا ..... تتألمين في أعماقك داخل تلك القشرة القوية الغير قابلة للكسر ..... )
أبعدت سوار وجهها عنه و حاولت المقاومة ... الا أنه شدد عليها و نظر الي عينيها قائلا بقوة و غضب
... رافعا احدى قبضتيها ليضعها في منتصف صدره
( ما حدث لم يكن هينا علي أنا أيضا .......... موت سليم ... و ما حدث بعده , نهاية بما حدث قبل زواجنا مباشرة ...... أن تتعرضين لكل هذا و أنا بعيد عنكِ غير قادر حتى على الدفاع عنكِ .... )
ترك خصرها ليحيط بوجهها بكلتا كفيه و تابعا بصوت أكثر حدة أمام عينيها الواسعتين
( لكنك الآن بت تحملين اسمي .... أخيرا ...... سأحميكِ بحياتي , و لن يستطيع مخلوق مناقشة حقي بكِ .... حتى أنتِ ...... )
فغرت سوار شفتيها و حاولت الرفض بذهول ... الا أن قبضتيه كادتا أن تسحقا عظام فكها الرقيق وهو يتابع بصوتٍ أكثر سطوة
( خاصة أنتِ ........ هل كلامي مفهوم ؟؟ ....... )
لكنه لم ينتظر منها ردا .... بل رمقها بنظرة سوداء عميقة كادت أن تبتلعها حية ...... ثم لم يلبث أن دفعها قليلا ليتناول سلاحها و يرفعه على مستوى ذراعه قبل أن يغمض عينا و يصوب الهدف ... و دون لحظة تفكير أطلق النار فأصاب الهدف من أول مرة فرماه بعيدا بصوت عال ....
استدار ينظر اليها بصمت وهو يخفض السلاح .... قبل أن يقول بصوت غامض
( هكذا يكون التركيز على هدفك ..... تقتنصيه دون لحظة تفكير , لا تترددي أو تطيلي التفكير .... لكن عليكِ أولا التأكد من أنه هدفك فعلا .... )
افلت نفس مرتجف من بين شفتي سوار .... و تسائلت إن كان قد قرأ افكارها بسهولة , لكن طريقة كلامه أثارت أعصابها بطريقة غير مستحبة .....
ابتعد ليث عنها أخيرا وهو يقول بهدوء
( يكفي هذا لليوم ..... فأعصابك تحتاج الى الراحة قليلا ...... )
رأته يبتعد آخذا سلاحها معه .... بينما ظلت هي واقفة مكانها ترتعش من قمة رأسها و حتى أصابع قدميها .....
زفرت سوار بقوة و هي تستدير حول نفسها رافعة أصابعها , لتغرسها في مقدمة شعرها .... ثم لم تلبث أن همست من بين أسنانها
( ما بالك !! ........ لن يفقدك رجل هدوء أعصابك , .... إنه مجرد ابن خالك ..... ليث لا غيره .... الذي تربيت على يديه .... لم يكن وجوده أبدا مثيرا لأعصابك بتلك الطريقة قبلا ..... )
أطرقت بوجهها و هي تضع يديها في خصرها ..... كانت تتنفس بسرعة و عدم ثبات .....
ثم لم تلبث أن همست بنفاذ صبر
( ركزي ........ فقط ركزي .......... )
رفعت وجهها للسماء الصافية من فوقها , ثم أخذت نفسا عميقا و رفعت يدها الى صدرها و هي تهمس
( ساعدني يا رب أن أنال القصاص لزوجي ....... لن أرضى بغيره ..... ساعدني تجاه كل من يحاول منعي من تحقيق شرعك ...... )
.................................................. .................................................. .....................
حين دخلت سوار الى الدار كانت عيناها تبحثان عن ليث بحذر .... الا أنها لم تجده مما جعلها ترتاح قليلا ...
حتى الآن لم تقتنع بأنه قد أصبح زوجها ......
لا تصدق ما يريده ... و روحها و جسدها يرفضان هذا تماما .......
حين رأت الطريق خاليا أمامها , اتجهت الى المطبخ مباشرة .... فوجدت ام مبروك قد عكفت على اعداد الطعام .... و هناك فتاة اخرى شابة واقفة في زاوية المطبخ .....
راقبتهما سوار باهتمام قبل ان ترفع صوتها قائلة بهدوء
( صباح الخير ........ )
تركت كل منهما ما بيدها وهما ترفعان وجهيهما اليها ... ثم اسرعا في الرد عليها بتهذيب .....
فقالت سوار مبتسمة بعفوية
( تابعا عملكما .... لا تتوقفا لوجودي , لقد أردت فقط التعرف اليكما ...... )
قالت أم مبروك بسرعة
( أنا ام مبروك يا سيدة سوار .... زوجي رحمه الله كان يعمل سائس للخيول لدى الحاج الكبير .... منذ سنوات و قد احضرني السيد ليث الى هنا بالأمس ..... كان قد أخبرني أن أستعد منذ فترة , لكنه طلب مني الحضور من فوري ما أن تم التعجيل بزواجكما ..... )
أومأت سوار برأسها متفهمة بينما عينيها ترمقان الفتاة الأخرى باهتمام ... ثم لم تلبث أن سألتها بهدوء آمر
( و أنتِ ؟؟ ........... )
انتفضت الفتاة التي كانت تراقب سوار خلسة .... فتركت ما بيدها و استدارت اليها لتقول بصوت خفيض
( خادمتك نسيم يا سيدة سوار ........ )
أمالت سوار وجهها و هي تنظر الى الخادمة الشابة , قبل أن تقول بخفوت
( اسمك جميل مثلك يا نسيم ........... )
قالت نسيم و هي تمط شفتيها قليلا ...
( لكنه ذكوري ........ )
قالت سوار ببساطة
( بل على العكس ...... انه يناسب الفتيات الجميلات اكثر , .... ابنة من أنت يا نسيم ؟؟ ..... )
بدت الفتاة مرتبكة قليلا ... فردت أم مبروك بدلا عنها
( هي ليست من البلد يا سيدة سوار .... أصلها من عائلة من الغجر أتت الى البلد قبل مولدها .... و قد توفت أمها أثناء ولادتها ..... و تربت هي بين البيوت الخيرة , فقد عرفت العمل منذ طفولتها ..... )
كانت سوار تراقب الفتاة ثم قالت بهدوء
( و كيف اختارها السيد ليث لتأتي الى هنا ؟؟ ......... )
ردت أم مبروك
( لقد طلب مني أن أحضر فتاة معي لتساعدني ..... تكن من عائلتي و قد اخترت صباح ابنة اخي .... لكنها و الفأل الحسن عندك يا سيدة سوار .... علمت بحملها و كانت على استعداد للعمل حتى موعد ولادتها , الا أن السيد ليث رفض ... و أعطاها الكثير , زاد الله من رزقه ..... حينها لم أجد أمامي سوى نسيم التي جائت تطلب عملا ....... لكنها ليست بغريبة , لقد عملت في كل بيوت الهلالية تقريبا .... سيعجبك عملها سيدتي ... أنا أضمنها ...... )
أومأت سوار و هي تراقبهما ..... ثم لم تلبث أن سحبت كرسيا خشبيا و جلست عليه واضعة ساقا فوق أخرى ثم قالت
( حسنا ...... هلا اخبرتني احداكما كيف حدث أن وجدت رأس قطة ميتة في دولابي اليوم صباحا ؟!! .... )
تركت أم مبروك السكين من يدها و هتفت برجاء
( الله وكيلك يا سيدة سوار لا نعرف عنها شيئا ..... لقد كان السيد ليث هنا منذ دقائق و قد قلب المكان علينا من شدة غضبه ...... و طلب منا الرحيل و هددنا أن يأتي بغيرنا إن لم يعرف كيف حدث هذا ...... )
أسبلت سوار جفنيها و هي تتظاهر بالتفكير ... ثم قالت
( اذن كيف وصلت الى هنا ...... في رأيك ؟!! ......)
ضيقت أم مبروك عينيها و حاولت الكلام الا أنها ترددت ... ثم لم تلبث أن قالت بحذر
( ما هذا الا فعل سحر يا سيدة سوار ..... لا جواب له الا هذا ..... )
داعبت سوار ذقنها ثم قالت بهدوء
( و من يريد السحر لي ؟!! ......)
قالت أم مبروك بصوت هامس
( الكثيرون يا سيدة سوار .... لا تنسي زواجك من السيد ليث و أسبابه ... و الخصومة التي لم تهدأ أبدا بين العائلتين .....)
أومأت سوار بذقنها بصمت .... ثم قالت بهدوء عفوي
( أتعرفين فواز الهلالي يا أم مبروك ؟؟ ........)
اتسعت عينا أم مبروك و ارتبكت من فورها .... لكنها أجابت بحذر
( آآآآ ... طبعا يا سيدة سوار ...... )
كانت سوار تراقب ملامحها بعينٍ ثاقبة .... ثم قالت بهدوء
( أنا لا أتذكره ..... لا أعرفه , أين بيته ..... هل هو متزوج و لديه أطفال ؟؟ ....... )
بدت أم مبرووك أكثر ارتباكا , الا أنها قالت بخفوت
( بيته في الجهة الشرقية ..... متزوج منذ سنوات و لديه ثلاث أطفال , لقد توفي والده قبل أيامٍ في السجن .... كان مقدرا له أن يخرج بعد حكمٍ بالمؤبد عليه .... الا أن القدر لم يمهله , فمات قبل خروجه بايام ....... )
ضاقت عينا سوار و قالت بهدوء
( ما كانت جريمة والده ؟؟ ........ )
اضطربت أم مبروك ثم قالت
( ثأر ...... كان الثأر الأخير بين عائلة الهلالي و عائلة الرافعي , قبل أن يقوم فواز ب ....... )
جمدت ملامح سوار .... و تحولت عيناها الى بركتين من الجليد القاسي ... بينما اندفع الألم في صدرها أفظع من سابقه ....
فأغمضت عينيها لفترة و هي تطرق بوجهها ..... مستمعة الى ام مبروك التي قالت بصوت اكثر خفوتا ....
( كان والده قد هرب لعدة سنوات .... ثم تم القبض عليه و تلقى حكما بالسجن المؤبد ...... )
ظلت سوار على حالها مطرقة الوجه .... مغمضة العينين , .... ثم فتحتهما أخيرا و نظرت الى أم مبروك تسألها بصوتٍ ميت
( و ماذا عن فواز ؟؟ ...... اين هو حاليا ؟؟ ...... )
عقدت أم مبروك حاجبيها و استدارت قليلا و هي مضطربة .... ثم قالت بخفوت
( بعد ..... بعد الذي حدث , اختفى ..... سمعت أنه سافر للعاصمة و بعض آخر يقولون أنه سافر الى الوجه البحري ..... لا أحد يعلم تماما ..... )
رفعت سوار ذقنها و قالت بصوتٍ صلبٍ باتر
( الا يخفيه أحد كبار العائلة مثلا هنا ؟؟ ............ )
هزت أم مبروك رأسها نفيا و قالت بخفوت متوتر
( حسب علمي لا أحد يعلم له طريق ....... حتى زوجته المسكينة التي تدور بحثا عنه في كل مكان ..... )
زمت سوار شفتيها ... و اتقدت عيناها ببريق اكثر قسوة , و نيران الثأر التي كانت تسمع عنها مسبقا بقلب لا مبالي ....استعرت الآن في صدرها , تأمرها و توجهها ....
نار .... لا ترى أمامها سوى النار , و لا تشعر في صدرها الا حريقها ......
ألم تلك النار لا يساعدها على التهدئة منها .... بل يزيد اتقادها و تغذيتها مهددة بحرق كل من يقف في طريقها ....
ابتسمت سوار ابتسامة متزنة ... ثم نهضت من مكانها بأناقة و هي تقول
( سعدت بالكلام معكما هذه الفترة ...... لا أريد أرهاقكما أكثر بالثرثرة , تابعا عملكما مشكورتين ..... )
استدارت سوار و أولتهما ظهرها ... لتختفي ابتسامتها و تتحول ملامحها الى كتلةٍ قاسية , لا تعرف الرأفة ....
.................................................. .................................................. .................
استلقت سوار على سريرها الواسع و هي تحدق في السقف بملامح جامدة ....
محاولة التأقلم مع هذا المكان ....
التعود على هذا السقف الغريب عنها .....
أين غرفتها .... و أين سريرها مع سليم ؟؟ .........
أين سقف غرفتها الذي اعتادت للنظر اليه ... ترسم عليه ذكرياتها مع والدتها ..... و من بعدها ذكرى وجه سليم ......
أين هي ؟؟ .... اين سوار الرافعي ؟؟ .......
و من تلك التي تحركت كالدمية من بيتها الى آخر غريب بأمر من كبار العائلتين ......
إن كانت قد وافقت .... فلها أسبابها .....
لكن روحها المتمردة تشعر بالرفض ..... ترفض كل سيطرة و تكبيل لها هنا في هذه العائلة ......
ترى هل كان هذا هو نفس شعور والدتها حين تزوجت قسرا من أبيها ؟!! ....
هل امضت أياما بمفردها في غرفة غريبة عليها بدار الرافعية ..... تحدق في سقف غريب عنها , متسائلة متى سيدخل اليها زوجها المفترض و الذي لا تعرف عنه شيئا ......
أظلمت عينا سوار و هي تفكر في ليث لعدة لحظات ....
ليث ليس غريبا ......
ليث كان معلمها الأول طوال سنوات عمرها .....
منذ أن بدأت تعي لهذا العالم .... و وجه ليث كان مرافقا لها دائما ......
كان يحدثها في كل شيء .... يعلمها كل ما يستطيع , حتى أنه كان يجعل منها رجلا أكثر منها فتاة .....
يقص عليها ما يقرأ و يسألها عما قرات .....
يستفيض في الكلام معها في أمور تفوق عمرها .... دون أن ينظر اليها ....
كان دائما ينظر الى الامام وهو يتكلم معها ....
حتى تعودت على شكل وجهه الجانبي و هو يحكي عن أرضه و عائلة أمها ....
تاريخ هذه البلد .....
حتى وهو يعلمها مسك السلاح و التصويب به .... كانت ملامحه الجانبية شديدة البأس وهو ينظر دائما الى هدفه .....
تعودت أن تنظر اليه وهو يتكلم مسحورة ..... تراه وهو يصوب مفتونة بتلك القوة ......
لكن كان هذا منذ سنوات طويلة .......
الآن ..... عليها أن تراه كشخص آخر ..... كزوجها !!! .......
أغمضت سوار عينيها و هي تشعر بغصة مؤلمة في حلقها تكاد أن تشطره .... ثم همست بألم
( أنا آسفة يا سليم ....... أنا آسفة يا حبيبي ....... )
انتفضت سوار و هي تسمع طرقة هادئة على باب غرفتها ..... قبل أن يفتح و يطل منه من كان يحتل افكارها منذ لحظات ....
استقامت جالسة و هي تنظر اليه مرفوعة الوجه .... بينما بادلها النظر للحظة ثم قال بخفوت
( لقد جاء فريد لزيارتك ...... وهو معي خارج الغرفة , فضلت أن يصعد اليكِ هنا كي لا تتحدثا في الطابق السفلي ....... )
قفزت سوار من السرير و هي تهتف بلهفة و لوع
( فريد هنا !! ............. )
رمقها ليث بنظرة أخرى وهو يرى اللهفة على وجهها .... ثم ابتعد ليقول بهدوء
( تفضل يا فريد ..... ادخل ..... )
دخل فريد الى الغرفة وهو يقول مبتسما ....
( البيت يبدو كمغارة علي بابا ..... لولا وجود ليث أمامي لضللت طريقي في الوصول اليكِ و اتجهت للمطبخ مباشرة ....... )
تأوهت سوار بصوتٍ عالٍ و هتفت من أعمق اعماقها .... رامية كل دروعها الحديدية للحظة ...
( فريييييييد ............ )
ثم جرت اليه لتحتضنه بكل قوتها محيطة عنقه بذراعيها ....... سعل فريد وهو يقول باختناق
( ياللهي .... كنت قد نسيت مبلغ قوتك ...... الضرب و العناق لديكِ لهما نفس التأثير ....تصلب في مؤخرة العنق .... )
الا أن سوار لم تضحك ..... كانت فقط تشدد من عناقه أكثر .....
فأحاطها بذراعيه ليهمس لها برفق
( سوار ...... هل أنت بخير ؟؟ ....... )
دفنت وجهها في عنقه و تحول عناقها الى بكاء ناعم ..... سمعه بوضوح فرفع يده الى قمة مؤخرة رأسها و أخذ يمسح عليها برفق هامسا
( لا بأس حبيبتي ...... أنا هنا الآن ...... )
كان ليث واقفا مكانه ينظر اليهما بملامح متجهمة .... أما عيناه فكانتا قصة أخرى ......
كان ينظر الى ملكة عرش قلبه الأبية .... تبكي في حضن أخيها كطفلة ضائعة ......
أما بأحضانه فتتحول الى نمرة شرسة .... تقاومه بكل قوتها و كأنه عدوها .....
همس في داخله بصوت يفيض بالعشق
" آه يا ملكة الفؤاد لو تعرفين العرش الذي رفعتك اليه و لم تسبقك اليه أخرى .... لما تدللتِ و زدتِ من عنادك ..... الا ترأفين بحالي !! "
تنهد بنفسٍ مشتعل .... قبل أن يقول بخفوت أجش
( سأترككما يا فريد ..... لكن لا تتكلما بتفاصيل ..... )
نظر اليه فريد و أومأ برأسه دون أن يجيبه .... بل أخفض وجهه و أراح ذقنه على رأس سوار .... وهو يهمس لها
( أنا هنا ........... )
نظر ليث اليهما مرة أخيرة بصمت متجهم , قبل أن يخرج و يغلق الباب خلفه بهدوء .....
أما فريد فتابع بخفوت
( ليست سوار الرافعي هي من تنهار باكية مهما حدث لها ..... لقد تعلمت القوة منكِ ..... )
لكنها لم تتوقف .... لم تكن تبكي بصوت , لكن كتفاها تهتزان بقوة و هي تحاول جاهدة السيطرة على دموعها ....
لكن دموعها بللت كتف قميص فريد ... فرفع وجهها بكفيه بقوة ليقول ناظرا الى عينيها الحمراوين
( لقد رحل ...... انظري الى عيني و اسمعيني جيدا , لقد رحل من البلد الى الأبد .... و لقد تأكدت من ذلك بنفسي ....... )
كانت تتنفس بعنف .... مطبقة الأسنان و الدموع تتدفق من عينيها بغزارة ....
كانت كخصم شرس .... يتم تحفيزه لحرب عنيفة دون رحمة .....
بينما أعاد فريد على مسامعها ببطىء كي تستوعب
( لقد رحل ..... طلق زوجته و رحل للأبد ........ )
همست سوار من بين أسنانها و هي تتنفس بقوة
( لست راضية ........ لست راضية ....... )
قال فريد بوضوح وهو ينظر اليها
( أعرف ...... و لن ينتهي الامر عند هذا الحد ...... أعدك بذلك ..... )
أومأت سوار بحركة لا ارادية و هي تتنفس بعنف ....الا أن فريد لم يصمت بل قال
( أتتذكرين اليوم الذي صفعني فيه حين كنا صغارا ؟!! ...... أتتذكرين ماذا فعلتِ به يومها ؟!! ...... )
أومأت سوار بنفس الحركة المندفعة اللاارادية .... فتابع فريد بخفوت أمام عينيها
( لقد قفزتِ فوقه و أسقطتهِ أرضا .... و قبل أن يستوعب ما يحدث كنتِ قد أمسكتِ بأقرب حجر طالته يدك و ضربتِ رأسه به ..... لقد أوشكتِ على قتله , و أنا لم أتهاون معه .... أتتذكرين ؟ّ!..... )
أومأت سوار بوجهها مجددا .... فقال فريد بخفوت
( التقطتت خنفساء من الأرض و وضعتها في فمه ......... )
ابتسمت سوار رغم عنها .... ثم لم تلبث أن ضحكت من بين دموعها الغزيرة ....
أما فريد فلم يترك وجهها .... بل ابتسم وهو يقول بخفوت و حنان
( هذا أفضل ........ لن نتركه ...... أعدك ..... )
همست سوار بخفوت و هي تومىء برأسها ....
( لن نترك الكثيرين يا فريد ....... )
ضيق فريد عينيه وهو يقول بخفوت
( ماذا تقصدين ؟!! .......... )
لكن سوار لم تجبه .... بل نظرت الى وجهه للمرة الأولى منذ أن دخل الى الغرفة ..... فشهقت عاليا و هي تحيط وجهه بكفيها هاتفة
( ياللهي ..... ماذا فعل بك ؟!! ........ وجهك مكدوم و مصاب يا قلب أختك ..... )
همس فريد
( هشششش أخفضي صوتك ..... لا داعي لأن تذيعي خبر ضربي بين عائلة الهلالي بأسرها .... )
عقدت سوار حاجبيها و همست بشراسة
( و هل سمحت له بضربك ؟!! ......... )
ابتسم فريد و همس لها
( لم أحتاج الى مساعدتك هذه المرة ..... و ان اردت بعض التفاصيل , فلقد جلدته بحزامي الى أن ارتويت ..... )
برقت عينا سوار و همست بحذر
( حقا فعلت ؟!! ........ )
أومأ فريد برأسه و همس لها .....
( نعم ..... تحولت لمجرم بفضلك , و قد أعجبني الحال .... أفكر في تكرار الأمر مع كل من يضايقك .... لنخرج كبتنا و نسحق الأعداء ..... )
ابتسمت سوار بعطف و همست له ....
( سنفعل ........... )
قال فريد بجدية
( كفى كلاما , فقد تلقيت اكثر من تحذير من ليث كي لا نتابع الأمر هنا ...... )
عقدت سوار حاجبيها و تلبدت ملامحها و هي تقول بجمود
( انظر الى ما آل اليه حالي يا فريد ...... أنا محددة الإقامة , محددة الكلام .... محددة الغضب ..... هل تصدق ان من أمامك هي أختك فعلا !! ..... )
تنهد فريد ثم قال بخفوت
( آخر ما كنت أتمناه يا سوار هو أن تتزوجي بتلك الطريقة ..... لكن الوضع كان .... )
صمت وهو يميل بوجه ... يخفضه قليلا , بينما ابتسمت سوار بسخرية حزينة لتهمس
( سمعة أختك ....... أختك التي لم يتجرأ أحد من قبل على لمس طرف عبائتها ...... )
همس فريد وهو ينظر اليها
( هششششش .......... )
صرخت سوار فجأة و هي تدور حول نفسها بعنف
( ياللهي .......... لا أريد ...... لا أريد ....... )
فتح باب غرفتها فجأة .... و دخل ليث ليقول بخفوت آمر
( سأتولى الأمر من هنا يا فريد .......... )
عادت سوار لتدول حول نفسها بعنف و هي تصرخ
( تتولى ماذا ؟!! ....... لم أنهي كلامي معه بعد ....... )
قال ليث كلمة واحدة آمرة
( كفى .......... )
ارتد وجهها للخلف .... و اتقدت عيناها , أما فريد فقال
( اهدأ يا ليث ...... لا داعي لأن ....... )
قاطعه ليث قائلا بهدوء
( لا تقلق يا فريد ...... أنا أستطيع التعامل مع أختك ...... )
فغرت سوار شفتيها بجنون ثم لم تلبث أن ضحكت بعصبية ..... لكنها صمتت و هي تحاول التعامل مع حقيقة أن هذا ليث أصبح زوجها .... لن تستطيع مجابهته بكلمات وقحة , فرغم كل شيء ...
لم ترى أمها يوما ما قد قللت من احترام والدها حتى في لحظات خصامهما التي لم تتعدى حيز اللحظات أبدا ....
ضيقت عينيها فجأة و استدارت بعيدا عنهما و هي تشعر بالصدمة من نفسها ....
هل تقارن علاقتة الحب التي جمعت بين والديها ..... بعلاقتها مع ..... ليث !! ........
قال ليث أخيرا وهو يربت على كتف فريد
( سافر أنت يا فريد ...... و ثق أنني سأعتني بسوار كما لو كنت أنت من يراعاها و أكثر .... )
استدارت سوار مندفعة و هي تهتف
( هل ستسافر ؟!! ....... بهذه السرعة ؟!! ......... )
نظر اليها فريد و قال بخفوت
( يتحتم علي العودة ...... لكنني سأكون معكِ باستمرار .... سأقسم وقتي بين هنا و هناك ..... )
لم تجب سوار ..... بل أطرقت بوجهها بحزن , فتقدم منها فريد ليقول بخفوت
( سوار ..... لا أريد أن أرحل و أتركك و أنت بهذه الحال ........ )
رفعت وجهها اليه .... و مسحت المتبقي من الدموع على وجهها ..... ثم قالت بهدوء و قوة
( أنا بخير ....... كانت لحظة مشحونة لا غير ..... )
فتح فريد شفتيه ليتكلم ... الا انه عاد و أغلقهما وهو ينظر اليها مفكرا طويلا ثم قال أخيرا بخفوت
( هل أنتِ واثقة ؟!! ......... )
ابتسمت سوار و هي تبتلع ألمها ..... فاقترب منها ليقبل وجنتها ثم همس لها
( اعتني بزوجك أنتِ أيضا ........ )
عقدت سوار حاجبيها و امالت وجهها تنظر اليه ثم همست بتشنج متحفزة
( لماذا ؟!! ............ )
ارتفع حاجبي فريد ..... و قال بقنوط
( افعلي الخير و ألقي به في البحر ..... .... ما هذا السؤال الغبي بالله عليكِ ..... )
زمت سوار شفتيها و هي تهز رأسها قليلا .... فعلا ما هذا السؤال الغبي !!
لكن ليث يتعمد اثارة أعصابها ..... و يجبرها على التفكير في علاقتهما الجديدة في كل لحظة دون أن يسمح لها بالتهرب أو الرفض .....
ترى هل سيجبرها الليلة على مطالبه !! .......
و حتى إن انتظر ..... الى متى ؟!!! ........
لا تتخيل أن تفعلها .....
عقلها غير مستوعب و جسدها في حداد ..........
.................................................. .................................................. ......................
( مع من يا أمي ؟!!! ........ )
صرخ أمين بهذا السؤال و قد طارت البشاشة من وجهه ما أن سمع جواب أمه المتردد العفوي ......
تنهدت أمه مستشعرة قدوم المزيد من المشاكل الى هذا البيت و كل هذا بسبب ابنتها نورا .....
لا تنكر أنها قد تدللت كثيرا و أصبحت صعبة المراس ..... و منذ بداية مراهقتها و هي تتمرد على شقيقها الوحيد و تتعمد كسر أوامره ...
و هي لا تقوى على رفض طلب لها رغم كل شيء ... فهي ابنتها الوحيدة .....
جميلة و يليق بها الدلال ..... لكن في نفس الوقت يضايقها غضب أمين
هو رجل البيت و على أخته أن تنفذ اوامره ....
ردت أمه قائلة بخفوت و ندم
( نزلت لتجلس قليلا مع ....... جارتنا ياسمين .... )
لوح أمين بذراعيه بغضب وهو يهتف ناظرا للسقف بغضب
( مجددا !! ..... مجددا !!! ....... )
ثم اعاد نظره الى أمه التي ابتعدت عن مجال غضبه خطوتين للوراء .... بينما هتف بها
( كم مرة أمرتها الا تذهب الى تلك المرأة يا أمي ؟!!! ..... كم مرة و هي تكسر كلمتي و تذهب اليها مجددا دون علمي لأكتشف بعدها بمحض الصدفة !!! ..... )
رفعت أمه يديها محاولة تهدئته قليلا و هي تقول مترجية
( اهدأ قليلا يا حبيبي ..... الأمر لا يستحق كل هذا الغضب , و ما المشكلة لو تصادقت مع جراتنا و تزاورت معها لتفرج قليلا عن نفسها ..... هي لا تخرج مثل باقي صديقاتها في الجامعة ..... )
كان أمين ينظر الى أمه مذهولا من تخاذلها ... فهتف ما أن انتهت
( تلك الخرافات ... هي من أقنعتكِ بها ...... نورا لا ينقصها شيء و أنتِ تعلمين أنني أسمح لها بالخروج مع صديقاتها طالما أنها تعود في وقت مبكر .... لكن ابنتك لا تكتفي و تدعي الإحتجاز و القهر لمجرد أنها لا تستطيع الخروج معهن ليلا ...... )
قالت امه مجددا محاولة استعطافه
( حسنا .... معك حق , هي ليست مظلومة ..... لكن ما المشكلة لو اكتسبت صديقة من الجيران و تزاورت معها ؟؟ ...... )
هدر أمين بصوتٍ عالٍ
( ما المشكلة ؟!! .... تسألين ما المشكلة مجددا ؟!! .... هل ألصق لكم الأسباب على الحائط كي تحفظوها بدلا من التكرار ؟!! ..... أولا أنا لا أسمح بزيارات البيوت لأنني لا أضمن ما خلف الأبواب المغلقة .... ثانيا وهو الأهم .... هل يمكنك أخباري عن نوع الصداقة التي تجمع بين ابنتك طالبة الجامعة .... و امرأة تكبرها بما لا يقل عن ثمان سنوات .... و مطلقة و تسكن في شقة بمفردها ؟!!!!!! .... اي نوع من الصداقة المشتركة قد يجمع بينهما ..... و ما أدرانا بها و بأخلاقها و سبب طلاقها و سكنها في شقة بمفردها عرضة للأقاويل و المضايقات !! ...... الصداقة معها شبهة في حد ذاتها .... )
قالت أمه بصوت متضعضع ....
( لا يا ابني لا تظلمها منذ ان انتقلت الى البناية لم نسمع عنها ما يسيء ...... أنت لديك أخت فلا تظلم بنات الناس .... )
هتف أمين و قد نفذ صبره
( أنا لا أفتري عليها يا أمي و لا أدعي شيئا ..... لكن صداقة ابنتك مع امرأة مطلقة لا نعلم عنها شيئا و تسكن بمفردها أنا أرفضها تماما ..... هل كلامي مفهوم أم أعيده للمرة الألف ؟!! ...... )
أومأت أمه باستسلام و هي تقول
( نعم .... نعم مفهوم يا حبيبي , لكن هدىء أعصابك و لا تجعل شيء يعكر دمك ..... )
زفر أمين بقوة و هو يضع يده في خصره ... ثم لم يلبث أن هدأ من غضبه و قال
( حسنا .... اتصلي بها و اطلبي منها أن تأتي حالا ....... )
بدت أمه أكثر ارتباكا و تلجلجت و هي تقول
( لقد .... لقد اتصلت بها ثلاث مرات ... و كل مرة تخبرني أنها ستبقى معها دقائق فقط و تأتي .... )
زم أمين شفتيه وهو يرفع ذقنه ليقول بصوت صلب
( هكذا اذن ..... حسنا , أنا سأحضرها بنفسي ..... )
اندفع الى الباب ... بينما أمه تسرع خلفه هاتفة بقلق
( انتظر ... انتظر يا أمين و اهتدي بالله , دقائق فقط و ستجدها آتية بنفسها .... لا تحرجها أمام صديقتها ... )
الا أن أمين كان قد وصل للمصعد و ضرب أزراره بقوة ووقف منتظرا ....
هتفت أمه بهمس
( تعال يا ابني ...... سأتصل بها مجددا .... )
الا أن المصعد كان قد وصل و فتح أبوابه فقال أمين بخشونة
( لا داعي يا أمي ..... أنا سأتصرف معها ..... )
دخل الى المصعد و أغلق أبوابه بضربة من يده .......
وصل الى باب شقتها ... لكن و قبل أن يدق جرس الباب ... سمع صخبا و صوت أغاني عالية ....
بينما أصوات ضحكاتهما أعلى !!! ....
زم أمين شفتيه بغضب مكبوت أخذ يتزايد ثم دق الجرس .... و انتظر ....
مرت لحظات فلم يسمعه أحد مما جعله يشتم بغضب أكبر .... فدقه مجددا دون أن يرفع اصبعه ....
الى أن توقفت أصوات الموسيقى .... و تعالى صوتها من الداخل تقول
( حاضر ...... لحظة ..... لحظة ....... آتية .... )
سمع أصوات أقدامها تقترب جريا , قبل أن تفتح الباب و هي تتشبث به لاهثة ...
ثم لم تلبث أن اعتدلت و ابتسمت برقة ... بينما شاب وجنتيها احمرار زادها رقة .....
قالت ياسمين بتهذيب
( أهلا استاذ أيمن ..... خطوة عزيزة .... )
استدار أيمن عنها قليلا , بملامحه المتجهمة ثم قال بتحفظ دون أن يرد تحيتها
( أريد نورا من فضلك ........ )
اتسعت ابتسامتها قليلا ثم قالت بأسف
( هل تريدها في أمر و تتركها أم أتيت الى اصطحابها .... من فضلك دعها تجلس معي , لقد أعددنا العشاء للتو ..... )
قال أمين بصوت جاف ليس ودودا اطلاقا
( أتيت الى اصطحابها .... اخبريها رجاءا ..... )
بهتت ابتسامتها و نظرت اليه للحظة , ثم قالت بصوت منخفض و هي تطرق بوجهها
( لا بأس ..... لحظة واحدة ..... )
ابتعدت عن الباب المفتوح بينما وقف أمين وهو يتذمر بنفاذ صبر .... سبحان من ألهمه قوة السيطرة فلم يهينها أو يتهور في الكلام ...
عامة كلامه مع أخته و ليس معها .....
مرت عدة لحظات قبل أن تأتي نورا الى الباب و هي تلف حجابها على مضض تتبعها ياسمين الناظرة اليهما بصمت و قد اختفت ملامح الإبتسامة من وجهها ....
همست نورا من بين أسنانها
( أخبرت أمي أنني سأصعد من فوري .... لم يكن هناك داعٍ للقبض علي بهذه الطريقة .... )
برقت عينا أمين بغضب , الا أنه تمالك نفسه و قال بهدوء خطير
( كلامنا لن يكون هنا ..... كلامنا حين نصعد للبيت ...... هيا تقدميني .... )
رمقته نورا بنظرة لا تناسب فارق العمر بينهما ... الا أنها لم تكن من الغباء بحيث تجادله علنا , فهي تعلم أمين حين ينفعل و يفقد أعصابه
اتق شر الحليم اذا غضب ....
لذا زفرت بقوة و ابتعدت متجهة الى المصعد , و ما أن تحرك خلفها دون أي اهتمام بياسمين الواقفة في الباب ....
حتى نادته بصوت رقيق
( أستاذ أمين ....... )
توقف مكانه متصلبا .... ثم استدارينظر اليها نظرة شملتها كلها للمرة الأولى ....
كان يعرف شكلها ... الا أنه لم يدقق النظر بها من قبل ...
كانت بريئة الملامح جدا ..... ملامح هادئة لا تعرف الإنفعالات ... دائمة الإبتسام .....
و عينين تختلسان النظر بصورة مستمرة .....
قال أمين بجفاء
( نعم ........ )
ارتبكت ياسمين من صوته الجاف المهين , الا أنها ابتلعت اهانتها و قالت بخفوت
( أرجوك لا تعاقب نورا بسبب تأخرها عندي ..... لم يكن ذنبها , أنا من كانت تتمسك بها كلما حاولت أن تخرج ....... بصراحة سكنها معي في نفس البناية كان فرصة ممتعة جدا لي .... لم أتخيل أن نتصادق بمثل هذه السرعة .... لقد ملأت أوقات فراغي بروحها الحلوة المشاغبة .... )
استدار اليها أمين بكليته الآن ..... ثم رمقها بنظرة ألجمتها تماما قبل أن يقول بهدوء
( بما أنكِ تكلمتِ في هذا الموضوع من تلقاء نفسك , اذن اسمحي لي يا سيدة أن أنقل اليكِ وجهة نظري ..... أنا غير راض تماما عن صداقتك باختي نورا ..... )
أجفلت ياسمين بشدة و ارتد وجهها و هي تسمع تصريحه المفاجىء الصادم .... لكنها سيطرت على نفسها سريعا رغم كم الإهانة التي شعرت بها ..... و قالت بخفوت هادىء
( هلا تكرمت و أخبرتني عن السبب ؟؟ ....... )
رفع أمين اصابعه ليعدد عليها دون اضطراب
( أولا أنتِ أكبر منها بكثير .... امرأة عاملة و لديك ما يشغل وقتك و حياتك , أما المتبقي منها فهو وقت فراغ بعكس نورا التي تحتاج لكل دقيقة في الدراسة للتفوق .... ثانيا أنا أرفض الزيارات تماما .... ثالثا وهو الأهم أنتِ امرأة متزوجة أي أن اهتماماتك مختلفة عن اهتماماتها .... )
ارتفع حاجبي ياسمين و هي تنظر اليه بصمت عنيف بعد تلك القائمة التي ألقاها على مسامعها للتو ... بينما تجمدت ملامحها تماما .....
ثم قالت أخيرا بجمود
( أنا لست متزوجة ......... )
رفع أمين وجهه ينظر اليها مقيما ... ثم قال أخيرا بهدوء
( مطلقة اذن ..... لقد تجنبت ذكرها كي لا أجرحك ........ )
ابتسمت ياسمين ابتسامة لم تصل الى عينيها المنكسرتين قليلا قبل أن تقول بنبرة ساخرة قليلا
( بك الخير ........ شكرا لمشاعرك الطيبة .... )
صمتت للحظة و هي تلتقط أنفاسها لتتحمل شدة احراج هذا الموقف .... ثم قالت أخيرا بهدوء خافت
( اذن اختصارا لكل ما عددته على مسامعي ..... انت ترفض صداقتي لها لمجرد أنني مطلقة ..... اليس هذا هو الأصح ؟!! ...... )
قال أمين بلا حرج و دون تردد
( نعم ...... هذا هو السبب دون تجريح أو اهانة ..... )
ابتسمت ياسمين مجددا و هي تبتلع غصة في حلقها ثم قالت بخفوت ساخر
( ألم أقل لك أن بك الخير !! ...... لكن ما مشكلة المطلقة في وجهة نظرك ؟!! ...... أليست انسانة تحتاج الى الصداقة و الضحك و المرح مثل باقي البشر ؟!! ..... )
قال أمين بنفاذ صبر
( من فضلك اعفيني من محاضرة حقوق المرأة .... لست هنا بصدد المناقشة و الحوار و الجدال الذي لا طائل له ..... أنا هنا لأضع النقاط عل الأحرف و انهي هذا الأمر .... )
قالت ياسمين بصوت مهتز منفعل قليلا
( تقصد لتنهي هذه الصداقة ....... الا ترى أنك تبالغ في حماية أختك !! ...... فتاة في مثل عمرها لم تعد طفلة و تستطيع التمييز بين العلاقات النافعة و العلاقات الخطيرة ...... لا أصدق أن رجلا بمثل ثقافتك و تهذيبك يمكنه تقرير نوعية الصديقات المسموح بها لأخته !! .... )
قال أيمن ببرود صارم
( صدقي أذن ...... من فضلك اقتصري في علاقتك بها على التحية فقط و لا تتداخلا أكثر .... )
و دون أن يسمح لها بالمزيد من الجدال تركها و اتجه الى المصعد .... الا أنها نادته أخيرا , لتقول بهدوء
( على فكرة ..... أنا لست من المتشدقات بحقوق المرأة في كل مناسبة .... و لست حتى من مناصارت المساواة بين الرجل و المرأة ..... أنا أؤمن تماما أن الرجل رجل و المرأة مراة ..... هو أقوى, له حق طاعته وواجب حمايتها ...... )
استدار لينظر اليها نظرة متفحصة .... فارتبكت و احمر وجهها الرقيق حتى أنها أخفضته و هي تتشبث بباب شقتها .... لكن أمين قال في النهاية ببرود
( جيد لكِ ..... حافظي على افكارك اذن لنفسك و ابتعدي عن أختي ..... )
امتقع وجه ياسمين بشدة .... بينما وقفت مكانها و هي تراه يستقل المصعد و يغلق أبوابه أمام وجهها ......
فغرت شفتيها تريد الصراخ ...
" لماذا صمتت ؟!! ...... لماذا لم ترد عليه بما يستحقه ؟!! ..... بل ما سبب جملتها المجنونة الأخيرة ؟!! ما الذي كانت تريد اثباته له ؟!!! ...... "
دخلت ياسمين الى شقتها و صفقت الباب ... و هي تصرخ عاليا
( غبية ..... غبية ..... غبية ........ )
.................................................. .................................................. ......................
صعد فريد السلالم القليلة للبناية العالية التي يقطنها أمين .....
لقد اعتاد حين يعود الى المدينة .... يتجه الي بيت أمين مباشرة حيث تقوم زوجة عمه باطعامه ما لذ و طاب .....
كان يعتبرها وزارة التموين الغذائي له في الغربة .....
هي تسعد باطعامه وهو يشاركها نفس السعادة .....
و كعادته ابتعد عن المصعد و اتجه الى السلالم يصعدها كل درجتين معا ......
لم تكن شقة أمين في طابق عالٍ و هو يحب السلالم أكثر من المصاعد البالية ......
وصل فريد الى الطابق الثالث وهوا يتابع صعوده كالفرس الجامح .... لم يدرك فجأة أن هناك فتاة شابة كانت تخرج علب البيتزا الفارغة لتضعها في صندوق القمامة المخصص بجوار السلالم ....
فارتطما سويا .....
تراجع فريد عدة درجات للخلف الا أنه لم يسقط .... أما الفتاة فكان حظها أسوأ ..... فقد وقعت أرضا و أسقطت علب البيتزا الفارغة .. حولها ....
استعاد فريد وعيه سريعا و أسرع في الإقتراب منها ليقول بقلق
( آنسة ..... هل أنتِ بخير ؟!! ....... هل تأذيتِ ؟!! ...... )
كانت تحك جبهتها حيث ارتطمت بكتفه بقوة .... بينما لم تجبه .....
فزداد انعقاد حاجبيه وهو ينحني جاثيا على عقبيه بجوارها ... هامسا
( هل تأذيتِ يا آنسة ؟!! ............ )
ظن أنها ستتجاهله بسبب اسقاطه لها أرضا ..... لكنها رفعت وجهها في النهاية ....
شعر فريد بالصدمة و هو يرى الدموع تنساب من عينين غاضبتين منكسرتين ..... بنيتين بلون القهوة الدافئة ....
فقال بقلق أكبر
( هل آذيتك ؟!! ......أنا آسف ... . لم أظنها وقعة شديدة ؟!! ...... )
أدركت الفتاة نفسها ثم أسرعت في النهوض من مكانها و هي تنفض ملابسها البيتية الطفولية رغم أنها تبدو ناضجة شكلا و قواما ..... ثم قالت بهدوء متجنبة النظر اليه
( لا ..... لا أنا بخير .... لم يحدث شيء , لم أكن منتبهة ..... )
حاولت الإنحناء لإلتقاط علب البيتزا الفارغة .... الا أن فريد سبقها وهو يقول
( دعيها أنا سأجمعها .......... )
اعترضت الفتاة و هي تقول
( لا حقا ...... أنا سوف ...... )
لكن فريد كان قد جمعها ووضعها في الصندوق و أنهى الأمر .....
ثم استدار لينظر اليها وهو ينفض يديه قائلا
( أرجو أن تكوني بخير فعلا ....... )
ارتبكت الفتاة الشابة و هي تقول
( أنا فعلا بخير ..... شكرا لك و أعتذر عن ..... )
كانت قد رفعت وجهها و هي تتكلم الا أنها ما أن رأت وجهه حتى صمتت و شهقت قبل أن تقول
( ما هذا الذي بوجهك ؟!!! ....... هل أنا السبب ؟!! ..... هل آذيتك ؟؟!! .... )
ارتفع حاجبي فريد ....
" ما شاء الله .... ذكاء متقد !!! ..... "
ارتطم وجهها بكتفه .... فانتقلت الإصابات الى وجهه بأعجوبة !! .....
لكنه رمش بعينه ثم قال بهدوء
( لا ..... هذا شجار خارجي لا دخل لكِ في توابعه ..... )
ظلت تراقبه بشك و هي تتفحص اصاباته بعينيها .... مما منحه الفرصة كي يتأملها هو الآخر ....
بشعرها البني بنفس لون عينيها و المجموع في ذيل حصان خلف رأسها ......
كانت ممتلئة القوام قليلا .... الا أنها أكثر جاذبية بهذا الإمتلاء !! .....
زم فريد شفتيه و أخفض عينيه ثم قال متنحنحا
( حسنا ..... سررت بلقائك و إن كنت أتمنى أن يكون في ظرفٍ أفضل من هذا ..... )
أومأت الفتاة برأسها ثم استدارت عنه تتجه الى شقتها دون أن تجيب ....
الا أنه ناداها فجأة .... فاستدارت اليه بدهشة
حينها بدا و كأنه قد ارتبك قليلا , قبل أن يقول
( لماذا كنتِ تبكين اذن ؟!! ....... )
ارتفع حاجبي الفتاة و هي تسمع هذا السؤال الفضولي الذي غادر شفتيه دون تفكير .... فعقد حاجبيه وهو يشتم بداخله ....
" حسنا ذكائك غلب ذكائها !!! ....... لقد انتقلت لك العدوى منها .... "
حاول تدارك الموقف فقال ملوحا بيده مدعيا اللامبالاة ... و الإهتمام العطوف ليس غير
( أقصد ..... هل أنت متأكدة أنني لم أؤذيكِ ؟!! ....أنا طبيب بالمناسبة .. )
ابتسم لها و انتظر ..... لكنها ظلت تنظر اليه رافعة حاجبيها دون اجابة ....
فقال بخيبة أمل
( سررت بلقائك ........ فرصة سعيدة .... )
ثم نزل السلالم وهو يشتم الغباء بكل أصنافه ..... توقف بعد عدة درجات ليدرك أنه صاعد و ليس نازلا!! ..... فشتم مجددا ليستدير و يصعد السلالم ....
الا أنها كانت واقفة في باب شقتها لم تغلقه بعد ....
حين رأته صاعدا توقفت قبل أن تغلق الباب و قالت بحيرة
( هل أوقعت شيئا ؟!!! ......... )
زم فريد شفتيه ..... و قال من فوق كتفه وهو يتجاوزها ليصعد الطابق التالي
( أنا كنت صاعدا ....... فرصة سعيدة .... )
ارتفع حاجبيها ثم قالت تناديه
( المصعد يعمل .......... )
لكنه كان قد اختفى عن عينيها .... الا أن صوته وصلها من اعلى
( أحب صعود السلالم أكثر ....... )
ارتفع حاجبيها أكثر , ثم هزت رأسها و هي تتراجع لتدخل شقتها هامسة
" و لما التعب ؟!! ...... أنا أشعر بالإرهاق بعد فتح النافذة !! ....أصحاب العقول في راحة !! ... "
.................................................. .................................................. ................
وصل فريد الى شقة أمين لكن و قبل أن يدق الجرس .....
سمع صوت شجار و صياح ....من الواضح جدا أنها كانت أصوات أمين و أخته المجنونة نورا ...
فعقد حاجبيه و همس بتوجس
" شجار !! .....و على الأرجح عمتي أم أمين تبكي بينهما الآن ... هل هذا يعني أنه لا طعام اليوم ؟!! ... "
دق الجرس بعدم ارتياح ..... و انتظر الى أن فتحت أم أمين الباب ...
فابتسم فريد و فتح ذراعيه قائلا بسعادة
( خالتي أم أمين ......... مضى ثلاثة أيام منذ أن تناولت الطعام من يديك الحبيبتين .... )
نظرت اليه أم أمين لحظتين قبل أن تخرج منديل من جيب عبائتها لتضعه على عينيها و تنفجر في البكاء ....
أسقط فريد ذراعيه وهو يقول بخيبة أمل
( كنت أعرف ........ )
ابتعدت عنه أم أمين فدخل فريد و أغلق الباب خلفه قبل أن يتنحنح بصوت عالٍ مناديا
( أمين يا ابن عمي المفضل .... أنا هنا , هل أدخل ؟!! ...... )
خرج أمين من احدى الغرف مكفهر الوجه ... صارخا بعلو صوته
( و إن تجرأت و رفعت صوتك مجددا فسوف أضربك المرة المقبلة ....... )
ثم نظر الى فريد قائلا بعنف
( أهلا يا فريد ..... تعال أدخل ......... )
دخل فريد وهو ينظر حوله بحذر .... ثم قال بحرج
( أشعر أنني قد جئت في وقت غير مناسب ........ )
رد عليه أمين وهو يتنفس بغضب
( البيت بيتك في أي وقت ...... إنها الخلافات المعتادة , .... فتاة مدللة عديمة التربية و طويلة اللسان ... )
تعمد أن يصرخ بكلماته الأخيرة ... حتى تسمعها نورا ....
فنظر فريد الى حيث كانت نورا واقفة في أحد الغرف و هي تهتف بعنف مماثل
( ليس لك الحق أن تتحكم في حياتي بتلك الصورة ..... )
صرخ امين بقوة جهورية
( سأتحكم بها و أكسر عنقك أيضا ....... )
ثم التفت الى فريد و ربت على كتفه قائلا وهو يلهث بعنف
( أنرت بيت ابن عمك يا فريد ..... تعال و اجلس ..... )
سحب فريد أحد كراسي مائدة الطعام و جلس و جلس أمين بجواره ليقول باهتمام
( ماذا حدث ..... لماذا عجل جدي بزواج أختك حتى أننا لم نحضر عقد القران ..... لقد استائت أمي جدا من الوضع ...... )
فتح فريد فمه ليرد ... الا أن نورا صرخت فجأة تقاطعه بجنون
( لقد سئمت .... سئمت .... سئمت من كل حياتي .... )
نظر اليها فريد عاقدا حاجبيه بتوجس .... فصرخ أمين من مكانه دون أن يستدير اليها
( لو قمت لكِ لن تسئمي منها فقط .... بل ستفقدينها ..... لملمي نفسك و اخرسي .... )
ثم نظر الى فريد و قال بجدية
( ماذا كنت تقول ؟!! ........ )
رمش فريد بعينيه و هز رأسه كي يحاول استعادة ما حضره كي يقول لأمين بشأن زواج سوار السريع ....
ثم قال أخيرا بخفوت
( أنا أشعر والله أعلم ... أنني قد أتيت في وقت غير مناسب ......... )
رد أمين بقوة و أنفاسه تهدر كألسنة اللهب
( لا تقل هذا يا رجل ..... البيت بيتك , الا تعرف ابنة عمك .... لقد أفلت عيارها لكنني لها .... سأربيها من جديد ..... )
صرخت نورا من الداخل بجنون
( أنا تربيتي أفضل من الجميع ......... )
نظر أمين الى فريد و قال بجدية و بصوت خافت وهو يميل اليه ...
( فريد ...... بكل صراحة لن يردعها ما هو أفضل من الزواج و أنا لن أجد من هو أفضل منك لها .... )
سعل فريد بكل قوة وهو ينظر الى امين بعينين واسعتين .... قبل أن يعيد عينيه الى نورا التي صرخت من جديد ....
( سأحرق نفسي ..... لترتاحوا مني جميعا ...... )
ظل فريد ينظر اليها بارتياع .... بينما همس له أمين بخفوت
( لقد أردت أن أعرض عليك الأمر منذ فترة ..... خاصة و أنني سمعت بعض التلميحات عن نية زاهر في التقدم لخطبتها ..... وهو يكبرها بالكثير و ...... )
قاطعه فريد وهو يقول بقوة
( مهلا مهلا ....... هل تتكلم بجدية ؟!! ...... )
قال أمين بخفوت
( أخفض صوتك ...... أنا أتكلم بجدية تماما , المثل يقول اخطب لأختك و لا تخطب لأخيك .... )
عقد فريد وهو ينظر بعيدا محاولا تذكر المثل ..... ثم قال
( لا أعتقد أن المثل كان يقول هذا ......... )
قاطعه أمين ليقول بخفوت
( بيني و بينك أنا رافض فكرة زواج زاهر من نورا تماما ..... أريد لها من هو أفضل و أريدك أن تسبقه كي لا أقع في حرج الرفض ...... )
ابتسم فريد بصعوبة .... لكنه انتفض من مكانه على صوت أمين الذي صرخ فجأة
( الى اين أنت ذاهبة ؟؟؟؟ ......... )
كانت نورا متجهة بكل عنف الى باب الشقة .... كالقطار الأعمى .....
فهتفت دون أن تنظر اليه ....
( لقد نسيت حقيبتي في شقة ياسمين ...... سأنزل لأحضرها .... )
قفز أمين من مكان ليمسك بذراعها و يدفعها بعيدا وهو يهدر بصوت جهوري
( أقسم بالله لن تخرجي من هذا البيت الا و سأكون ضاربك حتى تصرخين طلبا للرحمة ..... )
صرخت نورا و هي تضرب الأرض بقدميها
( قلت لك نسيت حقيبتي عندها .... بها هاتفي و محفظتي و كل شيء ..... كيف أتركها !! ..... )
هدر أمين بها صارخا ....
( لن تنزلي و هذه هي النهاية ......... )
ثم استدار ناظرا الى فريد و قال بعنف
( فريد من فضلك ...... هلا نزلت و أحضرت الحقيبة , لأنني لو نزلت الى تلك المرأة فسوف أرتكب جناية ...... )
نهض فريد من مكانه وهو يحك شعره قائلا بعصبية
( أنا أشعر والله أعلم أنني قد أتيت في وقت غير مناسب ....... )
الا أن أمين هدر بقوة
( الطابق الثالث ..... الشقة المواجهة للسلم مباشرة ...... )
.................................................. .................................................. ......................
وقف فريد أمام الشقة التي دخلتها الشابة التي ارتطم بها منذ قليل ....
و على الرغم من شعوره برغبة خفية في رؤيتها مجددا .... الا أنه كان يشعر بالحرج , ما المفترض به أن يقول ؟!! .....
" عمتي تسلم عليكم و تخبركم أن لدينا حقيبة وقعت منا عندكم ؟!! ..... "
زفر فريد بقوة و همس بنفاذ صبر
( الإنسان أحيانا .... تدفعه معدته للإقدام على تصرفاتٍ يستحق عليها الرمي بالقباقيب ..... )
أخذ نفسا عميقا ثم رفع اصبعه ليدق جرس الباب لكن و قبل أن يمسه .... سمع صوت هتافها الغاضب من الداخل
" متخلف ...... متخلف " .....
أبعد فريد اصبعه و ارتفع حاجبيه ليرهف السمع جيدا .... محللا الإحتمالات
" هل معها شخص متخلف في الداخل ؟!!! ...... "
" هل تتحدث في الهاتف مع شخص متخلف ؟!! ..... "
" هل لا تزال تفكر به منذ أن تركها ... و تنعته بالمتخلف ؟!!! ....... "
عقد فريد حاجبيه وهو يقول بارتياب
( لا ..... بالطبع لا ........ )
أغمض عينيه وهو يتذكر عبارته الأخيرة المتملقة بابتسامته الحمقاء
" أنا طبيب بالمناسبة .......... "
من أغبى طرقه الذكورية في التعارف على الإناث ...... لقد أحرز هدفا في أكثرها فشلا ....
فتح عينيه و اخذ نفسا ثم دق الجرس و انتظر الى أن فتح الباب بعنف .... ووقفت أمامه ....
ابتسم فريد فجأة .....
لا يعلم لماذا ابتسم .....
وجهها له براءة متوردة ..... و شعرها البني أسدلته الآن على كتفيها ......
قالت ياسمين بدهشة ما أن استوعبت وجوده ...
( أنت مجددا !! ........ هل أضعت العنوان ؟!! ..... أخبروك أين ؟!! ..... )
لم يرد فريد على الفور .... بل ظل واقفا مكانه مبتسما برقة و يداه في جيبي بنطاله الجينز ينظر الى هذا الوجه القريب للنفس .... ثم قال أخيرا بنفس الإبتسامة
( عمتي تسلم عليكِ و تخبرك أن ابنتها نست حقيبتها عندكم ....... )
.................................................. .................................................. ......................
مضى يومان على رحيله ....
تاركا الشقة خاوية و كأن الرياح تصفر بها .....
مخلفا موجة من البرود و الصقيع .... بينما كان وجوده شيئا آخر ......
أغمضت تيماء عينيها و هي تستند برأسها الى اطار النافذة و هي تمسك بين كفيها بكوب القهوة ....
منذ يومين تركها .... و سافر ....
بعد ان أنحنى اليها و هي جالسة في بقعتها المفضلة من أريكة غرفة الجلوس .... حيث كانت رافعة ركبتيها الى صدرها تكتف ذراعيها من حولهما ....
رفع ذقنها اليه و همس الى عينيها
( أنا يجب أن أغادر الآن ...... )
ردت تيماء عليه دون أن تنظر اليه ... بل كانت تنظر الى الأمام بلا حياة
( نعم ...... )
ظل قاصي ينظر اليها قليلا ... ثم همس لها بخفوت وهو يجثو بجوارها ممسكا بذراع الأريكة
( أنا مضطر للذهاب .... لكنني سأعوض لكِ غيابي ..... )
نظرت تيماء اليه بصمت طويلا ثم قالت بخفوت
( لا أحتاج الى تعويض يا قاصي ..... لو تقبلت تعويض عن كل مرة تكسر بها قلبي ,,, فستمضي المتبقي من حياتك في محاولة تعويضي ..... فقط اذهب , أنا بخير و لست معترضة .... )
عقد قاصي حاجبيه و نظر اليها بنظرة لم تغادر تفكيرها حتى الآن .... ثم قال لها بصوت عميق
( لستِ معترضة ؟؟ ...... هل أفهم من ذلك أنكِ قد تقبلتِ زواجنا بكل ظروفي ؟؟ ..... لن تهربي مني و لن تحاولي الإنفصال عني ؟؟ ..... )
ابتسمت تيماء بحزن ... ثم همست و هي تنظر أمامها
( نعم يا قاصي ...... لقد اخترتك و تقبلت زواجنا بكل ظروفك ..... نعم لن أهرب منك و لن أحاول الإنفصال عنك ......... )
اندفع قاصي ليقف ثم جذبها بين ذراعيه الى ان رفعها عن الأرض وهو ينهي كلماتها الخافتة .... بكل شوقه لتلك الكلمات التي طال انتظاره لها ....
لقد اتخذت قرارها العفريته الصغيرة .... جنيته كما يحب أن يلقبها ....
و ضمن بقائها معه للأبد ...
رفع وجهه عنها ... محمر القسمات , مشتعل العينين ثم همس لها بصوت أجش
( لو كان الأمر بيدي لما تركتك الآن ........ )
الا أنها همست له بخفوت و دون أن تبتسم بشفتيها الحاملتين دمغة شفتيه القاسيتين
( يجب عليك الذهاب لأبنك ..... هيا اذهب ..... )
نظر قاصي اليها بصمت و في عينيه نظرات رفض قوي .... لكن بعمقهما صراع أقوى ....
ثم قال أخيرا
( لن أغيب عنكِ طويلا ....... )
أومأت تيماء دون أن ترد .... بينما عيناها الفيروزيتان تنظران اليه بحوارٍ طويل طويل .... لم يستطع تفسيره ....
بدا مترددا وهو يقول
( هل ستكونين بخير ؟؟ .......... )
عادت لتومىء برأسها ... ثم قالت بخفوت
( لطالما كنت بخير .... لا تقلق ... )
جذبها اليه ليقبلها مرة أخيرة بكل عنف , قبل أن يبعدها عنه ثم يغادر ... كعادته دائما .....
و ها هما اليومان يمران كعامين .....
عامين و هي تسمع صوته في أرجاء شقتها الصغيرة ..... تستشعر لمساته على جسدها ليلا فتنهض من نومها مفزوعة تنادي عليه ....
و على الرغم من مدى شوقها المضني له , الا أنها لم تجب أي من اتصالاته .... و لا حتى رسائله ....
و آخر رسالة كانت بالأمس حادة و غاضبة
" ردي يا تيماء ..... لا تفعلي بي هذا , طمئنيني أنكِ تنتظريني .... "
حينها فقط أرسلت كلمات مختصرة موجزة
" أنا بخير ..... و لن أذهب لأي مكان ...... "
أرادت ان تكون الأخيرة منه فعلا .... الا أنها كانت بداية واحدة أخرى .... غريبة و كأنها بنبرة صوت مختلفة له ....
" أريد أن أرى النجوم في عينيكِ من جديد .... فهل أستطيع ذلك ؟!! ... "
نظرت تيماء الى الرسالة في الظلام ... محدقة في الشاشة طويلا .... لا تعلم ماذا تكتب و بماذا تجيبه ...
الا أن أصابعها كتبت في النهاية
" لا أظن هذا ممكنا .... اقبل بي هكذا كما قبلت بك ..... "
ثم اغلقت هاتفها و اغمضت عينيها و هي تدس وجهها في وسداتها , مستسلمة لتلك الوحدة الإجبارية المفروضة عليها منذ مولدها .....
كم شعرت بالوحشة ليلة أمس و كم تمنت وجوده ....
و ما أصعب من أن تشتاق اليه و لا تمتلك القوة لتنطق بهذه الكلمات ....
و كأن النطق بها يعريها أمام نفسها و يكشف لها بأي مقدار مخزي استسلمت ......
لقد نامت و كلمات الشوق تحرق حلقها .... حتى أنها أمضت الليلة كلها بين ذراعيه في أحلامها فقط ....
لم ترى أي كابوس على غير العادة ...
بل كانت ترى ابتسامته ... و عينيه الضاحكتين في لحظاتٍ نادرة ....
دفىء صدره وهو يضمها اليه فتشعر حينها أنها قد عادت الى بيتها .....
و ها هي الآن تفيق على الواقع الموحش في غيابه .....
أغمضت تيماء عينيها في لحظة ألم ظنت معها أن قد تنفجر في البكاء مع أول حركة ...
لكن صوت خلفها جعلها تفتحهما مجددا على اقصى اتساعهما ....
لتستدير بكل عنف أدى الى انسكاب كوب القهوة على بساطها الفاتح ....
لكنها لم تهتم , بل كانت عيناها تنظران بذهول الى باب شقتها الذي فتح و أذنها تلتقط صوت المفتاح و كأنه لحن صاخب ...
و لم تكد تمر لحظة حتى رأت قاصي يدخل الى الشقة ببساطة , ثم رفع عينيه الى عينيها مباشرة ...
فتوقف مكانه و ابتسم ......
كانت ابتسامة من وجد ضالته ...... ابتسامة رجل لم يظن أن يعود ليجد زوجته في انتظاره ...
كانت تيماء هي أول من تكلم .... فهمست بتعجب
( قاصي !!! .......... )
برقت عيناه وهو يلتقط همسها المشتاق ..... فقال بصوت أجش من أعماق حنجرته
( نعم قاصي ........ )
بدت مرتبكة و خجولة كطفلة صغيرة ......
لكن خجلها لم يكن خجل امرأة أمام رجل ..... بل خجل من أن يظهر على وجهها عنف المشاعر التي اكتنفتها في تلك اللحظة ...
خجل من أن يرى مدى استسلامها في عينيها .....
لم يكن قد أغلق الباب بعد وهو يقول بخفوت ناظرا الى عينيها بدقة
( هل اشتقتِ الي ؟!! ........... )
رمشت بعينيها الا أنها هزت كتفها باشارة لا مبالية .... لكن لسانها لم يستطع الكذب لذا امتنعت بمعجزة عن الصراخ عاليا
" نعم اشتقت اليك .... و ربي اشتقت اليك أكثر من حنيني لأي مخلوق في هذا العالم ... "
رفع قاصي حاجبه بعدم رضا وهو ينظر الى برودها ... و عيناها الواسعتين بجمود و كأنهما منحوتتين من زجاج صافي ....
لكنه ابتلع رأيه ثم قال بصوت مرح
( لم أحضر وحدي ...... بل أحضرت معي ضيفا لكِ ...... )
رمشت تيماء بعينيها و هي تحاول استيعاب ما نطق به للتو ..... و من ملامحه رأته أنه لا يمزح ....
فقالت بعدم فهم
( أحضرت ...... ضيفا ؟!! ....... الى شقتي ؟!! ...... )
أومأ قاصي بوجهه مبتسما و عيناه تعبثان بها عبثا يقلب الكيان رأسا على عقب ... ثم لم يلبث أن قال بهدوء مناديا من خلف كتفه
( اظهر و بان ........... )
رأت تيماء عاصفة هوجاء صغيرة تندفع الى داخل شقتها ..... ففغرت شفتيها و هي ترى الصغير ذو الشعر الناعم يدور في أنحاء غرفة الجلوس وهو يهتف عاليا بازعاج
( مرحبا تيماااااااااااااااااااا ........... )
ظلت على وضعها تنظر الى ما يحدث بذهول ...... حيث كان عمرو يمرح في كل مكان قبل أن يصعد الى أريكتها ليقفز عليها .....
فناداه قاصي بصرامة وهو يغلق الباب
( لا تقفز على الأريكة ............ )
توقف عمرو على الأريكة .... الا أن قاصي تابع بنفس الجدية
( الا بعد أن تخلع حذائك .......... )
قفز عمرو جالسا على الأريكة و خلع حذائيه ... ثم عاد للقفز مجددا ....
أما قاصي فدخل و رمى مفاتيحه على الطاولة قبل أن يتجه الى تيماء بخطوات واسعة و عيناه على عينيها المذهولتين ....
الى أن وصل اليها و دون أن يسمح لها بالإعتراض كان قد جذبها اليه ليكمل قبلة كان قد تركها على شفتيها عند رحيله ....
أغمضت تيماء عينيها لعدة لحظات ... دائخة من هول ما يحدث , لكنها انتفضت و حاولت الابتعاد عنه هامسة باعتراض
( ابنك هنا ..... توقف ...... )
رفع قاصي وجهه على مضض و نظر للخلف الى ابنه الذي كان يقفز في عالم آخر .... ثم اعاد وجهه اليها بكسل و رضا قائلا بعبث ساخر
( انه لا يشعر بشيء ..... ثم أنه سيتعلم آجلا او عاجلا أنه هناك في الحياة ما هو أجمل طعما من الحليب بالفراولة .... )
زمت تيماء شفتيها و انتزعت نفسها من بين ذراعيه بصعوبة .... فقد كانت أقصر منه و كل مصارعتها لا تتعدى جزءا من صدره ....
فأبقى على قيدها لعدة لحظات .... يتسلى بها ضاحكا قبل أن يحررها بارادته ... فعدلت ملابسها و هي تزفر بغضب ثم همست من بين أسنانها بعينين مشتعلتين
( هل أحضرت ابنك معك فعلا ؟!! ........ الا ترى أنك تضغط علي أكثر من اللازم ؟!! ..... )
ارتفع حاجبي قاصي باستفزاز ثم قال بخفوت وهو يميل بوجهه اليها
( ظننت أنكِ تودين رؤيته مجددا بعد أن قويتِ علاقتك به أثناء خطفك له يا معتوهة ..... كما أنه لم يكف عن السؤال عنكِ من يومها ؟!! ...... )
صمت قليلا وهو ينظر الي عينيها ثم همس بصوت أجش
( ماذا فعلتِ للولد فسلبتِ لبه كما فعلت مع والده ؟!! ...... جنية أنتِ ؟!! ...... أم فاكهة حلوة المذاق ؟!! .... )
اضطربت ملامح تيماء قليلا و تراجعت خطوة ... الا أنه اقترب منها تلك الخطوة وهو يراقبها بلا حياء ...
ثم قال أخيرا بخفوت
( ثانيا وهو الأهم ..... لقد كررتِ على مسامعي أنكِ لست مولعة بالقرب مني , و أنا كرجل في شهر العسل , ينحصر تفكيري عادة في اتجاه واحد .... لذا قررت الحصول على عامل لإلهائي عنكِ قليلا الى أن ...... )
صمت عن قصد .... فرفعت تيماء عينيها اليه محمرة الوجه .... و همست عابسة
( الى ان ... ماذا ؟!! .......... )
ابتسم قاصي بخبث و قال ببساطة
( الى ان تصبحي مولعة بالقرب مني ......... )
زفرت تيماء بضيق كاذب .... بينما صدرها يدق بطبولٍ مجنونة .....
استقام قاصي ووضع يديه في حزام بنطاله قبل أن يقول بصوت مرح صاخب
( ثالثا وهو أهم من المهم ........... )
صمت كي يحصل على اهتمامها , فرفت تيماء عينين متجهمتين اليه و زمجرت بخشونة
( ما هو الأهم ؟؟!! .......... )
لمعت عيناه وهو ينظر اليها طويلا ثم قال ببساطة رغم نظرات عينيه الكاسحة
( ثالثا .... انني أريد أن أرى النجوم في عينيكِ ....... )
أجفلت تيماء من بساطة العبارة التي أرسلها لها في رسالة ..... بينما بدت كموجة اجتاحتها و هي تسمعها منطوقة .....
ارتجفت شفتيها قليلا .... لكنها سيطرت على نفسها و قالت بجمود
( و هل سترى النجوم في عيني .... عن طريق مجيئك بابنك الى هنا ؟!! ...... )
هز قاصي رأسه نفيا ببطىء وهو يبتسم لعينيها المتجهمتين .... ثم قال بصوت عابث
( سلميني نفسك اليوم ......... )
تسارعت دقات قلبها بسرعة أكثر من الحد المسموح به للسلامة العامة .... و ارتبك كيانها و اضطربت أنفاسها ....
لكنها لن تسمح له بأن يتلاعب بها بطريقة المراهقين تلك ....
فرفعت ذقنها و جذبت سترتها لأسفل و هي تقول بهدوء
( آسفة جدا ...... كنت ذاهبة للكلية الآن , لكن لا تدعاني أعطلكما عن مشاريعكما ..... و عامة اعتبرا نفسيكما في بيتكما و خذا راحتكما .... )
حاولت التحرك و تجاوزه ... الا أن قبضته امتدت و امسكت بذراعها ليمنعها من الإبتعاد ....
و ظل صامتا الى أن اضطرت لرفع عينيها الى عينيه .... حينها قال بخفوت آمر .... هادىء وواثق
( لن تذهبي للعمل اليوم ...... انتِ آتية معنا ...... )
هزت تيماء رأسها نفيا قبل حتى أن يتم كلامه ...... ثم قالت بعنف
( لا .... لن أتغيب عن محاضراتي لأي سبب في الكون .... أنا الآن أسعى للحصول على الدكتوراة من هنا ... بعد أن حرمتني من المنحة التي تمنيتها ..... و لقد أمضيت أياما صعبة و أنا أذهب الى الكلية مرفوعة الرأس بعد ما حدث .... متجاهلة نظرات الزملاء لي , متأملة أن يتناسو ما سمعوه من فضيحة معاملتي كجارية تابعة لك ..... لذا و بعد أن مر أصعب يومان , لن أتغيب الثالث مطلقا .... )
كان قاصي يستمع اليها بصمت .... و قد ضاع المرح من وجهه , ظللت عينيه ظلالا سوداء قاتمة ....
ثم قال بجمود خافت في النهاية
( جارية ؟!! ......... )
هتفت تيماء أمامه
( و أسوأ ......... )
شعرت و كأنها قد ضربته بكل قوتها .... و أقسمت أنها رأت الألم في عينيه .....
فارتد ألمه ليجد صداه داخل قلبها الخائن الغبي ....
ساد صمت مشحون بينهما .... لا يقطعه سوى صوت قفزات عمرو على الأريكة .....
الى أن تكلم قاصي في النهاية قائلا بهدوء ..... لكنه هدوء مخادع و خطير , لا يقبل جدل أو نقاش ....
( كما تشائين ........... )
الغريب أنها قد شعرت بخيبة الأمل حين استسلم هكذا بسرعة و بساطة .....
لكنه قال بصوت أكثر جدية و صلابة .....
( اعتبري نفسك جارية و انظري اليها بهذه النظرة كما تشائيين ..... الأمر عائد اليكِ و لن أعيد شرحه مجددا ..... لكن في كل الأحوال أنت ستتغيبين عن عملك اليوم .... و ستأتين معنا .... )
شعرت بمشاعر متضاربة من الغضب و الرفض و ال ..... الفرح ....
الفرح بقوة ..... بقوة ماذا ؟!! .....
هل ستخدع نفسها مجددا ؟!! ........
لذا هتفت بجدية
( أنا لن .............. )
الا أنه قاطعها هادرا بقوة
( بلى ستفعلين ...... ولو اضطررت الى حملك على كتفي ..... لذا اذهبي و بدلي ملابسك بكرامة , فهي لا تناسب المكان الذي سنتجه اليه ..... )
صدمت تيماء من صوته الجهوري .... ووقفت مكانها تتنفس بسرعة و قلق و روح التمرد بها تحارب الخوف النابع بداخلها من أن تكون هذه احدى نوبات غضبه التي يجدر بها تجنبها ....
مالت بعينيها لترى عمرو و قد توقف عن القفز ووقف ينظر اليهما بحذر .....
فأعادت عينيها الى قاصي الذي كان ينظر اليها متجهما .... فقالت باستياء و تعثر
( ثم ألم يكن ابنك مريض و درجة حرارته فوق الأربعين ؟!! ..... كيف تسافر به فجرا بعدها بيومين ؟!! ..... الا تملك اي حس بالمسؤولية ؟!!! ........ )
التوت شفتاه قليلا بقسوة ... ثم قال بخفوت
( حسنا ...... لنقل أنه لم يصل الى تلك الدرجة تماما ...... )
ارتفع حاجبي تيماء و فغرت شفتيها قليلا .....
هذا ليس له سوى معنى واحد !! ......
لم تتوانى عن الهمس بخفوت
( هل كذبت أمه كي تعيدك اليها على وجه السرعة ؟!! ......... )
أخذ قاصي نفسا عميقا حتى انتفخ صدره و كأنه يسوي حملا ثقيلا عن كتفيه , ثم قال بجمود
( ليس الى تلك الدرجة ..... كان لديه ارتفاع بسيط في درجة حرارته و قد مكثت بجواره الى أن طاب تماما .... فوعدته بيوم لن ينسى ...... و أنت الآن شريكتي في هذا اليوم , شئت أم أبيتِ ..... )
عقدت تيما حاجبيها و هي تشعر بمشاعر متناقضة جراء كلمة شريكتي ....

طائف في رحلة ابديةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن