THE PIANO

32 5 0
                                    

يحيط ضي الشمس بالستائر الملساء التي تلامس أركان ردهة الفنون.. تكون السيدة جدفيشزي تستمتع باستراحة ما بعد الظهيرة, يلاحق سمعها دق خطوات إيزابيلا الطربة وهي تدخل الردهة, حينها تتحدث أمها بشوق:

"والدك أعتاد على العزف على البيانو"

تطيل السيدة جدفيشزي النظر في البيانو الذي توسط الركن في الردهة بجانب النافذة التي تدافعت ستائرها إلى الداخل كلما تسابقت نسمة إلى داخل الشرفة, تنظر السيدة جدفيشزي إلى إيزابيلا وهي تتحدث بتراخ:

"ألا تعزفين لي قليلا إيزابيلا؟, بما أنني في مزاج جيد ربما أستطيع تحمل عزفك لعدة دقائق"

تنظر إيزابيلا إلى والدتها بابتسامة جانبية وتهمس:

"تعلمين بأنني أحب عندما تطلبين مني العزف"

تقترب إيزابيلا من جانب خشبة البيانو البنية.. التي نقشت بأجمل النقوش, بدا واضحا بأنه قديم الطراز كما لو كان يعود لشخص ما في غابر الزمان ترفع إيزابيلا الواجهة عن البيانو شيئا فشيئا, حتى تتضح المفاتيح كلها ثماني وثمانين مفتاحا تسطيع إيزابيلا العزف على القليل منها فقط.. تنظر إيزابيلا إلى والدتها ويداها لا تزال على مفتاح سي الرئيسي وتحدثها:

"ماذا تريدين إن أعزف؟"

"هلا تعزفين توركيش مارس؟"

"أعتقد بأنها تبدأ هكذا"

تغمض إيزابيلا عيناها الخضراوان وتحرر يداها للحن.. تلامس إيزابيلا المفاتيح بكل شغف وتيمم, وتهز رأسها بين الحينة والأخرى كالمندل لتضبط الإيقاع.. تمر عدة دقائق ولاتزال إيزابيلا تعزف كما ولو كان الأمر يطربها, حينها تبدأ تتلوح في ذهنها صورة لأعين زرقاء بائسة محتقنه فجأة لتضرب المفتاح الخاطئ, تفتح إيزابيلا عيناها في استغراب وتلاحظ السيدة جدفيشزي نظرات الدهشة التي تعلو إيزابيلا تتحدث السيدة جدفيشزي بتعجب:

"ماذا حل بك؟ لم توقفتٍ عن العزف؟"

"لا أعلم.. لكنني لن أستطيع العزف الأن لست يقظة كما يجب, ربما علي الحصول على قسط من الراحة"

تومأ السيدة جدفيشزي رأسها بينما تخرج إيزابيلا من الغرفة وعقلها يتشوش مع كل لحظة.. لماذا من بين كل الأشياء التي أمكن أن تفكر بها أثناء العزف العينان ظهرتا وهما يفضيان بمشاعر الحسرة واليأس؟ عينان تفوق المحيط عمقا وتماثل الفضاء في وسعها, عينان تطابق عينا السيد لافرزندي بلا نقصان.

تتساءل إيزابيلا في ذاتها, أهما حقا ما لمعا في ذاكرتها؟ أهو حقا تبعها إلى الجدول في تلك الظهيرة؟ أهو حقا من جلب الخاتم في ذلك المساء؟ أهو كان السراب الأسود الذي لا يدنو من وجهه شيء؟ لما كان يتحدث عن خاتمها كما لو كان قد راه مرتان؟..

تهمس إيزابيلا لنفسها:

"ما هو الموضوع الذي يريد أن يحدثني بشأنه بتلك الأمسية؟"

تنفرد إيزابيلا بنفسها لعدة دقائق قبل أن تجمع شتلات أفكارها الواحدة تلو الأخرى.. قد لا تكونا هما؟ أم ربما كانتا لمحة عن السيد لافرزندي؟ أم بأن شيء ما كان خالدا داخلها قبل أن يشتته وميضاهما؟ أهو حقا ما كان في بال إيزابيلا؟ تبرز خطوات السيدة جدفيشزي من أسفل السلم إلى أعلاه.. مارة بجانب كل اللوحات المعلقة بجانبها, تهمس للفت أنتباه إيزابيلا الذي قد بدا عليها التوتر قليلا لتهمس لوالدتها:

"أنا.. أنا لا أريد الذهاب..."

-

"من الفضاضة أن لا تذهبي إيزابيلا.. السيد لافرزندي أًصر!"

"ولكنني أفضل..."

تقاطعها السيدة جدفيشزي قائلة بقلق:

"ماذا سأقول له عندما يسألني عنك؟... لا أستطيع القول بأنك رفضتي!"

"لن يسألك أنا واثقة.. أعلم جيدا بأن الأمسية ستكون خفيفة وتمر بروية, لكنني أفضل البقاء بالمنزل أشعر بالإرهاق نوعا من بعدما عزفت البيانو. قد يطيل الأمر تعلمين؟, لذا من الأفضل أن تذهبي بدوني غدا"

تتنهد السيدة جدفيشزي قائلة:

"حسنا.."

تمضي إيزابيلا ما بعد الظهيرة وهي مستلقية في غرفتها, وبالها لم يكن قد خلد بعد. يبدو وكأن الأمر لا يتوقف لما الأمر لا يتوقف؟ تبدأ إيزابيلا بالتمتمة بداخلها:

"في كل لحظة تمر.. وفي كل دقيقة تمضي.. كلما يدق عقرب الساعة.. هذا الضغط يزداد وهذه الروح تتعذب"

تستطرد إيزابيلا:

"إلا يهدأ؟ إلا يسكن؟ إلا يمهد؟ قد يمتد إلى نهاية اليوم.. لكن ماذا عن الغد؟, هل سيطاردانني حينها؟"

ENORMOUS WINGSحيث تعيش القصص. اكتشف الآن