-اللوحة!

3.6K 81 0
                                    


كان آب (أغسطس) شهراً حاراً شديدالرطوبة ، نادرا ما هبت فيه نسمة هواء لترطب جباه الرجال الذين كانوا يعملون فيفارلي . ومع ذلك فإن المشروبات المثلجة التي كان المالك يزودهم بكميات منها ، كانتتبقي إرادتهم على العمل قوية .
وبالنسبة إلى ليزا كان النشاط المكثف في المنزلوما حوله يسليها . ولذلك فقد أغرقت نفسها في العمل وحظيت باحترام الرجال و تقديرهمو تحملوا عن طيب خاطر رغبتها في التعلم واستطاعتبسرعة ان تلم بكل مبادئ العمل . وتدريجياً بدأ بعض النظام يعود من هذا الخضم من الفوضى الذي ساد في الأيام الأولى . وتم إصلاح الأرضيات التي كانت قد فسدت ، بدأ عمال الديكور عملهم.
وفي هذهالأثناء جرى استخدام غرفتين في الجانب الشمالي من المنزل لتناول الطعام و الجلوس . لم تكونا مناسبتين بسبب رطوبتهما ورائحة التحلل السائدة في جدرانهما ومع ذلك كانتامحتملتين كمكان مؤقت . أوشك المطبخ الجديد أن ينتهي وتمت تغطية جدران الغرفةالمشمسة الواسعة التي اختيرت لتحويلها إلى مطبخ بالبلاستيك أصفر اللون وكانتالمعدات التي اختارتها بوني ملائمة تماماً . وكانت بوني تنتظر على أحر من الجمراليوم الذي تستطيع فيه أن تعد الطعام في الفرن الجديد الرائع .
وبما إن الجوأصبح لطيفاً فقد كانت والدة براد تمضي فترة الصباح على سطحية الجناح الشمالي تنعمبالهدوء وتستمتع بأشعة الشمس . وكان على ليزا أن تحضر لها القهوة و البسكويت فيالساعة الحادية عشرة ، وتجلس معها تتحدثان . كانت أليسيا تحب الحديث عن ابنها ،عندما كان طفلاً و صبياً و كيف انه أصبح شبيهاً بأبيه ، وقالت ذات مرة :
[ كاناصديقين ، يفهم أحدهما الآخر . هكذا يجب أن تكون الأمور بين الأب والابن ن لكن هذانادراً ما يحدث . و عندما قتل ماليو كانت صدمة براد أكبر من صدمتي نوعا ما . ومع أنالزمن يداوي الأحزان فإني أحياناً أعتقد ان جرحه ما زال حتى الآن ينزف كما كانعندما جاءت الشرطة لتبلغنا عن بالحادث . أما الآن وقد حصل عليك فقد يبدأ احساسهبالضياع يتلاشى، الانسان يحتاج الى من يستطيع أن يفتح له قلبه .]..
وردت ليزاوهي تبتلع ريقها و تتساءل عما ستقوله إليسيا لو عرفت مدى ثقة براد فيها لدرجة أنهلم يخبرها حتى بالطريقة التي مات بها أبوه :
[ كنت أنت موجودة طوال هذه السنوات ].
[ يا عزيزتي ، إن براد مثل كل الأولاد كف عن أن يثق بي منذ أن بلغ إلى سنالمراهقة . ان موقف الصبي من أمه يتغرض لتغيير عندما يصل الى البلوغ فيحس اتجاههابالحب و الاحترام لو كانت تستحقهما ، لكن افاقه تتسع و يبدأ في إدراك أن المرأةيمكن أن تكون أكثر من مجرد ملاذ في المحن وصوت مطمئن في الليل ، وعندئذ على الأم أنتدرك أن عليها ان تسمح للصبي بأن يغدو رجلاً .]
وتنهدت إليسيا ثم استطردت قائلة :
[ إنه وقت صعب ذلك الذي تواجهين فيه حقيقة أنه ينبغي عليك في يوم ما أن تتخليعن كل الحقوق السابقة من أجل الحصول على مودته و إهتمامه ، لكن الانسان يقبل ذلكتدريجياً باعتباره أمراً محتماً ، ويضع كل أمله في أن المرأة التي سيتزوجها ستكونبارة و متفهمة بقدر كاف لتتخلي عن ذلك الركن الذي لا يخصها من قلبه ]
وابتسمت وأضافت :
[ وفي حالتي لا أعتقد أن مثل هذا الأمل خاب . أنت مستاءة مني يا ليزاأليس كذلك ؟]
لم تكن ليزا قادرة على أن تتذكر ما قالته كرد على هذا السؤال ،برغم أنها متأكدة من أنها أعطت الرد السليم ، لأن أليسيا ربتت على يدها . لقد كانتاللحظات قاسية بالنسبة اليها ، لأنها كانت تدرك أنه لم يكن لها مكان في قلب برادلتطالب به . لقد فرض ارادته وجعل زواجهما حقيقة لكنه لم
يحبها . لكن ماذا سيحدثعندما تخبو رغبته ، كما لابد ان يحدث ذات يوم ؟ هل سيدعها تذهب ؟ أم سيتوقع منها أنتبقى باعتبارها سيدة فارلي حفاظا على سمعة الأسرة في حين يزداد عدم مبالاته بهاكامرأة ؟ إن الأمر الأخير سيكون أقسى من أي شيء آخر.
و أخذ الصيف يتراجع ببطء فيالريف المحيط بفارلي . و اكتست مناطق المستنقعات البرية التي تجاور المنزل بلونارجواني بهيج لكثرة الزهور و الورود و بدأت الطيور تتجمع معاً لتهاجر إلى أماكنأكثر دفئاً . و لم يكن للوقت اهمية كبيرة لدى ليزا . واعتادت أن تقبل بينهما وبينبراد . لم يكن الأمر سهلاً . وكان فتور شعورها يثير حنقة بحيث يبدو في بعض الأحيانوكأنه يريد أن يقبض على كتفيها ويهزها بعنف . وفي احدى المناسبات هتف بها :
[ متى ستكبرين ؟ متى ستكفين عن خداع نفسك ؟]
فأجابت :
[ لا أعرف ماتقصده ]
فضحك بسخرية وهو يقول :
[ نعم إنكتفعلين ذلك . أنت تعرفين ما أعنيه على وجه الدقة ]
وتوقف عند هذا وهو يراقباللون اللذي يتصاعد غلى خديها ، وأضاف قائلاً :
[ كلا ، ياحلوة ، أنك تريدين أنتبقي معي بقدر ما أريدك ، لكن تلك الكبرياء الحمقاء لا تدعك تعترفين بهذا .]
وتحولت ليزا عنه ، فلم تعد قادرة على أن تتحمل المزيد من تحديقه الساخر فيها، كذلك كانت تخشى أن يضمها كما فعل من لحظة مضت ، وفي هذه المرة ستضطر الى أنتستجيب ، وتساءلت عما كانت ستفعله في فارلي طوال تلك الاسابيع ليخفف عنها وطأةالتوتر ، فالجو كله في الكوخ مختلفاً ، جو مريح ، سلمي ، هادئ ، وكان ليوك يبدودوما مستجيبا لحالتها المزاجية ، وكان عادة يأخذ في الرسم ، في حين تجلس هي في أحدالمقاعد تراقبه ، ونادرا ما يتبادلان كلمة طوال الوقت الذي تقطيه عنده .
وعندماجاءت اليه ذات أصبل من الباب الخلفي لمنزله ، في الوقت الذي كان يضع اللمساتالأخيرة في لوحة عن مستنقعات كرافن ، قال لها :
[ تبدين شاحبة . إنك تبذلين جهداكبيرا في المنزل .]
وتركزت عيناها على التلال البعيدة ، وهي تقول :
[ الواقعإني لا أفعل سوى القليل . وأود لو كان هناك المزيد لأعمله . العمل يساعد على قتلالوقت .]
[ تريدن قتل الوقت في سنك هذه ؟ إن الشباب عادة يشكون من ضيق الوقتوعدم كفايته .]
فتباطأت كلماتها وهي تقول :
[ الجيل الذي تتحدث عنه يا ليوكليس جيلي أنا في مرحلة وسط .. تجاوزت سن المراهقة ، مع ذلك أكون أحيانا حائرة كأننيفي السابعة عشرة .]
[ هل تعنين أنك لم تجدي نفسك بعد ؟ إن البعض لا يجد نفسهأبدا يا ليزا . النضج لا يرتبط بعدد السنين ، ونادرا مايكون فهم الانسان لإعماقهأمرا ميسورا .]
كانت تجلس على العشب ، تهز ركبتيها بذراعيها كطفل ، وعيناهاالمفعمتان حيوية مركزتان على وجهه .
[ هل وجدت سعادتك يا ليوك ؟]
بقى فترةصامتة قبل أن يجيب :
[ السعادة . إنها تعني أشياء متانية لدى الناس . قد يكونالكاتب براون اقترب من السر عندما قال : إن المشكلة المشتركة ، مشكلتك و مشكلتي ،مشكلة أي شخص هي كيف تتجنب التباكي على ما كان يعد وضعا أمثل ، و أن نتوصل الى مايمكن أن يتحقق ثم نجد الطريقة لجعله وضعاً أمثل بالوسائل المتاحة لنا .
وهكذايصل الانسان الى الوفاق مع نفسه ، ويقبل ما لايمكن أن يتغير و أن يستفيد منه علىخير وجه . وأنا لدي رسومي وقد كيفت نفسي مع الحياة التي أعيشها .]
قالت له :[ لكنك مكتف ذاتيا ، ولا تحتاج الى أحد ؟]
[ هذا ما قالته لي زوجتي مرة . وهو ليسصحيحا طبعا . فليس هناك إنسان مكتف ذاتيا في صورة كاملة .]
ورفعت رأسها وحدقتفيه وهي تقول :
[ لم أكن أعرف أنك متزوج .]
[ لست متزوجا الآن .]
[ ماذاحدث ؟]
[ قالت لي أنه علي ان اختار بين الرسم و بينها . وكانت حاجتي الى الرسمأكبر من حاجتي اليها . كان الأمر بسيطاً على هذا النحو .]
[ الم يكن في الإمكانالوصول الى حل وسط ؟]
[ لم تكن إيلين تريد حلا وسطا كانت تريدني بشروطها كاملةوإلا فلا .]
وابتسم و الارهاق باد عليه و أضاف :
[ لايمكن أن نلومها . إنهالم تمارس حياتها خلال السنوات الست لزواجنا ، فقد كانت تعيش في الفندق و لم تتفق معامي ، كما كانت تقضي أشهر الشتاء الطويلة فيما يشبه الحبس الانفرادي لأني كنتمستغرقا في عالم لم تستطع ولم تشأ أن تشارك فيه . وعندما قلت أني سأبيع الفندق بعدموت أمي ، أعتقد انها تصورت أننا سنبدأ بداية جديدة . إنها لم تستطع أن تفهم أن هذاالتدفق المفاجئ للنقود في يدي لم يغير شيئاً مما كنته أو مما أردت أن اكونه . ثمانفصلنا ، وتم الطلاق بيننا ، وكان ذلك هو الحل الوحيد . إن الغلطة التي ارتكبتهاهي أنها تزوجتني أصلا .]
[ لأنك لم تكن تحبها ؟]
[ كلا ، بل لأنها لم تحبنيعلى نحو كاف لبذل الجهد للتقريب بيننا .]
[ لكن ليس هذا عدلاً ، فالزواج قضيةمشتركة ومن المؤكد أن الجهد يجب أن يأتي من الطرفين .]
وكانت ابتسامة ليوك جافةوهو يقول :
[ إن الزواج يا طفلتي هو اختراع نسائي ومسؤولية إنجاحه تقع على عاتق المرأة . اذ كنت ترين هذا عدلا . فهو كذلك فعلا . لكنذلك هو نظام الرجل ، ونحن جنس إنساني في مجموعنا . إن الحب بالنسبة للنساء هو كلشيء ، لكنه جانب فحسب من حياة الرجل . وعندما تتعلم المرأة أن تقبل هذا فأنها تكونعندئذ فقط في طريقها الى النضج .]
ثم غير الموضوع فجأة بقوله :
[ هل يمكن انتتركيني لأرسم ؟]
[ هل تريد ذلك حقاُ ؟]
[ توقفت عن مغازلة النساء منذوقتطويل ، إن افتقارك الى الخيلاء أمر رائع يا ليزا .]
[ لماذا انا على وجه التحديد؟]
[ لأن لك ميزة معينة أود أن أسجلها على لوحة قدر استطاعتي .]
ثم نظر إلىساعته وقال :
[ تجاوزت الساعة الثالثة بقليل ، هل يمكن أن نبدأ الآن ؟]
[ لوأردت . اذا شئت .]
[ لنبدأ .]
ورفع ليوك اللوحة التي لم تتم من على الحامل وقال :
[ سأحمل هذه اللوحة الى الداخل لتجف و أحضر ماأحتاج اليه ، ويمكن أن ننقلكل الأدوات الى ضفة النهر .]
وبعد عشر دقائق كانا في الموضع الذي أراده حيث كانتشجرتا صفصاف تسدلان فروعها في الماء ، وجعلها تقف في مكان تزداد فيه كثافة أوراقهماو الفروع تمتد من حولها ورأسها مرفوع ينظر الى اليد التي تمسك بفرع صغير :[ أمسكيههكذا .]
ومن الحامل الذي اقامه على بعد أقدام قليلة منها أخذ يتأملها لبرهةوجيزة ثم أومأ الرضى وتناول فرشاته و قال :
[ إن الضوء ملائم تماماً لما أريده . سنكرر هذا الموعد نفسه من كل يوم .]
[ لست متأكدة ما إذا كنت أستطيع أن أرتب هذا .]
خشيت أن يثير غيابها المتكرر في الموعد نفسه من كل يوم تعليقا من أليسيا أومن بوني أمام براد وفي حضوره ، الأمر الذي يفتح الباب أمام مشاكل لاتعد ولا تحصى ،هي في غنى عنها خاصة أنها لم تحدثه عن لقائها مع ليوك .
قال لها ليوك بلهجةحازمة :
[ عليك أن تفعلي هذا ، فهذا شيء لا أستطيع أن اؤجله ثم أستأنفه على هواكوحسب رغباتك . حركت رأسك ، ابقيها في مكانها بلا حراك .]
وخلال نصف الساعةالتالي اكتشفت ليزا حقيقة جديدة هي أن ليوك الفنان يختلف تماما وبصورة جذرية عنليوك الانسان . تبددت لهجة الود التي كان يكلمها بها ، كذلك تلاشت ابتسامة التفهمالتي كان يتميز بها و التي أ‘جبتها كثيراً ، اذ كان يزمجر صائحاً وموبخاً لو تجرأتعلى التحرك وفرض عليها الصمت و السكون عندما حاولت أن تتحدث وتثرثر وهو يرسمها .
وشعرت بالسرور و الفرحة الى أقصى حد عندما أستدارت الشمس عن مكانها بدرجةجعلته يقرر وهو كاره أن ماتم يكفي لهذا اليوم ، وجلست على العشب منهكة وهي تزفربارتياح واسترخاء ، وتحرك قدميها اللتين أصابهما الخدر من طول وقوفها حتى باتتلاتحس بهما وبعد أن استراحت قليلا قالت :
[ انا اشعر بالامتنان والشكر لله أنيلست نموذجاً للفنانين لكل وقت ، كيف يتحملن كل هذا العنت والارهاق ؟]
وانفجرليوك ضاحكاً وقد استعاد حالته الطبيعية بعد أن انتهى من دوره كفنان وقال لها :
[ آسف تماما اذ كنت فظاً نوعاً ما معك لكن أرجو أن تقدري موقفي ، فكم يكون مرهقاًومثيراً للآعصاب أن ترفعي عينيك من على اللوحة لتفاجئي بأن الزاوية التي ترسمينمنها تغيرت كلية .]
وبدأ يجمع حاجاته بتمهل ويرتبها بعناية ثم قال :
[ ستجدينان الأمر أسهل لك لو ركزت تفكيرك أثناء وقوفك أمامي في شيء آخر واستغرقت فيه .]
[ مثل ماذا ؟]
[ أ] شيء تحبينه وتفضلينه ويستهويك التفكير فيه لأنه يبعثفيك سعادة وحيوية . وبهذه المناسبة كيف يمضي العمل في المنزل ؟ هل يسير على مايراموفق خططكم وتصوراتكم ؟]
وأجابت في حماسة بدت واضحة في صوتها الذي اكتسب حيوية :
[ يسير سيراً حسناً للغاية . أوشك العمل في الجناح الجنوبي أن يكتمل ، وممايثير الاهتمام والاندهاش أن تعرف ان فارلي سيصمد لمدة قرنين آرين من الزمان علىالأقل .]
[لابد من الحرص على القيم القديمة في هذا العالم المتغير دوماً على أنيصحب هذا القيام بعملية تنسيق ناجحة ومستمرة بين القديم و الجديد .]
وصمت ليوك لبرهة ثم أضاف :
[ الواقع أني أرى براد محظوظاً للغاية .]
ونظرت اليه نظرة سريعة وهي تسأله باهتمام ولهفة [ لماذا؟]
[لأن زوجة تشاركه اهتماماته وتتفهم مواقفه ودوافعه وتقدرها .]
وطوى الحامل وهو ينظر اليها ويقول :
[ حان وقت تناول الشاي . هل نعود الى المنزل لنتناول البعض منه ؟]
وهزت ليزا رأسها وهي تقف وتنفض ثوبها مما علق به من حشائش ثم قالت :
[ من الأفضل ان اعود الى المنزل فأنا عادة أتناول الشاي مع والدة براد في غرفتها . وستتساءل اين أنا إن لم أذهب اليها . وأنا لا أحب ان أتأخر عن موعدي معها فهي سيدة لطيفة ومحبوبة و الجلسة معها ممتعة .]
[ تستطيعين إخبارها أين كنت عندما تعودين .]
[ كلا فقد تساورها الظنون .]
وعندئذ رأت حاجبيه يرتفعان تعبيرا عن الدهشة فتلعثمت وأضافت :
[ أنا .. أنا أقصد ...]
وأصبحت نظراته فجأة حادة على نحو غير متوقع وهو يقول لها :
[ اعتقد أنك تقصدين انك لم تخبري براد أو أي شخص آخر بأنك تعرفينني. لماذا فعلت ذلك وماهو سبب إخفاء زيارتك لي ؟]
وارتبكت وأحست بالحيرة والاضطراب وهي تقول مغمغمة :
[ لا أعرف ، افترضت أن هذا الأمر غير مهم وأنه ليس علي أن أحدثه عن هذه الزيارات .]
وبدت رنة الشك واضحة في صوته وهو يقول :
[ إنها لم تكن زيارة فقد اعتدت ان تجيئي الى هنا مرتين او ثلاث مرات في كل أسبوع خلال الشهرين الماضيين . هل أنت خائفة من زوجك يا ليزا ؟ هل تخشينه إلى هذا الحد ؟]
واستدارت بعيداً هاربة عن نظراته ، وبدت عضلات خديها متوترة وهي تقول :
[ سؤال سخيف . هل كنت أتزوجه لو أني أخافه ؟]
وتمهل بعض الوقت ثم قال :
[ ذلك يتوقف على أمور كثيرة . ففي بعض الاحيان قد تضطر الظروف شخصاً الى القيام بأعمال لا يرغب فيها . ربما اجبرك بوسيلة ما لم تستطيعي التهرب منها . ربما تزوجته من أجل المال ؟]
[ ماذا تقصد بهذا ؟ ما معنى كلامك ؟ في الحقيقة لم أستوعب تماماً ما فعلته.]
[ قلت ببساطة أنك ببساطة تبالغين فيما تتوقعين الحصول عليه من براد كزوج .]

وفكرت ليزا في أن كلامه هذا حقيقي وصادقولايخالف الواقع في شيء لكنها لم تستطع ان تمنع نفسها من التساؤل عن عدد الناسالذين يعانون من مثل هذه التقلبات والاهتزازات التي تتعرض هي لها والتي تعاني منهامنذ زواجها من براد الذي لم يمض عليه وقت طويل حقاً ؟ هل ستتصرف أية امرأة أخرىبطريقة مختلفة عما تصرفت هي أراء هذا الوضع الذي وجدت نفسها فيه بعد زواجها ؟وتنهدت وقالت لليوك :
[ سأراك غداً ؟ في الموعد نفسه كما اتفقنا .]
ولم يحاولاعتراضها وهي تمضي في طريقها مبتعدة عنه .
في الساعة الخامسة من بعد ظهر ذلكاليوم أتصل براد هاتفياص ليقول لها انه لن يعود إلى المنزل لتناول العشاء وأنهسيستمر في العمل في المكتب حتى وقت متأخر لإنجاز بعض الاعمال الضرورية الطارئة التيلا تحتمل تأجيلا أو تأخيراً . وتساءلت ليزا وهي تحس بانهيار لا حدود له عما إذا كانهذا التأخير عن العودة للمنزل سيستمر الى ما لانهاية وسألت :
[ متى ستعود لأخبربوني بان تبقي لك الطعام ساخناً ؟]
[ لا تشغلي بالك . سأكل في المدينة .] وسكتبرهة ثم سأل :
[ هل كل شيء على ما يرام ؟]
[ هل كل شيء رائع . انتهى الرجالمن العمل لهذا اليوم . وليست هناك أية مشاكل على الاطلاق ، والامور تسير سيراًحسناً .]
[ الى اللقاء يا ليزا .]
بعد الصخب والضجيج خلال النهار جاء المساءبصمته الرهيب وسكونه الذي كاد ان يصبح شيئاً ملموساً . وفي الساعة التاسعة تمنتليزا ليلة سعيدة لأليسيا ومضت في طريقها عبر الدهليز المفضي الى الممر الموصل الىغرفة نومها واستراحت أعلى السلم نصف الوقت . وفكرت في أن الوقت لايزال مبكراً علىالنوم ، وربما كان الكتاب عونا على تمضية الوقت حتى يداعب النوم جفنيها . وعندمانزلت من جديد الى الردهة اعترفت بانها تفتقد صحبة براد عندما يكون في الخارج فيالمساء وهي وحيدة في المنزل ن انها تحس بالإطمئنان و الراحة في رفقته برغم كل شيء . فهما عادة يجدان الكثير من المواضيع يطرقانها ، والحديث بينهما دوماً لا يتعثر ولايتوقف .
وعندا وصلت الى أسفل السلم رن جرس الهاتف عالياً مدوياص ، ربما كان برادهو الذي يتصل ليقول لها أنه في طريق عودته إلى المنزل ، ومضت من فورها وهي تسرعالخطى الى المنضدة التي تحمل الهاتف ورفعت السماعة وقالت :
[ هالو .]
وردعليها صوت مألوف لديها يقول :
[ هل يمكن أن أكلم براد يا ليزا من فضلك؟]
وتذكرت على الفور صاحب الصوت وقالت له :
[ إنه ليس في البيت يا شارل ، مناين تتكلم ؟]
[ من المكتب ، هل لديك أي فكرة عن المكان الذي يمكن أن يكون قد ذهبإليه ؟]
وسألت ليزا بحرص :
[ متى غادر المكتب ؟]
[ في السابعة ، خرجنامعاً . ورجعت أنا منذ دقائق مضت لأراجع شيئاً ما . وظننت أنه لابد أن يكون الآن قدعاد الى المنزل .]
[ قال أنه سيتناول طعامه في المدينة . أتوقع عودته في أي وقت . هل أطلب منه أن يتصل بك عند عودته ؟]
[ سأبقى هنا ربع ساعة وبعد ذلك سأذهب إلىالمنزل . ومن الضروري أن أحدثه الليلة . أرجو أن تطلبي إلى ان يتصل بي فور عودتهغلى المنزل.]
[ ساتأكد تماماً من أنه سيتلقى رسالتك فور عودته إلى البيت ،وسأخطره بأهمية اتصاله بك الليلة . كيف حال هيلين ؟ أرجو أن تكون على أحسن حال .] 
[ إنها مليئة بالحيوية و النشاط . قالت لي الليلة الماضية أنه سيكون من الأفضللنا جميعاً ان نلتقي مرة ثانية .]
[ حالما ينتهي العمل في الجناح الجنوبي فلابدأن تأتوا لزيارتنا .]
عندما وضعت السماعة كانت ساعة الردهة تدق معلنة التساعة والربع . وظلت واقفة حيث هي مدة طويلة تحدق في جهاز الهاتف . قالت لنفسها أنها كانتتستطيع ان تقول لشارل اين يمكنه أن يجد براد . من الواضح تماماً أنه ذهب لرؤيةفيليسيا فهو لاشك يراها باستمرار ، وهو على وجه التحديد لم يكن يتصور أن شارل سيتصلبه في المنزل بعد افتراقهما ويسبب له الاحراج .
وشعرت بأنها تكاد تبلغ اقسىدرجات التعاسة 

من اجل حفنة جنيهات - كاي ثورب - عبير القديمة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن