خطوط المعركة

12.6K 231 4
                                    

استيقظت هانا متأخرة , ونظرت الى الساعة , ثم هرعت الى الحمام .
بعدها أرتدت ملابسها ووضعت الزينة الأساسية فى وقت سريع قبل أن تجري بخفة نحو الطابق السفلي.
كان ميغيل على وشك ان يرشف آحر قطرة من قهوته حين دخلت المطبخ ... فخفق قلبها خفقات سريعة .
نظر اليها فشعر بعذاب خفيف أرجف ثغرها ... هل تعي مدى جمالها ؟ إنه جمال يذهب الى ما هو أبعد من النظر , إلى عمق روحها ... فى هذه اللحظة , كانت شفافة جداً ... وهذا ما حرك قلبه الى أبعد الحدود والمقاييس .
راقبها وهى تتناول كأساً وتصب لنفسها عصير برتقال طازج ... ثم أخذت قطعة توست وغطتها بالمربى .
سألت بصوت طبيعي :( لماذا لم توقظني ؟) .
قضمت التوست , وألحقتها بجرعة قهوة حلوة .
بدا لها بكل جزء منه المدير التنفيذي للشركة المتحدة ... بذلته لا شائبة فى تفاصيلها , وربطة عنقة حريرية سوداء تستريح على قميص ابيض ناصع .
-لقد حلت الساعة .
وتطلع الى ساعته :( وسننطلق بعد قليل ... لماذا لا تجلسين ؟) .
هزت رأسها :( لا وقت لدي ).
اللعنة ... إنه يبدو رائعاً , وارادت ان تدس اصابعها فى شعره , وأن تحضنه وتضمه بقوة وشغف كبيرين.
أفكار خطيرة ... وابتلعت رشفة كبيرة من قهوتها . لو أستسلمت للأفكار , فستتأخر اكثر على عملها ... وهذا لن يفيد !
لذا , أنهت التوست وابتلعت آخر رشفة من القهوة , ثم أخذت موزة وتفاحة من وعاء الفاكهة الفضي , والتقطت مفاتيح سيارتها , ولحقت به الى المرآب .
فتح ميغيل الباب , ونظر اليها بثبات من فوق سطح الجاغوار :( ليلة متململة ... فطور لا يذكر , وطعام سريع , ليس بالطريقة المثلى لبداية اليوم ).
هزت كتفيها بلا مبالاة :( سوف آخذ القهوة .. وشئ آكله فيما بعد ).
وأراد ان يدق عنقها النحيل .
-تأكدي من ان تفعلى .
منتدى ليلاس
فتحت باب السيارة واندست وراء المقود :( حاضر سيدي ).
نظر اليها نظرة قاتمة .. ثم ادار المحرك وقاد السيارة ببطء نحو الأبواب .
سباب هانا المنخفض لا مس الجو بخفة , وترافق مع تنهيدة ساخطة .
العمل بإنتظارها ولا وقت لديها للتأخر إذا ارادت ان تفتح المحل فى الوقت المحدد .
بعد ثوان , خرجت من الطريق الداخلية متجهة نحو شارع"توراك" بمزاج يفكر فى كيفية التخلص من ذروة زحام السير فى الصباح .
كان من الرائع ان تستيقظ بين ذراعي ميغيل .. ففى تلك اللحظات كان يتبادلان الأحاديث الحميمة .
وتراءت قسمات وجه كاميل بسرعة فى رأسها .. متطفلة ومعذبة بشكل غامض .
هل هذه قوة أفكار ما بعد الفراغ ؟ وسارعت لطرد المرأة الفرنسية من رأسها , مركزة على ما سوف تعمله اليوم .
كان من المقرر أن توصل خدمات الشحن البحري كمية من البضائع الجديدة هذا الصباح , فوضعت فى ذهنها ان تختار بدلة مذهلة لتعرضها فى الواجهة مع الاكسسوار , وإعادة ترتيب وفرز البضاعة الموجودة .
وحين فتحت أبواب المحل , كانت قد نسيت وجود كاميل .. مؤقتاً .
وخلال الساعة التى تلت ذلك , توقفت يدها مرتين فوق الهاتف .. إنها بحاجة ماسة الى سماع صوت ميغيل , ولو لالقاء التحية عليه . برنامج الايام التالية , أصبح عادة صباحية فقط .. اللعنة , ستتصل به وتطلب منه لقائها لتناول الغداء .. وتستطيع سندي إدارة المحل لمدة ساعة , أو أكثر لو كان ذلك ضرورياً .
ومن دون تردد طلبت رقم هاتفه النقال . لكن , المكالمة تحولت الى الرسائل الصوتية , فتركت اسمها , ودعوتها , ثم شغلت نفسها بعمل روتيني .
وفى الساعة العاشرة وصلت سندي , وهى صديقة لها تحب الأزياء , وترحب بعمل جزئي خلال وجود ابنتها فى المدرسة , وتبع ذلك وصول الشحنة .
فض البضاعة , وتفحص الفواتير , والتحضير للعرض القادم إستغرق بعض الوقت .. كما أتى زبائن للشراء إضافة الى عابري سبيل غير جادين أرادوا التفرج فقط .
تلقت مكالمات هاتفية عدة ليس من بينها واحدة من ميغيل , وحين قاربت الساعة الحادية عشر ونصف يئست هانا من إتصاله .
قالت سيدني وهي تناولها الهاتف النقال :( إنه الرجل ).
ابتعدت هانا بضع خطوات :( فكرت فى أن نتناول الغداء معاً ).
أخذت نفساً خفيفاً ثم زفرته :( بإمكاني الذهاب فى أي وقت من الآن حتى الثانية ).
قال ميغيل :( أنا مرتبط باجتماعات طوال بعد الظهر .. ألا يمكنك الانتظار حتى الليل ؟).
وبدا متسلياً , وكأنه حزر سبب الأتصال .
-طبعاً .
قال باسترخاء :( ماستالويغو , كوريدا ).
وقطع الاتصال .
سألت سندي بعض لحظات :( هل تنهين العمل فى الواجهة ام انهيه انا ؟).
وأشارت هانا الى التمثال المكسو بالملابس :( تفضلى ).
منديل مرخي بذكاء .. حلية "بروش" أنيقة ستضيف اللمسات الأخيرة , إضافة الى حذاء عالى الكعبين وحقيبة يد مماثلة . وهذا شئ لن يستغرق أكثر من دقائق .
وكانت النتيجة مذهلة , جعلت هانا تكيل المديح , وتفحصت ساعتها .
-لماذا لا تأخذين فرصة الغداء .. أستطيع تدبر أمري لبرهة .
غالباً ما تختار الزبونات الدائمات , الشراء فى فترة منتصف الصباح أو منتصف ما بعد الظهر .. أما الوقت الممتد ما بين منتصف النهار والساعة الثانية , فيمضينه غالباً بتناول الغداء فى إحدى المقاهي العديدة أو أحد المطاعم الواقعة وسط المدينة أو فى ضواحيها الفاخرة .
أخذت سندي حقيبتها واتجهت نحو الباب :( أراك قريباً ).
تقدمت هانا الى جهاز التسجيل وأزالت مختارات الصباح من الاسطوانات ووضعت مكانها ما يلائم توفير خلفية هادئة من الموسيقى حتى وقت الاقفال .
الجرس الالكتروني اعلن وصول زبونة , واستدارت هانا بابتسامة ترحيب .. لكن ابتسامتها تجمدت لبرهة وهى ترى كاميل امامها .
طويلة , نحيلة , ترشح ثقة بالنفس مع شئ من العجرفة وهى تخطو الى الامام . كانت ترتدي ثياباً لمصمم مشهور , وتضع عطراً غالي الثمن فبدت مثالاً للاناقة ذاتها .
أحنت رأساً رائع التسريح , واستطلعت البضاعة المرتبة بعناية .
-صباح الخير هانا .. رغبت بزيارتك .
لسبب ما شعرت هانا ان الملابس ليست هدفها :( لطف منك ان تزوريني ).
فى اى مرحلة يمكن للأدب ان يتجاوز الخط ويصبح كذبة بيضاء ؟
وأشارت الى مجموعة من الملابس المستوردة لكبار المصممين .
-هل هناك شئ خاص استطيع مساعدتك به ؟
تقدمت الى الامام وأخرجت ثوباً سيبدو مذهلاً على جسم كاميل الطويل .
فتكور فم كاميل وقالت :( حبيبتي .. أستطيع الحصول على مثل هذا فى باريس ).
وظهر فى عينيها لمعان قاس وهى تنتقل بين امكنة التعليق الواسعة , متلهية تماماً عن معروضاتهل المثيرة .
منتدى ليلاس
راقبت هانا المرأة الفرنسية وهى تسحب علاقة ملابس , وتتفحص الثوب بانتقاد ازدرائي , ثم تعيده من دون اهتمام الى مكانه قبل التحرك خطوة أو اثنتين مكررة العملية .
لم يكن هناك شك فى انها تتعمد هذا التصرف . وتسائلت هانا كم من الوقت سيلزم كاميل لتصل تماماً الى ما تريده .
كانت الملابس الخاضعة للحسم معروضة فى احد جوانب البوتيك . قطعت الفرنسية المكان وبدأت تفحصاً مماثلاً للقمصان الحريرية , وسألت فجأة :( كيف هو الشعور فى أن تجبري على زواج من دون حب ؟).
واحتسبت هانا أربع دقائق تقريباً . إذا أرادت حرباً كلامية , فليكن .. وقابلت نظرة المرأة بقسوة , رافعة حاجباً دقيقاً :( ومن أجبرني ؟).
ضاقت نظرة كاميل : ( الا يزعجك أن يكون دافع ميغيل نابع من الواجب ؟ لوالده , ولتكتل "ساغار" ).
أخذت هانا وقتها لتفكر بكلمات المرأة الفرنسية :( بالنسبة لشخص لم يمض وقت طويلاً فى ميلبورن , يبدو أنك امتلكت معلومات كثيرة ).
-غرازيلا كتومة جداً . على أى حال , اهتمامي بميغيل بدأ منذ عدة أسابيع , خلال حفلة فى روما .
وابتسمت بمكر :( حضرها ميغيل لوقت قصير مع زميل عمل ).
وتذكرت هانا فوراً . كانت قد طارت الى روما لشراء ملابس للموسم , وربطت الزيارة بلقاء عمل لميغيل فى ايطاليا . حتى انها تذكرت تلك الامسية , وذلك الصدع الأليم الذى جعلها طريحة الفراش وقد طلبت من ميغيل ان يذهب الى الحفلة من دونها .
وتابعت كاميل من دون هوادة :( لقد جعلت شغلى الشاغل اكتشاف كل شئ عن ميغيل سانتاناس .. عن زواجه , زوجته , وخلفيتها ).
كان أكثرتعقيداً من فضول عادي . وأدركت هانا بصمت , إنه يكاد يكون مقززاً .
أكملت المرأة الفرنسية كشفها , وكأنها منكبة على تحليل تعابير وجه هانا .
-وعلاقتك بلوك دوبوا .. رجل مثير للأهتمام .
لكن وصف مثير للأهتمام لم يكن قريباً من الهدف . فالرجل وغد محتال متمرس , وال يزال يثير سخطها . لقد رافقها بضعة أشهر قبل ان تتخلص من الوهم وتواجه الحقيقة .
سألت هانا ببرود :( أتصور أن هذا يقود الى مكان ما ؟)
-بالطبع حبيبتي .. أنت لست ساذجة .
وما كانت بحاجة الى الكثير من الخيال لتتوضح الأمور , وبدأت تقول مفكرة :( دعيني أخمن .. جئت الى هنا مع خالتك عن قصد .. وخالتك صديقة جيدة لعائلة آل سانتوس . زانت تعرفين وضعهم الاجتماعي وإمكانية استغلالهم لإشراكك فى الدعوات المتعددة فى المدينة , وبهذا أمنت أتصالاً اجتماعياً منتظماً مع ميغيل ).
أفلتت ضحكة رنانة من بين شفتي كاميل :( كم انت ذكية , ياعزيزتي . بالطبع , الزيارة الى اوستراليا كانت من اقتراحي ).
منتدى ليلاس
لمعت عيناها بشرارات نارية :( هل سنرسم خطوط المعركة ؟).
ابتسمت كاميل من دون مرح :( طالمل تفهمين أن ميغيل لي ).
وقفت هانا وقفت سخرية متعمدة :( حقاً ؟ هل نسيت أن اي أفضلية أو اثنتين ؟).
فردت الفرنسية بخشونة لا ترحم :( قد ينظر اليك ميغيل كواجب يلتزم به , لكن حبيبتي .. أنا أنوي أن أكون .. مدغدغته ).
رنين جرس الهاتف جاء كمقاطع مرحب به , وتقدمت هانا لتأخذ المكالمة , منتبهة وهى تفعل هذا الى ان الفرنسية استدارت نحو الباب , وخرجت خلال ثوان .. استجمت هانا حواسها , لترد على طلب زبونة , ثم حين انتهت , التفتت لتعيد ترتيب الملابس التى عبثت بها كاميل عمداً .
عقد التوتر معدتها .. لقد كان هذا أسوأ بكثير مما تصورته . ماذا ستكون ردة فعل ميغيل لو أخبرته ؟ ربما سيتسلى . لكن ماذا يمكن ان يكمن تحت تسليته ؟ الرضى الرجولى ؟ إثارة الملاحقة والتحدي ؟ المزيد من الصلة ؟ هل سينغمس فى علاقة خارج الزواج ؟
يا إلهي العزيز .. كم تتمنى الا يحدث ذلك , فمجرد الفكرة يمكن ان تدمرها .
رنين جرس الهاتف مجدداً قطع أفكارها , فردت على المكالمة , واهتمت بزبونة اشترت تنورة وبلوزتين , ومنديل حريري جميل .. ولدى عودة سندي , أخذت حقيبة يدها وقطعت الشارع لتتناول الغداء فى مقهى فخم .
طلبت هانا عصير وسلطة , وأرتشفت الاول وأكلت الثانى ببطء .. لكنها عافته تماماُ وطلبت العصير مجدداً .
فى العادة تأخذ وقتاً كافياً لتأكل قبل العودة الى المحل لكنها اليوم اختارت ان تتفرج على بضعة محلات , لتبحث عن الحلى الأثرية الرائعة . لفت نظرها قرط , فدخلت المحل , وجربته , ثم اشترته فى لحظة تهور .
كانت الساعة تقارب الثانية حين عادت الى المحل , والرابعة حين غادرت سندي فى نهاية يوم عملها , وفى الخاكسة والربع . اقفلت المحل وقادت سيارتها الى المنزل .
وبقدر ما جهدت فى المحاولة , كان من المستحيل ان تصرف من رأسها التفكير بكاميل .. ما ظنته فى البداية لعبة مكشوفة , ثبت الآن ان فيه نوايا مبيته جيداً , والتعامل معها قد يشبه السير عبر حقل ألغام .
الأمر المؤكد .. أن ميغيل لها .. وهى تنوي القتال من أجله , من أجل زواجهما , وحياتها . وصممت على هذا وهى تضع السيارة فى المرآب , وتدخل المنزل .
كانت صوفيا فى المطبخ تحضر العشاء .. فحيتها هانا بمحبة وهى تتجه نحو البراد .
قالت لها مدبرة المنزل وهى تستخدم سكين المطبخ ببراعة كبيرة :( هناك رسالة لك واثنتان للسنيور .. وضعتها فى مكتب السنيور ).
أخرجت هانا زجاجة ماء بارد , وصبت بعضاً منه فى كأس :( شكراً .. سأقرؤها بعد دقيقة ).
داعبت انفها رائحة حادة لذيذة , وتمتمت بإعجاب :( همم .. شئ ما , له رائحة لذيذة ).
قالت صوفيا :( إنه طعام البحر .. سأقدمه مع خليط من السلطة ).
رفعت كأس الماء الى شفتيها , وشربت جرعة طويلة . ثم تحركت الى فرن الطبخ ورفعت الغطاء عن الطنجرة التى تغلي . كان مغرياً جداً ان تتذوق حبة بلح البحر المتصاعد منه البخار , وبسرعة , تناقلت الصدفة من يد ال أخرى وهى تفتح شقيها , وتخرج قطعة اللحم النضرة .
سألتها صوفيا :( أتريدين ؟ سأخرج بعضاً منها وأضعه فى طبق ).
فهزت هانا رأسها نفياً :( لا .. سأوفر هذا للعشاء ).
ودمدمت معدتها طلباً للطعام .
-سأذهب لأستحم وأغير ثيابي .. هل عاد ميغيل ؟
-لقد اتصل السنيور منذ ساعة .. سيتأخر .. سأقدم العشاء فى السايعة .. هل هذا مناسب ؟
استمتعت هانا بلحم بلح البحر , وألحقته بكأس ما آخر .. ربما تسبح فى بركة السباحة اولاً . لديها من الوقت ما يكفى وهى تشعر بتململ غريب , وبحاجة الى تنفيس بعض الطاقة المتوترة . منتدى ليلاس
لزمها دقائق فقط لتصل الى غرفة نومها , ودقائق أخرى للتخلص من ثيابها وارتداء ثوب سباحة ازرق مكون من قطعتين .. ثم أخذت منشفة شاطئ من خزانة البياضات , وخرجت بسرعة عبر الابواب الزجاجية الواسعة فى مؤحرة المنزل الى المساحة المكسوة بالبلاط حول البركة .
تنفست بعد قليل قائلة لنفسها .. هذه هى الجنة . وتحركت بضربات واثقة فى المياة المالحة الممزوجة بالكلور .
لم تسمح لنفسها ان تغرق فى التفكير , بل ركزت على الملمس الحريري للماء على بشرتها , وعلى خفة وزن جسمها والحركات المحسوبة لذراعيها وساقيها .
لمكان هادئ جداً .. لا صوت مجاور يزعج .. أسوار عالية , وأشجار باسقة ترسم الحدود , فتضفي على المنزل جو عزلة تامة , وتجعل من الصعب التصديق أن مدينة تضج بالحياة النابضة , على بعد كيلومترات.
كان بإمكانها ان تكون فى اى مكان , فكرت بمرح . وراحت لبضع ثوان تتخيل مكاناً بعيداً عن هنا , حيث لا هاتف , لا التزامات اجتماعية , لا شئ يلهي .. هى فقط , مع ميغيل ,يسترخيان تحت أشعة الشمس , ويلأكلان متى أحسا بحاجة للطعام , وينامان عندما يرغبان بذلك .
لكن هذا مجرد خيال .. والواقع هو مجرد فترة استراحة قصيرة ما بين اللقاءات المتعددة والأجتماعات .. أينما كانت , فى باريس , روما , مدريد او فرانكفورت .. ويوم منتزع هنا وهناك , ودائماً على مسافة قصيؤة من الهاتف النقال ,ومكالمة مهمة تخترق سحر اللحظة حتماً .
هذه هى الحياة وايقاعها السريع , الحاجة لعقد الصفقة التالية للبناء والتوسيع والدمج , والمغامرة فى مجالات جديدة .. ودائماً سباقون ومتقدمون على المتنافسون .
الحياة مثل دوامة الخيل فى مدينة الملاهى , تستمر فى التحرك , ما إن يمتطئ المرء ظهرها حتى يصعب عليه الترجل .
قد تستطيع إقناع ميغيل بتخصيص فترة عطلة ضمن جدول اعماله .. ليذهبا الى هاواى حيث اشعة الشمس , الموج والرمال , حيث سير الحياة يخلو من الهموم .
لم تسمع هانا صوت الماء الخفيف حين غطس ميغيل برشاقة فى البركة .. لكن مع بروز رأسه قريباً منها , عرفت انها لم تعد وحدها .
استدارت نحوه :( هاى .. لقد عدت مبكراً ).
توقف ميغيل ليمسح الماء عن وجهه , ويمرر كلتا يديه على رأسه تاركاً شعره يماثل الابنوس الاسود اللماع .
منتدى ليلاس
-وهل من المستحيل ان ارغب فى رؤية زوجتي ؟
أمالت رأسها جانباً , ونظرت اليه مفكرة :( هممم .. ربما ).
مازحها بخفة :( غراتسياس أمادا , على هذه الثقة ).
تقدم منها أكثر وضم خصرها اليه , فخدرت رجفة عمودها الفقري , وتقوس جسمها نحوه طائعاً .
وتشابكت يداها فوراً على مؤخرة عنقه . وبدأ العناق بطيئاً , حلواً , ثم ×ذ يتحول الى شئ أصبح مقدمة للوعد بالحب .
وببطء ابتعدت هانا عنه , وأنزلت يديها بأسف من حول عنقه .
-سيكون العشاء جاهزاً قريباً , وكلانا بحاجة الى حمام وعلينا ارتداء ملابسنا .
تركها ميغيل , وعيناه مليئتان بمشاعر متقدة :( أعتقد أنه من الافضل ان نستمتع بحمام متكاسل ).
وجاء دورها للمزاح :( ونتأخر على العشاء .. ونفسد طعام البحر الذى تعده صوفيا ؟).
طبع قبلة قوية سريعة على خدها :( يمكن للعشاء ان ينتظر ).
قطعت البركة بسرعة لتصل الى الحافة . ثم شدت نفسها لتصعد , ولتقف بحركة رشيقة واحدة , وهى تدرك ان ميغيل يفعل مثلها . وبحركة واحدة التقطا منشفتيهما , وجففا جسديهما , ثم ربطا المنشفتين حولهما وسارا نحو الابواب الداخلية .فى منتصف صعودهما السلم , رفع ميغيل جسمها النحيل على كتفه وحملها ما تبقى من الطريق .
سألت ووجهها قرب ظهره العريض :( هل هذا تصرف رجل الكهف ؟).
وأحست بضحكته بدلاً من ان تسمعها .
-وهل لديك اعتراض ؟
تمسكت بكتفيه , وأحست بحركة العضلات القوية وهو يتقدم نحو غرفة النوم .
-وهل يشكل اعتراضي فارقاً ؟
دخل ميغيل جناحهما , وأقفل الباب , ثم انزلها لتقف امامه .
-الا تريدين ان تلعبي ؟
ردت ببساطة :( بلى ).
وتمنت من كل قلبها ان تكون هى من يحتاج اليها .. وليس مجرد امرأة تحمل اسمه .
لقد جعل من علاقتهما الزوجية فناً .. وقالت لنفسها انها لا تهتم .. يكفى انه يجعلها تشعر بهذا , يكفى أنهما معاً يخلقان سحراً .
بعد ذلك , استحما وارتديا ملابس عادية قبل نزولهما لاى الطابق السفلي , حيث اختارا ان يتناولا "البايلا" اللذيذة على الشرفة المحاذية لبركة السباحة .
كانا يتوقفان بين لحظة وأخرى ليغريا بعضهما بشوكة مليئة بالطعام . وقد رافق الوجبة العصير اللذيذ , والخبز ذو القشرة المحمصة . وفى جلستهما الحميمة هذه , راحا يراقبان شمس الصيف تغوص ببطء وراء الأفق .
واخذا وقتاً طويلاً ناقشا فيه يومهما , وتعمدت هانا ال تذكر كاميل .. بطريقة ما , بدا لها ان إفساد هذه اللحظات مثل تدنيس شئ مقدس .
الأنوار خارج المنزل وفرت وهجاً ناعماً , أنار الحديقة , ورمت الشجيرات الشائكة المحيطة بهما بظلالها .. فيما طارت الفراشات حول المصابيح الكهربائية , مسحورة بلمعانها .
مرت فترة قبل ان يجمعا معاً الاطباق وادوات الطعام بصمت ,ليعيداها الي المطبخ .
-متعبة؟
منتدى ليلاس
ردت بصدق وهو يشغل جهاز الإنزار :( قليلاً).
مد لها يده ، ولوت اصابعها بين اصابعه وهما يصعدان السلم.. في غرفة النوم، دخلا السرير فضمها بين ذراعيه وادناها منه.
بعد دقائق , غلبها النوم , وبقي ميغيل مستلقياً يحدق بتفكير مكتئب فى الظلام وهو يشعر تماماً بضربات قلبها الرتيبة تحت راحة يده , ورائحتها الأنثوية الخفيفة , وعطرها شعرها النظيف , بينما يستريح رأسها على كتفه .
تحركت لتدنو منه اكثر .. واكملت النوم حيث بقي تنفسها منتظماً .
حرك رأسه قليلاً ليطبع قبلو ناعمة على طرف جبهتها , ارتسمت على فمه إبتسامة مع تنهيدة خفيفة خرجت من بين شفتيها .
مستقلة , قوية , ذات شخصية فريدة .. وتكور لينام وهو يفكر بهذا .
إنها عاشقة كريمة , حارة العواطف , تماثلة شوقاً , ولكنه شوق خاص بها . إنها له .

صرخة قلب للكاتبة/ هليين بيانشين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن