قبل عشر سنواتٍ

138 36 16
                                    

عندما كنت في العاشرة من عمري، كانت تلك أول فترة أشعر فيها ببعض ببعض الإنفتاح عن طبيعتي الإنطوائية،
كنت أشارك في الصف، و أبلغ أمي عما يحدث و عن أي معلم يضايقني،

كمعلمة اللغة العربية التي كانت مرشدة صفنا،
ذات مرة عندما كنا ننظف الخزانة الخشبية القديمة في نهاية الصف، كان يوجد لوح خشبي صغير يحتوي على بضع مسامير صدئة، رفعت المعلمة اللوح و قالت على سبيل المزاح أنه كان ليكون من الجيد لو ضربتني على رأسي بذلك العمود لكي لا أحوز على المرتبة الأولى في الصف دائمًا.

ضحك الجميع على تلك المزحة عداي، ابتسمت فقط و عدت للمنزل لأحكي لأمي ما حدث، لتأتي أمي في اليوم التالي موبخة المعلمة على تهديدها ذاك، و تخبرها بأنه كان من الأفضل لو قامت بتشجيع الصف على منافستي بدلًا من قول ذلك.
حقيقة، لقد شعرت بالحرج قليلًا من المعلمة كوني لم أكن أقصد بذلك تعريضها للتوبيخ، لكن لاحقًا علمت بأن ذلك كان أفضل ما فعلت، لكي لا أشعر بالسوء لاحقًا.

فقبل ذلك بعام، عندما كنت في الصف الرابع،
كانت معلمة أخرى للغة العربية تقوم بعمل دروس خصوصية في نهاية اليوم، بأن تقوم بإعادة الدرس و الأناشيد، و حل نفس التدريبات في كراسة خاصة فقط، لم أكن بحاجة لها لكنها الحت على أمي حينها فدخلت مكرهًا معها.
بعد حصتين تقريبًا وجدت أنني لا أستفيد شيئًا فقررت عدم الحضور،
أخبرت أمي التي أخبرت المعلمة فقالت :
'زيادة الخير خيرين'، و الدرس سيفيده أكثر، منذ وقتها علمت انها تطمع في النقود فحسب، واستطعت الهرب منها عدة مرات،

لكنها استطاعت امساكي ذات مرة عندما كنت أتحدث مع احد أصدقائي في الباحة،
ذهبت معها للصف حيث كان وقت الدرس الخصوصي،
اذكر أنها وبختني بكمية من العبارات و الأدعية لأنني أدّعي بأني ذكي و لا احتاج للدرس،
ضربتني على ظهري لأدخل الصف غصبًا عني،
كانت لهجتها المخيفة كفيلة بجعلي ادخل الصف و اجلس،
مع نظرات الزملاء لي، الممتزجة بالإستنكار و الشفقة و الخوف، كانت من أسوأ لحظات حياتي. لكنني لم أبكِ يومها، لأنني أعلم بأنها ظلمتني.

كانت تلك نهاية العام، بعد توزيع أوراق الامتحان اذكر انها قالت بأن مراجعة ورقة الامتحان جزء من الدرس الخصوصي، كنت أعلم أنها تقصدني بكلامها لأخرج لكنني لم ابرح مكاني بل رفعت الورقة لتغطي وجهي بينما أقرؤها لأرى فيم أخطأت مظهرًا عدم الإهتمام،

مر وقت طويل على ذلك، ربما عام كامل لكنني لم أخبر أحدًا بما جرى، لا أدري أكان الخوف أو شيئًا آخر لكني حفظت تلك الكلمات في صدري لوقت طويل، طويل كفاية ليكون مصدر ألم بالنسبة لي،
إلى أن جاء يوم و كنت مع اختي الكبرى وحدنا،
أخبرتها بما جرى لأجد دموعي تنزل فجأة،
بعد أن ربتت على رأسي و أخبرتني بأنني لم أكن مخطيء، و أن المعلمة ظالمة و كان يجب أن أخبر أمي لتلقنها درسًا،
شعرت بجبل كبير انزاح عن صدري،
و اضمحلت تلك الذكرى في رأسي إلى أم صارت باهتتة، أتذكرها فقط عندما التقي بالمعلمة أسماء أحيانًا، فهي تسكن في نفس حيّنا،
عادة ما أقف لألقي عليها التحية عندما اصادفها،
بالتأكيد هي قد نسيت كل شيء، و لم يعد الأمر كما كان سابقًا بالنسبة لي لكنني ما زلت اتذكر كم أكن لها من مشاعر الكراهية و الإستحقار حتى الآن، بالرغم من مرور عشر سنوات.

حقيقة، لو كنت نادمًا على شيء فسيكون أنني كنت جبانًا، أنني لم أخبر أحدهم ليوقفها عند حدها لأستمر في التعرض للمذلة كل مرّة.

و كما يقال: لا تترك الكلمات تتعفن في صدرك، إتصل بهم الآن و قم بشتمهم.

ابكِني نهراً حيث تعيش القصص. اكتشف الآن