كبير العيلة الحلقة (18) بقلمي/ منى لطفي

125K 2.7K 158
                                    

كبير العيلة

الفصل الثامن عشر

بقلمي/احكي ياشهرزاد(منى لطفي)

أنوار تلألأ بها قصر الخولي المنيف في البلدة وصدحت بعدها صوت إطلاق الأعيرة النارية احتفالا بعقد قرآن أحفاد عميد عيلة الخولي الحاج عبد الحميد عثمان الخولي, اقتصر عقد القرآن على الأهل والأقارب فقط احتراما لوفاة ابن العائلة راضي, ولكن هذا لم يمنع الرجال من إطلاق الأعيرة النارية احتفالا بأبناء كبيرهم.. شهاب وغيث الخولي...

جلست سلافة وسلمى بجانب بعضهما بينما التفت النسوة حولهما وهن يلقين اليهن بالتهاني والمباركات, ووقفت الجدة تنظر بزهو الى حفيديتها وجمالهما الوضّاء, وكانت قد سمحت للنسوة بالأغاني وإطلاق الزغاريد فالمنزل خال لهن بينما انتصبت خيمة كبيرة للرجال في الساحة الملحقة بالقصر, وقد حضرت أم ليث وسلسبيل شقيقة العريسين وألحت أم ليث على الجدة السماح للحريم بإنشاد الأغنيات والتعبير عن فرحتهم, وبينما جلست ألفت تتلقى التهاني والمباركات من الحاضرات كلهم كانت راوية تقبع في جانب بعيد عنها تنظر اليها دون انتباه الآخرين لها بغموض بينما يعتمل قلبها بكره أسود وحقد دفين وهي تتوعد في ضميرها أنها ستذيقها هي وبناتها الويل على كافة أنواعه بل ستحيل ضحكتها السعيدة بابنتيها هذه الى دموع حارقة تبكي الساعة التي وافقت فيها على زواج ابنتيها من ولديْها هي!..

لم تكن تدري راوية والتي غلبها كرهها فظهرت نظتها السوداء جلية في عينيها أنها موضع مراقبة الجدة فاطمة لها, والتي أسرّت في نفسها وهي تتابعها بعينيها بوعد قاطع:

- ربنا يستر من اللي بتفكري فيه يا مرَت ولديْ, لكن أني واعيالك زين ومفتحالك عينيا التنييين جوي, ولو جلِّيت عجلك واعملت حاجة تفسد فرحتهم لاكون أني اللي واجفالك يا راوية, وانتي عارفة كلمة الحاجة فاطنة.. لمن أجول أنفذّ..

كانت هناك سيدة متشحة بعباءة سوداء مزينة أطرافها بخرز ملون تمسك بيدها دفّاً وتقوم بغناء بعض الأغاني المشهورة لديهم والتي كان يسمعها ولأول مرة ألفت وابنتيها...

ابتسمت سلافة هي وسلمى وهما يسمعان تلك الكلمات التي تراقص عليها بعض الفتيات وكانت تقول:

اتكحرت وأجرى يا رمان .. وتعالى على حجرى يا رمان ..أنا حجرى حنين يا رمان .. ياخدك ويميل يا رمان.. اتكحرت وأجرى يا رمان.. وتعالى على صدرى يا رمان.. أنا صدرى حنين يا رمان.. ياخدك ويميل يا رمان.. اتكحرت وأجرى يا رمان.. وتعالى على وسطى يا رمان.. أنا وسطى حنين يا رمان.. يخدك ويميل يارمان.. اتكحرت وأجرى يا رمان ..وتعالى على (.........) يا رمان ..أنا (........) حنين يا رمان.. يخدك ويميل يا رمان....

جلست سلسبيل تطالع الفرحة المرتسمة على وجوه المحيطين بها, ولفت نظرها تعبيرات وجهي سلمى وسلافة, لا تنكر أنها ترى فرحة تتقافز داخل الأعين ولكنها لا تدري لما تشعر أنها ممتزجة بشعود آخر أشيه بالقلق أو الخوف, هي تعلم أن شقيقيها قد دفعا بالأحداث سريعا وأن عقد القرآن قد تم بعد زواجها هي بأقل من أسبوعين, ليرحل عقلها شاردا في ذلك الذي أقحم نفسه في حياتها ومع هذا يتركها بكامل حريتها!, هو يتحكم بكل شاردة وواردة بها وبدون أي مجهود منه!, يكفي أن ينظر إليها بليل عينيه السرمدي ذلك لتعلم ما يريد, هي منذ عناقه المباغت لها وهي تتعمد عدم الاقتراب منه أو إثارته, تعلم يقينا أن ماحدث كان النتيجة التي ترتبت عن عباراتها الخرقاء تلك التي رمتها بكل غباء في وجهه ليلة الزفاف, لم يكن من الواجب أن تقذفه بتلك الكلمات الصريحة بوقاحة من أنها لا تريد قربه وأنها لا تزال في عين نفسها زوجة لأخيه... راضي!, كتمت تنهيدة عميقة كادت تخرج من أعماق صدرها, حتى الأسم أصبح محرّم عليه تذكره, وقد يكون هذا أكثر ما يثير أعصابها ويوغر قلبها تجاهه, فهي ومنذ أن حملت لقب زوجة ليث أصبح من غير المسموح لها التفكير بغيره وان كان هذا الغير قد كان زوجا لها ذات يوم والآن هو في عالم آخر, ولكنها ليست بخائنة وهي تعد هذه خيانه ان ذكرت اسمه حتى بينها وبين نفسها, وهذا أكثر ما يثير استيائها وحنقها من ليث أنه حرمها حتى متعة العيش على ذكرى زوجها الراحل, لا تنكر أنه لا يحب صغارها فقط بل هو يعشقهم وهما يعشقانه بالمقابل وخاصة شبل, ذلك الصغير الذي أسماه هو وتربى في حضنه أكثر من أبوه البيولوجي والذي كان دائم السفر, فهو يقضي وقتا كثيرا معهما بل أن وقته هذا يعد من المقدسات بالنسبة له حتى أنها تشعر أن الولديْن قاربا أن يصبحا نسخة مصغرة عنه وخاصة شبل والذي يحاكيه في كل حركة تصدر منه ابتداءا من عقد يديه خلف ظهره وهو يتناقش في أمر هام, إلى التقطيبة التي تعتلي وجهه أثناء تركيزه في حل مشكلة ما, انتهاءا برغبته بارتداء عمامة كعمه ليث بل وأن يتعلم هو كيفية ربطها لنفسه!..

كبير العيلةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن