الفصل الثامن
وبحذر شديد أجلسها على المقعد الخلفي بسيارته متأكدًا من تمددها عليه، ظلت فرح تتلوى بجسدها محاولة الخلاص من القيود الإجبارية التي شلت حركتها بالكامل، مال يزيد على أذنها يهمس لها بشيء ما، ثم اعتدل في وقفته قبل أن يصفق الباب ويلتف حول السيارة ليجلس خلف المقود، تبعه آدم ليلحق به كي يضمن عدم تطور المشادات بينهما، هتف متسائلاً بجدية:
-كله تمام معاك؟
التوى ثغر يزيد قائلاً بثقة مغترة:
-اطمن! دي مراتي
سأله مهتمًا:
-احنا رايحين فين دلوقتي؟
أجابه بغموض زاد من ريبة زوجته الأسيرة بالخلف:
-هتعرف!
نظر له آدم مطولاً محاولاً سبر أغوار عقله، فعادة حينما يقدم رفيقه على أمر ما لا يفعله إلا أن كان مدروسًا وبعناية، لكن مع زوجته وتصرفاتها الغريبة مؤخرًا أصبح التنبؤ بأفعاله شيئًا مقلقًا، ضبط يزيد من وضعية المرآة لتظل أنظاره مسلطة على زوجته التي لم تتوقف عن الحركة أو الحديث بصوتها المكتوم طوال الطريق، بعد برهة وصل بها إلى بنايتها السابقة، صف السيارة أمام المدخل، فتساءل آدم بفضول:
-احنا بنعمل ايه هنا؟
غمز له يزيد دون أن يجيبه ليثير في نفسه الشكوك أكتر، لم يتوقف عقل فرح عن التفكير فيما تلتقطه أذنيها من كلمات مقتضبة تضاعف من قلقها وخوفها، بالطبع فهمت أنه يفعل ذلك عن قصد ليجعلها تعيش في حالة من التخبط والحيرة حتى لا يفسد عليها أي محاولة للمقاومة أو الرد بشراسة، هو يتعمد استخدام تكتيكات الحرب واستراتيجيات التخطيط معها وكأن ما بينهما معركة حامية، أخرجها من تفكيرها المحتقن ضده شعورها بيديه عليها، انتفضت أكثر مع رفعه لجسدها ليحملها بين ذراعيه نحو المجهول، لم ترَ أي شيء بسبب الوشاح الذي يعصب عينيها، لكنها خمنت أنها لم تبتعد عن القاهرة، فلم يتحرك بالسيارة لمسافة طويلة، سمعت صوته الآمر يردد:
-استناني هنا شوية
أتاها صوت آدم قائلاً:
-ماشي، بس مـ...
قاطعه يزيد بجدية:
-خلاص بقى!
ظلت رغمًا عنها مستسلمة لحمله لها حتى سمعته يفتح باب منزل ما، هنا ازداد خوفها وارتعدت أوصالها، وتضاعفت دقات قلبها، ورغم ذلك تسرب إليها إحساسًا بالارتياح والسكينة، كان بالمكان رائحة ما تعرفها جيدًا، شيئًا جعل خوفها يخبو ويتضاءل تدريجيًا، لم تدم رهبتها كثيرًا حينما وضعها على الفراش مزيحًا العُصابة عن عينيها، رمشت بجفنيها عدة مرات لتعتاد على الإضاءة قبل أن تدير رأسها في كافة الاتجاهات لتكتشف أين هي.
أنت تقرأ
هي والربان ©️ (فراشة أعلى الفرقاطة 2) كاملة ✅
Romanceالجزء الثاني من رواية فراشة أعلى الفرقاطة نشر الجزء الأول في عام 2016 .. يخوض الضابط "يزيد" تحديدًا جديدًا في علاقته مع زوجته "فرح"، كلاهما يحتاجان لفسحة من الوقت لخلق الانسجام بينهما بعد أن حدثت الزيجة في وقت قياسي .. لكن الصراعات تضع علاقتهما على...