الليلة الثامنة عشرةعلي (عليه السلام) بقلمه ولسانه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما يحب أن يحمد، وصلى الله على سيدنا محمد وآله خير البرية.
قال الله تعالى: (بل الإنسان على نفسه بصيرة)(1).
أيها الإخوان: لقد ذكرنا في الليالي الماضية شيئا من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) حول نفسه ومواهبه ومزاياه ومواقفه، الليلة: نستمع إلى شيء من خطبه (عليه السلام) المشتملة على فضائله وفواضله، وخصائصه، ومكارم أخلاقه، وبعبارة أخرى نستمع إلى تاريخ حياته من لسانه، ونقرأ كتابا خاصا كتبه (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف والي البصرة وهو من جلائل كتبه ورسائله ومشاهيرها، وقد رأيت ترجمته بلغات عديدة، ويمتاز هذا الكتاب عن غيره لأنه بقلم رئيس حكومة كان يحكم على نصف الكرة الأرضية، وحياة الناس ومماتهم بين شفتيه، وكنوز الذهب والفضة تحت يده، ومع ذلك كله ومع تلك الإمكانيات اختار لنفسه أبسط معيشة وأزهد حياة لا يستطيع أي فرد من أفراد البشر أن يسلك طريقته ويكون مثله، ضع يدك على من شئت وقارن بين حياته وحياة أمير المؤمنين فيظهر لك صدق هذا الكلام، وتعرف أن الإمام هو الرجل الوحيد في مواهبه ومزاياه.
نستمع إلى كلامه ونقرأ كتابه بقلمه، فإنه أعرف بنفسه من غيره، ومهما ظهرت نفسيات الإنسان وصفاته واطلع عليها الناس ومع ذلك فإن في حياة الإنسان الداخلية والخارجية أسرارا وسرائرا وخفايا ونوايا لا يطلع عليها أحد إلا الله تعالى والإنسان نفسه، فالإنسان أبصر بنفسه من غيره وإلى هذا أشار القرآن الكريم بقوله تعالى: (بل الإنسان على نفسه بصيرة)(2).
لم يقصد الإمام (عليه السلام) من بيان هذه الأمور تزكية نفسه بل بيان حقائق عن شخصيته لا يستطيع أحد أن يناقشه فيها أو يكابر.
وهنا نقتطف من خطبه الشيء اليسير ومن رسائله رسالة واحدة وفيها الكفاية.
الخطبة الشقشقية
أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء، يهرم منها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها المؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده (ثم تمثل بقول الأعشى):
شتان ما يومي على كورها ويوم حيان أخي جابر
فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها، فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها(3) ويخشن مسها.
أنت تقرأ
الإمام علي من المهد إلى اللحد
Ficção Históricaكتاب يصف حياة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من ولادة إلى يوم استشهاده