"هل ستبقين دائما بجانب النافذة؟"
"على الأغلب, أن لم يحدث شيء أخر هنا"
"هل تحاولين مساعدتي هنا؟ لمرة واحدة؟ أعني لم أقصد أن أجرك إلى ليفربول تعلمين هذا"
"أمي؟, لم أقل هذا.. ,لكنك ما زلتي تحاولين الفرار مما حدث في سوري"
"لقد انتهى هذا الأمر منذ وقت طويل"
"حسنا"
ساد الصمت بعد - حسنا- , لا تزال هي تراقب النافذة, بينما خرجت الأم من الغرفة.
أخذت تجوب نظرها فيما حولها, شمعدان قديم مركون فوق الطاولة , أيضا كانت هناك بعض اللوحات المعلقة في الغرفة.
تتحرك مبتعدة عن النافذة بانسياب فستانها الحريري , تسرع خطواتها حتى تخرج من الباب.
تعطي نظرة خاطفة لورق الجدران الأحمر المزخرف قبل أن تلفت وراءها إلى السلم المؤدي للطابق الارضي.
تمر بعدة لوحات بدون أن تلقي عليها نظرة, تبدو وكأنها تعلم ما تحمله في أطارتها.
وما أن تصل الدرجات الأخيرة تصبح صدى الضحكات والأحاديث عند ملتقى سمعها.
تتقدم قليلا للأمام, فينحني لها الخادم الذي لم تلاحظه ألا الان.
فاتحا لها بابًا قاعة الجلوس , تطأطأ رأسها احتراما قبل الدخول وترفع نظرها عندما سمعت دوي أغلاق الباب.
فترى سراب الملابس السوداء والفساتين الحريرة المبهرجة ذات طلة القرن الثامن عشر وهي تحتفل في القاعة.
تلاحظ توقف الموسيقى مع دخولها, وعلو صوت الضحكات والتصفيق للذين أنجزوا الرقصة الأولى.
تتحرك بين الحشود المتمسكة بكأس الشامبين والفساتين المنفوشة.
حتى تصل إلى مجموعة نساء كانوا في مقدمة الحشود اللذين يراقبون الراقصين.
مسكت بها أحداهن قائلة:
"ايزابيلا؟"
"الخالة باتريس؟"
تنحي إيزابيلا بكل احترام وخجل سريعين للخالة باتريس, بينما تنزل الخالة باتريس كأسها على أحد الطاولات.
تتحدث الخالة باتريس ممسكة بمرفق إيزابيلا:
"بالمناسبة بأنني أستطيع أن أخطفك لعدة دقائق من أمك أريد أن أعرفك على عدة من معارفي"
تتلعثم إيزابيلا قائلة:
"ح-حسنا"
لم تستطع إيزابيلا التملص من خالتها, فكانت تعرفها خالتها على اشخاص من شرق وغرب ليفربول الصغيرة.
سواء أ كانوا أطباء أم جنودًا فكانت خالتها تعرف الجميع, بينما كان نظر إيزابيلا يتركز فقط في الأسفل , كانت قد رفعت رأسها عندما بدأت خالتها التحدث مع السيد هسكي.
رجل في مقتبل العمر بعظام فك مشدودة ,ولحية خفيفة بنية تخلل أقلها الشيب, بأعين خضراء لامعه أبرزها خاتم زواجه الفضي الذي مرره على شعره المسرح على الجانب.
أخذ يتحدث بلكنة بريطانية قوية يشوبها العطف نحو إيزابيلا سائلا الخالة باتريس:
"ومن هذه الشابة؟"
ابتسمت إيزابيلا وأجابت عوضا عن خالتها:
"إيزابيلا جدفيشزي"
أنحنى السيد هسكي وإيزابيلا بينما قال الخالة باتريس:
"إين زوجتك سيد هسكي لم القي عليها التحية منذ أن أتت من زيارة عائلتها في الريف"
أخذ السيد هسكي والخالة باتريس يتبادلان أطراف الحديث, بينما عادت إيزابيلا تنظر إلى أرجاء القاعة التي علت فيها أصوات الجوقة الموسيقية مرة أخرى.
يتعالى صدى الأحذية وهي تهبط على الأرض بقسوة, وإيزابيلا لاتزال تبحث عن طريقة للتملص من ثرثارات خالتها الغير الهادفة.
فجأة حسم صوت الموسيقى وتوقف أيقاع الأقدام, بدا كل من في الغرفة بالتحديق بصمت. بمن حضر للتو.
تهمس الخالة باتريس في أذن إيزابيلا بضحكة:
"إنه السيد لافرزندي"تنظر إيزابيلا إلى خالتها بسخرية:
"وإذن؟. تبدين وكأنك تعلمين جميع من هنا, لم تتفاجئين من السيد لافرزندي فقط؟"
"لما؟ تجعليني أضحك أحيانُا, لا تكوني سخيفة إيزي"
"إذن ما خطب السيد لافرزندي؟"
يمر السيد لافرزندي من بين الحشود ومعه رجلان, ولايزال كل من القاعة صامتًا.
حتى توقف السيد لافرزندي فوق منصة الجلوس, وأنخذ مقعد له.
حينها عاد الجميع لما كانوا يفعلونه , بينما البعض كان لايزال يحدق في السيد لافرزندي.
حينها تحدثت إيزابيلا إلى خالتها:
"أعذريني"
"إيزابيلا إلى إين ستذهبين؟"
"مكان ما"
تتحرك إيزابيلا بين سراب الأقنعة والخدم, مارة من أمام السيد لافرزندي الذي لم ينبس بشفة.
تتوقف أمام واحدة من الشرف المفتوحة, وتلامس حاجزها الحجري وبتلات الزهر.
يداعب خداها الهواء البارد, فترتعش لوهلة.
"لن تدفئك قطع الحرير هذه"
"أنني لا أرجو الدفء"
"ماذا ترجين إيزابيلا"
تلتف إيزابيلا نحو الشخص المتحدث.
تتكأ على الحاجز الحجري, وتبتسم ابتسامة جانبية:
"لم أرك في الحفل"
----------------------------------------------------------------------------------------------------
?FIRST PART, ANY THOUGHTZ