بدأ اليوم بداية سيئة , فقد اتصلت بها والدة سندي لتقول لها ان
مساعدتها "سندي" نقلت الى المستشفي لإجراء جراحة لاستئصال الزائدة
الدودية, ولن تتمكن من العودة الى العمل قبل اسبوع على الاقل .
احست هانا بأنزعاج حقيقي , فسندي صديقة لها اضافة الى انها تعمل جزءاً من الوقت فى المحل , ورتبت امر ارسال الزهور الى المستشفي وقررت زيارتها بعد انتهاء فترة العمل .. ثم اتصلت بأحدى امرأتين يمكن ان تعملا عند الطلب .
وجدت ان الاولى مسافرة , فيما الثانية لديها حالة عائلية طارئة , ولم تجد سبيلاً لمساعدتها سوى وكالة التوظيف . وإن فشلت فستتصل بأمها ,ولو لملء الفراغ لساعة منتصف النهار .
تناولت فطورها على عجل واقتصر على نصف كأس عصير البرتقال , الحقته ببضع رشفات من القهوة .
تمتم ميغيل بسرعة وهى تلتقط حقيبتها وتضع حمالتها على كتفها :( بحق الله .. اجلسي ).
مد يده واطبق على ذراعها , ليجبرها على الجلوس فوق كرسي قريب :( كلي ).
ودفع نحوها بطبق طعام .. وشطر لها قطعة "كرواسان" ليدهن كل شق منها بالمربى .
نظرت اليه بعناد :( لا استطيع .. سأتأخر ).
قال بهدوء :( تأخري إذن .. كل ما يلزمك هو خمس دقائق فقط , وقد تعلقين فى زحمة سير اكثر من هذا الوقت ).
-انا لست طفلة .. اللعنة !
قال ميغيل من دون ان يتأثر :( انت تضيعين الوقت ).
كانت جائعة , لكن فشلها فى ايجاد من يحل محلها اقلقها . وإذا لم تكن رينيه مستعدة , فستضطر الى إقفال المحل مؤقتاً ولو لعشر دقائق لتحضر لنفسها سندويشاً .
منعها عنادها وتشبثها برأيها من ان تجلس .. لكنها اكلت قطعتي الكرواسان والحقتهما ببقية القهوة الرائعة الساخنة الحلوة .
-هل ارضاك هذا ؟
نظر اليها باكتئاب :( لا )
أخذت مفاتيح السيارة وقالت :
-انت بالطبع , نادراً ما تعاني من الحالات الطارئة التى تقلب برنامج عملك رأساً على عقب .
-احياناً .
منتدى ليلاس
ردت بجفاء :( لا تقل لى .. فأنت لديك دائماً خطة بديلة ).
رفع حاجبه , وقال متشدقاً :( منذ دقائق , لم تكوني قادرة على انتظار الخروج والآن تريدين الجدال !)
ردت ساخطة :( ولماذا , انا لا اكسب جدالاً معك ابدً )
ورمته بنظرة مجفلة جعلته يتحرك بسرعة ليمسك وجهها .
وعانقها مستفزاً , عناق مزق مشاعرها وجعلها تتمنى لو استمر وقتاً اطول ثم .. اصبحت حرة .
لم تستطع سوى التحديق فيه , بعينين واسعتين من دون ان يرف لها جفن .. حين تعتقد انها تستطيع التكهن برده فعله , يتمكن من مفاجئتها .
بللت شفتيهامن دون وعي ,وهى تعرف ان فمها يرتجف قليلاً ..ورأت عينيه تومضان لوقت قصير .
-اذهبي كوريدا .. سأتصل بك خلال اليوم .
استدارت هانا , وتحركت بسرعة عبر الفناء الى المرآب .
هل يمكن لليوم ان يسوء اكثر ؟ سألت نفسها بصمت وهى تتصل بأمها , لتكتشف ان رينيه فى طريقها الى المطار لتلحق بطائرة متجهة الى سيدني .
-سأعود الليلة حبيبتي .. اتصلي بي اذا احتجتني .. سأتصل بك حين أعود .
بعد دقائق من فتحها المحل , اتصلت بإحدى وكالتي التوظيف المسجلتين على لائحتها , واحست بألاتياح كبير حين اخبروها انهم يستطيعون ارسال فتاة مناسبة بعد نصف ساعة .. لكن فى اليوم التالي .
بقيت هانا منشغلة طوال فترة الصباح مع زبونات جئن لتفحص آخر شحنة من الملابس الجديدة .. وكانت الاتصالات التى تلقتها لوضع بعض الملابس جانباً لبضع ساعات تعنى ان المحل لن يبقى خالياً لفترة طويلة .
فى منتصف النهار ثبتت لوحة على الباب تقول"سأعود بعد عشر دقائق" واقفلته بسرعة لتقطع الشارع الى مقهى قريب .. طلبت سندويشاً من السلطة وفنجان قهوة لتأخذهما معها لاسكات جوعها . ومع شئ من الحظ , ستتمكن من تناولهما من دون مقاطعة .-هانا .
اللكنة المثيرة للقرف تسببت بقشعريرة فى مؤحرة عنقها .. وتوسلت للسماء بصمت :ارجوك ان اكون مخطئة .. واستدارت لترى كاميل تجلس الى طاولة قريبة .
بدا وجود المرأة الفرنسية هنا مصادفة مدبرة او مؤامرة اخري من كاميل تشير بها الى معرفتها بروتين هانا اليومي !
تصرفت هانا بأدب غاضب وهى تقف بإنتظار انتهاء طلبها .-كاميل .
-لماذا لا تنضمين إلي ؟
لن افعل لو استطعت .
-يجب ان اعود .. ربما فى وقت اخر .
كان اقتراحاً فارغاً لم تنو الوفاء به .
-سأزورك لاحقاً .
بالكاد استطاعت هانا مقاومة رغبتها فى ان تقول :( ارجوك .. لا تفعلى ) واعتطها الفتاة من خلف منصة البيع فنجاناً مغطى من البلاستيك وحاوية مماثلة فيها السندويش .
-الى اللقاء كاميل .
كانت الكلمات مجرد تأدب وهى تستدير نحو الباب .. فهى لا تريد ان تلعب دور الصديقة مع هذةه الفرنسية الجميلة . ولو كان امامها خيار ,ففضلت الا تكون بينهما صلة ابداً ! على اي حال , الفرص ضئيلة جداً ,نظراً لعناد كاميل .
كان جرس الهاتف يرن حين فتحت باب المحل واسرعت لترد .. وخلال دقائق من إعادة السماعة الى مكانها , رن من جديد .
قال ميغيل من دون مقدمات :( تلقيت تذكرتين للعرض الاول فيلم سينمائي الليلة ).
وسمى لها عنوان الفيلم ومكان ***ه .
-سأصل الى البيت فى السادسة .
منتدى ليلاس
قالت هانا :( غراتسياس )
وكادت ضحكته الخشنة تدمر اعصابها .
-كوني حذرة كوريدا .. لا تعملي بجهد .
فرصة ثمينة .. غكرت هانا بهذا وهى تتحايل لخدمة الزبائن وترد على المكالمات الهاتفية , ما بين لقمة واخرى
كان هناك نوع من الرضى فى اختيار الملابس المصنوعة بجمال لتناسب ذوق زبونة مفضلة , وتقديم النصائح لشراء الاحذية , والاكسسوار , والحلى كذلك .. سعادة الزبونة وولائها المستمر , هو مكافئتها , الى درجة انها حين تشترى الملابس وتوابعها , تكون قد وضعت فى ذهنها ارضاء زبونات معينات لمحلها .
لم يكن هذا مجرد عمل , ولم تعتبره يوماً كذلك , وهى تش بامكانية بيع المحل او التقاعد لتتركه بادارة بائعة مدربة .. لم يخطر هذا ببالها يوماً رغم انها ترجح ان تصل الى وقت تفكر فيه بالاولاد .. انجابها لطفل مسألة مهمة للاتحاد الذى يؤمن قانونياً دمج ثروة العائلتين واستمرارهما الى جيل اخر .
لكن متى سيحث هذا وكيف , هذا ما لم يقرر بعد .. لقد وافق ميغيل على اقتراحها بالانتظار سنة او اثنتين , واعتبرت ان سن الثلاثين قد يكون العمر المناسب للتخلص من موانع الحمل .
لكن لماذا تفكر هكذا فجأة ؟ هل لان كاميل تمثل تهديداً لها ؟
اللعنة .. ليس لديك ولد تستخدمينه كوسيلة تفاوض .. وهذا اقل من سلاح .
الجرس الالكتروني اوقف دفق افكارها , وجمدت لابقاء ابتسامتها جاهزة وهى تتعرف الى كاميل .
اذكر الشيطان يظهر امامك !
قالت كاميل وهى تتقدم الى حيث القمصان الحريرية .
-لقد استمتعت بغداء مطول .. ثم امضيت ساعة او اثنتين استعرض المحلات .
واخذت تنتزع التاليق كيفما اتفق :( لقد لمحت شيئاً هنا بالامس فكرت ان اشتريه ).
ثم اخذت تصف القميص , وسمت علامته التجارية وحجمه , ثم نظرت الى هانا شزراً وكأنما هى التى اخفته .
-لقد بعته بالامس .
منتدى ليلاس
-اطلبي لي واحداً .
كان طلبها امراً , وليس طلباً . كتمت هانا انفاسها بضع ثوان قبل ان تطلقها مجدداً ببطء , وقالت بهدوء :( استطيع المحاولة .. على اى حال , كل شئ هنا محدود الكمية ).
نظرت كاميل اليها طويلاً , متفحصة :( اتصلي .. فأنا اريده ).
تفحصتها هانا بدقة , ثم رمت بالتهذيب من النافذة :( لا يمكنك دائماً الحصول علة ما تريدين ).
ولم يكن هناك مجال للخطأ فيما تعني .
تفحصت المرأة الفرنسية اظافرها المطلية باتقان , ثم وجهت نظرة حاقدة الى هانا :( انت مخطئة يا عزيزتي .. انا احصل دائماً على ما اريد )
-حقاً ؟ ربما حان الوقت لئلا تحصلي عليه .
قالتها بنبرة ساخرة .
فردت كاميل وكأنها قطة متوحشة على وشك الانقضاض :( اذن , انت تنوين القتال ؟).
قد يتحول هذا بسرعة الى مواجهة حارة :( انا لن اقدم لك ميغيل على طبق من فضة ).
-ولماذا .. انا لا انتظر هدية منك , بل انا امد يدي وآخذ ما اريد .
احست هانا بأصابعها تتكور فى راحتها , وكان كل ما عليها فعله , هو ان تبقى هادئة .
-حتى ولو لم يكن لك ؟
-لانه ليس لى يضيف نكهة من التحدي . الزواج ؟ وما هو ؟
وزادت التركيز على فكرتها بهزة كتف فرنسية .
-مجرد قطعة ورق .
-جربي ذكر العهد والإخلاص الدائم , الثقة والصدق .
وسمت ضحكه المرأة الشفقة "( يا للطفلة المسكينة , انت ساذجة جداً وتؤمنين بالمثل العليا ).
مثل عليا ؟ إنها تعرف الحقيقة مثل غيرها ..واكثر .. لانها تضع خططها وهى تدرك جيداً ان هناك من يتخذ اى واجهة , لو اعتقد انها لصالحه .. "لوك" كان الشخص الوحيد الذى تمكن من وضع الغشاوة على عينيها .
سألتها هانا متعمدة :( ماذا لو رفض ميغيل لعب لعبتك ؟).
انفجرت كاميل بضحكه عابثة , ونظرت اليها بإشفاق :( هذا ليس خياراً )
-انت واثقة جداً من نفسك ؟
-بل واثقة من ..
وصمتت ثانية ثم اضافت :( .. قدراتي حبيبتي )
-لوحدك ؟
-ربما نتفق على مهلة اسبوع منذ الآن . ولن تعودي بعدها واثقة هكذا من نفسك .
بهذه الكلمات الوداعية خرجت كاميل من المحل , وسرعان ما اختفت عن الانظار.
أف ..! لعلها لم تربح هذه الجولة , لكنها لم تخسر بعد .
كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة حين غادرت المحل , وقادت سيارتها الى المستشفى , لتزور سندي المتعبة قليلاً , ثم اتجهت الى المنزل .
كان ميغيل قد استحم وبدأ يرتدي ملابسه حين دخلت هانا غرفة النوم .
احاطت بجسمه المشدود , الفولاذي العضلات , هالة من القوة يحسد عليها , قوة فكر وروح معاً . وكانت على استعداد لأن تتخلى عن اى شئ فى سبيل ان تتمكن كمن التقدم اليه , ليضمها , ويجعل العالم يتلاشى من حولها .
حسن جداً .. طلب العالم كثيراً جداً .. وهى لا تريد الا ان تبتعد عنها كاميل دالفور وتدعها بسلام .
-يوم سئ ؟
رفعت رأسها ترمقه بنظرة متجهمة وهى تخلع سترتها وتبدأ بفك ازرار البلوزة .
-غداً سيكون أفضل .
تناول قميصه وارتداه .
-هل تريدين إلغاء السهرة هذه الليلة ؟
كانت ترغب فى ان تسترخي فى المغطس لأطول مدة ممكنة كى تهدأ اعصابها المتوترة ..
ردت بهدوء :( لا .. فقد نال الفيلم نقداً جيداً فى الخارج )
جمدت يدا ميغيل بسبب الانزعاج الخفيف فى رنة صوتها , ونظر اليها بتفهم , فلاحظ الظلال الخفيفة تحت عينيها , وخديها الشاحبين , فقطع المسافة بينهما ببضع خطوات مرنة .
أمسك ذقنها , ورفعها بحيث لم يعد هناك مفر من لقاء نظرته .
-هل هناك ما يزعجك ؟
أجل .. يزعجني كالجحيم .. قالت تراوغ :( كما قلت .. كان يوماً سيئاً)
أخذ يحرك أصابعه بنعومة على خديها .. وقال بصوت ناعم :( هانا .. لا تظني انني غبي .. الصدق , الا تذكرين ؟)
حسن جداً .. حان الوقت اذن , ولن يكون هناك توقيت افضل .
-كاميل تريدك .
زاد سواد عينيه , وان لم تتغير اساريره . سأل بنعومة باردة :( وهل قالت لك هذا ؟ ومتى ؟)
قابلت نظرته دونما صعوبة :( بالامس واليوم )
وحاولت الابتسام لكنها لم تنجح ثم اضافت :( انت رجل شهير )
فردبسخرية :( حقاً ؟)
منتدى ليلاس
هذه المرة كانت ابتسامتها مشرقة .. وكثيراً :( انها مقنعة )
-انا واثق من انها كذلك .
-اكدت لى انها تملك بضع افضليات .
ورفعت يدها تعد على اصابعها وهى تقول :( اشياء ثانوية مثل إرث ضخم, زواج ملائم متناغم , وانت )
بعدئذ , نظرت اليه نظرة ذات معنى وسألته :( هل قلت هذا الترتيب الصحيح ؟)
إزداد سواد عينيه لتصبحا كقطعتي زجاج بركاني :( استطيع ان أضربك )
احتجت ببطء :( ارجوك لا تفعل .. فقد أتحطم)
ومع ذلك ضربها بلطف وقال مؤنباً بصوت أجش :( أيتها الحسناء الحلوة .. انا لا اهتم باى علاقة خارج اطار الزواج )
ومرر إصبعه على شفتها السفلى ثم تركها :( كوميراندى ..فهمت ؟)
سألت بشئ من الحزن :( كلمات .. ميغيل ؟ لا تهينني بإطلاقها من دون معنى )
-ولماذا اخاطر بزواجنا ؟
شئ ما فى داخلها مات بسبب نظرته الى اتحادهما
-بالضبط .. لماذا تخاطر ؟
-هانا .
التحذير الناعم كان واضحاً , لكنها اختارت ان تتجاهله .
-بالنسبة لكاميل , انت تمثل التحذي .
قال ميغيل بقسوة :( النساء من نوعية كاميل , معروف عنهن بأن لهن برنامجهن الخاص )
اشتعلت عينا هانا بنار لاهبة :( حسن جداً , بإمكانك اخذ برنامجها والرحيل ).
رفعت التسلية أطراف فمه , ولمعت عيناه بمرح :( هل وصلتما الى حد اشتقاق السيوف .. كوريدا ؟)
-اجل .
ضاقت عيناه قليلاً :( ليست من مستواك )
-ارجو ان يكون هذا مديحاً ؟
-من دون شك .
مال الى الامام وطبع قبلة على صدغيها :( اذهبي واستحمي )
أخذت هانا ثياباً داخلية نظيفة ومنشفة ودخلت الحمام , ثم خرجت بعد ربع ساعة لتكتشف ان ميغيل نزل الى الطابق الارضي
ارتدت بنطلون جينز وكنزة صوفية ولفت شعرها بعقدة على قمة رأسها , ثم انضمت الى زوجها فى غرفة الطعام.
كانت صوفيا قد اعدت وجبة طعلم رائعة .. وكان لجو المائدة تأثير مربح .
وببضع دقائق , أخلت الطاولة وملأت غسالة الصحون قبل ان تعود الى الطابق الأعلى لتغيير ثيابها .
اختارت هانا بذلة سهرة ذات بنطال , بلون الزفير المتألق .. وسرحت شعرها لتبقيه مسدلاً على كتفيها , واهتمت بزينتها قبل ان تضيف سترة من الحرير الصافي , بطول الركبة باللونين الاخضر والازرق .. ثم حملت حقيبة يد صغيرة مزينة بالخرز وأكملت بها زيها .
قال ميغيل :( فاتنة )
وابتسمت له بخجل :( غراتسياس أومير )
نظرت اليه تتفحص قامته الطويلة فلاحظت البذلة السوداء الرائعة , والقميص الابيض القطني , وربطة العنق السوداء ..
-ليس سيئاً .
والتوى فمها الشهي بأبتسامة خبيثة , قبل ان تضيف :
-اعتقد انك لائقاً .
-حقاً ؟
وراح يتأمل قسمات وجهها الرائعة التكوين , وبنيتها الصغيرة الحجم التى تنجح دائماً فى تحريك مشاعره .
-هل لنا ان نذهب ؟
وصلا قبل خمس عشرة دقيقة من بدء العرض . وسارا الى داخل البهو المكتظ بالناس مع دخول المدعوين الى القاعة .
كان للفيلم مقدمة غير عادية , مقدمة تسحر الالباب ,, غامضة توصل الى استنتاج مذهلاً .. أما التمثيل فمتفوق , أعلن ان الممثلين الثلاثة الرئيسيين قد يرشحون لنيل جوائز .
أمسك ميغيل يدها مع ظهور الاسماء فى نهاية العرض , وتسللا معاً فى الظلام قبل خروج المشاهدين .
-هل تشعرين برغبة فى الذهاب الى مكان ما لشرب القهوة ؟
كادت هانا ترفض , ثم غيرت رأيها :( ولم لا ؟)
سارا أمام مجموعة من الأبنية , ثم دخلا مبنى ذا قنطرة يعود ديكوره الى اواخر القرن التاسع عشر واختارا مقهى ضغيراً متخصصاً بالقهوة المستوردة والحلوى والكعك المصنع منزلياً .
لم يبد استعجاله .. وكان المكان ملائماً للأسترخاء .
طلبا القهوة , واختارا بعض الرقائق المخبوزة لتذوقها .
قال ميغيل وهو يحلى قهوته :( ابن عمي اليخاندرو وزوجته أيليس سيحضران الى هنا لقضاء نهاية الاسبوع .. سوف يحضران حفلة جمعية مرضى سرطان الدم الخيرية الراقصة وسيحلان علينا ضيوفاً مساء السبت )
ابتسمت هانا بحرارة . كانت قد التقت إيليس يضع مرات منذ زواجها , وهما يتبادلان التعاطف الودي .
-وكم سيبقيان ؟
-بضعة ايام فقط .. إيليس ستترك الصبيين مع المربية , وتطير شمالاً لتقضي بعض الوقت مع اصدقاء لها أثناء وجود اليخاندرو فى بيرث .
-وستذهب معه .
كان تصريحاً بالأمر الواقع وليس سؤالاً . ولمح ميغيل مشاعرها واضحة على ملامحها المعبرة :( يمكنك الانضمام الينا )
كادت هانا ان توافق , لكنها تذكرت ان سندي غير موجودة .. وتركها المحل فى عهدة شخص غريب , ليس خياراً جيداً .
منتدى ليلاس
قالت بلهجة آسفة :( سأحب ذلك .. لكننى لا استطيع )
وهزت كتفيها باستسلام :( كم سيطول غيابك ؟)
-يومان وربما ثلاثة .
ليلتان ستقضيهما بمفردها .. يمكنها زيارة ابويها , أو الاتصال ببعض الصديقات لتنظيم سهرة فى المسرح , أو حضور السينما , وربما الخروج للعشاء .. هناك العديد من الامكانيات لتشغل وقتها , الا انها ستشتاق اليه بجنون .
هل لديه فكرة كم يعنى لها ؟ بطريقة ما تشك فى هذا .. الافتنان والمحبة لا يساويان الحب .. والواجب بديل فارغ .
-المحل ..
-مهم بالنسبة إليك .
نظرت اليه مليا~ً , تتوسل اليه بصمت ان يفهم .
-لقد اتفقنا ..
-اعرف
-هذا هو الشئ الوحيد الذى اقوم به وحدي .
-انا لا اشك فى قدراتك على تحقيق النجاح بمجهودك الخاص .
-لا .. لكنك تريدنى ان اختار .
رفع حاجبيه متسائلاً :( وهل تتخلين عن الحياة الاجتماعية لصالح المحل ؟ هذا ليس اسلوبك هانا )
-وماذا تقترح ؟
-رقى سندي , ارفعيها الى الادارة . استخدمى بائعتين تستطيعان العمل مكانك .
-وبهذا اكون قادرة على السفر معك على وجه السرعة ؟
-افضل ان تكونى معى على ان اتركك فى البيت
هل هذا استسلام ؟ هل هة اعتراف من نوع ما ؟
قالت :( سأفكر بالأمر ملياً )
ورأت ابتسامته اللامعة.
-افعلى هذا اماندا .
وارتشف ما تبقى من قهوته قبل ان يتابع :( هل لنا ان نغادر الآن ؟)
كان الوقت متأخراً حين اوقف ميغيل السيارة فى المرآب .. ومع دخولهما الى غرفة النوم , خلعت هانا ملابسها , ونظفت مساحيق الزينة عن وجهها , ثم اندست بين الاغطية القطنية الباردة.
وبعد دقائق غطت فى النوم منجرفة الى اللاوعي حيث هاجمت الاحلام عقلها الباطني حتى ساعات الصباح الاولى , حين اعادتها اصابع خفيفة على ظهرها , الى اليقظة ببطء شديد .
قوست هانا جسمها تتمطى كالقطة , ثم استدارت نحو الرجل الذى يحاول إثارة أحاسيسها .
مررت يدها تداعب صدره , وسمعت تنفسه .
وبآهة خشنة أطبقيديه على خصرها وادارها لتواجهه .
سألها ممازحاً :( وهل تريدين هذا حقاً ؟)
وضحك ضحكة منخفضة خشنة , لنفيها .
فيما بعد ناما مرهقين , اللى ان ارسل الفجر اصابعه الفضية عبر الظلمة المستحبة , ليرسم بسرعة الواناً ناعمة على الارض والبحر . بعدئذ , أرسلت الشمس وهجها الذهبي , لتعطي البديل عن الظلال وتعلن بداية يوم جديد .
استفاقت هانا وهى تشعر بالراحة , فنزلت عن الرسر , زتزجهت الى الحمام .
بدا لها ميغيل اكثر حيوية من ان يرتاح بالها , وراحت تراقب ابتسامته اللامعة وهو يتأملها .
بحركة آلية , لفت شعرها الطويل فوق رأسها وثبتته بدبوس من طبق قريب على شكل صدفة .
هذه طريقة عظيمة لبدء اليوم .. ها قد نعمت بالأمان بين ذراعي الحبيب . الآن , استسلمت لترف الاسترخاء فى المغطس لإبعاد التوتر عن عضلاتها المتعبة .
أرادت ان تسند رأسها الى الوراء , وان تغمض عينيها .. وتبقى هنا لساعات .. بعدها تستمتع بالفطور , فريز طازج , يتبعه البيض واللحم الطري وفنجتنين من القهوة الحلوة , ثم العودة الى الفراش لتنام تحت الأغطية الى ان ترتفع الشمس الى قبة السماء .
لكن لسوء الحظ .. هذا ليس اليوم الملائم , ولن تبدأ نهاية الاسبوع قبل الغد .. والمحل ينتظر , وكذلك البائعة البديلة .. ثم هناك كاميل .
فتخت عينيها ببطء .
فسألها ميغيل :( الى اين ذهبت ؟)
فابتسمت له :( قد لا تريد ان تعرف )
-لو قلت لي .. استطيع ..
-أن تحرك عصاك السحرية ؟
-أقوم ببعض الاتصالت .. أشد سلكاً او اثنين .
-آه .. أصدق انك قد تفعل .. لكن الامر ليس بهذه البساطة .. إضافة الى ان هذا الامر يعود لي كوريدو .
مدت يدها لتأخذ منشفة , ثم خرجت من المغطس .
لم يكن الوقت متأخراً كما ظنت , واكتشفت هذا وهى ترتدي ثوباً متقن التقصيل اختارته للعمل .
كان هناك ما يكفى من الوقت لتناول فطور متأن قبل ان تمسك حقيبة اوراقها وتلحق بميغيل الى المرآب .
ارتفع الباب الآلي .. وبنفس الوقت فتح كل منهما باب سيارته واندس خلف المقود مشغلاً المحرك , ومع إشارة ميغيل خرجت هانا قبله .
فى نهاية الشارع رفعت يدها ملوحة له , وهى تنظر فى المرآة فى الخلفية وتستدير بالاتجاه المعاكس .
وصلت البائعة البديلة متأخرة , ورغم ان اوراق التوصية الخاصة بها بدت مرضية , الا انها كانت تتناسب اكثر مع قسم المراهقات فى مخزن عام من ان تهتم بزبونات محددات يطلبن أزياء لمشاهير المصممين , حصرية وغالية الثمن .
بذلت هانا جهدها لإعطاء دروس سريعة عن ازياء النساء الفاخرة . لكن , بعد تصادم مع زبونة كاد يؤدي الى كارثة , أوكلت شانتيل بمهمات وضيعة , وجعلتها تحضر لها الغداء .
وبحلول منتصف الظهر , كانت خانا تعاني من صداع متوتر .
زقررت شانتيل التوقف عن العمل وهذا يعني مكالمة أخرى الى وكالة التوظيف , لطلب حاجات محددة . ومن ثم مكالمة يائسة الى رينيه التى وافقت بملء إرادتها على سد الفراغ لبضع ساعات فى اليوم التالي .
مرت لحظات قصيرة , فكرت هانا فيها جدياً بإقتراح ميغيل لترقية سندي . وقررت متجهمة , ان عليها اولاً ان تختبرها خلال الاسبوع القادم , أو الاسبوعين .
أنت تقرأ
صرخة قلب للكاتبة/ هليين بيانشين
Romanceلقد وقعت فى حب زوجها ! فأين الخطأ ؟ زواج هانا بميغيل سانتانا امن لها حياة آمنة , مميزة .. فقد كانت تدير اعمالها فى النهار , وتقضي الليالي مع زوجها الجذاب.. لكن هذا الزواج ( الكامل ) كان مجرد عقد اجتماعي يوحد بين عائلتين قويتين ولم يكن للحب فيه يد و...