💙 بداية سقراط 💙

925 62 2
                                    

كان سقراط من الطبقة الدنيا الفقيرة. ولم يكن حسن الخِلقةِ ولا
 جميل الطلعة , وإنما كان قبيح المنظر ; إذ كان أفطس الأنف
 عريض الجبهة , قصير القامة , ولكنه طيب القلب نافذ البصيرة
 شديد الفطنة , ويقال: انه تعلم مهنة أبيه , ولكنه لم يمض فيها ,
 وكان كغيره من الشبّان يختلف إلى المجالس العامة وإلى محال
الألعاب الرياضية , ويستمع إلى الخطباء .

كان يحاور كل من لقيه ضروباً من الحوار غريبةٌ لم يألفها
 الناس , فقد كانت الفاظه راقية ومهذبه وقوية ساحرةً . ولذا
 أُعجب به الشبّان , ولم يكن له موضوع بعينه يدرسه او يحاور
 فيه , وإنما كان يدرس كل شيئٍ , لم تكن له مدرسة ثابتة فقد
 كان مدرسة متنقلة , يحاور في الميادين العامة والحوانيت , وفي
 الملاعب الرياضية , ولعلّ أهم ماتميز به كان حسن الدعابة , بل
 لم يكن حواره إلا دعابة متصلة وهزلاً مستمراً , ولكن هذه
 الدعابة والهزل لم يكونا إلا ستارًا لطيفاً لما يتميز به من فكر
وجدّ.

ذاعت شهرة سقراط بين الناس فبدأوا يأتون من أقطار الأرض ;
 ليلقوه , ويتحدثوا غليه , وكان لا يتقاضى على عمله أجراً ; لأنه
كان يعتقد أنه لايعلم النّاس شيئاً .

ولكن حادثة غيرت من رأي سقراط في نفسه , فقد تناهى إلى
 سمعه أن النّاس سألوا كبير حكماء أثيتا إن كان بين فلاسفة
 اليونان وحكمائهم من يفوق سقراط فلسفةً وحكمةً , فأجابهم
 بالنفي , بدأ سقراط الذي لم يكن يرى في نفسه هذه المكانة ,
 ويعدُ نفسه أشد الناس جهلاً , وأقلهم حظاً من العلم والفلسفة ,
 يبحث عن السبب الذي يجعله أحكم الناس وأحسنهم فلسفة في
 عين كبير الحكماء , فقابل بحثه الحكماء والفلاسفة والشعراء
 والكتّاب , والصّنّاع وأهل الفن , يحادثهم ويسألهم حتى توصل
 إلى انه أحكم الناس حقاً ; إذ رأى فئة الحكماء والفلاسفة شديدة
 الغرور بحظها من العلم والفلسفة أو الشعر والفن , وأدرك أنها
 شديدة الجهل بنفسها , ورأى أنه الوحيد الذي لايغرّه شيئ ٌ ,
 وأيقن أنه أكثر الحكماء تواضعاً وقرباً من الناس , وانه الوحيد
 الذي أدرك حكمه القدماء المعروفه :
" إعرف نفسك بنفسك"
 فاتخذها شعاراً لحياته وحواره وتعليمه الناس .

كتاب : || قصص العظماء ||حيث تعيش القصص. اكتشف الآن