اختارت هانا للحفل ثوباً طويلاً من الحرير الأزرق يناسب قامتها النحيلة ، ذا ياقة مرتفعة حتى العنق ، وطيات ناعمة تصل الي الركبتين . أما الحذاء فأزرق بكعب دقيق ، وزحملت حقيبة يد مزينة بالحلي أكملت بها هندامها .
كما تزينت بغقد من الماس ، معلق بسلسة ذهبية رفيعة ، وقرط يماثله من سوار ألماسي في معصمها .
ومع مقدار قليل من التبرج ركزت على عينيها ، مع لون وردي خفيف لون شفتيها . وراجعت شعرها الي الوراء رفعته ( بشينيون) ناعم متقن .
كان اتلحدث الخيري الهام يدين بنجاحه السي لجنة ناشطة ، واسعة الخيال ، قامت بتحضير لائحة دعت فيها نخبة من مجتمع المدينة ... موقع فخم ، وطعام وشراب رائعين ، وتسلية على أرفع المستويات .
كان هذا الحدث ، في نهاية السنة ، من ارقي المناسبات الخيرية والأموال المجموعة منه تذهب الي جمعية مرضي سرطان الدم .
بدا ميغيل متألقاً في بذلته السوداء الرسمية ، وقميصه الأبيض وربطة عنقه . التفصيل الرائع أبرز كتفيه العريضين ، وجسمه الرجولي الطويل كان يعكس صورة رجولية قوية ،هي مزيج من الإثارة والقسوة التي لا ترحم ، يضاف اليها نغمة لا تقاوم منالسلطة ، تجعل تأثيره مهلكاً.
-مستعدة ؟
منتدى ليلاس
قابلته هانا بابتسامة متلالئة : ( الي المعركة ؟ ).
ضحكته الخشنة تسببت لها برعشة رائعة سرت على طول ظهرها : ( هل هذا رأيك بالمناسبة الإجتماعية الليلة ؟).
حركت انفها ، وقالت بمرح : ( ستكون مناسبة مذهلة ... مع اللاعبين المعتادين).
واضافت في سرها : بمن فيهم كاميثل . وراحت تدعو السماء بحرقة ألا تكون أميرة المجتمع من بين الضيةف ، هذا ما فكرت فيه بعد ساعة وهي تجلس على مقعد محجوز لها ، وتري اسم كاميل مدون على بطاقة وضعت على مقعد بجانب مقعد ميغيل .
الللعنة ... هل يمكنها ان تنقل البطاقة خلسة ؟ ولازمتها الفكرة فعملت على تنفيذها بسرعة حيث استبدلت بطاقة المقعد مع ضيف يجلس قبالتهما .
كان اليخاندرو و ايليس إضافة مرحب بها . وكل من رأي ميغيل واليخاندرو معاً لاحظ فوراً صلة القرابة بينهما ، إذ كانا بطول واحد ، ويمتلكان عرض الأكتاف ذاته ، البنية الجسدية المتناسقة والحركة الرشيقة نفسهما ، حتى قسمات وجهيهما تحملان شبهاً واضحاً ، من الملامح المنحوتة ، الي العيون السوداء الثاقبة ... وذلك الفم الحساس الجميل .
والدهما اخوان ، وتركا بلهما سعياً الي الثروة في بلاد أخري ، ونجحا وتزوجا ، وانجب كل منهما ابناً .
يسكن اليخاندرو في سيدني مع زوجته ايليس وولداهما الصغيران ... اما اسم عائلة ((سانتاناس )) فمعروف ومحترم في دوائر الأعمال ... ويشارك كل من اليخاندرو وميغيل معاً في بعض المشاريع المالية .
عانقت هانا ايليس بحرارة : ( رائع ان اراك ، متى وصلتهما ؟ ).
-منتصف النهار ولم يستخدم اليخاندرو الهاتف الخلوي سوى مرة واحدة ولم يفتحه بعد ذلك .
ومنحتها ابتسامة لا تقاوم ثم اضافت : ( وانا لم اتصل بالمربية سوي مرتين ) .
لمعت عينا هانا بمرح : ( وهل هذه المرة الأولي التي تتركينهما في المنزل ؟ ).
-بل المرة الثانية ... ولا اجد الأمر سهلاً .
قال اليخاندرو متشدقاً وهو يميل الي الأمام ليقبل خد هانا :
-لديها حاجة ملحة للسؤال عن احوالهما .
-طبعاً .
ارسلت ايليس الي زوجها نظرة طويلة من النوع الذي يجعل اعصابهانا تقشعر حسداً .
اشارت هانا بيدها : ( سنجلس معاً ) .
وراقبت ايليس تجلس على كرسي ثم تربت على الكرسي بجانبها : ( اجلسي بجانبي ... لدينا اشياء كثيرة نتكلم عنها ).
في المكان موسيقي هادئة ، وقد جلس معظم الضيوف . ولم يعد هناك سوي مقعدين فارغين وهي ترتدي ثوباً احمر قاتم يغطي جسمها المتناسق ، وكانه جلد ثان لها .
تحولت نظرة هانا الي شريك كاميل ، وجمدت ثوان غير مصدقة وقع الصدمة قبل ان تغطي تعابير وجهها بقناع هادئ .
لوك دوبوا .
ياللسماء ... مرت ثلاث سنوات منذ رأته آخر مرة .
يومها ، كان خليعاً فاسقاً يعتاش على حساب النساء الثريات ... شابات او غير شابات ، هذا ما لم يكم يزعجه ... مصور فتوغرافي محترف كان يستخدم مهارته لفتح لأبواب امامه في عالم الأثرياء والمشهورين .
كان يجب ان تعرف ، فلثلاثة اشهر في باريس ، مارس سحره الكبير عليها . . . دعاها للعشاء ، وراقصها .
منتدى ليلاس
وراقبت هنانا كامبل وقد بدأت تشق طريقها نحوهم وهي تجر لوك وراءها . واجبرت نفسها على ان تحافظ على ابتسامة مهذبة وهما يقتربان .
هل لاحظ ميغيل دخولهما . هل عرف لوك ؟
واقشعر ظهرها ارتباكا لمجرد التفكير بردة فعله حين يعرف .
إلا انها تشك في ان يكون الرجلان قد التقيا من قبل . . . وارتفعت رغبة في الضحك هستيرية ، ثم ماتت في حنجرتها .
ياللسماء . . كامبل ولوك يجلسان الي طاولتهما ؟ يا لظلم القدر ؟
شعرت هانا بالحظة التي شاهدهما فيها ميغيل . . ولم تستطع سوي التساؤل عما إذا كان احدا آخر قد لاحظ ردة فعلها على ظهورهما وكأنها حيوان غابة احس بالعدو وينتظر هجومه .
بدت كاميل مثل قطة ارستقراطية تسللت لتوها لتلتهم الكافيار والكريما .
-ميغيل . . هانا .
نظرة واحدة الي تعابير وجه كاميل اللطيفة ، كانت كافية لمعرفة ان دعوة لوك متعمدة .
وظنت هانا ان وجهها سيتشقق اثر جهدها لأبقاء البسمة مثبتة على شفتيها وهي تحيي المرأة الفرنسية : ( كاميل ).
لا يحتاج الامر الي عبقري للوصول الي استنتاج صريح . . فحتى الشخص الذي لا بشك بشئ يمكن ان يرتاب بنية كاميل لافتعال الشر .
فظهور لوك هنا يؤكد ببساطة ان كاميل ليست جادة فقط فى ملاحقتها لميغيل بل انها لن تتوقف عند شيء لتحقيق هدفها.
إذن ... هى الحرب . حسن جداً .. يمكنها حماية نفسها جيداً .. لديها سنوات من الخبرة فى التعامل مع هذه الحماية , ولو ظنت كاميل ان ايقاع ميغيل فى الشرلاك سيكون سهلاً .. فأمامها فترة تفكير أخري قادمة !
قالت كاميل بصوت يشبة هرير القطة , وهي تجلس على مقعدها : " تعرفان بعضكما .. طبعاً ".
واختارت هانا استراتيجية المواجهة , فقالت :" لقد تكلمت الصحافة كثيراً عن القصة يومها ".
ونظرت الى لوك , تريد ان تحرقه حتي يذوب فى مكانه .
-أرجو ان يكونوا قد دفعوا لك ثمناً جيداً .
-مبلغ محترم .
وكان بإمكان ابتسامته أن تذيب قلوب مئات النساء .
لكن ليس قلبها .
-دعني أقدم لك زوجي .. ميغيل سانتاناس .
كان ميغيل مهذباً بشكل لا يصدق .. كل من يعرفه يمكن ان يشحب لونه للنعومة الثلجية الظاهرة فى صوته .
منتدى ليلاس
لكن لوك , بدا غافلاً عن هذا .
بدأ السقاة بتقديم المرطبات والعصير , وافتتحت الحفلة بخطبة تعريفية قدمتها رئيسة الجمعية الخيرية , تبعها مذيع قدم عروضات التسيلة للأميسة .
تنظيم الحفلة كان رائعاً مع دخول عارضات الأزياء على وقع الموسيقي بينما السقاة يقدمون طبق البداية لوجبة المساء .
نظرت هانا الى طعام البحر الموضوع بفن وسط سلطة خضراء , فأكلت القليل منه , بعد أن فقدت قابليتها للأكل لوجود ليس عدواً واحداً فقط بل عدوين , الى جوارها .
كان يمكن لها ان تتخلي عن أي شيء لتخرج من الحفلة , وتستقل سيارة أجرة تعود بها الى المنزل . إلا أن هذا يعتبر هروباً , وكرامتها تمنع مثل هذا الخيار .
تظاهري .. حثها صوت صغير , تصرفي وكأن لا هم لديك فى كل الدنيا .
طلب ميغيل العصير , واشار الى الساقي ان يملأ لها كأسها , ونظرت هانا اليه متسألة والتقطت ابتسامة خفيفة تلوي أطراف فمه , واللمعان الثابت فى عينيه وهو يرفع كأسها بكأسه بتحيه صامته لها .
كان بالطبع , يعرف من هو لوك دوبوا والدور الذي لعبه فى حياتها .
سألت هانا بهدوء وهى تلامس كأسها بكأسه , وهى ترفع حاجبيها متسألة :" لماذا التحية ؟ للتشجيع ؟"
-وهل تحتاجين للتشجيع ؟
هزت رأسها قليلاً , ايجاباً وقالت بشيء من السخرية :" ستكون هذه الأمسية كالجحيم "
-هل تريدين المغادرة؟
اتسعت عيناها .. وهل سيفعل هذا من اجلها ؟
-لا .
كان صوتها ثابتاً , لكن ضربات قلبها تسارعت .
أنهت العارضات دورهن , وأعلن المذيع عن ممثل هزلي معروف , قدم بضع نوادر فيما جيش من السقاة يزيل الأطباق , ويهتم بتلبية طلبات الضيوف من الشراب .
قدم مغنيان وصلتين .. ثم عادت العارضات بعدئذ الى المنصة لعرض شامل لملابس السهرة .
بينما كان الطبق الرئيسي يقدم , اختارت كاميل ان تشغل اهتمام ميغيل بغنج عابث جعل هانا تصر أسنانها بغيظ .
قالت ايليس همساً :" هل يفوتني شيء ما هنا ؟ أم ان كاميل الجميلة تعبث مع ميغيل ؟".
تمتمت هانا :" هذا إذا استجاب .. إنه كاللحم الميت ".
-وهل لوك هو ستار للتغطية أم ذخيرة ؟
-كلاهما كما اتصور .
لانت قسمات ايليس تعاطفاً :" عليك السير بحذر ".
إنه وقت مناسب لزيارة غرفة الزينة , فاعتذرت , وتركت كرسيها .
بإمكان ميغيل أن ينشغل بحديث مهذب مع كاميل لو اراد , لكنها ليست مضطرة لان تبقي وتراقب كاميل تمثل دورها .
وقفت ايليس :" سأذهب معك ".
شقتا طريقهما معاً نحو أحد المخارج . وتوقفت هانا تحيي بعض الاصدقاء وهى تمر فى القاعة .. وقضت وقتاً غير ضروري لإصلاح زينتها .
انضمت ايليس اليها , وضغطت يدها على خصرها , ثم تأوهت , زعادت الى الاختفاء فى احد الحمامات , لتعود وتبرز من جديد وهى شاحبة ومرهقة .
قالت هانا وقد ابتسمت سريعاً :" أنت حامل؟ ".
ابتسمت ايليس ابتسامة شاحبة :" بعد صبيين , يجب ان تكون هذه المرة بنتاً , انها تؤكد على شخصيتها بطريقة لم يقم بها اي من الصبيين ".
قالت هانا بإبتسامة خبيثة :" آه .. أعتقد أن اليخاندرو يعرف ؟".
-يجد الامر مسلياً بشكل لا يصدق .
-طبعاً .. سوف يفتتن بها لحظة ولادتها , ويكون تحت أمرها خلال دقائق .
تبللت عينا ايليس :" انه أب رائع ".
-هل انت بخير ؟
-أجل .. انا اتقيأ بصورة منتظمة وسط الفطور ووسط العشاء .
فتحت حقيبة السهرة وأخرجت منها معجوناً وفرشاة اسنان :" قبل هذا وبعده .. انا على ما يرام".
منتدى ليلاس
بعد دقائق , وبعد أن اصلحتا زينتهما , تحركتا نحو الباب , لتريا اليخاندرو يقف فى الردهة الخارجية المجاورة .
وتنفست هانا بصمت .. يا ألهي , ان ايليس اثمن ممتلكاته , يبدو هذا جلياً من طريقة نظرته اليها , ومن ذراعه الحامية التي احاطت خصرها فوراً .. لغة جسد قوية ومثيرة .
لابد ان مشاركة مثل هذه المشاعر أمر رائع , أن يجد المرء نصفه الآخر ويختبر وجوداً تاماً ومكتملاً . وعادا معاً الى الطاولة , فنظر ميغيل ال هانا نظرة ذات معني وهى تعود الى مقعدها .. زكانت مستعدة ان تقسم انها لمحت لمعان تسلية فى نظراته , وهى تمد يدها لتأخذ كأس العصير .
-لقد بردت وجبة طعامك .
زأشار الى احد السقاة وطلب طبقاً آخلا لها .. فتم ذلك بسرعة.
-لست جائعة حقاً .
قال ميغيل بنعومة :" وان يكن .. ستأكلين شيئاً".
ورأى عينيها تتسعان وهو يرفع يده ليلامس طرف خدها بأصبعه , فسألته :" ماذا تفعل ؟".
شكل فمه زاوية مثيرة :" هذا يسمى طمأنينة ".
-واجب الزوج الملاطف ..هه ؟
-شيء من هذا القبيل .
-لمصلحة كاميل ؟
-بل لمصلحتك .
أوه .. إنه يتصرف بشكل ممتاز الى درجة تجعل اي انسان يراقبهما لا يشك لحظة فى صدق مشاعره . وكان يمكنها سماع التعليقات الهامسة : خمسة عشر شهر زواج .. وانظروا اليهما .
ابتسمت ابتسامة مشرقة :" احذر كويردو .. انت على وشك الوصول الى مرحلة المبالغة ".
لامس شفتيه بإصبعه :" أتعتقدين هذا ؟"
خفتت الانوار , وسلط الضوء على المذيع , ليعلن منظمو الحفلة الخيرية المبلغ الذي جمع من الحفلة اللليلة . . . ونبهوا الضيوف الي موعد الاحتفال التالي ، واشاروا الي عودة الممثل الهزلي .
بطريقة ما ابدات كاميل المقاعد لتجلس الي جانب ميغيل . . واضطرت هانا الي استجماع قوة ارادتها بينما تاعنها في سرها .
حركت هانا الطعام المزين في طبقها ، وتناولت شيئا منه بشوكتها ثم دفعت الطبق جانبا .
استغلت كاميل كل الفرص لتجذب انتباه ميغيل من تمرير اظافرها المطلية بالاحمر على كم سترته ، ولمسها ليده ، وابتسامة تعكس براعتها في مجال الإغواء .
ظهرت العارضات للعرض النهائي بينما كانت الحلوى تقدم . . ثم جاء السقاة بالقهوة في حين راح ثنائي غنائي ينهي حفل المساء .
وتعالت الموسيقي مع تاثيرات ضوئية خاصة . . فانطلقت بهذا اول مجموعة من عدة اسطوانات في موسيقي خلفية مع اصوات مسجلة تشجع المترددين على الرقص .
هذا هو وقت اختلاط الضيوف ، التنقل بين الطاولات ، والاجتماعيات بين اصدقاء موجودين .
اعلن اليخاندرو وايليس بنيتهما المغادرة . ووعد ايليس بسرعة : ( غدا سنتكلم . لقد نظم الرجال رحلة بحرية وغداءاً في الهواء الطلق ).
وهما يغادران ، تقدم من طاولتهما احد المعارف ليكلم ميغيل ، وتسللت كاميل عبر الجمع متجهة الي مخرج القاعة . . اعتذر ميغيل ثم تحرك بضع خطوات مبتعدا ، وفي بضع ثوان احست هانا ان شخصا ما احتل مقعد ميغيل : ( كيف حالك هانا ؟).
كان الصوت الرجولي مالوفا . . واستدارت ببطء لتواجه الرجل .
ردت ببرود : ( لوك . صدقني ، لا ضرورة لهذه المجاملات ، ليس لدي شيء اقوله لك ).
قال لوك ساخرا : ( باردة جدا . . لا زلت اميرة الثلج ، كما اري ).
-هل تتوقع ان اصدق بان وجودك هنا محض مصادفة ؟
هز راسه ساخرا : ( يمكن ان نتسمتع بحديث . . ثلاث سنوات هانا . دينا ما فاتنا لنقوله ).
-لا . . ليس لدينا شيء .
صوب ابتسامة لتذيب قلبها وقال : ( لماذا عزيزتي ؟ لطالما كان الامر جيدا بيننا دائما ).
احست بالغضب يشتعل داخلها ، وردت ببرود : ( غريب . . ذكرياتنا لا تتطابق ).
ورمقته بنظرة مثلجة ثم اضافت : ( لذا ، دعنا نتوقف عن التظاهر . . هل هذا ممكن ؟).
فتح يديه بايماءة معبرة : ( ومن يتظاهر ؟ كنت مولعا بك ).
منتدى ليلاس
-كلمات . . لنفترض انك ستقول لي لماذا انت هنا بالضبط ؟
-في هذا الحفل ؟
- اوه . . بحق السماء، توقف عن التلاعب ، تعرف جيدا ما اعني .
- وهل انت مستعدة لسماع الوقائع . . عزيزتي ؟
مستعدة كما يجب ان اكون دوما! ولم تجب أ بل نظرت اليه نظرة عاصفة ، تقول الكثير .
تنهد : ( سيكلفك هذا ).
-لا . . لن يكلفني شيئا . انت مدين لي بعيشك حياة رغيدة علىحساب كرمي الغبي .
ابتسم ساخرا : ( متى اصبحت ساخرة هكذا ؟)
-منذ ثلاث سنوات .
-حسن جدا . . هذه المعلومة على حسابي من اجل الايام الماضية . ردت بصوت بارد كجبل جليدي : ( شكرا ).
-كاميل ارسلت بطلبي . . ودفعت اجرة السفر ، وتدفع ثمن اقامتي .
رفعت حاجبها : ( وانت تنوي الللعب على الحبلين ؟ ).
هز كتفيه من دون اكتراث : ( هذا كلامك ، وليس كلامي ).
نظرت هانا اليه بدقة ، ورأت القسمات الوسيمة والللمعان الخليع الواضح في تعابيره . وتساءلت كيف بحق السماء امكنها ان تترنح تحت سحره . . ابتسامته الكهربائية لم تعد لها تاثير اطلاقا .
-اذهب واصنع لنفسك حياة ، لوك .
رد بهدوء : ( كلمة تحذير حبيبتي . . كاميل تريد تنفيذ مهمة ).
-وكانني لا اعرف ؟
-ارقصي معي . . فقد تقنعيني بقول المزيد .
انه غير معقول !
-لا . . حتى ولو ان حياتي تعتمد على ما ستقول !
ارتفع حاجبه بسخرية : ( ربما انت على حق ).
ونظر نحو ميغيل : ( لا يبدو ميغيل سانتاناس رجلا من النوع الذي يمكن ان يشارك بارادته).
لا . . هانا توافق على هذا ! وكتمت رجفة خفيفة , , فتملك ميغيل لا يتجزأ .
وقال : ( ربما نشرب معا فنجان قهوة في مكان ما ونتكلم عن الاوقات القديمة).
إنه عديم الاحساس , وماقاله يثير الضحك .
-لا يمكن ان تكون جاداً .
-بلي .. انا جاد .
واجهته بقوة وبعينين ثابتتين :" حين تقدم تقريرك لكاميل , قل لها إنها لن تجد لنفسها فرصة بمقدار قطرة ثلج فى الجحيم ".
ووقفت , كانت بحلجة الى تغيير المشهد , ولو لبضع دقائق .
استدارت بعيداً عن الطاولة لتري ميغيل يقف على مسافة اقدام . كان يبدو مسترخياً تماماً , وقسماته الرجولية القوية تعكس الاهتمام وهو يصغي الى ما يقوله زميله .
نظرة واحدة الى وجهه كانت كافية لتعرف هانا انه لم يفته شيء . كان فيهما سواد ظاهر , وغضب مكبوت , يكاد ان يكون مخيفاً .
فتقدمت نحوه , وعندما وصلت الى جانبه وقفت مسمرة وهو يقدمها الى زميله بعد ان امسك يدها وشبك اصابعه بأصابعها .
دعم ؟ حماية ؟ تساءلت . أم انه يثبت حقه بها ؟ فعل صريح ؟
اعتذر الزميل وعاد الى طاولة قريبة .
وسألها ميغيل :" هل نغادر ؟".
ابتسمت له هانا ابتسلمة مذهلة , ثم رفعت يدها تمرر أصابعها على فكه :" وتفسد تسلية كاميل ؟".
رفع يدها وطبع قبلة على كفها , وهو يلحظ الطريقة التى اسودت فيها عيناها واتسعتا , وارتجفت شفتها قليلاً . ولوهلة متناهية فى الصغر بدت ضعيفة حقاً .
قال ميغيل بلطف :" تبدين كقطعة زجاج توشك ان تتحطم .. الى البيت , كما اعتقد ".
ارتفع ذقنها قليلاً , واستجمعت ابتسامة واهنة :" انا فى الواقع بخير , كما ان هناك موسيقي ويجب ان نرقص ".
ورقصا قليلاً وهما يتحركان وفق الايقاع السريع , ثم تغيرت الموسيقي الى وقع بطيء , فضمها ميغيل بين ذراعيه , وأبقاها قريبة منه .
إنها الجنة .. تستطيع تقريباً ان تنسي اين هما , الوقت , والمكان , وكل شيء ما عدا الرجل والمشاعر التى يثيرها فيها .
أحست بشفتيه تلمسان قمة رأسها , ثم تطيلان البقاء على صدغها .. وخرج من حلقها صوت متأوه لشدة تأثرها .
إنهما ملائمان لبعضهما تماماً .. ومن هذا القرب استطاعت ان تشعر بقوة عضلاته .
قالت :" اعتقد أننا يجب أن نعود الى البيت ".
ضحكته المنخفضة لامست احاسيسها , وانطلقت الحرارة فى داخلها , تدفئ جسمها الى حد اعمى .
-هل انت بحاجة لأن تعودي الى الطاولة ؟
هزت رأسها نفياً .. وسارا معاً نحو المخرج وهما يتوقفان بين حين واخر ليكلما احد المعارف .. وكانا على وشك المرور عبر الباب الكبير المزدوج حين التقيا وجهاً لوجه بكاميل :" هل انتما مغادران ؟".
ابتسمت هانا بأدب :" كلانا لديه بداية مبكرة غداً ".
سألت كاميل بتعبير لطيف متعمد :" متعبة حبيبتي ؟ لابد ان ميغيل يجد النقص فى النشاط عندك .. ".
وصمتت للحظة ثم تابعت :" .. مزعجاً قليلاً ".
قالت هانا بحلاوة :" ربما كلمة متعبة تعبير مهذب ".
وكتمت أنفاسها لرؤية الكره الصرف فى عيني كاميل قبل ان تخفيه بسرعة
-ليلة سعيدة .. كاميل .
لم يكن امام السمراء المذهلة الجمال سوى ان تتراجع برشاقة .. على اي حال , كان هناك الوعد .. لا بل تهديد , بأن هذا ليس سوى بداية حملة كاميل .
وبينما كان ميغيل يتجه بالسيارة نحو شوارع المدينة , التزمت الصمت وهي غارقة فى لجة من الافكار التأملية .
كانت الصحافة قد اسهبت فى تكهناتها أثناء خطبتها لميغيل .. والعناوين فوق صور عرسهما أعطت الانطباع بأن الاتحاد مدبر , مما أثار الحدس العام , واضاف الوقود الى مقالات الشائعات الاجتماعية .
على اي حال , اكثر من سنة على الدرب جعلت التخمينات تخف .. زاستقرا بسهولة فى الزواج , والعمل والالتزامات الاجتماعية .
-انت هادئة .
نظرت هانا الى ميغيل ولم تستطع قراءة الكثير من تعابيره فى عتمة السيارة .
قالت بسخرية :" كم انت دقيق الملاحظة ".
-هل تزعجك كاميل ؟
-وذكي كذلك .
انتظر لحظة ثم سأل :" ولوك ؟".
ليس ضرورياً أن تفكر :" هذا تاريخ قديم ".
-لم يبد كذلك من حيث كنت اقف .
جذبت نفساً عميقاً , ثم زفرته ببطء , وردت بضحكة غير مرحة :" كان يجب ان تقف فى مكان اقرب .. لكنت عندها سمعتني وانا اقول له ان عليه ان يعيش حياة لائقة به ويبقي بعيداً عن حياتي ".
-هل كان هذا محتوى حديثكما ؟
كانا قد وصلا شارع "توراك" واستدارا الى شارع سكني فخم .
فقالت معترفة له :" أوه .. هناك تفصيل واحد اخر ".
استدار مرة اخرى وابطأ سيره قبل الوصول الى البوابة الضخمة التى تحرس المدخل المؤدي الى منزلهما .
-كشف لي ان كاميل تضعك امام عينيها بثبات , وانها ستذهب الى اي مدى لتحصل عليك .
راقبته وهو يشغل التحكم عن بعد ليفتح البابين , وقاد السيارة الى الامام فى الطريق الداخلية العريضة . وارتفع باب المرآب آلياً بلمسة من جهاز تحكم آخر, ثم اقفل بعد ثوان حين اطفأميغيل المحرك .
خرجت هانا من السيارة , وسارت نحو البابالموصل الى داخل المنزل . وانتظرت ليهتم ميغيل بالقفل , ثم تحركت الى البهو .
قال بسخرية متعمدة :" حقاً ؟".
وتوقف عند اسفل السلم الجميل وتأملها متفحصاً :" وهل دوره دور الشريك فى مشروعها الشيطاني ؟".
-أجل .
حذرها بنعومة :" كوني حذرة كوبريدا . لقد جرحك يوماً ولن اسمح له ان يجرحك مرة أخرى ".
وجاهدت للتغلب على مزيج معقد من المشاعر :" انت .. لن تسمح ؟ لا داعي للعب دور الزوج الغيور !".
-أفضل كلمة الحامي .
بم يتحرك , لكن , كان إنطباعها أن جسده تصلب , فغزا الارتباك بشرتها .
-لوك ..
قاطعها بصوت هادئ وخطير :" .. كان يحتل جزءاً من حياتك قبل ارتباطك بي ".
تماماً مثلما احتلت نساء عده جزءاً من حياته دون شك .. واستقر احساس بالفرغ فى اعماق نفسهل , متجهاً نحو قلبها . يا للسماء .. مجرد التفكير بمن هن وكم عددهن يجعلها تشعر بالضيق .
حافظت هانا على نظرته لثوان عديدة , ثم مرت به وتحركت بسرعة تصعد السلم .
واستقر الاحساس بالفراغ فى قلبها وهى تقطع الرواق نحو غرفة النوم . فى الداخل بدأت تخلع قرطيها الماسيين , ثم مدت يدها الى قفل العقد .
دخل ميغيل الغرفة , وخلع سترته , وفك رباط حذائه , وتخلص من جواربه .. زربطه عنقه , ثم تخلص من القميص .
اللعنة .. ماذا حصل لقفل العقد ؟ ولعنته من بين انفاسها , ملحقة هذا بلعنة اخرى مع تقدم ميغيل الى جانبها .
-قفي جامدة .
كانت تشعر بوجوده بشكا لا يصدق .. الهالة البدائية تآلفت مع رائحة بشؤته النفاذة ودفء جسمه المثير , كان هناك جزء منها يريد ان يتغلغل فيه , ودت أن ترفع وجهها ليقبلها .. بينما جزء آخر اراد ان يضرب صدره بقبضتيها .
الا يعرف كم تشعر بأنها ضعيف ؟ كم تشكل كاميل خطراً عليها ؟ اما لوك .. فلا تستطيع ان تثق به ابداً .قال : ( يا الهي . . ).
واسودت عيناه ، وتحركت عضلة على اطراف فكه .
-اتظنينني غير قادر على رؤية كاميل على حقيقتها ؟ ثقي بشيءواحد من ذكائي يا عزيزتي .
فردت : ( انها تسعي الي جسدك . . لا الي ذكائك ).
سأل بنعومة باردة : ( وهل تتصورين انني قد انزلق بسهولة الي فراش امرأة اخرى ؟ ).
ولم تستطع سوى النظر اليه . . وراسها ملىء بالصور التى تطاردها والتى تكاد تدفعها الي حافة الجنون .
منتدى ليلاس
اخيرا تمكنت من ان تقول بهدوء : ( لقد وعدنا بعضنا بالاخلاص ).
-ولا سبب يدعوك بالشك في وعد .
- ولا وعدي .
وبحثت عيناه في عينيها ، ليرى فيهما ماهو ابعد منالسطح ، وهو يعي ضعفها ، وبسببه ، ولعن كاميل بصمت لتعمدها لنسف راحة بالها .
خفض راسه وعانقها ببطء مداعبا الي ان لفت ذراعيها حول عنقه وبادلته العناق .
انها تحب وجوده قربها ، تحب نعومة بشرته ، وعرض منكبيه الرائع ، وصدره القاسي وجذعه المشدود .
هل قالت شيئا بصوت مرتفع ؟ انها لا تريد معرفة ذلك ولا تهتم سوى بهذه اللحظة التى لم يكن فيها سواهما .
غمرتها مشاعر الرضي لانها قادرة على على جعله يفقد سيطرته على نفسه تماما وهو بين ذراعيها .
ارادت ان تطمئنه . . ان تفهمه بطريقة ما ، انها ولأول مرة احست بطعم سلطتها عليه وانها انجرفت معها تماما .
وحين ضمها اليه ، وجعل من ذراعيه درعا واقيا لها ، واحست بشفتيه على شعرها ، وعلى اطراف خدها ، وادناها منه بشدة .
احست بضربات قلبه على خدها . . وفي حماية وامان ذراعيه ، اغمضت عينيها ، وانزلقت الي نوم هادئ لا احلام فيه .
وفي وقت لاحق عند ساعات الفجر الاولى ، استيقظت واحست بفقد الدفء البشري ، فمدت يدها تبحث عنه ، لكنها وجدت الفراش فارغا .
وبحذر رفعت راسها وفتشت الغرفة المعتمة . . ورأته ، كان يقف امام الستائر المفتوحة جزئيا ، ينظر الي الخارج نحو الحديقة المظلمة .
غادرت السرير ببطء وتقدمت لتقف خلفه , وعرفت من حركته الخفيفة انه تنبه لحركتها ، ووقع قدميها الصامت .
لفت ذراعيها حول خصره ، واستندت اليه ، تضمه اليها .
وبعد دقائق طويلة ، اغمضت عينيها . .
عادا الي السرير حيث ضمها بين ذراعيه .
هل سيكون الحال هكذا دائما ؟ تساءلت وهي تتأرجح على حافة النوم .
حياة جميلة ، رائعة تخطف القلب . . حنان ، افتنان ، احترام . . لكن من دون حب .
هي التى اقسمت ألا تتورط عاطفيا مع اي رجل . . لم يكن امامها خيار .
قلبها ملك لميغيل . . ولطالما كان كذلك , وسيبقي دائما . . أراد ذلك ام لم يرده .*********
أنت تقرأ
صرخة قلب للكاتبة/ هليين بيانشين
Romanceلقد وقعت فى حب زوجها ! فأين الخطأ ؟ زواج هانا بميغيل سانتانا امن لها حياة آمنة , مميزة .. فقد كانت تدير اعمالها فى النهار , وتقضي الليالي مع زوجها الجذاب.. لكن هذا الزواج ( الكامل ) كان مجرد عقد اجتماعي يوحد بين عائلتين قويتين ولم يكن للحب فيه يد و...