"ذكرني مرة أخرى لما ألتقينا هنا؟"
"لا تتعبني بهذه الأحاديث فورد.. أشعر بالاختناق بهذا الرداء"
"أخي, هل تعتقد بأن المجيء إلى هنا من أمريكا كان فكرة جيدة؟"
"بالطبع, أعني فإن أخر مكان يظنونا باننا سنذهب إليه هو الريف!"
تقترب إيزابيلا أكثر من الشجيرة, يتملكها الفضول والحيرة ماذا يقصدان؟ هل هما هاربان من قبضة العدالة؟ إم فردان من عائلة ثرية هربا للريف؟.
أعني بأن هذا يحدث كثيرا في ريف ليفربول في منتصف القرن الثامن عشر, خصيصا مع أغلب فتيان الطبقة المخملية الذين سئموا طغي عائلاتهم, ومجرمين المدن الذين يتسللون إلى الريف بأسماء مستعارة.
يتحدث أحدهما قائلا:
"أشعر بشيء ما"
"هل تقصد..؟"
"من هناك؟"
مع أن إيزابيلا لم تصدر حتى زفيرا واحدا, إلى أنها كشفت.. تتراجع بخطوات صغيرة وتلتف للرحيل حتى سمعت أحدا خلفها ينادي بتوتر:
"إلي إين تذهبين؟"
لكن إيزابيلا لم تستطع التوقف لشرح ما حدث لسبب ما شعرت بخوف شديد جعلها تركض بين زوايا المكان الرهيبة وتتجول بذعر شديد حوالي النبات المتسلق والضباب المهيب تتلبد السحب المعتمة حول قصر السيد هسكي وتهبط قطرة تلتها قطرات على المكان بأسره, وبعد لحظات أشتد وقع المطر ليصبح صوته كدوي عاصفة مهولة, تلهث إيزابيلا وتتلفت يمينا ويسارا حتى وجدت نفسها أمام ضالتها, تنحت من أمام الخدم وقد أبتل قليل من فستانها من الاسفل, تلامس شعرها لترى أن كانت اللآلئ مازالت على هيئاتها, لكنها تلاحظ فقدان شيء ما, تنظر إلى ظهر يدها اليمنى ولا تجد خاتمها.
تطلق تنهدا يبعث عن السكينة, وتستند على الحائط كما لو عادت إلى نقطة البداية, تأخذ نفس عميقا, وتحاول تذكر سبب هروبها. تغطي وجهها براحة يدها وتهمس لنفسها:
"أنا حقا مشوشة"
تهز رأسها محاولة تخطي الموقف.. وتجتاز البهو الرئيسي لتنضم إلى الأمسية.
-
"جلبت هذه من رحلة إلى الصين قبل عدة أعوام.. قدمت لي من أحد صانعي الفخار كهدية"
تتحدث أحدى الآنسات قائلة:
"لا بد بأنك تحب عملك سيد هسكي"
"بالتأكيد, لما كنت متزوجا من ليزل لتزوجت صانعي الفخار"
تمتلئ قاعة عرض الفخار بالقهقهة بينما لا ترى إيزابيلا الإمر مضحكا إبدا, يبدأ التقدم نحو أحد مجموعاته الفريدة والتحدث عنها على الأرجح بأن أي شخص أخر غير السيد هسكي سيرى القاعة مجرد مسرح من أباريق الشاي وأطباق تحلية إلا أنها بالنسبة للسيد هسكي العالم كله وبما فيه, ما رأته إيزابيلا في عيني السيد هسكي عندما كان يتحدث عن ملعقة فضية صنعت في زمن غابر كان شيء مختلفا عنما رأته في أي شخص أخر, شيء ما يسمى... الشغف.
-
"كانت أمسية رائعة يا سيد هسكي"
يبتسم السيد هسكي للسيدة جدفيشزي وهو يرتشف من فنجان الشاي المزخرف باللون الأزرق المتدرج ويتحدث بانسيابية:
"شكرا سيدة جدفيشزي وآنسه جدفيشزي"
يرفع الفنجان ناحية إيزابيلا فتتحدث إيزابيلا قائلة:
"أفضل إيزابيلا.. أنه غير رسمي وهادئ نوعا ما.."
يقاطع الحديث دخول الخادم بحلته الصارمة والتحدث بمسؤولية قائلا:
"هناك قليل من الأشخاص في القاعة ويودون التحدث معك قبل رحيلهم"
"أدخلهم"
تمضي عدة دقائق حتى امتلأت غرفة الجلوس بالأشخاص فبدأت إيزابيلا تشعر بالقليل من الضغط.. خصيصا بأن كلهم يبدون حقا مهتمين بالسيد هسكي وهي لم تقابله إلا قبل عدة أسابيع لا تكاد تذكر, حينها يقاطع حبل أفكارها السيد هسكي قائلا:
"ألم أذكر بأنك تبدين جميلة في هذه الأمسية إيزابيلا؟"
شعرت إيزابيلا فجأة بأسهم طائرة نحوها, كل من كان في الغرفة بحدق بها بمعاني مختلفة, لم تعلم ماذا تقول أكتفت بقول:
"شكرا"
لتعود كل الأنظار للسيد هسكي مرة أخرى, ويتم تركها في الظل مجددا, عندها يتحرك أحد الرجال إلى الوراء ليصطدم بها عن طريق الخطأ بينما كان يحادث إمراه ما تنطلق تهنيده من بين شفاه إيزابيلا وتهمس قائلة لنفسها:
"إذن هكذا سأكون دائما وسط المجتمع المخملي؟"
يتلفت الرجل ليعتذر عن خطأه لكن إيزابيلا كانت قد رحلت.... تدق ساعات السيد هسكي لتعلن عن الساعة الواحدة والنصف, كانت كل من إيزابيلا ووالدتها في العربة حينها.. كليهما لم يكن في مزاج للتحدث أو الحركة, تتسند كلتاهما على الجهة المعاكسة للنافذة وتحدق كليتهما بكل تلك الشجيرات في الباحة الخلفية لقصر السيد هسكي تبتعد.
-
"فقدت خاتمي بسبب ذلك"
"أعتقد بأنهما كانا فقط يتحدثان تعلمين بأن ما قالاه قد يكون أي شيء"
"ماذا كانا يفعلان عند منزل هسكي أذن؟ هذا يقلل احتمال أي شيء"
"حسنا.. لكن كلما رأيتٍ الأمر من زاوية ما كان أغرب.. لذا أنصحك بأن تقلبي صفحات ذهنك للتفكير في شيء أخر"
"شكرا جوزفين.."