الليلة 21

1K 44 13
                                    


الليلة الحادية والعشرون

علي (عليه السلام) يفارق الحياة

بسم الله الرحمن الرحيم

عظم الله أجوركم بمصيبة سيدنا وإمامنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ففي هذه الليلة قضى نحبه وفارق الحياة، وقد انطوت صفحات تلك الحياة المشرقة، واستراح الإمام من أيدي الناس وأفواههم وانتهت أيام مسؤوليته.

فقد جمعوا له أطباء الكوفة ومن جملتهم: أثير بن عمرو بن هاني السكوني فلما نظر إلى جرح رأس الإمام طلب رئة شاة حارة فاستخرج منها عرقاً ثم نفخه ثم استخرجه، وإذا عليه بياض الدماغ كأنه قطن مندوف فقال: يا أمير المؤمنين اعهد عهدك وأوص وصيتك فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم رأسك.

قال محمد بن الحنيفة: لما كانت ليلة إحدى وعشرين جمع أبي أولاده وأهل بيته وودعهم ثم قال لهم: الله خليفتي عليكم، وهو حسبي ونعم الوكيل، وأوصاهم بلزوم الإيمان..

وتزايد ولوج السم في جسده حتى نظرنا إلى قدميه وقد احمرتا جميعاً، فكبر ذلك علينا وأيسنا منه.

ثم عرضنا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب، فنظرنا إلى شفتيه يختلجان بذكر الله، ثم نادى أولاده كلهم بأسمائهم واحداً بعد واحد وجعل يودعهم وهم يبكون فقال الحسن: ما دعاك إلى هذا؟ فقال: يا بني إني رأيت جدك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في منامي قبل هذه الكائنة بليلة فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلل والأذى من هذه الأمة فقال لي: أدع عليهم فقلت: اللهم أبدلهم بي شراً مني وأبدلني بهم خيراً منهم.

فقال لي رسول الله: قد استجاب الله دعاك، سينقلك إلينا بعد ثلاث.

وقد مضت الثلاث، يا أبا محمد أوصيك ويا أبا عبد الله خيراً، فأنتما مني وأنا منكما، ثم ألتفت إلى أولاده الذين من غير فاطمة (عليها السلام) وأوصاهم أن لا يخالفوا أولاد فاطمة يعني الحسن والحسين، ثم قال: أحسن الله لكم العزاء، ألا وإني منصرف عنكم وراحل في ليلتي هذه ولاحق بحبيبي محمد (صلّى الله عليه وآله) كما وعدني، فإذا أنا مت ـ يا أبا محمد ـ فغسلني وكفني وحنطني ببقية حنوط جدك رسول الله، فإنه من كافور الجنة جاء به جبرائيل إليه، ثم ضعني على سريري، ولا يتقدم أحد منكم مقدم السرير، واحملوا مؤخره، واتبعوا مقدمه، فأي موضع وضع المقدم فضعوا المؤخر، فحيث قام سريري فهو موضع قبري، ثم تقدم ـ يا أبا محمد ـ وصل علي ـ يا بني يا حسن ـ وكبر علي سبعاً، واعلم أنه لا يحل ذلك على أحد غيري إلا على رجل يخرج في آخر الزمان اسمه: القائم المهدي من ولد أخيك الحسين يقيم اعوجاج الحق.

فإذا أنت صليت علي ـ يا حسن ـ فنح السرير عن موضعه ثم اكشف التراب عنه، فترى قبراً محفوراً، ولحداً مثقوباً وساجة منقوبة، فأضجعني فيها، فإذا أردت الخروج من قبري فتفقدني فإنك لا تجدني وإني لاحق بجدك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأعلم يا بني: ما من نبي يموت وإن كان مدفوناً بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا ويجمع الله عز وجل بين روحيهما وجسديهما، ثم يفترقان فيرجع كل واحد منهما إلى موضع قبره وإلى موضعه الذي حط فيه.

الإمام علي من المهد إلى اللحدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن