Beginning

2.8K 261 151
                                    

...

البــــــــــــــداية

ظل الرجل الثلاثيني ذو المِعطَف يحملق نحو المبنى العالي أمامه، الشمس في كبد السماء وأبواق السيارات تتعالى في الشارع الذي يفصل بينه وبين ذلك الصرح الضخم، كانت الحرارة تلسع جلده وقطرات العرق تتساقط الواحدة تلو الأخرى من جبينه، إلا أن عينيه بدتا ساهمتين، ضائعتين في عالمٍ آخر بالكامل.

كان العالم يجري من حوله، لكنه لم يكن يتحرك معه، في مسامعه تتردد الأصوات كصدى أتٍ من كهف بعيد، يسمع دقات رتيبة لما يشابه خطوات شخصٍ ينزل سلم حلزونيًا بلا نهايَّة دون أن يدرك أن ذلك كان صوت قلبه، رغم تكرراه للوقوف هنا كل يوم إلا أن المشهد ظل مكتسيًا غمامة بيضاء طافيَّة، نُسِجت من عالم الأحلام السريالي.

مثلمَّا كان يدخل في تلك الحالة دون إدراكٍ منه وجد نفسه ينُتزعُ منها فجأة كذلك، لم يعلم لماذا، لكن بصره تعلق بشاب فارع الطول ورث الثياب كان متكئًا على الحائط في أحد الأزقة المقابلة له. واضعًا سماعات في أذنيه، كان يحرك رأسه مع نغماتها بإندماج.

تراقصت خصل شعره المحمرة مع حركاته وقد أغلق عينيه متناسيًا هذا العالم وبشاعته لبرهة، خرج من إندماجه بصوت سقوط، نظر أمامه فوجد رجل أعمالٍ يلعن وقد أسقط حقيبته الجلديَّة، بدا في عجلة من أمره، لمح في عيني الشاب الرغبة في المساعدة ولم يفته تردده خوفًا من أن تُرفَّض مبادرته تلك بفظاظة، فاكتفى بمشاهدة الرجل يلملم في أشيائه على عجل وقد تفصد العرق من جبينه.

رمقه الرجل بنظرة من نوع: جيل_هذا_الزمن! ما إن فرغ من جمع حاجياته ليتابع ركضه، فيبدو أنه استنكر على الآخر وقوفه متفرجًا عليه، بدا الغيظ ظاهرًا على وجه الشاب الذي سرعان ما تحول لتكشيرة، انحنى ملتقطًا لشيء من الأرض.

محفظة بنيَّة اللون.

نظر الشاب حوله، ثم نظر إلى المحفظة مجددًا.

كانت لحظة خاطفة، برقت في عينيه لكنه عرفها حين رآها، كان الشاب يصارع في ضميره، معركة حامية بين الجوع وفعل الصواب. ملابسه الرثة وهيئته العامة أوحت بأنه أحد سكان الشوارع الذين لم يعرفوا الشبع يومًا.

لم يعلم إن كان ذلك ما يسمى بسخريَّة القدر أم الحظ السيئ، فمن على البعد لمح شرطيًا كان يقوم بقطع مخالفة وضعها في الزجاج الأمامي لسيارة لامبرغيني ركنها صاحبها في مكان خاطِئ، وحين أسقط رجل الأعمال حقيبته راقب الشرطي المشهد بأكمله، فاِتَّجه نحو الشاب بخطوات عدوانية مسرعة، والنظرة على وجهه لا تبشر بخير.

- هايّ أنت ما الذي تظن نفسك فاعلًا؟!

خاطبه الشرطيّ بنبرةٍ حادة وقد وقف أمام الشاب، واضعًا يده فوق حزامه حيث توجد العصى السوداء والسلاح الناري.

نهايات بطعم القهوة ♫حيث تعيش القصص. اكتشف الآن