- السر !

4K 81 2
                                    


كانت عقارب الساعة تشير الىالعاشرة والربع عندما سمعت ليزا صوت سيارة آتيه ثم توقفت امام المنزل ، وظلت ليزاجالسه حيث كانت على المقعد الوثير ذي المساند والظهر المرتفع قرب النافذه . واخذتتسمع وقع خطوات براد وهو عائد الى المنزل بعد ان وضع السياره في الكاراج ثم مالبثتان سمعت صوت صرير الباب وهو يغلق خلفه فادركت انه دخلالى المنزل.
وبعد ذلك بخمسدقائق راته يفتح باب غرفة النوم ويقف على العتبه وينظر الى حيث جلست في ضوء القمر .
[ ماذا تفعلين وانت جالسه هكذا في الظلام ؟ هل نمت ثم استيقظت ؟]
ومد يدهواضاء المصباح الموجود على منضده في جوار مدخل الغرفه مباشره . فردت ليزا بهدوء وهيتنظر اليه :
[ كلا لم انم ، بل كنت جالسه افكر ]
وهبت واقفة واتجهت الى طاولةالزينه وجلست امام المرآه وتناولت فرشاه وبدات ترتب شعرها المنسدل على كتفيها . واستطاعت ان ترى في المرآه براد وهو واقف في مكانه يحدق فيها .قالت له بصوت رقيقناعم :
[ لابد انك متعب فلقد كان اليوم طويلاٍ]
[نعم لقد كان كذلكفعلا]
تقدم اليها وترك الباب ينغلق خلفه ثم مالبث ان قال وهو ينظر اليها :
[لكن هناك تعويض عن هذا التعب يخفف عن الانسان الارهاق الذي لاقاه ]
[ اتصلبك شارل هاتفيا ، وهو يريدك ان تتصل به الليله من كل بد ]
[ الم يقل لك من اجلماذا يريدني ان اتصل به ؟]
[ كلا ، لم يقل على الاطلاق . اصر على ان تتصل بهالليله ]
[ اعتقد انه من الافضل ان اذهب وارى ما يريد ، لابد من وصل خط داخليالى هذه الغرفه حتى يمكن الحديث منها دون حاجه الى الذهاب الى مكان اخر]
واستدارعلى عقبيه ومضى متجها الى باب غرفة النوم لم وضع يده على مقبضه ووقف واستدار ببطءلينظر اليها ويقول :
[ لو ان شارلي اتصل هاتفيا فلابد انه قال لك اني غادرتالمكتب في الساعه السابعه ]
واختلجت الفرشاة في يدها وردت :[نعم اخبرني بذلكفعلا]
عندئد قفل براد راجعا عبر الغرفه وجذبها بذراعيه وجعلها تستدير وهي جالسهعلى الكرسي الدوار لتواجهه ولتنظر في وجهه مباشرة وهو يقول :
[ مالذي كنتتحاولين ان تتصيديه من كلامي ؟ اين تعتقدين اني ذهبت منذ ان تركت المكتب الساعهالسابعه؟]
[ واضح تماما اين كنت ، اليس كذلك؟ ]
وتامل وجهها المتورد مليالبرهه طويله ثم سالها ساخرا :
[ كنت مع فيليسيا ، هل تعتقد اني بلهاء يابراد ،واني لا اعرف ماذا يدور بينكما ؟ سمعت حديثك اليها في الهاتف في تلك الليله التيذهبنا فيها عند هيلين وشارل ومن ثم فلا تتعب نفسك في محاولة فاشلة للانكار]
لكنبراد لم يحاول ابدا الانكار . كان ينظر اليها في دهشة وفجأة ارتسمت ابتسامة بطيئةعلى وجهه حتى غطته كله وسألها ساخرا:
[ هل انت غيورة بالفعل ام انك تتصنعينالغيرة؟ ]
[ انا اكرهك ]
وضحك وهو يرفع وجهها اليه ونظر في عينيها مباشرةويقول :
[ مازلت احيا حتى الان برغم تهديدك بكرهك لي]
واتجه نحو السرير وهويقول : [ سيكون على شارل ان ينتظر ]
استقيظت ليزا على انوار الصباح الاولى . واستلقت ساكنه وعينياها تتجهان الى الوجه نصف المدفون في الوساده الى جوارها . كانتالملامح القويه تبدو اكثر شبابا اثناء النوم بل تبدو كملامح فتى
والخط المتصلب القاسي لفمهاخلى مكانه لطيف ابتسامه كما لو كان يرى احلاما سعيده ساره .
واخذت تستعيد ماجرىالليله الماضية وتذكرت انه حتى لم يرد على اتهامها له بانه كان مع فليسيا . بل لميغضب لذلك اصلا , الامر الذي يؤكد من انه مذنب . وشعرت بالالم يجتاح جوانبها فقداصبح هناك فارق الان . ذلك انها ادركت كم تحبه . لقد تاكدت من ذلك في تلك الساعهالتي امضتها في انتظاره الليله الماضيه, نعم انها تحبه بكل جوارها بغض النظر عن ايشيء,كيف يمكن ان تتحمل هذا وان تستمر في حيتها هنا ؟ لو انها تجد وسيله للتخلص منتاثير ذلك الرجل الذي اصبح يعني الكثير بالنسبه اليها , في حين انها لا تعني شيئابالنسبه اليه . هذا ليس صحيحا تماما فهي لها بعض السيطره عليه . وربما لو لم تكنفيليسيا موجوده لتقبلت هذا الوضع وارتضته ، على اما ان ياتي المستقبل بمشاعر اكثرعمقا . لكن ان تشارك امرأة اخرى فيه ، ابد . هناك حدود لما يمكن ان يفرضه الحب .
وعادت الى النوم لكن في اغفاءات قصيرة متقطعه عند كل حركه من براد وعندما دقتالساعه السابعه لم تستطع ان تبقى في مكانها ، فتسللت بحرص ونزلت من السرير فلا يزاللديها نصف ساعه قبل ان يوقظه المنبه. ولكنها تذكرت وهي تمضي الى الحمام ان اليوم هويوم السبت . وبراد لن يذهب الى المكتب. نسيت ذلك تماما عندما قالت لليوك انها ستراهاليوم. لكن كيف تبلغ ليوك بذلك ؟ فليس من العدل ان تتركه ينتظرها في الكوخ في حينانه يستطيع ان يستغل وقته في اشيئا اخرى .
ونظرت الى السرير ثانيه كان براد لايزال نائما في استغراق كامل. لو اسرعت لوصلت الى الكوخ وعادت قبل ان يستيقظ . وعضتليزا شفتيها فجأة . ان لمقابلاتها مع ليوك طابع السريه مما يشعرك بالاثم . بالطبعهناك اختياران امامها لتشعر بالراحه , فاما ان تخبر براد بصداقتها مع ذلك المستاجرلديه او بدلا عن ذلك تتوقف عن الذهاب الى الكوخ .
ولم يكن اي الخيارين يستهويها،فقد اصبح الوقت متاخر كثيرا بالنسبه للاختيار الاول مالم تتوصل الى عذر مناسب لعدمذكرها لذلك من قبل. اما التوقف عن زيارة الكوخ فغير ممكن لانها تعول كثير علىصداقتها لليوك . انه ملاذها الوحيد ، كلا ، لابد ان تستمر الامور على ماهي عليه فيالوقت الحاضر . فليس اي مجال لتغيير لاتحمد عقباه .
كان المنزل لايزال غارقا فيصمت مطبق عندما غادرته بعد ان ارتدت قميصا وسروالا وسترة خفيفه تقيها برودة الصباح . كانت السماء مكسوة بتلك الزرقه الضبابيه التي تنبئ بان اليوم سيكون لطيفا . وكانتالشمس وصلت فعلا الى اعلى الاشجار . واستغرق وصولها الى الكوخ عشر دقائق .
لمتكن هناك اي بادرة على وجود حياة فيه. ويبدو انه حتى في الليل لايهتم ليوك بان يغلقالباب الخارجي لانه انفتح بمجرد لمسة عندما ضغطت عليه .
ووقفت مترددة على عتبةالباب وعيناها تجولان فيما حوته الغرفه . كانت هناك صينيه تضم بقايا عشاء الليلهالسابقه موضوعه على المائده . كان من الواضح ان ليوك لم يستيقظ بعد . ماذا تفعلالان ؟
وفكرت في ترك رسالة . لابد ان تترك له رسالة.
كانت اللوحه الموجودهعلى الحامل اسفل النافذة مغطاة . وشعرت ليزا باغراء قوي بان تنتهز هذه الفرصة وتلقينظرة خاطفة على صورتها التي بدا رسمها امس . لكنها قاومت هذه الرغبه وبدلا من ذلكقطعت ورقه من كراسة للرسم وجدتها على الكرسي مجاور والتقطت اصبع طباشير ملون كانملقى على مائدة قريبه . وكتبت :
آسفة , الصورة يجب ان تنتظر حتى يوم الاثنين ثماضافت اسمها وطوت الورقه ووضعتها في مكان بارز ليراها ليوك عند استيقاظه . ثم انسلتخارجة من الكوخ . وعندما عادت الى غرفة النوم كان صوت الماء ينساب فياضا من الدش. وتلقائيا ذهبت الى السرير حيث رتبت اغطيته ووسائده ثم اتجهت لتفتح الستائر . كانتالنافذه الرئيسيه الكبيره تطل على الطريق ، ووقفت ليزا لفترة تطل خارجا واماراتالقلق باديه على وجهها وسمعت صوت براد من خلال الغرفه يسألها :
[ هل استمتعتبالمشي صباحا ؟]
واستدارت اليه ببطء لتواجههوجاءها صوت من اعماقها يهبب بها ان تطلعه على كل ما يتعلق بلقاءاتها مع ليوك والاتخفي عن شيئا. لن يعترض على هذا . ولماذ يعترض؟
[ كيف عرف اني كنت اتمشى ؟]
[ رايتك عائدة سيرا على القدمين ]
ومشى متمهلا الى الطاولة الزينه واخرج سيكارة منعلبته ثم وضعها بين شفتيه واشعل الولاعه باليد الاخرى الفارغه . سحب نفسا عميقا منالسيكارة من بين اسنانه ثم اسقط الولاعه في جيب بنطلونه وهو يحس باستمتاع . عكستهملامحه واضاف :
[كنت تبدين مسرعه . هل يمكن ان ارضي غروري واقول انك كنتتستعجلين العوده الي ؟] 
[ يمكنك ان تفرض ذلك اذا شئت ]
[ بالطبع اريد . لماذا لا تجيئين الي وتقولين صباح الخير]
وادركت انها ان لم تذهب فسياتي اليهاويجعلها تفعل ذلك . تاكدت من ذلك بوضوح في لهجته . وابتلعت ريقها بصعوبه ثم مضتاليه ووضعت يديها على كتفيه وضغطت شفتيها على خده وسالته : 
[ هل يكفي هذا؟ ]
ولاحظت الابتسامه الساخرة القاسيه التي تكرهها كثيرا ترتسم على شفتيه وقال :
[ انه يكفي برغم انك كنت اقل اجحافا في الليله الماضيه اذ كنت منطلقه علىسجيتك بلا تحفظ!]
وضحك عندما راى خديها يتوردان بحمرة الخجل وراسها ينخفض فياستحياء وقال:
[ لماذا الخجل ؟ اننا متزوجان ] 
واستدارت ليزا مبتعدة عنه فيارتباك واضح , واخذ يراقبها برهة حتى قالت له : [ طلبت من بوني ان تعد طعام الفطورمبكرا حتى تفرغ لرؤية جون جيفري فور وصوله. هناك اشياء قليلة يود ان يناقشها معك ]
وصل جون جيفري وامضى هو وبراد الجزء الاكبر من الصباح يناقشان معا خطط العملفي الاسبوع المقبل . ولم تدع ليزا للاشتراك معهما في هذه المناقشات المطولةوالمعقدة والتي غلبت عليها الجوانب الفنيه . واخذت تتجول دون ان يقر لها قرار حولالمنزل بعض الوقت, ثم انضمت الى اليسيا في جلستها المفضله كل يوم على سطحية المنزلفي ضوء الشمس . وبعد قليل قالت لها حماتها بلهجة ملؤها المودة والاعزاز وهي تنظراليها في امعان:
[ تستطيعين ترك الامر كله لبراد اليوم . ومن الافضل لك الحصولعلى راحة من القلق والانشغال بشؤنالمنزل على ذلك النحو المرهق الذي تعودته فيالاونه الاخيرة]
[ لست قلقة فانا احب ان اشارك في العمل انه يعطيني احساسابالانتماء وهذا يسعدني كثيرا . فليس هناك ادعى الى السرور في احساس المرء بانهينتمي الى شيء ما ]
وساد الصمت بينهما لفترة وجيزة وبعدئد قالت اليسيا في هدوء: 
[ الايوفر لك كونك زوجة لبراد هذا الاحساس بالانتما الذي تنشدين؟]
[ الامرمختلف فاسرة نورتون عاشت هنا في فارلي لمدة تزيد على خمسمائة عام , وبراد جزء لايتجزا من هذا التاريخ . وهو يحب هذا المنزل بكل كيانه ومشاعره ]
[ انت وجدت نفسكايضا تشعرين بمثل هذا الحب للمكان ومن ثم حرصت على المشاركة . حسنا, انت اسعد حظامن البعض ياعزيزتي , ذلك انك تستطيعين الوصول الى ذلك الجزء من قلبه . لقد كان هناكجانب في والده لم استطع ان افهمه , ربما لانني لم اشأ ان احاول ذلك ان مانيو كانمستعدا للذهاب الى اي مكان وافشال اية خطط يمكن ان تضعها من اجل عمله . فالانسانالعادي يكتفي بمسئولياته عن اسرته وعن عمله خاصة اذا كان قاضيا مثل مانيو , لكنه لميكن يكتفي بذلك . فكل الناس الذين حاكمهم اصبحوا موضع اهتمامه الدائم . كان يلاحقمصير الرجال الذين يرسلهم الى السجن , ويرتب وظائف لهم عند الافراج عنهم , ولايشعربالندم ابدا عندما كانت هناك غالبيه تقابل عمله وجهده بعدم العرفان وتعود الىاسلوبها القديم في الحياه خلال اسابيع قليله . اعتقد انه يمكن ان نسميه الجلالانسان لكني لم استطع ابدا ان افهم لماذا يجب علي ان
اعاني من اجل احتياجات اولئكالذين لم يكونوا ابدا يستحقون مساعدته .]
منتديات ليلاس
ونظرت الى الاعلى والتقت نظراتهابنظرات ليزا واضافت مستطردة: [ لا ترتكبي نفس الخطا الذي ارتكبته انا ياليزا . هناكاعماق في الانسان لن تصل اليها اي امرأة والمرأة الحكيمه ستقبل هذا وتنعم لاقصى حدبما لديها فعلا]
وتساءلت ليزا كيف يكون حال المرأة التي ليس لديها شيء اصلا , ماذاسيحدث لها ؟وبعد قليل بدا النعاس يغالب اليسيا وانسلت عائده الى البيت .وفكرتليزا في انه لابد ان يكون هناك شيء ما تفعله لتمضية الوقت الذي مازال طويلا امامها . لم يكن هنا اثر لبراد او جيفري . وقد اخبرها احد الكهربائيين انهما في الطابقالاعلى من المنزل .
ودخلت ليزا الى المكتب والقت نظرة اخرى على الخطط ولاحظت بكلالرضا كمية العمل التي تحققت فعلا , وادركت انه اذا حالفهم الحظ فيمكن الانتهاء قبلان يبدأ الطقس السيء باعتبار ان ذلك كفيل بتجنب كثير من المتاعب.
وعندما اخدتتتامل تخطيط الطابق الارضي وجدت نفسها تتسلى بجميع المقاسات الداخليه التي وضعهابراد بالنسبه لكل غرفه. وتجهمت فجاة فقد كان الامر غريبا. لابد انها اخطات فيالحساب ومن ثم اشرعت في الحساب من جديد , لكن المحاوله الثانيه اوصلتها الى النتيجهنفسها . واحست ليزا بحالة من الانفعال الشديد : هل يمكن ان يكون براد اخطا في ادراكالفرق بين المقاسات الداخليه و بين المقاسات الخارجيه بالنسبه للجناح الجنونبي ؟وحتى مع حساب سمك الجدران الخارجيه والقواطع بين الغرف فانه يبقى مايزيد عن اربعاقدام غير محسوبه.
وظلت واقفه هناك تعصر ذهنها وتتامل بتمعن مختلف الغرف , وتتساءل اين تكمن هذه الاقدام الاربع الضائعه . ان الغرفة الجلوس مستبعدة على وجهالتحديد لان كل جدرانها تم تقشيرها من الجص القديم البالي حتى الشرائح الخشبيهالموجودة في اسفلها . اما غرفة الطعام فقد زودت بالواح وهناك احتمال ان يكون بعضمعالمها اختلط بغيره بحيث ان جزءا منها اضيف الى الممر الذي يفضي الى المكتب. ثمهناك المكتبه . كانت تعرف ان هذه تضررت على نحو سيء من جراء حريق نشب بها في اوائلالقرن السابع عشر ثم اعيد اصلاحها . وربما اعطيت تعليمات لهؤلاء العمال ان يتركواتجويفا تحسبا الى المستقبل.
كانت المكتبه هي التاليه مباشرة لغرف المكتب , ربماهناك في وقت ما باب موصل بينهما , لكن الان لابد من الخروج من احداهما الى الصالهللدخول الى الاخرى . وقبل ان تفعل ذلك قامت ليزا بقياس تقريبي لعرض الحائط بين مدخلالممر ومدخل المكتبه , وفعلت الشيء نفسه داخل الغرفه رجوعا الى الحائط القاطع الذييفصل بينهما . وتاكدت من انه لم يكن هناك اي سماكه لايمكن تفسيرها.
وحولتانتباهها الى الجدار الوحيد الاخر الذي يمكن ان يكون قد اقيم لاستخدامه في مثل هذاالغرض , وتجنبت النقش البارز المدهش والمعقد لجيبون واجرت عينا فاحصه حاسبه علىالمكتب التي تحيط بجانبي المدفاة. لو امكن تحريكها بعيدا عن الحائط لامكن فحص اشغالالخشب وراءها .
وبعد ذلك بدقائق توصلت الى استنتاج مؤداه أنها مثبتة الى الكسوةالخشبية للحوائط من ظهرها . وأعطاها هذا فرصة للتفكير ، لكنه لم يبد اعتقادهاالراسخ بانه في مكان خلف هذه الجدران مساحة أربع أقدام ضائعة وكل ما عليها أن تفعلههو أن تجدها بأي وسيلة كلفها ذلك من جهد ووقت .
وبدأت مرة اخرى في فحص خزائنالكتب ، وركزت هذه المرة على الطريقة التي جمعت بها معا ، وأخرجت الكتب منها لكيتستطيع أن تحدد الطريقة التي تم فيها تثبيتها إلى الحائط . ومن هنا مضت إلىالمساحات الموجودة بين الرفوف وأجرت أصابعها على حفافي الكسوة الخشبية للجدرانوأخذت تضغط على أي قطعة من أشغال الخشب تبدو أكثر لينا .
ولكن كان عليها فينهاية المطاف أن تعترف بأنها ربما أخطأت . فلم تفض جهودها هذه الى شيء . بل لم يبدحتى ان هناك أي
لم يبد حتى ان هناك أي تجويفمشجع عندما أخذت تدق على الكسوة الخشبية بمفاصل أصابعها . ومع ذلك فان الفارق فيالقياس لابد من أخذه في الحسبان في شكل أو في آخر .
وتوقفت ليزا قليلا لتستريحوهي تحدق مفكرة في أحد المقاعد تاركة عينيها تنسابان على الجدار كله . كانت هناكأربع خزائن للكتب ، اثنتان على كل جانب من جانبي المدفأة وفوقها كانت الكسوةالخشبية متصلة تمتد حتى مستوى السقف . الكسوة متصلة . تلك هي العلامة التي كانتتبحثعنها ! لماذا ، في تلك الأيام التي كان فيها نقص حقيقي في الخشب ـ توضع الكسوةأصلا وراء الخزائن مادامت هذه الاخيرة تغطيها ولاتظهر منها شيئا .
إن الخزائنكافية تماماً لتغطية الجدران ن فلماذا الكسوة الخشبية خلفها ، وما هو الغرض من ذلك؟
وبعد أن توصلت إلى شيء محدد تركز عليه جهدها وعملها عادت من جديد الى خزائنالكتب وشرعت مرة ثانية في البحث . وفي الخزائن الثانية من الشمال لاحظت شيئا جعلهاتشهق بصورة حادة . فقد لاحظت وجود شق بسمك الشعرة في المكان الذي تتصل فيه الخزائنبالحائ ، كان رقيقا للغاية بحيث لم يكن مرئياً للعين المجردة ما لم تكن لديها فكرةمسبقة عما تبحث عنه . وأدركت ليزا عندئذ أنه لا جدوى من محاولة نزع الرفرف إنماعليها أن تكتشفه هو الالية التي بمقتضاها يعمل هذا الباب المستتر .
وأستغرقالأمر نصف ساعة حتى تتوصل الى ذلك الاكتشاف . ففي أسفل جانب كل خزانة كان هناك صفمن الزهور والاشكال المحفورة في نقش بارز . ومرت عليها بأصابع حساسة وضغطت علىالأخاديد الموجودة فيها ، منتظرة أن تشعر بالحركة التي تنبئ بالنجاح واخيراً وبعدطول جهد وجدتها , فقد انزلقت احدى اوراق الزهرة السادسه الى حد الجوانب محدثة تكهخفيفه لكنها مسموعه. كان ذلك هو السر.
وجذبت برقة الخزانه كلها وبصورة سريعةنحوها, كاشفة عن هوة مظلمة وراءها, ومرت بضع لحظات قبل ان تقهر ليزا رعبها منالعناكب على نحو كاف جعلها تزيح جانبا خيوط شباكها التي تسد المدخل وتدخل فيالتجويف. ان مساحته تبلغ نحو اربعة اقدام في ستة اقدام. وربما كان ارتفاعه ستةاقدام اخرى, كان التراب سميكا على الارضيه, فقد ظل في منأى عن اقدام البشر طوالقرون. وفي احدى الاركان كان هناك وعاءان صغيران يبدو انهما مصنوعان من الحجروتغطيهما طبقة سميكة من التراب. انحنت ورفعت احد الوعاءين واضطربت عندما تذكرت اناخر شخص لمسه قبلها ربما مات قبل ثلاثمائة عام. وقد يكون الوعاءان استخدما لوضعالطعام والشراب لشخص تعيس الحظ اختبأ هنا في حين كان البحث عنه يتم في كل ارجاءالمنزل. اي جحيم يستلقي الانسان او يقف في مثل هذه المساحه المحصورة لفترة ربماامتدت ايام طويله, يستمع الى اصوات الباحثين عنه في المنزل وهو يعرف انه لو اكتشفواالمكان الذي يختبىء فيه فستكون لا نهايته فحسب بل نهاية كل الذين ساعدوه . وجاءهصوت من خلفها يسالها: 
[ اي شيطان هداك الى هذا الاكتشاف؟]
استفاقت سريعا مناحلام الماضي وعادت الى الحاضر لتواجه نظرات براد المندهشة. اجابت وهي حذرة من انتقول انها لا حظت شيئا غاب عنه هو شخصيا :
[ ثم ذلك صدقه حقا! كنت انظر فيالرسوم التخطيطيه ولاحظت فرقا بين المقاسات الداخليه]
[ وبين المقاسات الخارجيهلهذا الجناح اذكر اني لاحظت هذه الحقيقه انا نفسي عندما رسمت الرسوم التخطيطيه لاولمرة ولكني نسيتها تماما]
ثم تقدم ليلقي نظرة عن كثب الى تجويف واضاف قائلا:
[ لكن ذلك لايفسر كيف عرفت اين تبحثين ، ما الذي قاد خطاك الى المكتبه ؟]
ورفعتليزا الوعاء الحجري وهي تقول لبراد : [ عن طريق عملية الاستبعاد . انظر الى هذاوهناك واحد لابد ان يكونا قد استخدماه لوضع الطعام والماء ، الاتعتقد هذا؟]
واخدة منها وهو يديرة بين يديه ويقول :[ محتمل جدا , كم من انصار الملكيه الخلصين حماهم هذا التجويف قبل اليوم الذي طرد فيه كروميل الذي ثار على الملكية في انكلترا]
وقالت ليزا وقد بدا الاهتمام بالموضوع واضحا في صوتها : [ انت لم تقل لي ان المنزل صودر . كم كان الامر مرعبا بالنسبه لتلك السيدة المسكينه ماذا حدث لزوجها ؟]
[ قتل في الحرب ، لكن ساره رفضت ان يكون موته سببا في كراهيتها للقضيه التي حاربت من اجلها ، برغم انها هي نفسها جاءت من زمرة مناصرة للثورة . وسمح لها اخيرا بالعودة الى فارلي ، لكن جزءا صغير فقط من ارض آل نورتون هو وحده الذي لم يكن قد تم بيعه ، كما جرد المنزل من كل شيء يمكن ان تكون له قيمه ]
[ لكن ذلك كله لابد ان يكون قد تم تعويضه بعد عودة الملكيه . ذلك ان نورتون فارلي قدم حياته فداء العرش ، لاشك ان الملك شارل كان مدينا لارملته ]
[ لم يكن الولاء والاخلاص محل تقدير في تلك الايام ياطفلتي العزيزه . فقد كان لدى شارلي الثاني اشياء عديدة تشغله اكثر اهمية من المحنه التي المت باسرة منكوبه اخلصت له . وكان من حسن طالع الاسرة ان ساره لم تكن من النوع الذي تجعله المحن ينهار. فقد استطاعت بطريقة او باخرى ان تجعل القليل الذي ترك لها يدر عائدا معقولا , لكن ثروة الاسرة لم تعد ابدا الى حالها . واضطرت الاجيال التاليه الى بيع المزيد من الاراضي حتى تركت فارلي في النهايه وليس منها سوى الافدلة القليله التي نملكها حاليا ومنزل واحد فقد من بين ستة منازل كانت موجودة اصلا. وقد اتاح هذا و الداخل الناجم عن السماء للجمهور بالتفرج على فارلي باستمرار الواضح على ماهو عليه منذ ايام جدي وهناك ايجار ربع سنوي يجىء من الكوخ ، نسيت ذلك ]
كان هذا اول مرة يذكر فيها براد الكوخ وقد اتاح هذا لليزا فرصة لكي نذكر عرضا انها التقت بساكنه لكن الكلمات لم تطاوعها . ومدت يدها لتتحسس جوانب التجديف وقالت :
[ لابد انها مسدوده بشيء ما لمنع حدوث اي فجوات , لابد ان تحريك المدفأة اربع اقدام الى الامام كان مهمة شاقه . واني لاعجب لما كانت سارة تحس به عندما كان رجال الثورة يفتشون في هذه الغرفه ]
[ اتصور انها كانت مرتعبه , فلو اكتشفوا انها كانت تخفي انصار الملكيه لكان ذلك معناه اعدامها فورا . لابد انها كانت امرأة تملك شجاعه نادرة . ان رجالا قليلين يمكن ان يزعموا انهم يتصورون وجود مثل تلك القوة واللخلاص والوفاة لدى نساء صممن عال الانتقام لمقتل ازواجهن. ماذا كنت تفعلين لو كنت مكانها ليزا ؟ هل كنت تواصلين معركة زوجك ضد الظالمين ام كنت تفضلين الطريق الاسهل وتنحنين امامهم وتسلمين تسليما كاملا بكل ما يريدون ايثارا للسلامة؟!]
[ اعتقد انك ستحاربين من اجل الرجل الذي تحبينه . لكن السؤال : هل كنت ستقدرين على نوع الحب الذي عرفته ساره؟]
والمها قوله كما لو ان سكينا حادة انغرست في قلبها وقالت :
[ ربما لا . ان عددا قليلا فحسب هو الذي يستطيع ان يحب شخصا اخر اكثر مما يحب نفسه ]

واحست فجاة بان الاكتشاف الذي توصلت اليه فقد جاذبيته . وخرجت من التجويف الى المكتبهوتجاوزته وهي تشيح بوجهها عنه ثم قالت :
[ الوقت متاخر ، هل تناولت قهوتك؟]
[ منذ فترة طويله للغايه . اعتدت انك خرجت لتتمشى ونسيت الوقت . سمعت انكاعتدت الاختفاء لفترات طويله ]
واعاد خزانة الكتب الى مكانها ثم استدار لينظراليها ويقول :
[ اين تذهبين ياليزا ؟ هل وجدت مخبا تجلسين فيه وتتخيلين انك هربتمن فارلي ومني . حتى لو كان ذلك لفترة محدودة؟]
تساءلت ليزا هل عرف انها ذهبتالى الكوخ ؟ اهذا هو السبب في انه ذكره منذ لحظه ؟ لكنها استبعدت ذلك , فلو كان فعلذلك لاثار الموضوع مباشرة . واجابت : [ قلت لي اني لا استطيع ذلك . فاينما ذهبت فانذكرى حفلتنا التنكريه هذه ستلاحقني ]
واصبحت ملامحه البرونزيه قاسيه متصله وهويقول : 
[ اية حفلة تنكريه ؟ نحن زوجان حقيقيان ياليزا بكل مافي هذه الكلمه منمعنى ]
[ وماذا يحدث عندما يضعف شوقك الي ؟]
[ مهما حدث فلن يكون هناك طلاق . يمكنك التاكد من هذا .
ولان اقترح ان تغيري ملابسك قبل الغذاء . فان ستيوارتسينضم الينا اليوم ] 

من اجل حفنة جنيهات - كاي ثورب - عبير القديمة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن