كان سقراط من الطبقة الدنيا الفقيرة. ولم يكن حسن الخِلقةِ ولا
جميل الطلعة , وإنما كان قبيح المنظر ; إذ كان أفطس الأنف
عريض الجبهة , قصير القامة , ولكنه طيب القلب نافذ البصيرة
شديد الفطنة , ويقال: انه تعلم مهنة أبيه , ولكنه لم يمض فيها ,
وكان كغيره من الشبّان يختلف إلى المجالس العامة وإلى محال
الألعاب الرياضية , ويستمع إلى الخطباء .كان يحاور كل من لقيه ضروباً من الحوار غريبةٌ لم يألفها
الناس , فقد كانت الفاظه راقية ومهذبه وقوية ساحرةً . ولذا
أُعجب به الشبّان , ولم يكن له موضوع بعينه يدرسه او يحاور
فيه , وإنما كان يدرس كل شيئٍ , لم تكن له مدرسة ثابتة فقد
كان مدرسة متنقلة , يحاور في الميادين العامة والحوانيت , وفي
الملاعب الرياضية , ولعلّ أهم ماتميز به كان حسن الدعابة , بل
لم يكن حواره إلا دعابة متصلة وهزلاً مستمراً , ولكن هذه
الدعابة والهزل لم يكونا إلا ستارًا لطيفاً لما يتميز به من فكر
وجدّ.ذاعت شهرة سقراط بين الناس فبدأوا يأتون من أقطار الأرض ;
ليلقوه , ويتحدثوا غليه , وكان لا يتقاضى على عمله أجراً ; لأنه
كان يعتقد أنه لايعلم النّاس شيئاً .ولكن حادثة غيرت من رأي سقراط في نفسه , فقد تناهى إلى
سمعه أن النّاس سألوا كبير حكماء أثيتا إن كان بين فلاسفة
اليونان وحكمائهم من يفوق سقراط فلسفةً وحكمةً , فأجابهم
بالنفي , بدأ سقراط الذي لم يكن يرى في نفسه هذه المكانة ,
ويعدُ نفسه أشد الناس جهلاً , وأقلهم حظاً من العلم والفلسفة ,
يبحث عن السبب الذي يجعله أحكم الناس وأحسنهم فلسفة في
عين كبير الحكماء , فقابل بحثه الحكماء والفلاسفة والشعراء
والكتّاب , والصّنّاع وأهل الفن , يحادثهم ويسألهم حتى توصل
إلى انه أحكم الناس حقاً ; إذ رأى فئة الحكماء والفلاسفة شديدة
الغرور بحظها من العلم والفلسفة أو الشعر والفن , وأدرك أنها
شديدة الجهل بنفسها , ورأى أنه الوحيد الذي لايغرّه شيئ ٌ ,
وأيقن أنه أكثر الحكماء تواضعاً وقرباً من الناس , وانه الوحيد
الذي أدرك حكمه القدماء المعروفه :
" إعرف نفسك بنفسك"
فاتخذها شعاراً لحياته وحواره وتعليمه الناس .
أنت تقرأ
كتاب : || قصص العظماء ||
Rastgeleيتكون كتابي هذا من مجموعة قصص العظماء و الحكايات التي تتضمن عبرا مفيدة.