استيقظت هانا على صوت المياه في الحمام التابع للغرفة ، وانقلبت لترى الساعة . . إنها السابعة . نزلت من السرير واختارت ثياباً داخلية نظيفة ، وعباءه ثم ذهبت الي الغرفة الأخرى حيث استحمت وارتدت ملابسها .
كان من السهل عليها ان تتصالح مع ميغيل . . مجرد ان تفتح الباب وتخطو الي جانبه كما تغعل كل صباح . ماعدا انها اليوم لا تستطيع . . ليبس بعد ليلة امس ز
غلطة من هذه ؟ سألها صوت ساخر موبخ ز
اخذت نفساص عميقاً ، ثم عادت الي غرفتهما لترى ميغيل يرتدي ملابسه ,
نظر اليها مطولاً نظرة فاحصة ، فردت عليها بمثلها . . ثم رمت ثياب النوم على السرير واتجهت الي غرفة ملابسها الصغيرة لتختار ما ترتديه .
-هل ستبقين على هذا الحال مدة طويلة ؟
كان صوته متشدقاً ، فتجاهلته وهي ترتدي جوارب سوداء شفافة وتختار احى البذلات السوداء التي ترتديها دائماً للذهاب الي العمل .
حين برزت ، كان يقف في طريقها ، ونظرت اليه .
حذرها بنعومة : ( هانا).
-لست حردانة .
ولم تكن تحرد أبداً . فهذا ليس من طبيعتها .
ولا اكرهك . . اضافت بصمت ، غير قادرة على قول الكلمات بصةت عال . . ياللسماء . . ما الذي دهاها لتقول مثل هذا القول ؟ ردة فعل ، توتر غاضب ؟ لكنها كلمات قيلت ، ومن الصعب إرجاعها . كما انها كلما تركت الغضب يغلي أكثر ، كلما صعب عليها أن تشرح السبب .
اسودت عيناها وتحولتا الي عاصفتين : ( ماذا تريدني ان أقول ؟ أنا آسفة لتصرفي ليلة أمس ؟ حسن جدا. . ً أعتذر ).
-اعتذار مقبول ز
نظرت اليه بحدة : ( لا تتسلط على ).
حذرها : ( اوقفي هذا للتو )ز
-لست طفلة . . اللعنة !
ماذا تفعل بحق السماء ؟ انها تتصرف كقطار لا يمكن ايقافه .
-اذن لا تتصرفي كطفلة .
قالت بعناد : ( ستعذرني إذا لم انضم اليك لتناول الفطور . . فسأتوقف عند أي مقهي لآخذ القهوة والكرواسان ).
تجاوزته لتدخل الحمام ، والتقطت فرشاة الشعر وراحت تسرح شعرها الي ان آلمتها جلدة رأسها ، ثم وضعت أقل ما لايمكن من الزينة .
اتسعت عيناها وهي تلمح ميغيل في المرآة وهو يدخل ليقف ورائها ، وارتجفت اصابعها واشتدت حول قلم احمر الشفاة .
أحست وكأنها وترد مشدود على وشك أن ينقطع وهو يديرها لتواجهه . . واصبحت بلا قوة حين احنى رأسه نحوها ,
قققال ميغيل قربها : ( هذا . . هو المهم . . ولا شيء غيره ).
وعانقها بقوة الي أن ماد راسها ، ثم تركها ليخرج من الغرفة .
امسكت هانا الرف الرخامي في محاولة منها لالتقاط انفاسها . . ياللسماء . . مابالها ؟
لم يكن لديها فكرة كم من الوقت وقفت هناك ، لكن بدا لها ان دهراً قد انقضى قبل أن تأخذ حقيبتها ، وتدس قدميها في حذاء عالي الكعبي ، وتنزل البي المرآب .
وبعد عشر دقيائق ، اوقفت البورش ثم قطعت الشارع ، واشترت صحيفة يومية ، ودخلت المقهي لتنضم الي العديد ممن يمتعون بالطعام .
في التاسعة ، فتحت المحل وامضت نصف ساعة على الهاتف تلاحق شحنة من المفترض أن تصل بعد ظهر اليوم الفائت ، ولم تصل ز
وطوال فترة الصباح ، حاولت ان تثبت ابتسامة على وجهها المر الذي اتعبها . . كيف تستطيع ان تتظاهر بالسعادة وهي فيس الداخل تتحطم الي الف قطعة .
سألتها إيليان بقلق عند منتصف النهار : ( هل انت مريضة ؟)
-لا .
لوت ابتسامة متسائلة فمها الجذاب : ( حامل ؟).
-لا .
مازحتها إيليان : ( تبدين مترددة . . فهل هذا محتمل ، لكن الوقت مبكر ا تعرفي ).
هزت هانا راسها نفياً ببساطة وقالت : ( اذهبي لتناول الغداء . . هل يمكن ان تجلبي لي معك سندوتش دجاج وسلطة ، وزجاجة ماء ).
اخذت حقيبتها واخرجت منها ورقة نقدية . اليوم ستأكل في الغرفة الخلفية الصغيرة بدلاً من قضاء نصف الساعة المعتادة في المقهي القريب .
انهت ليليان عملها في الرابعة ، مر بعد الظهر ببطء حيث راجعت هانا لائحة البضاعة ثم قامت ببعض الاتصالات الهاتفية . . وجاءت رسالة بالفاكس تعلمها أن طلباً خاصاً سيصل في شحنة ليلية . . وسجلت ملاحظة للأتصال بزبونة .
كانت صورة ميغيل القاسية تلاحقها , كما فعلت طوال فترة الصباح . . إلا أن الأمر ازداد سواءاً الآن . فلا أحد تكلمه , ولا زبونة دخلت لتسترعي انتباهها , والهاتف لم يرن .
التفكير بالليلة الماضية جعل معدتها تنقبض بشكل مؤلم . . بطريقة ما , شعرت أن غضب ميغيل المسيطر عليه أسوأ من إطلاق سلسلة من الشتائم , أو رمي شيء , أو الصراخ بها . فقد حول غضبها الي مجرد تصرف طفولي . . وهذا أمر ضايقها وأغضبها أكثر مما تريد أن تعترف .
ارتفع صوت الجرس , يحذرها أن شخصاً دخل المحل . . فابتسمت ابتسامة دافئة وهي تتحرك من خلف منضدتها .
- هانا حبيبتي .
- أمي .
كانت رينيه تتصل دائماً قبل زيارتها لكنها لم تفعل هذه المرة , مما جعل جبهة هانا تتجعد في عبوس خفيف .
- أعرف . . كان يجب أن اتصل أولاً , ولكنني كنت قريبة . .
- وصمتت . . قبل ان تستطرد : ( اتناول الغداء مع صديقة قديمة حبيبتي . . وفكرت ان ازورك لألقي عليك التحية ) .
عكس صوتها نبرة حماسية : ( يسرني أن أراك ) .
وقطعت المسافة التي تفصلهما لتطبع القبلة المعتادة على كل خد .
- وصلت المناديل هذا الصباح . . وضعت بعضاً منها جانباً , طننت أنها قد تعجبك . هل تريدين رؤيتها ؟
العمل . . لو استطاعت إبقاء الأحاديث علي المستوي العملي , فقد لا تلاحظ رينيه ما يعتمل في صدر ابنتها .
- أوه . . أرجوك حبيبتي .
- أحضرت هانا العلبة وأخرجت ثلاثة مناديل فتحتها فوق رف البيع كانت من الحرير الخالص , بنقوش رائعة وألوان جذابة .
- اختارت رينيه منديلين , ثم تقدمت الي رف القمصان , واختارا واحداً , ثم عادت الي المنضدة : ( سآخذ هذه حبيبتي ) .
وشهقت بصوت منخفض , وألحقتها بشتيمة أنثوية : ( لا أصدق هذا لقد تركت محفظتي في السيارة ) .
قالت هانا فوراً , والقلق يبدو علي وجهها : ( مقفلة كما أرجو ) .
- طبعاً مقفلة حبيبتي . والمفاتيح معي . . وأذكر أنني شغلت جهاز الانذار .
- اين أوقفتها ؟
- في هذا الجانب من الشارع , علي بعد بضع سيارات .
ومدت يدها بالمفاتيح قائلة : ( هلا أحضرتها لي ؟ لن يستغرق الأمر سوي دقيقة ) .
لعل الهواء النقي يعدل مزاجها قلبلاً , أخذت هانا المفاتيح واتجهت الي الباب .
كان الطقس شديد الحرارة في الخارج . . ووهج الشمس لاهباً بعد برودة الداخل المكيف . بضع سيارات يعني أن عليها مواجهة الحرارة الأسوأ وهي تسير بإتجاة سيارة امها , فرفعت يدها لتظظل عينيها . لكنها وقفت جامدو لرؤية جسم طويل مألوف يقف قرب سيارة رينيه " الليكسوس " .
ميغيل . . يبدو مسترخياً تماماً , ومرتاحاً , يخفي تعابير وجهه خلف نظارة شمس سوداء . . إنها وقفة مخادعة , إذ لا شك أن هذه الواجهة الهادئة تخفي قوة مفترسة مشدودة .
جزء منها أراد ان يستدير وتعود الي المحل . . حيث سيضطران لوجود امها للحفاظ على المظهر المتمدن . ونع ذلك ، رفضت ان تسلك الطريق السهل . . فأي يكن ما يريدان قوله ، يجب ان يقال .
لاحظها ميغيل لحظة سوت كتفيها ، وشهد الإرؤتفاع الطفيف لذقنها قرأ بشكل صحيح التعبير في عينيها الزرقاوين الصافيتين .
كان من طبيعتها ان تواجد / وتقرر ، وتتحرك الي الأمام . . وكان يتعمد على ان تفعل هذا بالضبط .
قال : ( انها الرابعة والنصف ).
سارت الخطوات اللازمة لتصل الي سيارة امها ، وسألته :
-ماذا تفعل هنا ؟
رفع كم قميصه ، وتفحص ساعته ، ثم التفت اليها : ( لقد تجاوز الوقت هذا ببضع دقائق . . إذا كنت تريدين الدقة المطلقة ).
لم يتحرك ميغيل من ماكنه . واضطرت لأن تقترب أكثر وهي تعطل جهاز الإنذار ، وتفتح الباب وتاخذ حقيبة امها ، ثم تعيد إقفال السيارة .
قال بنعومة : ( هل لنا ؤأن نعيد حقيبة رينيه ؟)
نظرت اليه نظرة مدروسة : (نحن ؟)
امسك مرفقها ، وشد قبضته وهي تحاول انتزاع نفسها منه ، ورد بثبات نحن ).
-ميغيل . . .
-هناك طريقة سهلة لنسير الي المحل . . وإلا سارفعك على كتفي واحملك . . فماذا تفضلين ؟)
اشتعلت عيناها بنار الغضب : ( وهل تركت لي الخيار ؟)
مرر ابهامه على فمها : ( لا ).
وتشوق كفاها لصفعه .
قال بصوت محذر ناعم التف على اعصابها : ( لا تفعلي ).
ومن دون أي كلمة استدارت عائدة الي المحل ، وهي تشعر بقوة كهربائية متفجرة تحيط بهما .
أحست هانا بقوة وجوده ن وقربه منها ، ورائحة عطر مابعد الحلاقة ، الرائحة النظيفة لثيابه . . ولسوف تشتد قبضته على مرفقها لو حاولت التخلص ز
سارا أمتاراً قليلة ، ومرا بواجهات اربعة محلات قبل أن يصلا . ولم تسأله إذا كان ينوي الدخول فقد بدا واضحاً انه سيفعل ذلك .
توقفت ، وقسمات وجهها مشدودة ، وعيناها قاتمتان جداً : ( هل هناك هدف من هذه الزيارة ؟).
-أجل ز
مدت هانا يدها لتفتح الباب ، ولكنه انفتح من الداخل ، وقالت رينيه وقسمات وجهها هادئه : ( ىه . . ها انت ، وردت مكالمة هاتفية فسويت الأمر ).
نقلت هانا نظرها من أحداهما الي الآخر , ثم أستقرت علي ميغيل , بإرتياب ظاهر .
- لقد دبرت كل هذا .
واستدارت الي أمها : ( ألم تفعلي ؟ ) .
قالت الأم : ( مذنبة ) .
سألتها هانا بغضب : ( لماذا ؟ ) .
قال ميغيل : ( أحضري حقيبتك . . سنغادر ) .
قالت رينيه , قبل ان تحتج ابنتها : ( سأبقي لأقفل المحل ) .
- لا .
ورمت هانا ميغيل بنظرة حاقدة : ( وإذا حاولت إستخدام القوة , سأتصل بالشرطة ) .
- اتصلي .
- لزمه ثانيتين ليدس ذراعاً تحت ركبتيها ويرفعها الي صدره .
- تقدمت رينيه بسرعة الي النضدة , وفتحت درجاً , واخذت منه حقية يد هانا , وأعطتها لميغيل .
- أطبقت هانا قبضتيها ولكمته بقوة علي كتفه , وقالت بحقد : ( لن أسامحك علي هذا ) .
- استدار وخرج من الباب وسار علي الرصيف الي حيث اوقف سيارته ، فتحها ، ووضع هانا في المقعد الخلفي .
في لحظة دارحولها الي المقعد السائق وجلس خلف المقود ز
دار المحرك ، في دمدمة هادئة وخرج ميغيل بالسيارة ، ثم اته نحو السير المتدفق في ( توراك ورد ).
لم تكن هانا تثق بقدرتها على الكلام ، فهي غاضبة بما يكفي اثنيها عن الكلام الذي لا معني له .
بدلاً من ذلك ، نظرت الي الخارج وراحت تراقب السيارات ن والناس ، والأولاد ، وامهات يضحكن ، أو يوبخن ز الحركة ، الحياة . . في الخارج كان العالم مستمراً في انطلاقته .
في داخلها ، لم يبد كل هذا حقيقياً . وشعرت و كانها تنظر الي المشهد في التلفزيون .
شوارع مألوفة ، ومواقع مألوفة . . إنها تمر من هنا خمسة أيام في الاسبوع .
لكنها ادركت فجأة انها لا تصل الي هذه المسافة : ( لقد تجاوزت مفرق الطريق )ز
-لن نذهب الي البيت .
كان صوته متشدقاً ن ونظرت اليه بحذر لترى القوة ، والتصميم ، باديين على وجهه ز
-ربما بإمكانك ان تفيدني ، الي أين نحن ذاهبان بالضبط ؟
نظر اليها بسرعة : ( انتظري لتري ).
ردت بغضب : ( اوه . . بحق السماء ).
وامتنعت عن قول كلمة اخرى .
زادت كثافة السيارة وهما يقتربان من المدينة وكتمت دهشتها حين أدار ميغيل السيارة الي مدخل أفخم فندق في المدينة .
فتح لهما الحارس الباب ، مما لم يترك لها خياراً ، سوى ان تنزل من المقعد الأمامي .
ماذا يفعلان هنا بحق السماء ؟ في فندق ، بينما يماكتن منزلاً فخماً جميلاً لا يبعد خمس عشرة دقيقة من هنا ؟ هذا جنون . والكثر للعجب كان ميغيل رافقها الي شقة معينة واسعة وانيقة .
تقدمت الي النافذة الزجاجية العريضة ، وازاحت الستارة الشفافة لتتطلع الي المنظر ، ثم استدارت ببط لتواجهه .
أنت تقرأ
صرخة قلب للكاتبة/ هليين بيانشين
Romanceلقد وقعت فى حب زوجها ! فأين الخطأ ؟ زواج هانا بميغيل سانتانا امن لها حياة آمنة , مميزة .. فقد كانت تدير اعمالها فى النهار , وتقضي الليالي مع زوجها الجذاب.. لكن هذا الزواج ( الكامل ) كان مجرد عقد اجتماعي يوحد بين عائلتين قويتين ولم يكن للحب فيه يد و...