الفصل الثاني والعشرين

115K 2.2K 86
                                    


( و أنا أعشقك يا مهلكة ..... أعشقك .... )
للحظات كانت لا تزال تبكي و كأنها لم تسمع منه شيء .... الا أن الكلمات سرعان ما اخترقت حاجز دموعها الضبابي ببطىء ... ثم تخللت عقلها كي تستوعب ما نطق به للتو ...
" أعشقك يا مهلكة ........ أعشقك ... "
توقف نشيجها و هي تنظر أمامها بذهول صامت .....
هل نطق حرفيا بالكلمات التي طالما انتظرتها منه ؟!! .... أم أنها من شدة البؤس الذي تحياه , بات الوهم يصور لها أماني خادعة ؟!! ....
رفعت عينيها المنتفختين اليه .... تنظر الى ملامحه المتجهمة رغم ذلك البريق الظافر في عينيه ...
بريق قادر على احراقهما سويا .... فقد نال أقصى ما تمناه يوما .....
أن تحمل له المهلكة ابنة عائلة الرافعية طفلا من صلبه .... ابنه .... ابنهما سويا ......
همست تيماء بعدم فهم
( ماذا قلت للتو ؟!!! ........... )
التوى فم قاصي في ابتسامة قاسية وهو يهمس بصوت متحشرج
( هل أتأهجأ لكِ ما قلت ؟؟ .......... )
أومأت و هي تقول بجدية بينما عيناها تنظران اليه بذهول ضائع , .....
( نعم ...... من فضلك ...... )
أمسك قاصي بوجهها بين كفيه ... يرفعه اليه ليتأمل اللون الفيروزي في عينيها الحمراوين المعذبتين ....
أصابعه تتحرك على وجنتيها في حركةٍ باتت تعرفها منه تماما و كأنه يحادث ملامحها سرا .... لمسا ... دون الحاجة للنطق
ثم لم يلبث أن أخفض يده ليضعها على بطنها المسطحة , ليوليها حصتها من حواره الصامت .....
ثم همس بجموحٍ خافت
( أ ... ع ..... ش .... ق ..... ك ..... يا مهلكتي ..... )
فغرت تيماء شفتيها المرتعشتين بينما الدموع تنساب على وجنتيها الشاحبتين بصمت , من عينين واسعتين ... ذاهلتين .... ثم هزت رأسها و هي تهمس باختناق غير مستوعبة بعد
( أنت ..... أنت لم تنطقها من قبل ........ )
التوت شفتي قاصي في ابتسامة اكثر قسوة وهو يقول ساخرا
( و هل كان سماعها ضرورة ؟!! ........ )
صرخت تيماء فجأة بكل الجنون الذي انفجر بداخلها في لحظة واحدة لتضرب صدره بقبضتيها
( نعم كان ضرورة ..... تبا لك يا قاصي الحكيم ..... و أقصى ضرورة ...... )
اخذت تشهق و تبكي بانهيار حتى سقطت جبهتها بتعب على كتفه ... بينما هو يمسك بكتفيها الصغيرتين يدعمها و فمه يغرق بين موجات شعرها الكث وهو يغمض عينيه بقوة ... و يده تتحسس بشرة بطنها برقة غريبة .....
كان يرتجف اكثر من ارتجافها هي ....... يطبق جفنيه بقوة و فكه يتوتر ألما ....
الا أنه كان الألم الأكثر روعة من كل آلامه السابقة .....
رفعت تيماء وجهها بعد فترة طويلة , لتمسح وجنتيها بظاهر يدها و هي تهمس باختناق
( من الأفضل أن نتم هذا الحوار بعد أن أنظف نفسي .... و أنظف الأرض ..... )
نظر اليها قاصي و كان قد نسي أنها تقيأت للتو .... فنظر الي الفوضى بينهما قبل أن يقول بقلق
( ليس هذا أمرا هاما ........ المهم أن يكون قد زال غثيانك ... )
هتفت به تيماء بحدة
( بلى هو أمر هام جدا ...... فأنا أريد أن أكون نظيفة الفم على الأقل حين تختار أن تعترف لي بحبك للمرة الأولى ..... )
ابتسم قاصي رغم عنه وهو ينظر بعطف الى وجهها الطفولي الشاحب .... تحتله فجوتان كبيرتان فيروزيتان ... بلون أحمر يحيط بهما يجعل منها طفلة بجدارة .....
و تسائل كيف يمكن لتلك الطفلة القصيرة المجنونة أن تقود دفعة جامعية كاملة .... تستحوذ على انتباه كل طالب منهم .... كما أسرت انتباهه منذ المرة الأولى التي اقتحمت فيها حياته ....
نهض قاصي من مكانه و جذبها بحرص وهو يقول بصوت اجش خافت
( تعالي .... سأساعدك ...... )
نهضت تيماء مستندة الى ذراعيه و هي تنظر الى الكارثة التي تسببت بها على بساط الغرفة فهمست باستياء مختنق
( تبا لك يا قاصي .... من بين كل الأوقات خلال عشر سنوات , لا تختار سوى تلك اللحظة الكئيبة كي تعترف لي بحبك ...... )
ابتسم بجموح و أنفاسه تحترق بعبيرها ... حتى لو تقيأت كل يوم , ستظل مهلكة .....
الا أنه همس بنفس الصوت الغريب المتحشرج
( لو كنت أعلم انكِ تهتمين لسماعها بهذا القدر لكنت أسمعتك اياها كل يوم ..... )
هتفت تيماء و هي تضربه مجددا .... على صدره و كتفيه و ذراعيه
( كاذب ..... كاذب ...... لقد أخبرتك , لا مرة .... بل مئات المرات و أنت تتهرب من نطقها و كأنني أتوسل الحب منك .... )
أمسك بمعصميها و نظر الى عينيها المتورمتين الحانقتين .... ثم قال بخفوت
( أنت لم تتوسلي الحب مني يوما .... بل تطالبين بحقك و أنا أيضا .... لهذا حاولت افهامك مرارا , ما بيننا ليس مجرد حب , بل هو حق ...... ملكية ..... )
أغمضت عينيها و هي تهز رأسها بعنف
( أخرس ...... أرجوك اخرس ....... لا أريد سماع أي من هذا الكلام , أنا أريد تنظيف نفسي و الإستعداد لسماعها مجددا .... فلا تفسد الأمر كما تفعل دائما .... و كأن الإفساد هو المهمة الأكثر نجاحا لك على مر السنوات .... )
ابتسم قاصي بشيطانية وهو يهمس لها محيطا خصرها بذراعه
( لن أفسد أي شيء هذه المرة ..... تعالي يا أم الصبي و انا سأساعدك ..... )
رفعت وجهها اليه و هي تستسلم الى مساعدته لها .... فقدميها غير ثابتتين بعد , ثم قالت بدهشة
( هل قررت أنه سيكون صبي ؟!! ........... أنت حقا أخرق يا قاصي .... و لا أعلم ما الذي ينتابك كلما تكلمنا عن هذا الطفل !! ..... )
اتسعت ابتسامته أكثر و مد يده الى بطنها يقول بشوق
( الا تعلمين ؟!! .........)
تنهدت تيماء باستسلام و هي تذوب للنظرة المهلكة في عينيه الى بطنها .... نظرة حمقاء كلها سعادة و انتصار و كأنه ينظر الى الطفل فعلا .... و كأنه يرى ملامحه و يكاد أن يضمه الى صدره
من يستطيع مقاومة تلك النظرة !! ......
نظرة رجل عاشق ..... عاشق لهذا الطفل الذي جعله يعترف بعشقه لأمه للمرة الاولى بعد عشر سنواتٍ كاملة ....
تنهدت تيماء مرة أخرى و هي تهمس بقلبٍ يرجف
( ساعدني أرجوك ....... أرفض اتمام هذا الحوار على هذا الحال المزري ... )
ساعدها قاصي حتى دخلت ... و ما ان اوشك على الدخول معها حتى اوقفته بدفعة من يدها الى صدره و هي تقول بصرامة ...
( توقف هنا ..... اريد بضع لحظات مع نفسي , احتاجها ... )
عبس قاصي وهو يقول بحدة
( لن اتركك بمفردك على هذا الحال .... فقد تصابين بالدوار , فتقعين ارضا و تدق عنقك أو تكسر رأسك ..... )
مطت تيماء شفتيها و هي تقول بامتعاض
( دعني أخمن ..... أنت قلق على طفلك .... )
رد قاصي عابسا دون تردد
( طبعا .......... )
وقفت تيماء تنظر اليه بيأس ... ثم همست أخيرا بفتور
( لا تقلق فهو طفلي أنا أيضا ......لن أصيبه بأي أذى ........ )
استند قاصي بكفه الى اطار الباب و مال اليها ليقول متجهما ....
( اخر ما اتذكره هو انكِ كنتِ تقفزين على منصة القفز كالبلهاء دون اي حس بالمسؤولية ..... )
برقت عينا تيماء و هي تهتف بحدة
( و فكرة من كانت تلك ؟!! ....... اظن ان من اقترحها كان أكثر بلها ممن نفذها .... خاصة انه اصر عليها .... )
ثم مطت شفتيها و أخذت تهز رأسها و هي تقلد صوته قائلة
( أريد رؤية النجوم بعينيكِ .... اقفزي يا تيماء .... أعلى يا تيماء .... كوني أكثر عتها يا تيماء ... )
انعقد حاجبيه بشدة وهو يهتف بها غاضبا
( أنا لم أكن أعلم بحملك ..... أنتِ من كنتِ تعلمين منذ البداية و تخفين الأمر كاللصوص و قطاع الطرق .... لا أصدق مدى مبالغتك و أنت توزعين أدلتك الكاذبة في كل مكان .... ولو أنكِ بالغتِ بشكلِ شديد الغباء لما كنت شككت في الأمر ....
أشارت اليه تيماء و هتفت بقوة
( قلت انك شككت في الامر ... اي انك مدانا مثلي تماما ...... بل اكثر مني , لانك في الواقع انت من لا يحمل اي حس بالمسؤولية ..... ...أنا هي من تتحمل دائما عقبات لحظات تهورك ... )
عقد قاصي حاجبيه وهو يقول بسخرية مستاءة
( الا تبالغين قليلا !!! ..... لم نتم شهر زواج بعد , لذا اخلعي نظارة استاذة الجامعة تلك و تذكري تلك الأيام التي كان طولك فيها لا يتعدى الشبرين و انت قفزين على قدم واحدة بضفيرتيكِ المسننتين و انت تصرخين .. " احتاج الذهاب للحمام حالا يا قاصي ... لا استطيع الصمود اكثر يا قاصي ... " .... )
ضربته تيماء بقوة على صدره و هي تقول غاضبة بشدة
( توقف عن هذا .... توقف عن هذا .... و الا ذكرتك بالمرة التي اضطررت فيها الى قضاء حاجتك على الطريق .... )
عقد حاجبيه و قال محتجا ...
( كنت مضطرا .......... )
تأففت تيماء و هي تصرخ ملوحة بكفيها بين موجات شعرها الكث
( انا فعلا لم اعد اطيق الكلام معك .......... )
صمت قاصي لعدة لحظات قبل ان يقول محتدا
( لا بأس اذن ..... لا داعي فعلا لنتابع الحوار الذي أردته ..... فهو حوار اخرق من الاساس و انا غير مقتنع بالكلام عنه اصلا ...... )
هجمت عليه تيماء بقوة تجذبه من مقدمة قميصه كما يقبض على المتهمين ... ثم استطالت على أطراف أصابعها و هي تهمس بأرنبة أنفها امام فمه بنبرة تهديد شرسة خطيرة
( اياك .... اياك حتى التفكير في محاولة الهرب من هذا الحوار .... ستعيدها مرارا و تكرارا و تفسرها و تعيد شرحها حتى أملها .... قد تكون حاليا في أغبى صورك بعيني لكنني لن أتنازل عن الحصول على هذا الإعتراف كما يجب أن يكون ... هل فهمت أم أستخدم معك القوة الجسدية كي تستوعب أهميته بالنسبة لي ؟!! ..... )
تلاقت نظراتهما الشرسة الطويلا بشراراتٍ متقدة أشعلت المكان من حولهما .... قبل أن يخفض قاصي نظرته اليها عمدا ... وهو يقول بخفوت
( حسنا .... استخدام القوة الجسدية في اثبات مدى اهمية هذا الإعتراف لكِ يوحي الي بأفكارٍ لا ترفض ..... )
اخفضت تيماء عينيها تنظر الى حيث ينظر فاستوعبت أنها لا تزال واقفة بملابسها الداخلية , فارتبكت و هي تقول بحدة
( هذا هو كل ما يشغل بالك ..... حاول أن ترتقي قليلا .... )
ارتفح حاجب قاصي بخبث وهو يقول معبرا
( أرتقي !! ....... لا أستطيع فعل هذا و أنا معك ...خاصة و أنت تبدين على هذا الشكل البري , مغطاة بالوحل و الأوساخ ..... )
صرخت تيماء و هي تضربه مجددا
( هذا ليس وحلا .... انها مجرد فضلات من التقيؤ , ربما لو أمكنك أن تحمل طفلا بداخلك لقدرت موقفي و تحليت ببعض مراعاة الشعور ..... )
اقترب منها قاصي وهو يقول بخفوت عابث أجش
( تعالي الآن و سأثبت لكِ كم المراعاة التي امتلكها ...... رائحتك الآن تفوق العطور الغالية عندي جمالا ... )
ارتبكت تيماء قليلا ... و ارتجف قلبها الغبي لهذا الاعتراف الذي بدا لا أجمل غزلا سمعته منه على الإطلاق ....
يبدو أنه عاطفيا اليوم و يعاني من موجة اعترافات بالجملة .... و هي ستستغل الأمر لتحصل على كل كلمة بخل بها خلال السنوات الماضية ...
تراجعت تيماء للخلف و هي تقول بصرامة مزيفة
( أنا في حاجة للإختلاء بنفسي قليلا .... و أنت اذهب و اغتسل و غير قميصك لأنني تقيأت عليك ....ثم انتظرني الى حين خروجي .... )
قال قاصي بخشونة دون أن ينظر الى قميصه حتى ...
( أنت لا تمتلكين سوى حماما واحدا ..... فأين أغتسل ؟!! ... في حوض المطبخ !!! ..... )
هتفت تيماء بحدة و هي تضرب الباب المفتوح بقبضتها منهية الجدال
( نعم يا قاصي .... اغتسل في حوض المطبخ لو اقتضى الأمر , و أريدك في أجمل حالاتك .... لا مزيد من الجدال ..... )
و دون ان تسمح له بالمزيد .... دخلت الى الحمام و صفقت الباب بعنف أمام وجهه ...
أما هو فقد ظل واقفا مكانه , ينظر الى الباب المغلق ... و قد تغيرت ملامحه , فسقطت الأقنعة واحدا تلو الآخر ....
قناع القسوة ... يليه قناع السخرية ... ثم قناع اللامبالاة ....
و بقت ملامحه الحقيقية عارية مجردة من التخفي ....
ملامح رجل متعب ... مجهد , لم يعرف يوما سوى الشقاء ... لكن الحياة لا تزال في عينيه المتوهجتين ...
اليوم تأكد من وجود طفل له .... ينمو برحم المرأة الوحيدة التي افسدت كل رغبة أخرى له في النساء على وجه الأرض لآخر يوم بعمره .....
اليوم نال جزءا من انتقامه ... جزءا من حياته ... و جزءا من امرأته .....
اليوم هو اليوم الذي تأكد فيه أن تلك المخلوقة لن تتركه و لو أزهق ارواحا و اهدر دما ......
اليوم اصبح له من يدافع عنه بشراسة .....نفس شراسة نيته على الإنتقام ......
ابتعد قاصي عن الباب وهو يفك أزرار قميصه بينما عيناه تبرقان مع كل خطوة .... الى ان خلعه و القاه بعيدا باهمال , ثم اتجه الى المطبخ ليحضر منه بعض ادوات التنظيف ليعود به الى غرفتهما ....
و جثا على الأرض ينظف تقيؤها بكل قوة وهو ينظر الى باب الغرفة علها تظهر في أي لحظة ...
انتهى من تنظيف الأرض و هي بعد لم تخرج ....
فعاد للمطبخ و بدأ في تنظيف نفسه بأن انحنى على الحوض واضعا رأسه تحت الماء المنساب ...
و ترك الماء يبرد من الجموح بداخله قبل أن يبدأ بتنظيف صدره ووجهه ....
حين طال انتظاره لها اتجه الى الحمام عاقدا حاجبيه بقلق وهو يشعر بأنه لم يكن عليه تركها وحيدة بعد أن أصابها الغثيان ..
فضرب الباب بقوة مناديا
( تيماء ....... لماذا تأخرتِ ؟!! .... هل أنتِ بخير ؟؟ ... )
كانت تيماء لا تزال واقفة مكانها لم تتحرك و هي تنظر الى نفسها في المرآة .... بعينين واسعتين ووجهٍ أحمر و شفتين فاغرتين ...
قلبها يخفق بعنف و كأنه قادر على تحريك صدرها عوضا عن رئتيها المتخاذلتين ...
الا أنها انتفضت على صوت قاصي الذي أفزعها ...
فقفزت من مكانها و هي تنظر الى الباب بهلع .... ثم لم تلبث أن صرخت بغضب
( ماذا .... ماذا ... ماذا ..... أخبرتك أنني أحتاج الى بعض الدقائق مع نفسي , الا يحق لي هذا ؟!! .... )
هتف قاصي من الخارج بعنف
( لقد تأخرتِ ........ )
صرخت به بجنون
( بضعة دقائق مع نفسي رجاءا ....... )
سمعت صوته وهو يتذمر شاتما مبتعدا و على الأغلب فهي المعنية بالشتائم التي جاد بها , لكنها لم تهتم بل أعادت عينيها الى المرآة تنظر الى نفسها مجددا بنظرة مختلفة ...
كانت يدها مفتوحة على بطنها و البريق يرسم جمال لون عينيها الفيروزي ....
و كأن اللون بها قد ازداد وهجا .....
شيء ما تغير بها .... شكلها تغير , لكنها لا تستطيع تحديد ملامح التغيير تماما ....
هل الحمل أدى الى حدوث تغيير في جسدها بهذه السرعة ؟! أم أنه اعتراف قاصي المفاجي لها على حين غرة هو ما أشعل الجمر الأزرق في عينيها !! .....
كانت ترتعش حتى أنها أمسكت الحوض بكلتا قبضتيها تدعم نفسها ثم همست بخفوت شديد
( أنا أحمل طفلك داخل احشائي ..... و حبك في قلبي .... وعشقك في أذني ..... فماذا ينقصني أكثر من هذا لأكون أسعد العاشقات ؟!! ..... لماذا أشعر بالخوف ؟!! أين تلك القفزة المجنونة التي أقسمت عليها ذات يومٍ لو اعترفت لي بحبك ؟!! ...... )
صمتت قليلا و هي تلعق شفتيها المرتعشتين .... ثم همست و هي تهز رأسها قليلا
( السعادة لا تصف ما أشعر به .... في ساعة واحدة حظيت بنبأ حمل طفلك ... و سماع اعتراف عشقك .... فلماذا يخون الخوف سعادتي و يفسدها .... ألن تكتب لي تلك السعادة صافية دون شوائب مطلقا ؟!! .... )
عادت لتصمت و هي تتنهد رافعة يدها الى صدرها الخافق تهدىء رجفته ثم قالت بعزم و هي تنظر الى عينيها
( سأحصل على هذا الآعتراف كما يجب أن يكون .... )
أومأت باصرار مشجعة نفسها في المرآة , ثم أضافت بخفوت
( و لينتظر الخوف جانبا ........ )
عند هذا القرار استدارت لتغتسل , ثم عادت الى المرآة مجددا و كانت سعيدة بأنها سبق و تركت في الحمام بنطالا من الجينز الضيق و قميص قطني قصير يليق بمراهقة ....
حسنا لا يمكنها الاعتراض حاليا ,,, فيكفي انها تعودت ترك بعض أدوات زينتها في الحمام كذلك , لذا فهي اكثر من راضية ....
ارتدت ملابسها ووقفت امام المرآة بسرعة و هي تنفض شعرها يمينا و يسارا علها تحصل على الهيئة الأكثر جاذبية .... لكنه كان دائما كسنابل القمح التي تطيرها الرياح دون ان تنام أو تهدأ ....
اقتربت من المرآة و هي تظلل عينيها بكحل ثقيل اسود هامسة
( أفضل الإطلالات هي أقلها تحضيرا .... سأصنع من نفسي اسطورة .... يجب أن أكون اسطورة لأحصل على اعترافي ..... )
التقطت احمر الشفاه ذو اللون الداكن و الذي تذكر نفسها كل ليلة بأن تضع بعضا منه لزوجها ... الا أنها تنسى دائما ....
حسنا ها هي قد تذكرت ....هي حديثة العهد على الزواج و لا يستطيع أحد لومها ...
انتهت و استقامت تنظر الى نفسها , و هي تٌقيِم الوضع ... فوجدت أنها تبدو كفتاة مقبلة على الحياة , متوهجة ... و يمكنها القول أنها تبدو جميلة .....
أخذت نفسا عميقا .... ثم اتجهت للباب و فتحته بحرص قبل أن تخرج و هي تنظر حولها بحذر ....
توقفت تيماء مكانها و هي ترى قاصي جالسا على الأريكة مستندا بمرفقيه الى ركبتيه .... مخفضا رأسه ... و بدا و كأنه شاردا ينظر الى الأرض بسكون ....
الا أنه رفع اليها وجهه بسرعة ما أن سمع صوت خروجها .....
مضت عدة لحظات و كل منهما ينظر للآخر ..... و قد بذل جهده ليكون في صورة مناسبة ....
ادخلت تيماء اصابعها في جيبي بنطالها الضيق بصعوبة كي تخفي ارتجافها , قبل أن يربت قاصي على الأريكة بجواره وهو يقول بخفوت
( تعالي بجواري ......... )
اقتربت منه ببطىء تتعثر في خطواتها ... الى ان جلست بجواره , تنفض شعرها للوراء .... ثم اخذت نفسا عميقا و هي تضحك بعصبية هامسة
( حسنا ...... حسنا ..... لنبدأ من البداية ...... أريد سماعها منك مجددا , لكن ببطىء هذه المرة .... و لا تتعجل .... )
استدار قاصي اليها بكليته وهو يدقق النظر بها ... متأملا قواما كان قادرا على اذهاب عقله في مراهقتها كلما تمايلت أمامه .... و شعر مجنون , فتنته في تمرده على كل قوانين النعومة الرتيبة ....
أما فمها الطفولي الشهي فقد تحول بمعجزة ما الى فمٍ مغوي بلون دم الغزال .... ناضج , ينتظر .....
أما العينين الفيروزيتين فقد وضعتهما في اطارٍ أسود جعل منهما تحديا مستفزا للناظرين ......
و هذا القميص .... يظهر ثمار أنوثتها بشكل أكثر استفزازا ....
أخذ قاصي نفسا متزنا بصعوبة قبل أن يقول بخفوت
( تبدين جميلة ........ )
نظرت اليه مجفلة , ثم ضحكت بعصبية أكبر و هي تقول مرتبكة
( حسنا ..... لقد بذلت جهدي استعدادا لتلك اللحظة , لكن دعنا لا نبالغ ...... أنا هي أنا , لن يغريني احمر شفاه و قميص ضيق مكشوف ..... أبدو كفتاة مستهترة ..... )
ضحكت مجددا بتوتر , لكن قاصي كان ينظر اليها بجدية و بعينين تلتهمان كل حركة من اصابعها و شعرها و حدقتي عينيها و ارتجافة شفتيها .... ثم قال
( لطالما كنتِ فتاة مستهترة ..... لا تخدعي نفسك بتخيل العكس ... )
أغمضت تيماء عينيها و هي تأخذ نفسا عميقا ... ثم فتحتهما لتقول مبتسمة من بين أسنانها
( لن أغضب ..... لن أنفعل , دعنا فقط نعد الى موضوعنا .... رجاءا ...... )
فتح قاصي فمه ليتكلم , الا أنها سارعت بوضع أصابعها على فمه تمنعه فجأة و هي تخفض وجهها أمام عينيه ... ثم همست بخفوت
( لا تفسدها أرجوك ...... الا ترى كم أنا مثيرة للشفقة في انتظاري لكلمة ... مجرد كلمة .... )
ساد الصمت عدة لحظات لم ترفع رأسها خلالها خوفا من أن ترى السخرية التي تعرفها جيدا تظلل عينيه و اللامبالاة تقطر من وجهه ....
الا أنها شعرت بأصابعه تمسك بيدها لتخفضها عن فمه ببطىء , ثم صوته يقول بخفوت أجش
( انظري الي اذن ...... )
رفعت تيماء عينيها اليه بتخوف الا أنها اصطدمت بتلك النظرة في عينيه ..... نظرة من يعاني و يظفر ... يتعذب و ينتصر .... من يمتلك ....
قال قاصي اخيرا بخفوت
( اعشقك يا مهلكة ......... أعشق تلك النبرة الحادة في صوتك و أعشق اهتزاز حدقتي عينيكِ و كأنكِ مختلة عقلية حين تغارين .... أعشق وجودك في حياتي حتى أثناء غيابك , لكنك دمغتِ باسمي منذ سنوات و هذا ما كنت أحيا لأجله ..... أعشق كل حركة من أصابعك الخرقاء و طريقة عضك على زاوية شفتك حين يثبت لكِ خطئك .....أعشق الوحمة الوردية بجوار شفتيك و أعشق اسمي حين أسمعه بصوتك .... كلمة قاصي من بين شفتيكِ لها مذاق لم أعرفه مع غيرك .... سواء كان نداءا غاضبا أو نبرة مهددة .... أو همسا عاشقا ... أعشق اسمي بصوتك ... اعشق استسلامك بعد كل مرة أقسمتِ فيها أن تبتعدي عني للأبد .... و أعشق تلك الثقة بداخلي في أنكِ لن تستطيعي الإبتعاد مطلقا .... هل هذا يكفي ؟؟ ... )
كانت تيماء تستمع اليه بعينين واسعتين مغروقتين بالدموع .... ثم لم تلبث أن التقطت أنفاسها كي لا تبكي في تلك اللحظة الهامة و ضحكت مرة أخرى ... ثم اومأت و قد اختنقت الكلمات في حلقها ....
الى ان استطاعت القول اخيرا بصرامة متحشرجة
( متى حضرت كل هذه القائمة ؟؟ .......... )
رد قاصي وهو يبعد احدى الخصلات اللولبية عن عينيها
( منذ دقائق ... و أنا جالس أنتظرك ....... )
ابتسمت تيماء بعذاب و هي تطرق بوجهها قبل أن تقول مختنقة ....
( يسرني أنك قد استطعت سردها دون ان تنسى احداها ..... )
لعقت شفتيها ثم نظرت اليه تنفض شعرها .... و طال بها النظر قبل أن تمد يديها لتمسك بكفيه فتشبث بهما لتقول بسحر هامس
( عشر سنوات يا قاصي .... عشر سنوات , ما الذي أخرك كل هذه الفترة .... جعلتني أتسائل طويلا ..... )
ابتسم بقسوة مستاءة وهو يضغط علىلا كفيها بقوة هامسا بحدة
( انها مجرد كلمات تافهة ........ شعرت حين نطقتها أنني أُسفِه من شيء اقوى و اشد صلابة .... )
أغمضت تيماء عينيها و همست متأوهة بيأس
( قااااصي ...... )
الا أنه أمسك بكتفيها يهزها قليلا وهو يقول بجدية
( هذه الكلمات لم تخلق لنا .... لما لا تفهمين ؟؟؟ .....لما لا تستوعبين أن تلك الكلمات قابلة للبقاء أو الإختفاء ذات يوم ..... أما نحن فلا ..... شعور بالحب !! ما هو هذا ؟!! .... أنا أشعر بما هو أقوى منه .... أشعر بأنكِ أمي .... أرضي التي تحمل طفلي .... ابنتي التي لا والد لها غيري ..... وطني .... )
نظرت تيماء اليه بعينين تتوسلان الحقيقة .... ثم همست باختناق
( و تلك الأشياء التي ذكرت للتو أنك تعشقها بي .... هل كنت صادقا ؟؟!! ..... )
تنهد قاصي وهو يقول بخشونة
( يا غبية , الم تستوعبي بعد ؟!! ....... أعشقك كل ما يخصك , لذا إن كان هذا هو عشقك فأنا أعشقك .... لكن عليكِ معرفة أن هذا العشق غير قابل للانفصام أبدا ..... هل فهمتِ ؟؟ .... )
نظرت تيماء اليه طويلا .... قبل أن تهمس بنعومة واثقة
( أبدا ......... أبدا ......... )
التوت شفتي قاصي قليلا وهو ينظر اليها نظرة لم تفهمها للتو ... الى أن أمسك بكفها يطبق أصابعها في استدارة أصابعه القوية ثم قال بقوة
( أنا و أنت و هذا الطفل الذي ينمو بين أضلاعك ..... نحن دائرة واحدة الآن يا تيماء , فلا تسمحي لأحد باختراقها .... مطلقا , .... لا تسمحي لهم لأنهم سيحاولون التسلل اليكِ ..... )
نظرت اليه تيماء لتقول بخفوت
( هل هذا ما يخيفك من تواصلي مع مسك ؟؟؟ ...... أخبرتك ألف مرة أن لا أحد قادرا على ابعادي عنك .....)
صمتت للحظة ثم تابعت قائلة بصوت هامس بطيء
( الا أنت ........ )
عبس قاصي وهو يحاول تفسير كلمتها الأخيرة .... لا يعلم ان كانت تقصد , الا أنت من العالم أجمع ....
أم أنها تقصد ..... أنه الوحيد القادر على ابعادها عنه ....
و الإختيار الثاني كان كفيلا بأن يحول ملامحه الى عبوسٍ مخيف ... لكنها لم تخشاه , بل اقتربت منه أكثر ... و مدت أصابعها تتحسس الخطوط المعقدة بين حاجبيه و همست برقة
( أعدها أرجوك ........ أريد سماعها مجددا .... )
همس قاصي بخفوت أجش دون أن يزيد من عذابها
( أعشقك ......... )
أغمضت تيماء عينيها و هي تقترب منه أكثر .... لتحيط عنقه بذراعيها , تداعب شعره المبلل بأصابعها
( مرة أخرى ........ )
فمال اليها قاصي ليقتطف قضمة من وحمتها الوردية , ثم همس لها مجددا بصوت أكثر خفوتا
( أعشقك .......... )
ضمت نفسها اليه أكثر و هي تستمد منه القوة كي تقتل بها مخاوفها , ثم همست مقبلة كل ذرة من وجهه
( مرة أخيرة ........ )
حينها تاهت شفتاه تلتقط قبلاتها قبل ان تحط على وجهه ..... مهما حاولت ....
وهو يهمس بصوته الأجش المزمجر
( و انت ...... )
همست تيماء مستسلمة لجنونه
( أعشقك ...... )
الا أنه قال بقوة
( بل اخبريني عن طفلي ...... هذا هو العشق الذي طالما تمنيته .... )
همست تيماء برقة و حنان أمومي بدأ يتزايد بداخلها كل يوم أكثر
( أنا أحمل طفلك ...... سيكون لك ولد من صلبك , أو فتاة لها لون عيناي كي تتذكرني دائما .... )
قال قاصي بقوة وهو يضمها اليه
( بل صبي ...... أريده صبيا يا تيماء ....... )
مطت شفتيها و هي تبعد وجهها عنه قليلا لتقول بامتعاض
( حاضر ..... أعدك أن أسجل طلبك في ورق التقديم ......اعتبر الأمر مضمونا , هل أنت أحمق تماما يا قاصي ؟!!!! ...... )
رفع حاجبا وهو يقول بفظاظة
( توقفي ................ )
لمعت عيناها بمكرٍ مفاجىء و هي تقول
( و إن لم أتوقف ...... ماذا ستفعل ؟؟؟ ........ )
لم يجبها قاصي .... لأنه ببساطة , أبعد كفيها من خلف عنقه ..... الا أنه لم يتركهما , بل قبض عليهما لينحني اليها و يرفعها على كتفه بقوة .... فصرخت تيماء بهلع و هي ترى العالم مقلوبا أمامها رأسا على عقب ...
( أنزلني يا قاصي .......... )
الا أن قاصي لم ينزلها ... و لم يرد .... بل لم يسمعها من الأساس وهو يتجه بها الى غرفتها .... بينما هي تتلوى هاتفة ...
( أنزلني يا مجنون ......... أشعر بالدوار .... )
قال قاصي بنعومة
( حاولي الا تتقيأي اذن هذه المرة ..... لأنني لن أسمح لكِ بالإبتعاد مهما كلفني ذلك .... )
ضحكت تيماء بقوة و هي تغمض عينيها كي تتغلب على احساسها بالدوار هاتفة
( قاصي ..... ستؤذي الطفل ....... )
توقف للحظة عند الباب و بدا مترددا ..... حينها قالت تيماء بخبث
( لكنه لن يكون أكثر مخاطرة من القفز على المنصة المطاطية ........ )
ابتسم قاصي و دخل الغرفة دون أن يتكلم , صافقا الباب بقدمه ....
.................................................. .................................................. .................
نظرت الى الباب متوترة و هي تترقب دخوله في أي لحظة
فعلى الرغم من استئذانه في الخروج من غرفة الفحص بالمشفى , الا أنها كانت تعلم أنها لن تتخلص منه بمثل هذه البساطة .....
إنه في الخارج ينتظرها ..... قرون الإستشعار الخاصة لديها تخبرها بذلك , فهو لم يتركها منذ أن وقعت أمامه من فوق الفرس .... لقد أصابها الدوار بعدها لدقائق فلم تتبين ما حدث تماما , كل ما تعرفه هو أنه أخبر الجميع بأنه سيصطحبها للمشفى و لا داعي للزحام من حولها !!
كان يتكلم الآمر الناهي فيما يخصها .... و هي كانت أكثر ألما من أن تعارضه .....
لكن هناك شيئا مجنونا كانت تريد التأكد منه ....
ربما كان وهما تخيلت أنه ينطق به قبل ان يقاطعه صوت احد المتجمهرين حولهما ....
هل تخيلت أنه قال ... " تزوجيني ؟!! ....... "
حدقت مسك في أرض الغرفة البيضاء بشرود ....
ما الذي جعلها تتوهم هذا ؟!! ........
لكن لا يمكن ان يكون وهما ..... لقد سمعته بنفسها ......
نعم سمعته .... كان صوته قاطعا , آمرا ..... و لم يكن عرضا .....
رفعت رأسها فجأة على صوت طرقة الى الباب .... قبل ان يدخل من شغل افكارها , ....
دخل أمجد الى الغرفة .... ناظرا اليها بجدية أقرب الى التجهم .... و القلق ...
تنحنح قائلا بخفوت
( هل أدخل ؟؟ .......... )
قالت مسك رافعة وجهها
( لقد دخلت بالفعل .......... )
كانت تريد احراجه , تدفعها تلك الرغبة السادية في ذلك .. دون أن تعرف لها سبب , كل ما تعرفه هو أنها تشعر بالتلذذ و هي تحرجه أكثر .... ربما لأنه الكائن الأكثر استفزازا على وجه الأرض ....
لكن لم يبد عليه الحرج مطلقا وهو يتقدم منها ليقف أمامها قائلا بعبوس قلق
( كيف تشعرين الآن ؟؟ ....... )
أرادت أن تأمره بأن يهتم بشؤونه الخاصة , لكنها كانت مبالغة شديدة .... من المفترض أن تشكره على تعبه معها حتى هذه الساعة ... لذا قالت على مضض مشيرة بذقنها الى كاحلها المربوط
( التواء في الكاحل ........ مؤلم قليلا , لكن اقتصار سقوطي من فوق الفرس على هذه الإصابة يعد ضربة حظ ..... الحمد لله .... )
قال أمجد بجدية غاضبة قليلا
( نعم احمدي ربك أن الحادثة اسفرت عن تلك الاصابة فقط ...... كان تهورا منكِ تستحقين الضرب عليه ..... )
ارتفع حاجبي مسك بدهشة و هي تقول
( عفوا !!! ............ )
هتف أمجد بنبرة أكثر غضبا
( سبق و أخبرتك أنني لا أطيق كلمة عفوا تلك ....... قلت أنكِ تستحقين الضرب على التهور في امتطاء الفرس و أنت غير مستعدة بعد ..... )
رمشت مسك بعينيها و هي تقول بحدة
( لحظة ....... لحظة ........هل تحاسبني على خوض السباق ؟!! .....)
رد عليها أمجد قائلا دون مجاملة
( نعم أحاسبك .... كان يمكن أن يكسر ظهرك ....... )
قالت مسك بسخرية
( هذا يحدث أحيانا ....... )
ازداد انعقاد حاجبيه وهو يقول بحدة
( أنت تأخذين الأمر بمنتهى البساطة ........... )
ردت عليه مسك و هي تهز كتفها
( لأنه فعلا بسيط ...... أنا خضت بطولاتِ للفروسية , لذا يحدث هذا ..... )
هتف بها أمجد فجأة بقوة
( لم تعودي صغيرة يا مسك ... كما أنه من الواضح تماما مرور فترة طويلة منذ أن تمرنتِ آخر مرة ... )
ارتفع حاجبيها ببطىء و هي تنظر اليه بعينين واسعتين .... فزفر بقوة وهو يقول
( لم أقصد ايلامك ..... )
قالت مسك ببرود
( لم تؤلمني ...... أنا لست صغيرة فعلا ...... و بالنسبة للتمرين , فهذا ما أنوي العودة اليه بأسرع وقت .... )
قال أمجد بغضب
( مسك ...... لا تفعلي هذا ........ )
عادت لترفع حاجبيها و هي تقول
( هل تخشى ركوب الخيل ؟!! ......... )
ساد الصمت بينهما عدة لحظات قبل أن يقول أمجد بخفوت
( أخشى عليكِ منه ......... )
انعقد حاجبيها قليلا ... بينما ارتجفت شفتيها مرة واحدة , و عاد الصمت بينهما وكل منهما ينظر للآخر ... الى أن مد أمجد يده و قال متجهما بصوت خافت
( خذي هذه ..... ستساعدك ...... )
نظرت مسك للعصا التي يمسكها ,..... كانت عصا معدنية طبية لم تلحظها للمرة الأولى .... فرفعت عينيها اليه و هي تقول بعدم فهم
( هل هي خاصة بالمشفى ؟!! .......... )
هز أمجد رأسه نفيا و قال بخفوت
( بل هي لكِ ....... ستحتاجينها .... )
قالت مسك بقوة
( هل ابتعت لي عصا طبية ؟!! ........ إنه مجرد التواء مؤقت , ما تلك التصرفات الساذجة ؟!! .... )
كان هذا هو دور أمجد ليرتفع حاجبيه .... فأدركت مسك ما قالته للتو خاصة و هو يحاول مساعدتها ... فقالت متجهمة على مضض
( سأدفع ثمنها اذن ......... )
قال أمجد بسخرية
( أستطيع التكفل بثمنها ...... لا تقلقي بخصوص هذا الشأن ...... الآن هلا حاولتِ النهوض لتجربة الحركة ... )
أرادت مسك الإعتراض لغرض الإعتراض .... الا أنها لم تكن أبدا تتسم بالغباء من قبل , لذا آثرت التصرف بعقلانية علها تتخلص منه في أقرب وقت ...
فنهضت ببطىء .... لكن ما أن خطت قدمها المصابة على الأرض حتى أغمضت عينيها و شهقت ألما .... فسارع أمجد للإمساك بذراعها وهو يقول بقلق
( هل أنتِ بخير ؟؟ ......... )
أومأت مسك و هي تقول لاهثة
( انه مجرد الم الإلتواء .... سيتطلب اسبوعين كي يشفى كاحلي ..... )
قال أمجد بخشونة
( و ربما ثلاث أسابيع ...... )
رفعت مسك وجهها تنظر اليه بدهشة , فبادلها النظر وهو يقول بخفوت
( تكلمت مع الطبيب منذ دقائق كي أطمئن على حالتك ....... )
ظلت مسك تنظر اليه وهو يبادلها النظر بحدة و دون تردد .... الى أن حادت عيناه الى شعرها الذي انساب ملامسا كتفيها الآن و بعد سقوطها ..... كان جميلا و ناعما .... يماثلها رقيا بكل أحواله ....
لم يكن يوما مهووسا بشعور النساء .... لكنه الآن لا يستطيع ابعاد عينيه عن شعرها و كأنه يمثل شيئا أكبر من مجرد كونه شعرا ناعما .... شيء أكثر تأثيرا في النفس ...
ارتبكت مسك قليلا و هي تلاحظ نظراته الى شعرها بأبعدته بأصابعه متنحنحة .... مخفضة عينيها عن قصد الى يده التي تمسك بذراعها ....
انتبه أمجد الى يده فأبعدها برفق وهو يقول بخفوت
( آسف ......... )
ردت مسك بجمود و هي تحاول الإبتعاد عنه باسرع ما يمكنها
( لا بأس ......... )
قال أمجد بهدوء وهو يمد لها العصا
( خذي هذه و استندي اليها .... و لا تعاندي ..... )
زفرت مسك و هي تأخذ منه العصاة , الا أنها قالت بهدوء متحاشية النظر له
( أنا شاكرة لك على كل شيء ..... لقد عطلت نفسك , انها المرة الثانية التي تتواجد بها في حدث يخصني و ينتهي الأمر بحدثٍ مأسوى مهدرا المزيد من وقتك ..... )
قال أمجد بجدية
( هذا من دواعي سروري ........ )
نظرت اليه بدهشة و هي تقول
( ما هو هذا الذي من دواعي سرورك ؟!! ...... )
رد عليها دون أن تحيد عيناه عن عينيها
( وجودي بجوارك حين يحدث ما يضرك ........ )
أغلقت مسك شفتيها و هي تبعد عينيها عنه بتوتر .... إنه لا يكف عن التصرف بغرابة و تلك التصرفات بدأت تضايقها .... و بشدة .....
تقحمها في منطقة ترفضها تماما ....و ترفض ضعفها .....
استندت مسك الى العصا و التي كانت تحتاجها بالفعل , ثم قالت بلهجة رسمية مهذبة
( أشكرك مجددا ...... علي الذهاب الآن , أراك غدا ...... )
انعقد حاجبيه بشدة وهو يقول بقوة
( أولا .... أنت لن تتحركي لأي مكان بمفردك ,أنا سأقلك للبيت .... ثانيا أنت لن تأتي الى العمل غدا , كفى عنادا و غباء ... )
هتفت مسك بحدة و هي تنظر الى بذهول
( اسمع انت .......... )
الا أنه قاطعها بحدة أكبر هاتفا
( كفى .......... أنت تبالغين في اظهار قوتك , حسنا صدقنا بأنكِ لا تقهرين , لكن ترفقي بنفسك ..... ما الذي تحاولين اثباته و لمن ؟!! ..... )
كل كلمة ينطق بها كانت تزيد من غضبها حتى ادركت أنها لن تستطيع التصرف بتهذيب أكثر ... و سؤاله الأخير هو ما فجر آخر ذرات التحضر فهتفت به بحدة
( أنا لا أسمح لك ......... كيف تتجرأ و تلمح الى أنني ..... )
صمتت فجأة , الا أنه هتف يتابع ما صمتت عنه قائلا بقوة
( الى ماذا ألمح يا مسك ؟ .... و لماذا صمتِتِ ؟؟ .... ربما لأنني محقا ..... انت تحاولين اثبات قوتك الجبارة لابن عمك الغالي ... عبر زوجته , أو عبره مباشرة ..... )
صرخت به بحدة
( أنا لا أسمح لك ......... )
لكنه قال بصوتٍ لا يعرف التردد
( بل أنا اللذي لا يسمح لكِ ........ ستنسينه يا مسك , حتى لو كنتِ قد نسيتِ حبه .... لكن لن يهدأ لي بال قبل أن تنسيه كليا ..... حتى يصبح كأي رجل عابر لا تحملين له أي ضغينة .... مجرد احساسك بالحقد عليه يعني أنه لا يزال يمثل لكِ شيئا ...... )
ساد صمت مرعب بينهما و مسك تحدق به بذهول شرس .... قبل ان تتكلم أخيرا كلمة كلمة ... كل منها أشد خطورة من سابقتها
( أتعلم من تكون ؟!! ..... أنت الشخص الأكثر تجرأ ووقاحة ممن قابلتهم في حياتي كلها ..... و أنا لن أسمح لك بأن تتدخل في حياتي أكثر من هذا .... لقد تجاوزت الخطوط الحمراء كلها و أنا أرفض وجودك بحياتي ..... )
كتف أمجد ذراعيه وهو يقول بمنتهى الهدوء .... و الصلابة
( رفضك مرفوض ...... الآن حاولي التحرك مستندة الى العصا بتمهل ...... )
هتفت مسك و هي تهز رأسها بقوة محتدة
( لا أنا لن أتحرك من هنا معك مطلقا ...... أنت لا تستوعب كلامي حين آمرك الا تتدخل في حياتي , ..... )
كان أمجد ينظر اليها بعينين ضيقتين غاضبتين ...وهو يتنفس محتدا , الى أن اقترب منها خطوة فتراجعت , حتى جلست على سرير الفحص كما كانت قبل دخوله , تنظر اليه بدهشة .... مستعدة لدفعه بعيدا لو اقترب أكثر أو قام بأي حركة غادرة .... الا أنه اكتفى بأن وقف أمامها و قال بحرص
( مسك ...... هل أصبت بالإغماء قبل أن أنقلك الى هنا ؟!! ........ )
عقدت حاجبيها و هي تقول بحذر
( لا ...... لماذا تسأل ؟!! .......... )
ظل أمجد ينظر اليها بنفس النظرات الحادة قبل أن يقول بجدية
( لأنني طلبت منكِ الزواج , الا أنكِ على ما يبدو قررتِ تجاهل طلبي ........ )
فغرت مسك شفتيها بذهول و أمضت عدة لحظات و هي تنظر اليه قبل أن تقول بصوت غريب
( اذن كان هذا حقيقة !! ...... أنا اعتبرته مجرد هذيان بسبب السقوط من فوق الفرس !!! .... )
صمتت مجددا للحظتين قبل أن تهتف بحدة
( هل جننت ؟! ...... أم تمزح ؟؟ أم أنك ببساطة تتسلى بحياتي ؟!! ....... )
عقد أمجد حاجبيه وهو يقول بسيطرة
( أنا لا أمزح ....... طلبي كان جادا تماما و عليه فان اي تدخل سأقوم به يعد مقبولا في وجة نظري ..... )
كانت تستمع اليه بذهول اكبر و هي تهز رأسها بعدم تصديق الى ان هتفت به
( ماذا تقصد بأنك لا تمزح ؟!! ...... هل تريد الزواج مني ؟!! ..... )
رد أمجد متجهما و بكل جدية
( أظن أن هذا ما وضحته أكثر من مرة لدرجة أنني قد بدأت أشعر بالملل ......... )
هزت رأسها مجددا ... ثم هتفت بنفاذ صبر
( و ماذا عن حالتي التي شرحتها لك مسبقا ؟!! .......هل أنت مستعد للتخلي عن الأطفال في حياتك ؟!! .. )
ساد الصمت لعدة لحظات .... وهو ينظر الى عمق عينيها قبل ان يقول ببطىء
( نعم .......... على ما يبدو .... )
فغرت مسك شفتيها و قالت
( على ما يبدو ؟!!! ........ أي جواب هذا ؟!! ...... )
رد أمجد متجهما
( هو الجواب الذي يعني أن الأمر لن يكون سهلا ..... لكن رغم صعوبته اكتشفت أنني لا أريد الزواج من غيرك حتى لو منحتني الأطفال و أنني لن أستطيع تقبل أن تكوني لشخص آخر غيري ...... هو الجواب الذي يعني أنني أريدك زوجة لي رغم كل الظروف ...هو الجواب الذي يعني أنني سأشاركك ما حُرِمتِ منه ..... )
شحب وجهها و شعرت بنفسها تطفو فوق غيمة عالية و هي تسمع تلك الكلمات منه , الى أن تمالكت نفسها و قالت بجمود رافعة ذقنها
( أشكرك على عرضك ...... لكن أعتذر, أنا أرفضه ...... )
قابلت نظراته بقوة ارادة و تحدى .... الا أنها شعرت بوجز في عينيها , فخسرت هذا التحدي مما جعلها تبعد نظراتها عنه و هي تقول ببرود متابعة
( أظن أن رحيلك الآن هو التصرف الأمثل ... و دعنا نعد الى علاقتنا العملية لا أكثر .... )
ساد الصمت بينهما وهي ترفض النظر اليه , و ظنت أنها قد نجحت في الزامه حده , الا أنه قال أخيرا بهدوء
( أنا لن أقبل الرفض كجواب يا مسك ...... )
اندفع رأسها اليه .... ناظرة الى ملامح وجهه ذات التصميم المتجهم و هي تتأكد مما سمعته للتو ... ثم قالت من بين أسنانها و أصابعها تشد على غطاء سرير الفحص ....
( إما أنك تلعب لعبة أكبر منك .... و إما أنك تتخيل أن أكون مجرد أداة تسلية لك لفترة قبل أن تشبع من تلك النزوة و تقرر الزواج من أخرى و أنا في الحالتين ..... )
قاطعها أمجد قائلا بصلابة
( لست واحدا من ابني عمك ..... و اللذان شاء القدر ان يسبقا عرضي في حياتك فيفسدا ثقتك في الغرض الحقيقي لكل من يريدك في حياته بصدق ..... )
كانت مسك تتنفس بسرعة و هي تنظر اليه .... لا تصدق ما ينطق به و بهذه البساطة , فقالت بحدة تتحداه
( هل ستحرم والدتك من أن تحمل طفلك بين ذراعيها كما تتمنى ؟!! ...... أنا لا أصدق هذا .... )
أسبل أمجد جفنيه لعدة لحظات , كانت كفيلة بأن توجع مسك بغدرٍ لم تتوقعه .... لكنها لن تظهر لمحة من هذا الوجع , بل ستبتسم و تنهض و تغادر .... و ينتهي الأمر ...
الا أن أمجد عاد و نظر اليها متجهما بعينين قويتين أجفلتاها .... ثم قال بصوت هادىء
( لن يكون الأمر سهلا ..... لكننا سنتجاوزه سويا , فقط ضعي كفك بيدي و حينها سنستطيع مواجهة من حولنا ..... )
ارتجفت مسك داخليا بشكل غريب ..... لا تزال تعاني الذهول من كل كلمة ينطق بها , الا انها قالت ببساطة
( عفوا ...... لكني لا أصدقك , لست مغرما بي ..... كي تضحي من أجلي بتلك التضحية .... )
نظر أمجد الى عينيها نظرة أقوى و أعمق ..... ثم قال ببطىء
( الزواج بكِ ليس تضحية يا مسك , بل هو غاية أملي في تلك اللحظة ..... ربما كان من السابق لأوانه أن أسمعك قصائد الغرام , لكنني واثقا من شيء واحد ..... أنا أريدك زوجة , لأنكِ معدن لم أعرفه في النساء من قبل ...... أنت كالألماس و بجوارك تتضائل باقي الأحجار ..... لم اقرر هذا , لكنه ما حدث ..... أريدك زوجتي ...... لا أريد أي امرأة لمجرد الإنجاب , أنا أريدك أنتِ ..... و لا يمكنني التفكير في الزواج من أخرى طالما من أريدها متواجدة أمامي ...... )
قالت مسك بخفوت بعد أن انتهى من كلامه
( لا أصدقك .............. )
هز كتفيه وهو يقول ببساطة
( انها مشكلتك اذن ..... أما أنا فعن نفسي أعرف ما أريد ...... )
قالت بحدة
( لكن حين أكون أنا من تريد ..... فعليك احترام رأيي ..... و طلبك مرفوض .... )
هز رأسه نفيا قبل حتى أن تنهي كلامها , ثم قال بخفوت
( لن أقبل بالرفض كجواب يا مسك ....... ستقابلين الكثير من الخاطبين واحدا تلو الآخر و سيؤلمك الكثير منهم و من أسرهم ..... و أنا قد أخضع الى رجاء أمي في مقابلة عروس تلو عروس , و أظل أقارنها بكِ فتخسر المقارنة و أشعر بالذنب وقتها لأنني خضعت رغبة أمي و أحرجت الفتاة معي .... و تتكرر القصة كل مرة ...... لذا لما لا نضح حدا من البداية لهذا الطريق الطويل و نختصر الوقت و الجهد و الاحباطات التي سيواجهها كلانا ........ )
كانت تنظر اليه نظرة ذاهلة , الا انها كانت محافظة على قدسية ترفع ملامحها , ثم قالت أخيرا ما أن انتهى
( أنا لا أعرفك كي أثق بك ..... ما الذي يضمن ألا تفعل مثل زاهر و تكون تلك هي نيتك تجاههي ؟؟ ..... )
ساد الصمت قليلا و قست نظرات عينيه , الا أنه قال بجمود
( أنا لن أعاتبك على مقارنتي به للمرة الثانية .... لكنها ستكون الأخيرة يا مسك , ثانيا ..... يمكنك وضع شرطك في عقد زواجنا .... و أي ضمان تطلبينه ..... )
صمتت مسك تماما و هي تنظر اليه ..... لقد انتهت كل حججها , او ربما ...... لم تستطع التحجج أكثر .....
ما يقوله أمجد الحسيني هو الجنون بعينه ..... و ما الذي يجعلها تصبر على مثل هذا الجنون ؟!!
انها متعبة و تريد العودة الى شقتها و سريرها لترتاح ....
لذا رفعت ذقنها أكثر و قالت بهدوء
( القبول غير متوفر بيني و بينك ....... آسفة ..... )
رد عليها أمجد دون أن يتراجع ...
( كاذبة ............. )
ارتفع حاجبيها و هي تهتف بحدة
( ماذا ؟!! ........ أنا لا أسمح ........ )
قاطعها أمجد قائلا بصرامة
( أعرف أعرف ..... لا تسمحين لي بتجاوز حدودي , سمعتها أكثر من مرة حتى حفظتها ,لذا كان عليك معرفة أنني لا اطلب منكِ الاذن او السماح ...... حين أقول الحقيقة .... و الحقيقة هي أنكِ كاذبة .... )
اقترب منها فجأة لينحني ناظرا الى عينيها فأجفلت و تراجعت قليلا في جلستها على حافة السرير , لكنه قال بهدوء
( انظري الى عيني و أقنعيني أنني أتوهم تلك الكيمياء الخاصة بيننا ........ فشلت مرة حين القيت اليكِ هذا التحدي و ها أنا أعيده من جديد .... )
ظلت مسك تنظر الي وجهه القريب من وجهها جدا ..... يكاد أن يلامسه , الى ان قالت أخيرا بخفوت
( ابتعد من فضلك ........ )
تنهد أمجد تنهيدة لامست بشرة وجهها قبل ان يستقيم واقفا وهو يقول بخفوت مقتضب
( آسف ............ )
كانت كلمة مختصرة .... تبعها صمت متوتر بينهما , و كأن تحديه قد أربكهما سويا فجز كلاهما عن المتابعة ....
حين تكلم أخيرا , قال بصوت حنون غريب
( تعالي يا مسك لأقلك للبيت .... فوجهك شاحب للغاية , توقفي عن التفكير في الأمر الآن ..... )
رفعت وجهها اليه بصمت .... و عيناه تحتويها و تضمها بدفىء لم تعهده من قبل , لكنها لم تستلم لهذا الدفىء ..... و كان الإستسلام الى أمره في النهوض أكثر أمانا .....

ساعدها أمجد في الجلوس داخل سيارته ثم استدار ليحتل مقعد القيادة ..... قبل أن يتحرك بالسيارة , و ساد الصمت بينهما و هي تنظر من نافذتها رافضة النظر اليه .....
كانت تسترجع كل كلمة دارت بينهما .... لا تصدق أن يكون فعلا قد عرض عليها الزواج و بمثل هذا الإصرار .....
الرفض سيكون جوابها دائما , لكن هذا لم يمنعها من استرجاع حوارهما ..... انه يعرض امامها كل ضمان تطلبه دون نقاش .....
لا مجال للشك في أن يكون طامعا بثروة والدها ..... ربما لا يكون ثريا بنفس القدر الا أنه ليس الشخص ذو الطموح المادي تماما كي يطمع بها ....
لا تظنه أيضا شديد التفاهة للدرجة التي تجعله يختارها هي تحديدا و يضحي بأبوته لمجرد أن ينتقم من غدير على قصة قصيرة لم تكتمل بعد ......
درست كل الإحتمالات ..... لكنها على الرغم من ذلك لا تصدقه ..... لا تصدق أن يضحي رجل بتضحية قوية دون سبب مقنع .....
ان كان الحب لم يشفع للتضحية .... و الرغبة أيضا لم تشفع لها .....
فلماذا تصدق أنه سيضحي من أجلها دون سبب جوهري !! ......
تنهدت بقوة .... مما جعل أمجد يلتفت اليها , يتأملها مبتسما قبل أن يعيد نظره الى الطريق قائلا
( ما سر تلك التنهيدة ؟!! ........ طلبت منكِ الا تفكري في الأمر اليوم .... ارتاحي و اريحي عقلك الدايناميكي هذا قليلا ..... )
التفتت مسك تنظر اليه دون أن ترد , فبادلها النظر مبتسما ليقول ببساطة
( أتفضلين الخطبة الطويلة ؟!! ......... )
ارتفع حاجبيها دون أن ترد ..... و نظرت اليه كمن ينظر الى طفل مفقود الأمل به , الا أنه قابل نظراتها برحابة صدر وهو يقول هادئا مبتسما
( إنه مجرد موضوع نتسلى به لنقطع الصمت ........ )
زفرت مسك و هي تعيد نظرها الى النافذة بجوارها , فقال أمجد متابعا برفق
( سآخذك لشهر عسل لن تنسيه مطلقا ....... )
التفتت اليه مسك و هي تقول بحدة
( توقف عن هذا ....... لا شهر عسل و لا خطبة و لا مزيد من الكلام عن هذا الجنون ...... )
ابتسم أمجد ابتسامة بدت خلابة في عينيها وهو ينظر الى الطريق امامه .... ابتسامة اظهرت غمازة عميقة اسفل لحيته الشقراء , لم تلحظ وجودها من قبل .... ربما لأنها لم تره يبتسم بهذا العمق من قبل ....
لكن عينيه كانتا قلقتين .... و كأنه يدرك تماما مدى تسرعه في القاء عرضه .....
اخفضت مسك وجهها لترى انها تمسك بقبضتيها محكمتين بتوتر .... فسارعت لفكهما و هي تأخذ نفسا غاضبا كي تبعد هذا الشخص عن تفكيرها ....
فقالت ببرود
( سيتم مناقشة و اختيار من سيترأس المشروع الجديد خلال الأسبوع القادم ......)
التوى فم أمجد وهو يقول بفتور
( سعدت بمعرفة هذا ........ )
تجاهلت مسك لا مبالاته و قالت تدعي الإهتمام بالأمر ....
( أظنك تتوق للأمر .......... )
نظر اليها نظرة جانبية , ثم اعاد عينيه الى الطريق قائلا
( أتعلمين ما أتوق اليه حقا ؟؟ ....... الجلوس معكِ بشرفة بيتي وقت المغيب , هل تجيدين اعداد الكعك ؟!! ..... )
تأففت مسك بقوة و هي تهتف
( الا تيأس ؟!! ........... )
رفع حاجبيه ببراءة وهو يقول
( لاحظي أنني أحاول جاهدا ارضائك ....و أنت تفتعلين الشجار دائما , .... هذه ليست البداية السليمة لأي علاقة .... حاولي تجنب النكد في حياتنا رجاءا ..... فأنا أريد العودة الى البيت بعد يوم عمل شاق طويل .. لأجد وجها بشوشا و ابتسامة ساحرة ..... )
قالت مسك من بين أسنانها
( لقد سئمتك و سئمت سخريتك ........ )
الا أن أمجد تابع يقول ببساطة و كأنه لم يسمعها
( اتعلمين أن ابتسامتك رائعة ؟!! ....... حين تبتسمين يظهر خطين مائلين أعلى زاويتي شفتيكِ مما يجعلك تشبين الرسوم الكارتونية اللطيفة .... الأجمل منها طبعا .... )
قالت مسك بحدة
( سأحقنهما بالكولاجين كي يختفيا ....... )
هتف أمجد بحدة
( إياكِ ....... أنا أريدهما ........ )
ارتفع حاجبيها و هي تقول ببرود
( حقا !! ..... تريد الخطين بوجهي !! ........ ماذا ستفعل بهما ؟!! ..... )
ابتسم أمجد دون أن يجيب .... ابتسامة أخرى أظهرت الغمازة أسفل لحيته , مما جعل وجنتيها تتوردان دون سبب .... و كأنها قد قرأت التلميح العابث خلف صمته المبتسم ....
فأدارت وجهها الى النافذة .....
و رغما عنها ...... ابتسمت ..... أف له , سمج بشكل لا يطاق ......
.................................................. .................................................. ..................
أخذت تتفنن في اعداد الأطباق التي تجيدها تماما ....
فسنوات من حياتها مع ثريا جعلت منها طباخة ممتازة .... لأن ثريا لم تجن تجيد الطبخ , لذا كان عليها هي التعلم كي تنجو بنفسها .....
و بالفعل أصبح الطبخ لها هواية .....
تنهدت تيماء مبتسمة و هي تقول أثناء تقطيعها للخضراوات بحرفية
( والله اشتقت الى أكلاتك يا عم ابراهيم ....... و التي كنت تطلب بها رضا أمي , لكن لم يتم النصيب .... تكن في فمك و تقسم لغيرك .... كنت لتصبح زوج أم رائع, على الأقل لن تستقبل الضيوف عاري الصدر كالطفل الذي تزوجت منه ...... )
صمتت تيماء و هي تتنهد مجددا بغضب ثم همست
( ترى كيف يعاملك يا أمي ...... كيف يبتزك لقاء بضع ساعاتٍ من المتعة المنفرة بين امرأة و شاب في عمر ابنتها .... )
شعرت تيماء بالندم لما همست به للتو .... لم تكن قاسية على ثريا قط ... مثل الآونة الأخيرة ....
ربما لأنها لم تعد تمتلك نفس المرونة و القدرة على التحمل , فكل مرونتها يمتصها قاصي .... لمجرد أن تصمد فقط ....
من حق أمها أن تتمتع بالمتبقي من عمرها ..... فلقد ضاع شبابها كله لقاء نزوة واحدة مع والدها ....
و طالما أنها لم ترتكب شيئا محرما .... فلما لا تتمتع قليلا .....
لكن ماذا عن كرامتها !!! .....
أي متعة تسعد بينما الكرامة مهدرة بهذا الشكل المخزي ......
تنهدت تيماء للمرة الثالثة بكآبة .... قبل أن تعيد تركيزها الى ما تعده , .... اليوم سيكون لها و لقاصي فقط ....
لا دخيل على ليلتهما سويا ..... و هي تنوي أن تجعلها ليلة من ألف ليلة ....
سمعت تيماء صوت همهمات قاصي في غرفة الجلوس ....
فمالت للخلف و هي تنظر اليه عبر باب المطبخ .....
كان يسير ممسكا بهاتفه ... يتكلم به همسا .....
لقد تكرر رنين هاتفه كثيرا خلال قضائهما بعض الوقت سويا , الى ان زمجر بخشونة وهو يمد ذراعه ليغلق صوته دون أن يحررها , ثم عاد اليها ليغرقها بأشواقه .... فنست أن تسأله عن هوية المتصل ....
لكن على ما يبدو أنه رد الآن ....
ضاقت عينا تيماء و هي تراقب ملامح قاصي عن بعد , حيث كانت تبدو متجهمة ..... شاردة .... و مصممة بشكل خطير ....
مما جعلها ترهف السمع , الا ان صوته لم يصلها ...
مجرد همهمات خافتة و كأنه يتعمد الهمس
ترى هل هي زوجته و يخشى أن يثير غيرتها و لو علمت باتصالها !! ....
شعرت تيماء بالفعل بنصل الغيرة يدب في أعماقها بأفظع آلامه ..... فهي حتى الآن لم تستطع التأقلم كما تدعي ....
تركت ما بيدها بحرص دون ان تحدث صوت .... ثم تحركت على اطراف اصابعها حتى وصلت الى مقربة منه فضيقت عينيها و هي تحاول سماع ما يقوله .... و بالفعل سمعت بعض الحوار .... كان يقول متجهما
( حسنا لا بأس ..... المبلغ سيكون متوفرا خلال أيام , فقط امهلني بعض الوقت ....... )
صمت قليلا بينما اقتربت تيماء خطوة اخرى و هي تنظر الى ظهره المتصلب .... فتابع قاصي بصوت أجش هامس
( بالطبع أريد اتمامها ....... لكن المبلغ ضخم و أنا في حاجة لبعض الوقت .... أيام لا أكثر .... )
أطرق برأسه وهو يغرس أصابعه في خصلات شعره .... قائلا بخفوت صارم
( خلال أيام ....... كن جاهزا و أنا سأعاود الإتصال بك ما أن أجهز المبلغ كاملا ....... )
انهى قاصي الإتصال , ثم استدار ليتسمر مكانه وهو يرى تيماء واقفة تنظر اليه بملامح شاحبة قليلا .... مترقبة .... فعقد حاجبيه و قال بصوت أجش
( هل تتنصتين الى مكالمتي ؟!! ......... )
عقدت تيماء حاجبيها هي الأخرى و أظلمت عيناها قبل أن تقول بخفوت
( آسفة لم أقصد ...... سأعود للمطبخ كي أنهي عملي ....... )
استدارت لتبتعد و هي تشعر بالرغبة في البكاء .... الا أن قبضته أمسكت بمعصمها تديرها اليه , ثم رفع ذقنها بكفه قائلا بخشونة
( لا تكوني حساسة بهذا القدر ........ كنت أسألك فقط ..... )
نظرت تيماء الى عينيه و قالت بخفوت
( هذا لم يكن سؤالا ...... بل كان اتهاما ....... )
ضحك قاصي بعصبية وهو يقول
( حسنا .... كل الزوجات متهمات بهذا , لذا لا تكوني حساسة و تأخذي الأمر على محمل شخصي ..... )
بدا مرتاحا و كأنه يعلم جيدا أنها لم تستطع استنتاج شيئا من اتصاله .... لأنه أخذ حذره و تكلم بطريقة مموهة دون معلومات محددة ....
أخذت تيماء نفسا عميقا ثم اقتربت منه ووضعت يدها الصغيرة على صدره لتقول بحذر
( قاصي ...... هل تحتاج الى المال ؟؟ ..... )
عبس قاصي بشدة وهو يقول
( ماذا سمعتِ من اتصالي ؟!! ........ )
ردت تيماء برفق
( فقط حاجتك للمال ....... لا تخجل مني يا قاصي , أنها أنا .... تيماء ..... أخبرني عن حاجتك له .... )
ابتسم قاصي دون أن تصل الإبتسامة الى عينيه .... و رفع يده يلامس بها وجهها ليقول بلا تعبير
( لا تشغلي بالك .... مجرد حسابات يجب تسويتها ...... )
قالت تيماء مصرة
( أهو أمر خاص بالمطبعة ؟!! ......... )
رد قاصي بطريقة مبهمة بعد فترة صمت
( شيء من هذا القبيل ......... )
قالت تيماء و هي تريح كفيها على صدره
( لقد أهملت عملك خلال الفترة الماضية بسببي ....... )
ابتسم قاصي بخبث وهو يقرص ذقنها قائلا
( الا يحق للرجل التمتع بشهر عسلٍ بعد طول انتظار !! ....... )
لم تستجب تيماء الى نبرة العبث في صوته , بل قالت بجدية
( لكنك تقطع عملك لفترات طويلة .... أيام ... و احيانا اسبوع ..... من المؤكد أنه تأثر بهذا الخلل ..... )
بدا قاصي شاردا تماما مما زاد قلقها فقالت بتردد خوفا من غضبه
( قاصي .... يمكنني مساعدتك حبيبي , كم تحتاج ؟؟ ........ )
أعاد عينيها اليها وهو يداعب وجنتها بشرود ..... ثم قال مبتسما قليلا
( صغيرتي كبرت و آن الأوان كي تساعدني ........ لكنك نسيت أنكِ لا تملكين سوى راتبك فقط بعد أن طردك سالم الرافعي من تحت جناحه ..... )
قالت تيماء باصرار
( أخبرني فقط بالمبلغ الذي تحتاج و أنا سأحاول تدبيره لك ........ )
رد عليها قاصي بنعومة
( ربما هو مبلغ أكبر من قدرتك .......... )
زاد القلق بداخلها أضعافا , لكنها لم تظهره و هي تقول بصلابة
( يمكنني بيع سيارتي لو كان الأمر بهذه الخطورة ........ )
بدا تعبير عميق في عيني قاصي وهو يداعب شعرها مبتسما , ثم قال بخفوت
( سيارتك الصغيرة !! ...... لكن المبلغ الذي أحتاج أكبر من هذا بكثير ..... )
عقدت تيماء حاجبيها و هي تقول بخوف
( لهذه الدرجة ؟!! ....... هل توشك المطبعة على الإفلاس ؟!! ...... )
ابتسم قاصي و انحنى اليها ليقبل وجنتها برقة ارسلت ذبذبات ناعمة الى أطرافها .... ثم همس في أذنها
( لا تشغلي بالك ..... و ممتلكات سالم الرافعي احتفظي بها يا صغيرة , فأنا لا أحتاجها ..... )
قالت تيماء بغضب
( انها ممتلكاتي أنا ...... هذا حقي , بل انه لا يتعدى ذرة من حقي ....أخبرني بالمبلغ أرجوك و لا تزد من قلقي ..... )
رد عليها قاصي قائلا بنعومة
( أنا أدخرك لوقت الحاجة يا صغيرة ...... يكفيني معرفة أنكِ خلف ظهري دائما ...... )
زمت تيماء شفتيها بعدم رضا و هي تراقبه , الا أنه قال بلهجة مداعبة
( اذن ..... هل سنأكل اليوم أو غدا ؟!! ...... وحوش معدتي تصفر ..... )
ابتسمت تيماء رغما عنها و قالت
( خلال دقائق سأنتهي ......... و بالمناسبة , الوحوش لا تصفر ....... )
ابتسم قاصي وهو ينظر اليها بشيطانية ليقول بنبرة خطيرة
( لا ..... إنها تعض فقط ....... )
ثم هجم عليها ينوي عضها الا أنها صرخت و اندفعت تجري من أمامه ضاحكة .... و نست البلهاء حوارهما , أو تناسته ....
بعد فترة طويلة و أثناء جلوسهما سويا الى طاولة الطعام الصغيرة حيث كان قاصي يأكل بنهم , نظرت اليه تيماء و قالت برقة تتأمل كل ذرة من ملامحه المحببة رغم قسوتها
( قاصي ...... هل تحتاج للسفر عودة الى عملك ؟؟ ....... )
رفع وجهه ينظر اليها دون أن يرد ..... فشعرت بوجع غريب لكنها قالت بخفوت
( يمكنك اخباري لا تقلق ......... )
ترك قاصي الطعام من يده لينظر اليها قائلا بخفوت
( نعم يا مهلكة ..... أنا في حاجة للعودة الى هناك بضعة أيام , لكنني أخشى تركك هنا بمفردك .... )
الأن أصبح الوجع هما ..... و شعرت بثقل في معدتها و غصة في حلقها ....
كيف ستستطيع تحمل غيابه مجددا !! ..... إنه العذاب بعينه .....
لكنها ابتسمت على الرغم من ذلك و همست
( اذهب ...... لا تقلق ...... سأكون بخير ....... )
نظر اليها قاصي طويلا بعينين مظلمتين و فك متوتر ..... الا أنها ربتت على كفه قائلة بنعومة
( سنكون بخير , أنا و طفلك ...... )
قبض قاصي على كفها وهو يقول بخشونة
( لا أريد تركك ........... )
الإبتسام كان أكبر من قدرتها على التحمل , الا أنها حاولت جاهدة فرسمت ابتسامة ميتة على شفتيها و هي تقول باختناق
( فقط اذهب ........ لا أستطيع قول المزيد من هذا فلا تؤلمني أكثر ..... )
.................................................. .................................................. .................
استيقظت سوار على صوت جلبة و همهمات صاخبة .....
فتحت عينيها و هي تحاول استيعاب تلك الضوضاء البعيدة , الا أنها لم تكن قد استفاقت بعد .... فمدت يدها تتحسس الفراش الخالي بجوارها ....
حينها فقط استقامت جالسة و هي تدرك بأنها كانت وحيدة في الغرفة ....بينما الشمس قد أشرقت منذ فترة على ما يبدو .....
تنهدت سوار و هي تدرك أنها نامت بعمق بتأثير من الأقراص المنومة التي أرشدها اليها ليث في أول ليلة من زواجهما ....
و قد تناولت واحدا منها ليلة أمس قبل دخول ليث الى الغرفة .... من شدة توترها و ترقبها للأمر المحتوم ...
لكن القرص لم يعط مفعوله بالسرعة التي تمنتها , بل عاشت كل لحظة بين ذراعيه ....
ذاقت كل قبلة .... و شعرت بكل لمسة , الى ان سقطت في سبات عميق في النهاية مثبتة مدى سذاجتها و غباءها .....
نظرت الى الجانب الخالي من الفراش مجددا و احمر وجهها دون أن تزوره الإبتسامة ....
من المؤكد أنه الآن سعيدا منتشيا بحلمه الذي يحققه كل ليلة كما يصر على اخبارها ....
حاولت افهامه أنها لا تريد السماع .... لكنه لم يمتثل , بل هيمن عليها بكلماته الهامسة في أذنها دون أن يخجل أو يشعر بالذنب ....
أما هي .....
فقد كان الذنب يفترسها ..... كل لحظة تمر بينهما , تشعر به يصفعها دون رحمة ......
ترى أين هو الآن ؟!! .... تمنت لو يكون قد خرج قليلا كي تستطيع الإستعداد و مواجهة يوم جديد بصحبته ....
الا أن صوت الجلبة و الهمهمات عاد من جديد .... آتيا من الطابق السفلي , فعقدت سوار حاجبيها بقلق
لم تكن تلك أصواتا عادية .... بل كانت جلبة رجال ....
العديد من الرجال !! ....
نهضت جريا من فراشها و اتجهت الى الحمام كي تغتسل و تستعد لتواجه ما يحدث .... أي كان .....
وضعت سوار عبائتها السوداء من حولها و نزلت السلالم و هي تسمع الأصوات تعلو أكثر .....
فنظرت للمطبخ من بعيد .... حيث كانت أم مبروك و نسيم تعملان بجد و توتر , لقد عادتا و بدأتا العمل أثناء نومها على ما يبدو ....
لكنها لم تتجه اليهما ....
بل سارت الى المضيفة بأبوابها الضخمة المغلقة ... حيث مصدر الأصوات العالية ....
فوقفت أمام الباب ترهف السمع ....
كان أحد الرجال يهتف بخشونة
( ليست المرة الأولى التي تحط من فيها من قدر كبار العائلة يا ليث ..... قبلنا زواجك بابنة الرافعية حقنا للدماء و سلمنا الأمر لله .... لكن تتزوجها بقرار مفاجىء و ترغمنا على الحضور مباركة الزيجة التي تمت خلال ساعات دون أن يكون لك كبير تستشيره .... فهذا غير مقبول أبدا .... وضعت يدك في يد سليمان الرافعي و قررتما عقد القران بينما اقتصر دورنا على الحضور دون معرفة أسباب هذا التعجيل المريب في الزواج ....ليس هذا فحسب , بل هربت لمدة أسبوعين كاملين خارج البلد كي لا نحاول سؤالك خلالهما ..... )
سمعت سوار صوت ليث يقول بنبرة مهيبة
( ليس ليث الهلالي من يهرب ......... اضطررت للسفر ليس الا .... )
قاطعه أحد الكبار يقول صارما
( و ها قد عدت ..... أنت مدين لنا بتفسير عن سبب زواجك بتلك الطريقة , مبديا قرار سليمان الرافعي على قرار كبار عائلة الهلالي جميعهم ..... )
أرهفت سوار السمع منتظرة جواب ليث .... بينما قلبها يخفق بعنف ....
موقف ليث سيء جدا , رجل في مثل مقامه و هيبته يحاسب أمام هذا الجمع و بتلك الطريقة .....
رفعت سوار يدها الى فمها و هي تنتظر سماع صوته .... و بالفعل قال بنبرة قوية تردد صداها
( لا تفسير لدي سوى أن خير البر عاجله ..... لقد نال زواجي موافقتكم فما الفارق في الموعد ؟؟ .... )
سمعت سوار أحد الرجال يهدر قائلا
( تأدب يا ولد و أنت تتحدث مع أعمامك ...... )
رفعت سوار يدها الى وجنتها الشاحبة .... بينما قال ليث غاضبا
( احترامكم على رأسي يا عمي .... لكنكم تبالغون في حسابي , لقد فعلت ما رأيته مناسبا و كل ما طلبته هو دعم عائلتي .... )
رد احد الكبار بصوت هادىء
( و قد دعمناك يا ليث يا ولدي و عضدناك و باركنا زيجتك .... لكن الآن أنت مطالب بتفسير .... )
ساد صمت متوتر .... الى ان قال ليث في النهاية بصوت صلب جاف
( لا تفسير لدي ..... لقد فعلت ما رأيته مناسبا , ..... )
حينها هدر أحد عمامه قائلا
( انت تتحدى الجميع بمنتهى الجرأة يا ليث ... الا يكفي سكوتنا عن زيجة أختك التي زوجتها لرجل غريب و فضحتنا .... )
هدر ليث قائلا
( زواج أختي ليس فضيحة يا عمي ..... لقد تزوجت من رجل صالح و عائلته محترمة كريمة الأصل ... )
هتف عمه بحدة
( لكنه لم يكن من العائلة ... كانت كارثة اضطررنا الى تقبلها كي لا نخسرك بيننا , لكنك تماديت جدا يا ليث .... احذر , فلم تعد لك فرصا اخرى في هذه العائلة , لقد استنفذت كل قدرتنا على سماحك .... )
عادت الجلبة و الهمهمات قبل ان يقول احد الكبار
( هيا بنا .... وجودنا هنا مضيعة للوقت , لنأمل ان يكون قد وعى درسه قبل ان يحط من قدرنا مجددا ... )
سارعت سوار في الابتعاد عن الباب حتى خرج الجميع متذمرين و الغضب بادٍ عليهم ...
و ما ان غادروا ... حتى خرجت سوار من مخبئها و اتجهت الى المضيفة المفتوحة , فوقفت في بابها و هي تنظر الى ليث الذي كان يجلس على أحد المقاعد الضخمة , مطرق الوجه ... صلب القسمات و مجهد بشكلٍ موجع ...
ظلت سوار واقفة مكانها طويلا تنظر اليه بصمت ....
شعور غريب احرق صدرها تجاهه و هي تراه على هذا الحال , .... لقد تحمل لوما و تقريعا لا يتحمله شاب في العشرين ... لا احد كبار عائلة الهلالي ...
تكلم ليث فجأة قائلا بصوتٍ عميق دون أن يلتفت اليها
( هل ستظلين واقفة عند الباب طويلا ؟!! ...... )
أجفلت سوار و قالت مرتبكة
( كيف عرفت بوجودي دون أن تراني ؟! ........ )
التفت وجهه اليها بصمت .... و نظر اليها نظرة تخللت كيانها بأكمله قبل أن يعود بعينيه الى عينيها المرتبكتين وهو يقول بخفوت عميق
( حفيف عبائتك .... عبير عطرك .... سلطان حضورك ..... مستحيل الا يبصرك الأعمى ... )
أخفضت سوار وجهها و هي تتنهد بتوتر ... ثم قالت بخفوت
( لقد سمعت ما دار هنا ........ )
لم يرد ليث على الفور , الا أنه قال في النهاية بلا تعبير
( جيد ............ )
رفعت سوار وجهها اليه و اقتربت منه و هي تقول بقوة
( لا .... ليس بجيد , مكانتك تهتز لى عائلة الهلالي ....... )
نظر الى عينيها طويلا قبل أن يحرك كفه بلامبالاة قائلا بايجاز
( على ما يبدو ...... )
ارتفع حاجبي سوار في دهشة و هي تسمع نبرته الفاترة , فقالت بحدة
( الا تهتم ؟!! .......... )
رد عليها ليث قائلا بلا تعبير
( على ما يبدو أنكِ تهتمين أكثر ......... )
ردت سوار بصلابة عاقدة حاجبيها
( ماذا تقصد يا ليث ...... لم يعجبني تلميحك , هل تظن أنني تزوجتك , رغبة مني في أن أكون زوجة كبير عائلة الهلالي مستقبلا ؟!! ...... )
رد ليث ببساطة
( هذه رغبة العديد من النساء هنا بالفعل ....... )
رفعت سوار ذقنها و قالت بصوتٍ قوي
( لكن ليست سوار الرافعي ........ أنا لا أهتم لمكانتك , الا بالقدر الذي يهمك أو يوجعك .... )
نظر اليها ليث نفس نظرته الطويلة الغامضة قبل أن يقول بخفوت اجش
( بماذا تهتمين اذن يا سوار ؟؟ ........... هل هناك ما هو قادر على اختراق درعك المنيع و الظفر باهتمامك الثمين ؟!! ...... )
شحب وجهها من نبرة الإتهام في صوته العميق الخافت , الا أنها قالت بإباء
( بالطبع أهتم ..... اهتم بك فأنت ابن خالي , لكن ربما ليس بالطريقة التي تهتم أنت بي .... و هذ يجعلك غير راضيا ..... أعتذر إن كنت لم أحقق لك حلمك كاملا , لكنني أبذل أقصى ما في وسعي .... )
رفع ليث يده مشيرا اليها لتقترب وهو يقول بخفوت آمر
( تعالي .......... )
بدت سوار مترددة للحظة الا أنها سارت الى حيث يجلس فجذب كفها برفق الى أن جثت على ركبتيها أرضا أمامه .... حينها استقام في جلسته و مال اليها حتى اقترب من وجهها البهي الصلب الذي يفتقد الى جموحها القديم ...
ثم قال بخفوت أمام عينيها الناظرتين اليه بكبرياء
( و هل أخذك لأقراص النوم قبل اقترابي منك ... يعد أقصى ما في وسعك ؟!! ..... أنتِ حقا قادرة على اراقة كرامة رجل دون أن يهتز لك جفن .... )
شحب وجهها أكثر و هي تنظر الى ملامحه الصامتة ... الصلبة و العينين الداكنتين , فقالت بخفوت
( لم تنجح على أي حال ........... )
قال ليث وهو يتلمس وجهها برقة مبعدا وشاحها عن رأسها
( المهم ما كنت تريدين ......... )
أخفضت سوار وجهها و هي تستند بكفيها الى ركبتيه دون أن تشعر .... غير قادرة على الرد , فقال ليث نيابة عنها
( كم مرة تنوين أخذها ؟!! .... مرة ... اثنتين .... ثلاث ... الى أن تعتادي قربي ؟؟ .... ماذا لو طال الأمر لبقية حياتنا معا ؟!! ..... )
بقت سوار منكسة الرأس أمامه ... صامتة , مظلمة الملامح , ثم قالت أخيرا بخفوت
( لن آخذها مجددا ....... )
لم يبدو أنه قد رضي تماما عن جوابها الخافت , فقال بهدوء
( هل تبغضين قربي الى هذا الحد ؟!! ........ )
كلمة واحدة , لو نطقتها فربما سيبتعد عنها و لن يقربها مجددا .... لو نطقت بكلمة " نعم "
حينها ستمنعه كرامته من لمسها أبد الدهر و ستكون محرمة عليه بقرار منه ....
لكنها لم تستطع .... لم تحاول , من الأساس ...
فهزت رأسها المخفض نفيا ببطىء ... حينها مد يده اسفل ذقنها ليرفع وجهها اليه حتى تلاقت أعينهما طويلا ... فقال بخفوت
( ما اللذي ينقص يا سوار ؟؟ ...... ما الذي ينقص كي تهبيني نفسك دون شروط , دون كوابح .... )
ابتلعت سوار غصة في حلقها قبل ان تقول
( ربما لم يعد لدي ما أهبك .......... )
ساد الصمت بينهما طويلا قبل ان يقول ببطىء و بتصميم
( اليوم الذي تغادر فيه انفاسك ..... سيكون اليوم الذي لن يكون لديك ما تهبيني اياه , و أسأل الله أن يكون يومي قبل يومك .... )
رفعت يدها بسرعة لتسكته و هي تقول بصوت أجش
( بعيد الشر عنك ............ )
برقت عينا ليث لعدة لحظات جياشة .... الا أنها لم تطول , فقد دخلت ام مبروك مسرعة مهرولة و هي تقول
( سيد ليث ........ )
انتفضت سوار واقفة , لتبتعد عن مقعد ليث بحرج , بينما أخذ هو نفسا عميقا غاضبا .... قبل ان يقول بكبت
( ماذا هناك يا أم مبروك ؟؟ ........ )
ارتبكت أم مبروك من المشهد الذي رأته للتو ... و ادارت ظهرها و هي تقول متلعثمة برعب
( أعتذر سيدي ..... أعتذر ....... )
تنهد ليث وهو يقول بصبر
( ماذا هناك يا أم بروك ؟؟ .......... )
تلجلجت أم مبروك و هي تقول
( السيدة ميسرة و نساء العائلة .... حضرن لتهنئة السيدة سوار على الزواج ...... )
اتسعت عينا سوار و هي تقول بحدة
( مجددا ؟!!! ............... )
رمقها ليث بنبرة تحذير جعلتها تصمت غاضبة و هي تشتعل , فقال ليث بهدوء
( ادعيهن الى هنا يا أم مبروك و حضري الغذاء من الآن ........ )
انصرفت أم مبروك مهرولة , بينما قالت سوار بغضب
( لا أريد أن ......... )
الا أن ليث رفع كفه يقول بصلابة
( كفى يا سوار ...... مضى اسبوعان على زواجنا , و لا مفر من استقبال ضيوفك و اكرامهم , .... لا أريد لأحد أن يتهم دار ليث الرافعي بالتخاذل عن تقديم الواجب و استضافه أهله ...... لقد رأيتِ بنفسك ما تحملته اليوم .... )
زمت سوار شفتيها بغضب .... و هي تجابه نظراته بأخرى تحترق , الا أنها سرعان ما خلعت عبائتها السوداء أمام عينيه المراقبتين لها بنهم ....
فبقت بأخرى بيضاء مذهبة ..... بينما حررت شعرها طليقا حتى بدت كعروس بأجمل ما تكون ....
ابتسم ليث وهو يراقب العنفوان على ملامحها المستاءة و هي تتحول سريعا الى بجعة ساحرة .... بينما همس بداخله
" حماك الله من شر العين يا مليحة .......لتصبني قبل أن تصيبك ..... "
تحرك ليث ليخرج متنحنحا بصوتٍ عالٍ كي ينبههن الى خروجه .... الا أن ميسرة كانت أول من أدركه , فأسرعت اليه تمسك بساعديه و هي تقول بشوق
( حمدا لله على سلامة عودتك يا غالي .... أنرت أرضك و دارك ..... )
ربت ليث على كتفها برفق ... وهو يقول باقتضاب
( سلمك الله يا ابنة عمي ...... أعرف أنني تأخرت عليكِ لكنني الليلة س ...... )
رمت ميسرة رأسها على صدره بلهفة و هي تهتف مقاطعة
( لا تعتذر يا غالي .... تكفيني رؤيتك سالما غانما , ليرتاح قلبي ....... )
شعر ليث بالحرج مما تفعله ميسرة أمام سوار و التي كانت تراقبهما من بعيد بنظرة غريبة ....
انها المرة الأولى التي تراقبهما فيها على هذا النحو .....
أما ميسرة فمالت الى ليث تهمس في اذنه
( لي رجاء عندك يا سيد الرجال ...... و أملي الا تخيب ظني .... )
نظر اليها ليث قائلا بخفوت
( ماذا تريدين يا ميسرة ؟؟ ....... )
مالت اليه اكثر و همست متوسلة
( أريد مرافقتك في السفرة التالية للمدينة ...... احدى بنات عمي رشحت لي طبيبة جديدة , معروف عنها خبرتها بعد عودتها من الخارج .... عسى الله ان يجعل الذرية على يديها .... أرجوك يا حبيبي , لا تحرمني هذا الرجاء الذي أعيش لأجله ...... رؤية طفل منك هي سعادتي في المتبقي من عمري .... )
نظر ليث الى سوار نظرة طويلة ... بينما بادلته سوار النظر بجمود و هي ترفع رأسها بترفع عما تحاوله ميسرة ....
الا ان ليث قال لها برفق
( لا اتمنى لكِ المزيد من الأماني الكاذبة يا ابنة عمي ......... لنرضى بقضاء الله .... )
هتفت مترجية بشكل اثار اشمئزاز سوار اكثر
( ارجوك .... ارجوك ...... لنسعى و نحاول ...... )
تنهد ليث وهو يضغط اعلى حاجبيه .... قائلا بخفوت
( حسنا يا ميسرة ..... المرة القادمة سترافقينني .......... )
ابتسمت ميسرة بانتصار و هي ترمق سوار بطرف عينيها , بينما رمتها سوار بنظرة كالسهم , فقال ليث بصلابة
( ادخلي النساء يا ميسرة اهلا بهن ..... سأخرج على الفور ...... )
رمق سوار بنظرة اخيرة قبل ان يستدير خارجا من الباب الخلفي ..... أما سوار فوقفت تنظر الى ميسرة بسخرية قبل ان تقول
( انا مندهشة لفقدانك النذر القليل من الخصوصية يا ميسرة !! ........ الا تشعرين بالضيق لسماع أسرارك على هذا النحو ..... )
ابتسمت ميسرة ابتسامة بددت كل ملامح المسكنة و التوسل , لتقول بصوت كالخرير
( ليس بقدر الضيق الذي اراه على وجهك الآن .... و الذي سأرى أضعافه لاحقا ......... )
تصلبت ملامح سوار و هي تنظر اليها بقسوة , الا ان ميسرة نادت عاليا من الباب الخارجي
( تفضلن ...... تفضلن , لقد خرج الغالي و ليست هناك سوى ....... ابنة الرافعية .... )
استدارت ترمي سوار بنظرة اخيرة ....... تبدو كنظرات افعى كان يربيها راجح قديما .... تذكرتها سوار الآن ....
بدات النساء في الدخول لنهنئة سوار و على ألسنتهن عبارات الاعجاب ما بين شهقات خافتة و بين قول
بسم الله ما شاء الله .... تبارك الرحمن ....
حينها تولت سوار امر ضيافتهن حتى بدت كالملكة المتوجة في صوتها و اناقة حركتها و ابتسامتها الهادئة ...
مما جعل جميع النساء يسحرن بطريقتها الراقية الأخاذة و اسلوبها الفطري في جذب النظر ....
اما ميسرة فلم تستطع السيطرة على طاقة الحسد التي تطل من عينيها , مما جعلها تنهض لتغادر المضيفة بعنف .... تتبعها نظرة من طرف عين سوار ...
.................................................. .................................................. ..........
دخلت ميسرة الى المطبخ لتقول بصوت آمر
( هل جهز الطعام يا ام مبروك ؟؟ ........... )
ردت ام مبروك عليها بسرعة و تهذيب
( حالا ..... حالا يا سيدة ميسرة و سيكون كل شيء جاهز ....... )
قالت ميسرة بصلف
( حسنا اتركي ما بيدك حالا و اخرجي لتأتيني بحقيبة يدي من على الأريكة المذهبة في الخرج , أريد أخذ دوائي منها ..... )
قالت ام مبروك و هي تمسح كفيها
( حالا سيدة ميسرة ...... حالا ......... )
انتظرت ميسرة الى ان اختفت فاتجهت لتتناول كوبا زجاجيا , ملأته ماءا من ابريق بجوار نسيم التي كانت تعمل في صمت , فقالت دون ان تنظر اليها و هي ترتشف الماء
( ما الجديد بخلاف أقراص منع الحمل ..... اسرعي ..... )
اضطربت نسيم و همست مرتبكة برعب
( ضيفة أتت .... و تكلمت عن فضيحة ..... فضيحة كبيرة جدا , ..... )
برقت عينا ميسرة بلمعان مخيف , قبل ان تهمس بنهم
( كل كلمة سمعتها ...... أسرعي ..... )
.................................................. .................................................. ......................
تأففت ريماس و هي تقول بنفاذ صبر
( اثبت يا عمرو , لقد تعبت من سرعة حركتك ..... ارتدي قميصك و الا سأخبر والدك و سيعاقبك .... )
رد عمرو عليها بشقاوة
( لن يعاقبني ..... سيصطحبني الى تيما , و نخرج مجددا و هذه المرة سيأخذني الى عرض الدلافين .... )
مطت ريماس شفتيها بامتعاض و هي تقول
( تيماء مجددا ..... لقد سرقتك أنت ووالدك , بينما أنا .......... )
دق جرس الباب فجأة , فانتفضت ريماس و هي تعقد حاجبيها متسائلة عمن سيأتي الآن .... نظرت الى ساعة الحائط حيث كانت تشير للسادسة صباحا , و هي تقوم باعداد عمرو استعدادا للذهاب الى المدرسة ....
برقت عيناها فجأة و هي تبتسم بلهفة هامسة
( قاصي !! ......... )
فتركت عمرو و نهضت جريا الى باب الشقة كي تفتحه دون ان تهتم بستر نفسها فوق قميص النوم الذي ترتديه مظهرا الكثير من مفاتن جسدها ......
هتفت و هي تفتح الباب
( الم تقل أنك ستصل في الثامنة ؟؟؟ ......... )
الا ان الكلمات توقفت على شفتيها فجأة بذعر و هي تنظر الى الواقف امامها ... يرمقها بنظرات شهوانية قذرة .... من اعلى رأسها و حتى اخمص قدميها ... متطرقا بعينيه كل ذرة من جسدها بوقاحة ...
مبتسما ابتسامة جائعة .... لكنه جوع الانتقام و الحقد .... بينما عيناه الحمراوان تدلان على انه لم ينم بعد ... بل انهى سهرته و اتى اليها ...
همست ميسرة برعب غير مصدقة و هي تتراجع للخلف خطوة
( راجح !! .............. )
ابتسم راجح ابتسامة مدنسة وهو يقول بصوت اجش بطيء
( مر وقت طويل على آخر مرة لبيتِ بها اوامر سيدك .... جاريتي .... )
هكذا كان يداعبها دائما .... ففغرت شفتيها بذهول و هي تتراجع خطوة اخرى .... بينما اندفع عمرو من خلفها يقول ببراءة
( من هذا الرجل يا أمي ؟؟ ......... )
اخفض راجح عينيه وهو يتأمل عمرو طويلا .... و قد طار العبث من عينيه و بقى احمرار التملك ..... 

طائف في رحلة ابديةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن