غضب ودموع

11.4K 209 4
                                    


بدأ اليوم بالمطر ، ثم ضعف ليتحول الي رذاذاً خفيفاً ، ومع منتصف النهار كانت المدينة قد استحمت بحرارة بخارية ورطوبة مرتفعة .
ارتدت هانا ملابس فاتنة ، بذلة سوداء ، مفصلة يدوياً ، صارخة الأناقة . وكانت ياقة السترة المزررة تظهر شيئاص من بشرتها . واختارت حذاء مرتفعاً مستدق الكعبين أ في على جسمها الصغير طولاً ، وجوارب سوداء شفافة غلفت ساقيها النحيلتين .. وسرحت شعرها في شينيون لماع ، وارتدت أقل ما يمكن من الجواهر .
مظهرها العام مظهر امرأة واثقة من نفسها تحترم ذاتها . . وبالكاد اهتمت بشعورها من الداخل وهي تدخل المطعم المعين ، متأخرة عمداً بضع دقائق .
وبدا ان كاميل تنوي لعب اللعبة ذاتها ، فهي لم تكن موجودة ، وسمحت هانا لكبير السقاة أن يرافقها الي الطاولة المحجدوزة ، حيث طلبت مرطباً ، وأخذت ترتشفه ببطء مع مرور الدقائق .
زاد الانتظارمن توتر اعصابها . وبعد عشر دقائق ، استدعت الساقي وسجلت طلبها . . فإذا قررت كاميل ألا تظهر . .
-هانا . . اعتذر لك .
كان الصوت مزيفاً مثل ابتسامة كلميل وهي تندس في المقعد المقابل .
–لقد تأخرت وأنا أرد على مكالمة هاتفية .
ورفعت يدها في إيماءة مغرية ، قبل ان تضيف :
-وتعرفين مشكلة ركن السيارة .
همست هانا لنفسها : ( ابدأي كما كنت تنوين ).
-لقد طلبت الطعام . . فليس لدي سوى ساعة فراغ .
جاء الساقي وطلبت كاميل عصيراً .
-فكرت بان نحتفل حبيبتي .
-وماهي المناسبة ؟
-الحياة .
ولم تصل ابتسامة كاميل الي عينيها وهي تكمل : ( أوليس هذا سبباً كافياً) .
واجهتها بحزم : ( لا . . لاسيما وأنت مصممة على التدخل في حياتي ).
قدم الساقي لائحة الطعام ، فنظرت كاميل اليها بسرعة ، وطلبت سلطة ، ثم نظرت الي هانا نظرت قاسية محسوبة .
-الم تتعلمي بعد انني خصم مخيف ؟
-وخصم غبي جداً .
تاملتها نظرة كاميل قبل أ نتسالها : ( ما رايك بالصور حبيبتي ).
-اي منها ؟ المعدلة على الكمبيوتر ؟ ام تلك التي تظهرك مدة بين أغطية الرير في ثوب مبتذل ؟
الاحتراس الظاهر ازداد ليتحول الي ما يقارب الخطر .
-كيف يمكن ان اكون في حال غير هذا وميغيل ترك فراشي لتوه ؟
صححت هانا لها بهدوء مخادع : ( انت مخطئة كاميل . . ميغيل لم يكن في فراشك أبداً)
لم يتغير تعبير وجه كاميل : ( وهل فشلت في مواجهة الحقيقة ، يا حبيبتي ؟).
تناولت هانا قطعة هليون بشوكتها ، وغمست طرفها في المرق ، ومضغتها بهدوء وتلذذ . . ثم قالت بعد ثوان : ( أنت من يحتاج الي فحص الحقائق ).
-الصور واضحة ز
نظرت هانا الي الفرنسية وكادت تشعر بالسف عليها : ( انه خيال كاميل ).
اشتد ضغط كاميل على شفتيها : ( لإنه دليل لا يقبل الجدال . . التاريخ المسجل لا يكذب ).
وافقت هانا : ( لا . . لكنك ارتكبت غلطة صغيرة ).
-وماهي ؟
تاخرت هانا في الرد : ( لقد عاد ميغيل الي البيت مساء الثلاثاء ).
-مستحيل ، كان جناحه لا يزال مشغولاُ .
أكدت لها : ( كان يشغله اليخاندرو . . لقد كنت ذكية جداً في تشغيل جهاز التاريخ في الكاميرا . . وهذا ما يجعل من وجود ميغيل في فراشك مستحيلاً ، في وقت كان فيه معي )
سألت كاميل بكرهية : ( وماذا عن ليلة الاثنين هانا ؟).
قاومت هانا الرغبة في صفع وجه المرأة .
-كاميل . . استسلمي . لقد لعبت ما ظننت انه ورقتك الرابحة ، وثبت ان هذه الورقة ليست اكثر من جوكر .
التقت اصابع يد مطلية الأظافر بالأحمر حول منديل المائدة : ( هل دعوتني الي الغداء لتقوي لي هذا ؟ ).
-لا . . بل اردت فرصة لأحذرك شخصياً من أنني لن أتحمل محاولاتك في التدخل في حياتي ، أو في زواجي .
ضغطت كاميل يدها فوق قلبها ، بسخرية : ( كم أنا خائفة).
كانت درجة السخرية الدرامية مضحكة تقريباً ، لو تمكنت هانا من رؤية شيء من المرح في الموقف .
واكملت تحذيرها من دون ليونة : ( خافي . . يمكنني اتهامك بالإزعاج والتحرش ).
وكانت نظرتهامباشرة ، ولهجتها مثلجة ، وانتظرت لحظة ، ثم أضافت : ( أشك في ان خالتكط قد تتاثر . ولا اتصور هذا لغرازيلا وانريكو دلسلنتوس ).
لمعت عينا كاميل بحقد أسود : ( لم انته منك بعد . . ميغيل . .
قاطعتها هانا بنعومة : ( يجدك مزعجة بقدر ما اجدك انا . . اذهبي وعيشي كاميل . . اخرجي من حياتي ).
انطلق فيض الكلمات حاقد من فم كاميل المخطط بدقة ، في سبابي عنيف ولغة مبتذلة مثيرة للشفقة ، جعلت من يفهم الفرنسية ، يسمع سيلاً من التهجم على أصل هانا وسليلتها ومركزها وشخصيتها .
حدث شيئان متزامنان ، وكانا اخطر انذار موجه لهانا .
امتدت يد كاميل خلسة وصفعت وجه هانا صفعة لاذعة ، وانسكب العصير على مفرش الطاولة . ظهر رودني سيبرس من مكان مجهول وامسك بذراع المراة الفرنسية في قبضة رادعة .
ما حصل لاحقاً كان مضحكاً . . فقد أسرع الساقي الي الطاولة ولحق به كبير السقاة . بدا بعض الرواد مذهولين تماماً فيما أخذ الفضول البعض الاخر ، وفي هذه الأثناء تابعت كاميل لعن كل شخص من اقارب هانا . . الحياء منهم والأموات .
واحتوى المشهد على مقتطفات غير مترابطة ، مثل مشهد من فيلم سينمائي .
سال كبير السقاة يإهتمام : ( هل ترغبين في استدعاء الشرطة سيدتي ؟).
كان يعرف تماماً هوية هانا وعلاقتها بعائلتين من أكبر اثرياء المدينة .
تجاهلت هانا إيماءة رودني سيبرس بالموافقة وردت : ( لا ).
كرر بلهفة : ( هل انت واثقة سيدتي ؟ ألم تصابي بأذي ).
الجانب الأيسر من وجهها كان يلدغها . . راحت ترتجف ببعض الانفعال . لكن ،هذا كل شيء .
-انا بخير .
لن نأخذ ثمن وجبة الطعام طبعاً . . هل ىتيك بشراب ؟ أكد رودني بلهجة لا تتحمل الجدال : ( سأعتني بالسيدة سانتاناس . . حالما أرافق هذه المرأة الي الخارج ).
نظر الي هانا نظرة مباشرة ، وسألها :
-هل انت واثقة تماماً من اانك لا تريدين سجنها؟
استدارت نحو كاميل ، التي بدت كقطة متوحشة تنتظر فرصة اخري للإنقضاض .
وقالت محذرة بوقار هاديء : ( اقتربي مني مسافة عشرة امتار مرة اخري ، وسوف اصفعك بكل تهمة ترد في القانون ).
وكان هدؤها صعباً ، وهي تشعر من الداخل انها محطمة الأعصاب .
ارج ردني المرأة الفرنسية بالقوة من المطعم ، ونظرت هانا الي المائدة ، والعصير المسكوب والطعام المبعثر ، وقالت ببساطة : ( أعتذر ),
اخذت حقيبة يدها وسحبت بطاقة الإعتماد .
لوح كبير السقاة برفض البطاقة : ( لا .. لا سيدتني . . لا داعي لأن تغادري ، دعيني احضر لك وجبة طعام اخري ).
-شكراً لك . . يجب ان اعود الي العمل .
يجب ان تخرج من هنا لتتنشق هواءً نظيفاً : ( يجب ان تنتظري عودة التحري ).
الحارس الشخصي ! اللعنة ! هذا يعني ان رودني سيقدم تقريرا لميغيل ، ثم ، . . . وكشرت ، سيكون عليها دفع ثمن تصرفها .
لم يطل الأمر . . عشر دقائق فقط ، عدتها هانا وهي تتفحص ساعتها مع رنين هاتفها الخلوي .
سأل ميغيل لحظة ردت على المكالمة : ( ما الذي فعلته بحق الجحيم ؟).
ردت من دون تردد : ( احمي منطقتي ).
وسمعت شتائمه المنخفضة .
-لا تحتولي ان تكوني ظريفة .
لكن (( الخيالة )) وصلت في الوقت المناسب .
قال بصوت أجش : ( هانا . . أنا لست مستعداً للضحك ).
-وانا لم اكن اضحك ز
-اقفلي المحل واذهبي الي البيت .
-لماذا انا بخير .
-هانا . .
-لإذا كان لابد من اجاء تفحص لما بعد الحادثة ، يمكنك الانتظار حتى الليل .
الصمت المطلق كان بليغاً . . واستطاعت ان تسمعه وهو يستجمع سيطرته على نفسه ، ويو بقسوة : ( الليلة . . وفي هذا الوقت سيبقي رودني قريبا منك . . افهمت ؟).
كانت التعليمات الموجهة الي رودني دقيقة . . فقد فهم ان حراستها تعني الانتباه الي ما يجري داخل المحل ومراقبة اية زبونة تدخل المحل وتقلب البضاعة .
ذهلت اليانور بما جرى واقلقتها اللطخة الحمراء على خدهانا ، فوضعت عليها كيساً من ثلج ، واصرت على البقاء معها حتى وقت الإقفال .
لم يكن هناك أي أثر أو خبر عن كاميل ، وعانت هانا من مرافقة رودني لها حتى موقف سيارتها ، ثم لحاقه بها عن قرب الي درجة ان سيارته كادت تلامس سيارتها .
هناك كدمة بسيطة بدات بالظهور على وجنتها ، وعندما تفحصها ميغيل جعل من الصعب عليها ألا تجفل ألماً ز
قال ميغيل آمراً : ( كلميني . . هل تتالمين عند تحريك فمك ؟ ).
هزت كتفيها وردت : ( ليس كثيراً ).
ورأت نظرته تضيق .
امسك ذراعها ، وقادها الي المكتب ، واقفل الباب ، ثم استدار قليواجهها : ( والان . . هل ستقولين لي كيف حدث وتناولت الغداء مع كاميل ؟).
اوه . . ياللسماء . . الاستجواب . والحقيقة البسيطة هي الطريق الوحيد .
-لقد اتصلت بها ودعتها .
تحولت قسمات وجهه الي تفحص مكتئب . ومن دون اي كلمة ، تقدم الي المنضدة واسند وركه على حافتها .
منتدى ليلاس
-ماذ11ا دهاك بحق السماء لتفعلي هذا ؟
كان السؤال ناعماً كالحرير ، وخطيراً ، فنظرت اليه تدير كل الحركة . لذا قررت ان الوقت قد حان لأن اقول لها كفى .
نظر اليها نظرة مباشرة محللة : ( حتى مع معرفتك انني رفعت قضية ضدها ، والمسالة اصبحت تحت السيطرة ؟).
تابع بدرجة كبيرة من السحرية : ( ادركت ان المرأة لا يمكن التنبؤ بما يمكن ان تفعل ، لذا فهي خطرة ).
قالت هانا مدافعة : ( لم اكن بمفردي معها . . والشكر لك ، كان رودني الثمين في مكان قريب ).
هل خطر ببالك ما كان يمكن ان يحدث لو لم يكن موجوداً؟ ).
وقفت منتصبة ، وحدقت فيه : ( اذا انتهيت من استجوابك ، فسأذهب واغير ملابسي ).
وقف ميغيل ، ووصل اليها قبل ان تخطو أكثر من خطوة . . واطبقت يداه على كتفيها ، ثم امسك ذقنها ورفع راسها : ( اعطني وعداً بألا يكون هناك المزيد من من المحاولات البطولية المشتقلة ).
كان قريباً قريباً جدا. . فخفق نبض اسفل عنقها ، ووقفت مسمرة ، تنظر اليه وهو يتفحص قسمات وجهها بنظرة مرعبة ز
بدا لها ان انفاسها علقت في حلقها .وتعلقت عيناها بعينيه ، مشتعلتان غاضبتان ، مع ذلك ضعيفتان جداً .
-سأفكر بالامر .
شكل سبابه الأجش الحافز لها .؟ ( هل انتهيت ).
وحاولت انتزاع نفسها من يده ، وفشلت : ( دعني اذهب . . اللعنة عليك !).
اكتست عيناه مظهر البرود الذي لا يرحم : ( سيكون العشاء جاهزاً بعد نصف ساعة ).
ومرر ابهامه على شفتهجف ، فاراد ان يهزها ز
-يجب ان نكون في المسرح في الساعة السابعة والنصف .
أوه . . ياإلهي . . وكادت تتاوه بصوت مرتفع ، المسرحية . المنتج صديق شخصي . . وعدم الحضور سيكون قمة في قلة التهذيب .
-لست جائعة .
كان التوتر العاطفي والعصبي جحيماً ولعنة مميتة . . والسماء تعرف انها عانت من العذاب في الأسبوع ما يكفيها العمر كله .
-اذا لم تكوني في غرفة الطعام بعد نصف ساعة ، فسأصعد لآخذك .
اتسعت عيناها ، ومال لونهما الي الأزرق القاتم ، وقالت محذرة : ( لا تلعب دور الزوج المتسلط ).
ورأت عيناه تقتمان .
-هانا ز
كان في صوته تحذير مبطن قررت ألا تهتم به ، وردت بغضب : ( لا تقل شيئاً . . لا تقل شيئاً).
تركها ميغيل تخرج من الغرفة من دون ان يتفوه بكلمة اخرى ز
اخذت حماماًث متكاسلاً جعلها تستعيد الكثير من توازنها .وارتدت بنطلون جينز انيقاً وبلوزة . وجففت شعرها ، ثم نزلت الي الطاق الأرضي .
كانت صوفيا قد حضرت يخنة لحم بقر طري مع خبز محمص ، وسلطة . الرائحة الزكية ، فتحت شهية هانا ، فاكلت باستمتاع وتلذذ . فكرت بعدة مواضيع للحديث ، ثم تخلت عنها .
قال : ( اليس لديك ما تقولينه ؟).
نظرت اليه ، فالتقت نظراتهما . ثم اخذت بعضاً من الرز في شوكتها : ( ماذا تقترح ؟ مواجهتي مع كامبل حكم عليها بالموت ).
-لقد اتصلت رينيه ، واكدت لي ان لا شيء مهم . واشارت الي انها ستتحدث معك الليلة .
نظرت السيه بحدة : ( وهل اخبرتها بما حدث اليوم ؟).
-لا . . ولماذا اقلقها بلا فائدة ؟
سوف تصاب امها بالذعر لو اكتشفت الي أي مدى ذهبت كاميل في حملتها . . والمضاعفات التي سببتها .
كانت ليلة الإفتتاح في المسرح تعني ان ترتدي ثيلباً انيقة . واختارت هانا بدلة مؤلفة من تنورة مرتفعة الخصر باللون الزهري وبلوزة من دون اكمام بلون زهري داكن . . واكملت هندامها بشال حريري ناعم . وكعادتها اختارت اقل ما يمكن من الحلي ، ثم عقصت شعرها في عقدة جميلة في اعلى راسها .
كان افراد من نخبة مجتمع المدينة حاضرين . . ولم يفاجئها رؤية غرايزلا وارنيكو ديلسانتوس بين المدعوين في المسرح ، وبرفقتهما اصدائهما آيمي دلفور ، وكاميل ، ولوك ز
بطريقة ما ن تعبير( القصة بين الحمائم ) لم يكن كافياًَ لتصوير لتصوير الموقف . لكن الدعوى التي تقدم بها ميغيل لمنع الإزعاج المتواصل لن تصبح سارية المفعول قبل اليوم التالي . . بما ان كاميل لم تكن غبية ، فان ظهورها الليلة هنا ليس سوى تعجرف وقح .
كانت المرأة الفرنسية ترتدي ثيلباً ضيقاً بقصد الفتنة . وبدت جميلة بشكل آثم في ثوب مبتكر من دون اربطة او ظهر ، يلتصق بجسمها وكأنه بشرة ثانية .
هل هذه محاولة بائسة أخيرة لتظهر لميغيل ماذا يخسر ؟
طبعاً ، من المستحيل ان يتسللا عبر الردهة من دون ان يلاحظهما أحد ، ولا يمكن لهما ان يتجاهلا وجود ديلسانتوس .
تصرفي . . حثت هانا نفسها بصمت بينما كان ميغيل يضم يدها بيه . حيتهماغرازيلا بحماسة : ( هانا ، ميغيل . . كم من الرائع رؤيتكما . هل تذكران آيمي ، بالطبع كاميل ولوك ).
وكيف لهما ان ينسيا ؟ تبادلا تحيات مجاملة لا معنى لها ، وتعمدت هانا تجاهل تقييم كاميل المغري لميغيل . والمثير للعجب أنه لم يحترق لرؤية تكور شفتيها الشهيتين ، والعد الخبيث الواضح في عمق عينيها الفاويتين .
سوف تصرخ . . لكنها ارتاحت على الفور لرؤية والديها يتجهان نحوهم .لتبادل التحيات معهم وهما تتقدمان الي منصة البيع .
-رينيه . . كارلو . . ارجو ان تنضما الينا .
اغمضت هانا عينيها ،ثم فتحتهما مرة اخري حين أشار انريكو ديلسانتوس الي اربعة مقاعد فارغة حول الطاولة التي اختاروها . . هذه ليست امسية هانا ! كم سيدوم وقت الاستراحة ؟ عشر دقائق أم خمس عشرة دقيقة ؟ أيمكنها ان تعيش هذاه الفترة برفقة كتميل ولوك ؟ . . بالتأكيد .
تعمد ميغيل اجلاس هانا الي جانب رينيه فيما جلس هو في المقعد المجاور . . كان فاتناً مع غرازيلا ، وتبادل الحديث مع كارلو وانريكو ، وتصرف بتهذيب في كل مرة حولت فيها كاميل لفت انتباهه .
لاحظت هانا ان هذا يحدث باستمرارمع وجود كاميل . فاق هذا كله احتمالها ، وفي محاولتها للتخلص من هذا الوضع اعتذرت وتوجهت الي غرفة الزينة .
لكنها ادركت بعد دقائق انها ارتكبت غلطة كبيرة ، فقد انضمت اليها كاميل بسرعة ، وكان عليها الانتظار نظراً لعدد الغرف الصغيرة . . وقفت هانا متصلبة تنتظر من كاميل أنتندأ بالضرب ولم يخب املها .
-لا تتصوري نفسك قادرة على الإختباء وراء حارس شخصي . . أعتقد أنك تظنين نفسك ذكية .
استدارت هانا قليلاً لتنظر الي المرأة الفرنسية ، وردت بجفاء : ( أبدتً . . الحارس الشخصي موجود بناء لطلب ميغيل ).
تحول وجه كاميل الي ثقناع ثلجي ، قبل ان تقول : ( -ليحمي مصالحة واستثماراته ز
-طبعأً .
كانت هذه هي الحقيقة ، فلماذا الإنكار ؟
تابعت هانا بهدوء : ( لكن هناك مكافأة لهذا . . على ان اشاركه فراشه ، وحياته ، واحمل اولاده ).
وأطلقت نفساً عميقاً قبل ان تضيف ( اعترفي أنك فشلت كاميل , واذهبي للتفتيش عن رجل ثري آخر , لا ينفر من تلاعبك ).
صمتت قليلاً ثم قالت : ( وخذي لوك معك ).
فردت الفرنسية بلؤم متعمد : ( انه عاشق متمرس ).
قطبت هانا ساخرة : (وهل تعتقدين هذا ؟ يالفبائك ! ) .
لوحت كاميل بيدها بشكل وحشي , لكن هانا هذه المرة كانت جاهزة , فتراجعت الي الوراء لئلا تصيبها الصفعة .
أطلقت هانا بضع شهقات تعجب , قبل أن تحضر رينيه التي تحولت قسمات وجهها الرائعة الي الشراسة من شدة الغضب .
- لقد قلت ما يكفي كاميل ! والآن أخرجي من هنا حالاً . . هناك أمكنة أخري فيها تسهيلات إذا كنت مضطرة الي استخدامها .
واستدارت الي ابنتها : ( حبيبتي . . هل انت بخير ؟ ).
- أجل . . شكراً .
- ولم تستطع سوي التساؤل عما إذا كان ميغيل هو من أرسل رينيه لإنقاذها .
- تعالي . . دعينا نعود الي . . الطاولة .
وهزت رأسها : ( أنا بحاجة حقاً لأن أنعش نفسي . . قولي لميغيل إنني سأذهب مباشرة الي مقاعدنا ) .
قالت رينيه بحزم : ( سأبقي معك ) .
- إذن , سيرسل رجلانا معاً فرقة تفتيش . حقاً أنا بخير .
قالت أمها بأرتياب : ( حسن جداً . . هل انت متأكدة ؟ ) .
فرغت أحدي غرف الزينة الصغيرة , فدخلتها هانا . . بعد دقائق كانت تقف أمام المرآة لتعيد إصلاح أحمر الشفاة , ثم خرجت الي البهو .
ولم تكد تخطو خطوتين حتي وجدت ميغيل الي جانبها . نظرت اليه بثبات وهو يمسك ذراعها وسألته :
- أولاً رينيه والآن انت ؟
- دقيقة أخري وكنت سأدخل بنفسي لأحضرك .
- وهل ستدخل مكاناً مخصصاً للنساء ؟ كم انت شجاع .
حذرها بغضب : ( لا تدفعيني كثيراً كويريدا ) .
ولم يكونا في طريقهما الي المسرح .
-نحن نسير في الاتجاة الخاطئ .
- سأخذك الي البيت .
- لن تأخذني بحق الجحيم !
ورفضت بعناد أن تتحرك . . ولقد لمعت عيناها بنار زرقاء وهي تواجهه : ( لن أفوت بقية المسرحية ) .
وضمت قبضتيها ولامست صدره : ( الطريقة الوحيدة لإخراجي من هنا هي ان ترميني علي كتفك وتحملني الي الخارج ! ) .
علق بين الضحك والغضب , وقال بصوت أجش : ( لا تغريني ) .
انتزعت ذراعها من قبضته , وسارت بمقدار ما سمحت به كعبا حذائها الرقيق المرتفع من السرعة , نحو المسرح
وصلت الي الباب المزدوج , وكان الي جانبها فدخلا معا الي القاعة المعتمة , ووجدا مقعديهما واندسا فيهما .
وعلي الفور تقريباً . . ارتفعت الستارة , وبدأ المشهد الثاني .
ركزت هانا علي الممثلين وأدوارهم بجهد وعناد في محاولة منها لنسيان أمر كاميل ولوك وزوجها الفريد من نوعه . . ونجحت تقريباً , ثم وقفت مع المشاهدين تصفق لكاتب المسرحية , والممثلين , وللمخرج .
خروج المشاهدين تتطلب وقتاً , وكانت الساعة تقارب الحادية عشرة حين انطلق ميغيل بسيارة الجاغوار عبر شوارع المدينة . . كان رذاذ المطر قد بلل الأسفلت وأخذت هانا تراقب حركة مساحات الزجاج الأمامي مع استدارة السيارة الي " تورماك رود " .
الصداع الذي انتابها في الساعة الأخيرة , بدا وكأنه يزداد سواءاً . وما إن أوقف السيارة داخل المرآب , حتي تركت مقعدها وسبقته الي داخل المنزل .
وصلا البهو , وزادت حدة نظرته وهو يلاحظ شحوب قسماتها .
- خذي دواءً للصداع , واذهبي الي النوم .
- لا تقل لي ماذا افعل .
- كويريدا . . هل تريدين الشجار ؟
- أجل . . اللعنة عليك !
- هناك كيس ملاكمة في غرفة الرياضة . . لما لا تجربينه ؟
إنه يتسلي . . اللعنة عليه . . ونظرت اليه نظرة سوداء : ( قد أفعل هذا ! ).
قال بتكاسل : ( أمر واحد فقط . . اذهبي وغيري ملابسك اولاً ) .
لم تقف لتفكر , بل رفعت ركبتها وخلعت فردة حذاء وضربته بها .
التقطها ميغيل بدقة , ووضعها بحذر علي طاولة جانبية , واستدار اليها سائلاً : ( هل تريدين التجربة مرة أخري ) .
هذه المرة جربت حقيبة يدها التي طارت في الهواء , وصاحت بغضب وهو يرفعها بين ذراعيه ويحملها الي الطابق الأعلي .
ضربت هانا كتفيه , ذراعيه , وأي مكان استطاعت أن تصل اليه , وتأوهت بسخط غاضب حين لم تؤثر فيه ابداً .
وصل غرفة النوم ودخلها , ثم رفس الباب وراءه ليقفله , قبل أن ينزلها الي الارض .
قال بصوت اجش : ( حسن جداً . . هذا يكفي ) .
فسألت بضغينة : ( أتعرف كيف اشعر ؟ ) .
- أستطيع القول ان الشعور متبادل .
وامسك كتفيها ليثبتها : ( كفي ) .
-في هذه اللحظة بالذات . . أعتقد انني أكرهك .
- لأنني كنت هدفاً لمخططات جهنمية وضعتها امرأة أخري .
- أريد أن انام . . لوحدي .
صاح بها صوت صغير : حمقاء . . أنت توجهين غضبك نحو الشخص الخاطئ . . إلا أنها لم تكن تعي ذلك .
وتركها ميغيل : ( اذهبي الي النوم).
واستدارت لتخرج من الغرفة ، واغلق الباب وراءه بهدوء .
نظرت الي الباب ، وتمنت لو انه صفقه ، لكان هذا منطقياً اكثر .
تقدمت ببطء الي النافذة ، ونظرت الي الخارج عبر الحديقة المعتمة كان القمر مرتفعاً ، كوكب كبير مستدير أبيض ، يرسل الي الأرض ضوء ابيض حالماً ، زفي مكان بعيد ، نبح كلب ، فتردد صوته وسط صمت الليل المطبق .
اغلقت هانا الستائر ، ثم خلعت ملابسها ببطء / وأزالت تبرجها ارتدت قميص النوم الحريري واندست بين الأغطية ، وأطفأت المصباح قرب السرير ، لتستلقي محدقة في الظلام . . ملأت التخيلات رأسها بجلبة مقتحمة . . وغرقت عيناها بالدموع التي زحفت ببطء الي أذنيها حتي وصلت الي الوسادة .
مسحت الدموع ، مرتين ، ثم أغمضت عينيها بتصميم في محاولة للاستغراق في النوم .
إلا أنها كانت لا تزال صاحية حين دخل ميغيل الغرفة بعد وقت طويل ، وسمعته يخلع ملابسه ، وأحست بحركة الفراش الخفية وهو يتسلل اليها ز
توسلت اليه بصمت : ضمني . . لكن الكلمات لم تجد الي لسانها سبيلاً . وبقيت جامدة ، تصغي الي تنفسه الثابت البطيء الذي تحول بعدها الي تنفس رتيب دلالة على النوم الهاديؤ . كان من السهل عليها ان تلمسه كان كل ما عليها فعله هو ان تدس يدها لتتلمس دفء جسده .
إلا انها لا تستطيع فعل هذا . كوني صادقة . . وبخت نفسها بصمت . . أنت خائفة . . خائفة من ان يتجاهل الإشارة والأسوأ ، ان يرفضها ز
كيف ستشعر حينها ؟
لا شك أنها ستدمر .
**********************

صرخة قلب للكاتبة/ هليين بيانشين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن