القصة الرابعة - إسعافات أولية

4.2K 275 24
                                    


إسعافات أولية

أمسكت بملمع الشفاه مقتربة برأسها من المرآة الصغيرة المسنودة أمامها لتتأمل شفتيها بنظرات دقيقة، مدت "أروى" يدها الممسكة به لتضعه بحرص شديد عليهما وكأنها تقوم بعملية جراحية خطيرة تستدعي تركيزها بالكامل، ضمت شفتيها معًا لتفركهما لكي تتأكد من امتزاج اللون الجديد مع ما تبقى من أثار الملمع السابق، التوى ثغرها بابتسامة متفاخرة وهي تطالع وجهها من جديد.
-
أنا رايح أصلي الضهر يا أروى خلي بالك من الصيدلية لحد ما أرجع!
هتف بتلك العبارة السابقة الطبيب المالك للصيدلية، فرفعت رأسها في اتجاهه لتبتسم له وهي ترد برقة:
-
اطمن يا د. عبد المقصود، أنا موجودة وهاسد مكانك!

انصرف من المكان تاركًا إياها بمفردها تدير العمل به ريثما يؤدي فريضته، أعادت وضع الملمع في حقيبتها لتحدق بشرود أمامها، شعرت بالملل من جلوسها لساعات يوميًا دون فعل أي شيء سوى بيع مساحيق التجميل للسيدات، كانت تلك مهمتها تحديًدًا؛ فهي لم تدرس في كلية الصيدلة أو حتى في أي كلية لها علاقة بالمجال الطبي، هي فقط خريجة كلية التجارة ولهذا كان عملها محددًا بالصيدلية، أما متابعة الوصفات الطبية الخاصة بالمرضى وصرف اﻷدوية فيقوم بها إما الطبيب عبد المقصود أو المتدرب أحمد، لكن تغيب الأخير اليوم عن الحضور بسبب وعكة صحية، فأصبحت المسئولة كليًا عن المكان.

أمسكت أروى بجهاز التحكم عن بعد وسلطته على شاشة التلفاز لتقلب بين المحطات الفضائية المختلفة بعدم اكتراث، لم تجد ما يجذبها بعد، وفجأة اقتحم الصيدلية شخص ما على وجهه علامات جادة للغاية، نظرت له شزرًا، وقبل أن توبخه سبقها بالصياح بصوت آمر يحمل الصرامة:
-
طهري الجرح ده بسرعة!

نظرت أروى إلى حيث أشار بعينيه فوجدت جرحًا غائرًا بيده ينزف بغزارة، شهقت مرعوبة وهي تضع يدها على فمها متسائلة بخوفٍ:
-
إنت متعور؟

حدجها بنظرات غريبة متعجبًا من سؤالها الأبله، استجمع تركيزه قائلاً بتهكم:
-
لأ جاي أعاكس.. يالا يا دكتورة بسرعة!
ارتعد جسدها من رؤية نزيف الدماء المتواصل، شعرت لوهلة أنها عاجزة عن التصرف، وأن الأمر أخطر بكثير مما يبدو، تلفتت حولها بنظرات حائرة لتحدق في أرفف الأدوية، لاحظ الشاب حالة التخبط المسيطرة عليها، فاستطرد متسائلاً باستغراب ممزوج بالسخرية:
-
هو أنا طلبت حاجة غريبة؟ ده حتة قطن وشاش يا دكتورة ولا مدرستوش ده في صيدلة؟!

تنحنحت بحرج من سخريته منها، عضت على شفتها السفلى بتوتر وهي ترد بخجل:
-
هو إنت ممكن تستنى شوية لما يجي د. عبد المقصود؟ أصل هو عارف مكان علبة الإسعافات اﻷولية هنا!

انفرجت شفتاه بصدمة عقب ما قاله، لم يتوقع مثل ذلك الرد مطلقًا، ضاقت نظراته وهو يسألها بجدية:
-
أومال حضرتك بتعملي ايه هنا بالظبط؟

قصص قصيرة منوعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن