الفصل الرابع عشر

405 73 62
                                    


لم يدر قاسم سبب وجود مسرور في ساحة القصر الخلفية في هذا الوقت المتأخر، ولم يدر سبب طرحه عليه كل هذه الأسئلة بالرغم من أنه أخبره بوضوح أنه في مهمة مستعجلة لجعفر، كما أنه لم يدر السبب الذي جعله يستأذن فجأة ويختفي من أمامه كما ظهر- دون أي تفسير، لكنه شعر بالارتياح حينما تركه مسرور لوحده في الساحة ليؤدي عمله.

بحث قاسم يميناً ويساراً، داخلاً وخارجاً، عالياً وسافلاً بحثاً عن المصباح والخاتم لكنه لم يجد أياً منهما، بعد قرابة الساعة قاده بحثه المضني إلى الشجيرات المتراصة أمام الحائط المحيط بالساحة، انحنى بهمة من فقد الأمل ليبحث بينهم ببطء وتعب، عندها لفت نظره شيء ما... شيء قماشي.

رفعه بعدم تصديق وقد أكد الوزن الملقي داخلاً شكوكه، فتحه بحماس ليجد ضالته في الداخل، المصباح الأسود الذي دام بحثه عنه شهوراً. تسللت ابتسامة خبيثة لثغره.

.............................

تجاهل "نوا" تلك الوخزة في قلبه التي سببها ما قالته "روبي".

"لن يفيدنا."...

هو لم ينو قط أن ينصاع لعلاء الدين، ولم ينو قط أن يترك مصباحه بعد ذلك الحادث قبل سبع سنين، لكن شيئاً ما أثر فيه... ذلك الإيمان القاطع بأنه عديم الفائدة...

- لقد صرتَ عديم الفائدة يا "نوا"...

قالها وقد شردت ضحكة صغيرة من قاع يأسه، هو فعلاً عديم القيمة عديم النفع، بل إنه صار مثيراً للشفقة. أي مارد هذا الذي يختبئ داخل مستوعبه ليقضي الدهر يلعن البشر وحظه؟ هذا ليس ما خلق لأجله.

لكنه لم يعد يهتم.

هو لم يخلق أيضاً للقتل والذبح لكنه فعلهما، ما المانع في أن يعيش حياته كمصباح زيتي لا يعمل؟

أغمض عينيه وقد دعى أن يقضي ليلة واحدة على الأقل بلا كوابيس، لكن حتى هذه النعمة الصغيرة رفضت الحلول عليه؛ فقد أحس بحركة عنيفة خارجاً.

- ماذا الآن؟!

قالها بنفاذ صبر قبل أن يوجمه صوت قاسم.

- أهلاً بك معنا من جديد... أيها المارد الأسود.

تكور "نوا" حول نفسه في قاع المصباح وقد أعاده هذا الصوت فوراً للماضي، لتلك الأيام التي لطالما حاول الهروب منها، وضع كفيه على جانبي رأسه في محاولة لتمالك أعصابه، تعالت أنفاسه المتسارعة وفقد السيطرة على جمود ملامحه فانتهز الهلع فرصته ليتربع على وجهه المتصبب عرقاً.

همس بصوت كاد لا يفارق رئتيه:

- ... ساعدني يا ربي.

.............................

اختبأت بدور خلف أحد الحيطان وتأكدت من خلو الساحة قبل أن تفتح كفها، رخت قبضتها القوية شيئاً فشيئاً إلى أن ظهر الخاتم فأغلقتها سريعاً.

المصباح الأسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن