الفصل التاسع والعشرون

33.6K 1.4K 96
                                    


الفصل التاسع والعشرون

لو كانت الوقاحة رجلاً لأرتده قتيلاً دون ندم أو تأنيب ضمير، للحظة شُل تفكيرها وهي تستوعب اقتحام تلك الفظة لغرفتها بطريقة سافرة مكملة استفزازها المستنفذ لهدوء الأعصاب متناسية آداب الضيافة، انتصبت "فرح" في وقفتها مخبئة ما كشف منها بقطعة الثياب هاتفة بتشنج:

-وهو من الأصول تخشي عليا الأوضة وأنا كده؟

رمقتها "مفيدة" بنظرة مطولة شملتها من رأسها لأخمص قدميها، رأت في نظراتها نحوها تأففًا جليًا، بل ونفورًا واضحًا على تعبيرات وجهها، تجهمت متسائلة بانفعال:

-قولي إني غلطانة يا حاجة "مفيدة"؟

تصرفت "فرح" بتلقائية مدافعة عن خصوصيتها فلم يطرأ ببالها أن تجد أعين الأخيرة القاسية والحادة مثبتة على ندوبها، تلك العلامات التي تركت أثرها على عنقها لتصبح سببًا قويًا في الإساءة إليها، تقوس فم "مفيدة" للجانب مبدية اشمئزازًا علنيًا منها وهي تقول:

-إيه الجرف (القرف) ده؟

اعتصر قلبها ألمًا من كلماته الطاعنة، عفويًا ارتخت يداها عن قطعة الثياب الممسكة بها لتضعهما على عنقها لتخفيه عن عينيها، اغرورقت حدقتاها بعبرات كثيفة حينما تابعت بقسوةٍ:

-ولدي واخد واحدة معيوبة؟!

اهتز بدنها كليًا مع شراسة حديثها الذي لم وأد مشاعرها فورًا، أغمضت "فرح" جفنيها بقوة وهي تتراجع مبتعدة للخلف ليلتصق ظهرها بضلفة الخزانة، لم تقوَ ساقيها على حملها، شعرت أنها على وشك الانهيار أمامها، أنجاها من شرها المستطر اقتحام تلك الشابة للغرفة، هتفت الأخيرة موبخة والدتها بنبرتها المزعوجة:

-إيه يامه اللي بتعمليه ده مع الضيفة؟

أجابتها بشراسة مهلكة لما تبقى من روح "فرح":

-تعالي يا "سوسن" شوفي اللي اخترها "يزيد" بدالك، واحدة استغفر الله، مُسخ!

شهقت ابنتها من لسانها السليط الذي بدا كالسياط وهي توصف ضيفة المنزل بأقذع الألفاظ، ارتفع حاجبي "سوسن" للأعلى باستنكار وهي تضع قبضتيها على كتفي أمها لتجذبها نحو باب الغرفة:

-مايصحش الكلام ده، بينا يامه من هنا!

نفضت "مفيدة" ذراعيها عنها مرددة بعبوس:

-أني خارجة ماتمسكنيش!

استمعت "فرح" إلى صوت بصاقها دون أن تكون بحاجة للنظر إليها، تعالت شهقاتها مع نحيبها المكتوم، لم تتعرض لمثل ذلك الإذلال المهين من قبل، هوى جسدها وهي تدفن وجهها بين راحتي يدها مطلقة لنفسها العنان لتبكي بمرارة وحرقة لتدخل من جديد في دوامة أحزانها التي لا تنتهي مجترة كأس ذكرياتها المؤلمة.

هي والربان ©️ (فراشة أعلى الفرقاطة 2)  كاملة ✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن