ديسمبريات

114 28 47
                                    


في خواتيم ديسمبر و بدايات زمهريره أقف متفكرا،
كما قيل: في ديسمبر تنتهي الأحلام،
لكنني مؤمن أن هذا الديسمبر في ألفين و ثمانية عشر سيحمل الكثير من الأحلام و الآمال، بالنسبة لي، و للكثيرين من الشعب السوداني العظيم.

على الصعيد الشخصي أجد أن الستة و الخمسين أسبوعا التي مضت غيرت في شخصي الكثير، سواء ذكريات حلوة أو مرة،
أجد أن نظرتي تغيرت للكثير من الأشياء، صرنا 'سناير' كما نقول،
عندما كنا في السنة الثانية بدايات العام ثم انتقلنا للسنة الثالثة، مع مسؤوليات أكبر و تفكير أعمق نحو السؤال الذي طرح نفسه فجأة: ماذا أريد أن أكون بعد خمس سنوات؟ هل أسير في الطريق الصحيح أم أن علي بذل جهود مضاعفة؟

بالنسبة لي، وجدت أن كل ما أبذله غير كاف، لأنه بمجرد التخرج من كلية الصيدلة ستصير صيدلانيا، و تعمل كما يقال 'بائع أدوية' في صيدلية ما، هذا إذا لم تطور نفسك، و تفكر بنظرة مستقبلية لما تريد أن تكونه حقا،
لطالما سمعنا الكثير من العبارات مثل: لماذا لم تدخل كلية الطب؟ هل تريد أن تصير بائع أدوية مثل بائعي الدكاكين؟
بيد أن إجابة البعض تكون بأنها النسبة المئوية لشهادته الثانوية هي من أدخلته، لكنني أجيب بأنها الرغبة؛ أنا أحب الكيمياء، علم العقاقير الطبية و كل تلك المواد في صيدلة، و أطمح لاكتشاف المزيد فيها لذا يجب بذل جهد أكبر، و التفكير في ما أريد أن أصل إليه حقا بعد التخرج و ما بعده.

أحسب أنني تغيرت قليلا، ربما قلت تلك اللامبالاة التي كانت تلازمني و صرت أفكر بمسؤولية أكبر،
رحل أصدقاء أعزاء و صديقات و صار ما يربطني بهم صور و ذكرى، لكن تلك المرارات التي كانت تحشرج حلقي قد تلاشت، لأبتسم حين ذكراهم و أتمنى لهم السعادة حيثما حلو،
اكتشفت أيضا شيئا مثمرا جدا لهذا العام، أنا لا أعيش بدون جداول و مخططات أبدا، و كأن حياتي ساحة حرب تحتاج لتكتيكات مدروسة، بقدر ما خططت و نفذت مخططاتي، بقدر ما شعرت بالراحة النفسية و التوفيق في أعمالي دوما.

كانت نهاية هذا العام مليئة بالأمل حقا،
امتلئت روحي بالثورة و تشربت للأعماق، بعد أن خرجنا جميعنا بعفوية للهتاف ضد الطغاة الذين سلبونا الكثير من حقوقنا،
لا بد لحكم الظالم أن ينتهي، لا بد للحق أن يعود،
أجمل شعور هو أن نتجمع معا، كل تلك الحشود التي لا أعرف أغلبهم،
بل يجمعنا حبنا و انتمائنا للوطن، و حميتنا و رغبتنا في التغيير، لنهتف معا بصوت واحد: الشعب يريد إسقاط النظام.

و كما هو الحال في كل الحكومات العربية و سياساتها القمعية التعسفية نحو المتظاهرين تتم مطاردة من يطالب حقه الشرعي بالعصي و الدخان المسيل للدموع و الرصاص الحي،
ليعود بعض الشباب لمنازلهم شهداء، و ليحل الحزن بأناس ذنبهم أنهم لا يرضون الظلم.
رغم كل شيء، أنا مؤمن أن ديسمبر هذا العام مميز حقا، لإيقاده الشرارة الأولى لثورتنا، التي أدعو نجاحها كل يوم و كل حين، و أخرج لدعمها ما استطعت،
و إن لم تكلل فسنحاول و نحاول، و يكون صوتنا قد وصل يوما ما و يتغير كل شيء،
فكما يقال: نحن أحياء و باقون و للحلم بقية.

و ختاما أذكر مقطعا شعريا سكن قلبي و استقر:
و نهدي الحبيبة أغاني الحقيبة،
و سقوط النظام♥

كل عام و أنتم بخير، أتمنى أن يحل الربيع بالعرب يوما ليبعد زمهرير الشتاء و ثلوجه عنا يوما.

ابكِني نهراً حيث تعيش القصص. اكتشف الآن