10 / أمــر أمــ طــلــب

7.5K 94 2
                                    



أردت ان أحاول لأرى إن كان بإمكاننا التوصل إلى تسوية ما .
يا إلهى ! لِمَ قالت هذا؟
لم يكن هذا ما قررت قوله. فى الواقع هذا آخر ما فكرت مرسيدس فى قوله! لكن بطريقة ما و بغباء عارم و من دون أن تعرف السبب تكلمت من دون تفكير.
لم تشأ التوصل إلى أى تسوية من أى نوع . ليس مع جايك...و مهما كانت الظروف ! لقد حضرت هذا الصباح لتخبره أن القصة السخيفة التى أختلقاها أنتهت وانها لن تستمر فى هذه الخدعة بعد اليوم. يجب أن تتوقف على الفور....و بشكل نهائى.
أتت إلى الشقة لتنذره : أوقف هذه المسرحية السخيفة.....و إلا !
كانت مصممة تماماً على القرار الذى أتخذته . وهذا القرار جعلها تخرج من منزلها و تقود سيارتها و تتوجه إلى هنا....إلى هنا مباشرة من دون تحويل او تأخير . حتى أنها رددت خطابها مراراً وتكراراً وهى تستخدم المصعد فى طريقها إلى الشقة .
إنما ما إن فُتح الباب ورأت جايك يقف أمامها حتى تبخر تصميمها كله....و معه تلك الكلمات التى رددتها وتدربت عليها بعناية.
ــ أنا.....آه......
أتى لها ان تفكر بشكل قويم فيما هذا الرجل يقف قبالتها شبه عارٍ؟
بنطلون الجينز هو الشئ الوحيد الذى يرتديه يعلوه الصدر الواسع حيث الشعر الداكن المجعد يُشكل إلهاءً خطيراً و يسبب إرباكاً عظيماً.
حاولت ان تكتفى بالنظر إلى وجهه إلا أنها فشلت.فعيناها ما أنفكتا تتحولان إلى كتفيه العريضتين المستقيمتين و إلى عضلات ذراعيه القوية .
ــ أى نوع من التسوية؟
ــ تسوية من شأنها....ألا تظن أن من الأفضل أن ترتدى بعض الملابس؟
القى جايك نظرة سريعة عابسة على صدره العارى ثم رفع ناظريه إلى عينيها الدجاكنتين فى نظرة تحدٍ باردة.
ــ لا. لماذا؟
ــ حسناً...أنت....أنت بالكاد ترتدى ما يكفى لكى....لكى أفعل ما فى ذهنى
لِمَ قالت هذا ؟ لقد أعطته فرصة ممتازة....فرصة أستغلها من دون تردد.
ــ وما الذى فى ذهنك؟
ــ قلت لك! علينا نتحدث !
لكن بعد أن زرع الشك فى أفكارها لم تعد قادرة على كبح مشاعرها و إبعادها عن الصور التى راح ذهنها يستعرضها مرة بعد مرة.
ــ نعم...لقد قلت هذا أكثر من مرة....لكنك لم تذكرى الموضوع. ولا تقولى لى مجدداً إن علىّ أن أرتدى بعض الملابس....فأنا محتشم بما يكفى لـنـتـكـلـمــ .
تشديده على كلمته الأخيرة أوضح جلياً أنه يشك فى أنها حضرت إلى منزله لتتحدث إليه . فكرة التفسيرات الأخرى التى يمكن أن يعطيها لزيارتها جعلت قلبها ينتفض و نبضاته تتسارع بشكل مؤلم وغير سوىّ.
ــ أنت محظوظة لأنى أرتدى هذا القدر من الملابس. إذا أخترت أن تدقى على أبواب الناس فى مثل هذه الساعة المبكرة , ساعة يكون الناس فيها عادة نيام فعليك أن تتقبليهم كما تجدينهم و أنا لا أملك بيجاما و.....
ــ آه, هل أيقظتك من النوم؟
كانت مصممة جداً على رؤيته و فى حاجة ماسة لرؤيته بحيث لم يخطر لها حتى قد يمون نائم أو .....
ــ لا لم أكن نائماً...وقبل أن تطرحى السؤال الثانى الذى يطن حالياً فى مخيلتك الصغيرة الخصبة لا لم أكن مع امرأة أخرى. ما من أحد فى الشقة سوى أنا و انت.

يجب ألا تشعر بالارتياح . ما من داعى لذلك. فــ جايك تافرنر لا يعنى لها شيئاً....أبداً ! لكن هذا لم يمنع كتفيها من الاسترخاء أو أنفاسها التى حبستها من الخروج من بين شفتيها ما جعلها تدرك بعد فوات الأوان كم أن فكرة السؤال التى لم تطرحه وترت جسدها كله....و كأن الجواب عليه لم يعن لها شيئاً....بل كل شئ.
أصابها الارتياح بدوار جعلها طائشة فلم تستطيع أن تكبح ضحكتها .
ــ هل تدرك أنك تمسك بفنجان القوة هذا و كأنه درع واقٍ منذ دخلت؟ حتى عندما مددت ذراعيك بقيت ممسكاً به.
باغتته التغير المفاجئ فى صوتها فأخفض جايك ناظريه إلى الفنجان بذهول.
إنها محقة . لقد نسى الفنجان كلياً منذ تردد صوت جرس الباب فى الشقة وبقى متمسكاً به منذ تلك اللحظة.
إنما كدرع واقٍ؟
هذا يعنى أنه لا يريدها أن تقترب منه فيما هو يرغب فى العكس تماماً . ما يريده هو ان تقترب منه قدر الإمكان.
لعله أستخدم الفنجان كحاجز دفاع ضد أفكاره و مشاعره الخاصة . فبوجود الفنجان فى يده لا يمكنه أن يقوم بما يرغب فيه بشدة....
ــ هل ستشرب ما فيه؟
سحقاً. ما الذى قالته؟ تكلمت عن الشرب.
ــ أظن أنه غير قابل للشرب على الأرجح.
نظرة أخرى إلى السائل البنى الذى لم يعد مغرياً و شهياً جعلته يكشر بقرف.
ــ انه مقزز لغاية . أرجو المعذرة سأتخلص منه سريعاً . وقد أحضر فنجان آخر....أترغبين فى بعض القهوة؟
ــ هذا لطف منك.
و التفتت بشكل آلى نحو باب فتساءل إذا ما كانت تتذكر على غراره فى تلك الليلة فى منزله حين دخلت إلى المطبخ لتنضم إليه و هو يشرف على التحضيرات الأخيرة لوجبة العشاء.
لم يشأ أن يتكرر ذلك الآن.
ــ أذهبى و أجلسى .
و أشار بيده إلى غرفة الجلوس من دون أن يتوقف ليرى ما إذا التزمت باقتراحه ثم دخل إلى المطبخ و رمى محتويات فنجانه الباردة و غير المغرية فى الحوض قبل أن يجبر نفسه على التركيز على تحضير فنجانى قهوة جديدين .
ينبغى ألا يكون لها هذا التأثير فيه, فهو فى المطبخ بحق الله . حديث مصنوع من المعدن اللامع و الرخام مع إضاءة مدروسة بعناية . غرفة عملية....وهى على الأرجح صارمة وعملانية . فى حين أن أفكاره مالت نحو الغواية والرفاهية و النعومة و التراخى بعد أن سيطرت مخيلته على مجراها
بالله عليك يا رجل!تمالك نفسك!
غمغم جايك بذلك بغضب بعد أن قاطع صوت المياه التى راحت تغلى فى الأبريق أفكاره . رفع غطاء الإبريق و أصبح الآن معرضاً لخطر الاحتراق.
ــ تمالك أعصابك.
ــ ماذا؟ هل قلت شيئاً؟
ــ لا!
فات الأوان . فقد ظهرت أمامه فى باب المطبخ
ــ هل تحتاج إلى أى مساعدة؟
ــ قلت لك أن تجلسى
تصرف خاطئ , نبرة خاطئة. أمكنه ان يرى العصيان يرتسم على و جهها و الغضب يلمع فى عينيها .
ــ ومن اعطاك الحق فى أصدار الأوامر لى؟ أنا لا أتلقى الأوامر!
ــ نعم لاحظت ذلك .
و أخذ نفساً عميقاً غير سوى عله يسيطر على مزاجه العكر.
ــ وماذا عن الطلبات؟
ــ ماذا ؟
ابتسامتها كانت مرتبكة , مذهولة و خجولة بعض الشئ وفاتنة بشكل جهنمى.
إنه يريد رؤية هذه الابتسامة مجدداً و هذا أمر مؤكد.
ـت قلت انك لا تتلقين الأوامر....فهل تتقبلين الطلبات ؟
بدا جلياً أنها مأسورة الآن .
ــ ربما أفعل.
ــ حسناً إذن....مرسيدس , أذهبى و أجلسى أرجوك
و نجح الأمر فعادت تلك الابتسامة ترتسم على وجهها . ابتسامة واسعة مشرقة أكثر من ذى قبل . واسعة بما يكفى لتسدد له ضربة مؤلمة و حادة.
ــ بما أنك طلبت ذلك بلطف فايق....
استدارت تستعد لتنفيذ ما طلبه منها حين شعر برعشة قوية تتملكه ما جعله يجفل فى داخله.
ــ لا ! أعنى...لقد بدلت رأيى!
هذه المرة لم تتكلم بل سددت له نظرة استفهام إلى عينيه مباشرة .

هل هى نظرة أستفهام فعلاً؟ هل من لمسة تحدٍ فيها أيضاً؟
ــ قال بصوت أجش:"لا تذهبى , تعالى . أرجوك أدخلى"
و للحظة او أثنتين ظن انها سترفض لكنها ابتسمت مجدداً , ببطء أكبر هذه المرة عادت.
بدا وكان كل خطوة منها أستلزمت قرناً . سارت متعمدة نحوه و عيناه مسمرتان على عينيه.
أغاظته قائلة :"أترى كم تصبح الأمور سهلة عندما تطلب بلطف"
كانت تقترب منه . أصبحت من القرب بحيث تمكن من أن يشعر بدفء جسدها يمتد ليلامسه و عطر بشرتها الخاص يحيط به كغمامة . الشوق إليها كان أشبه بحاجة تمزقه تتعاظم و تشتد مطالبة بإطلاق العنان لها.
ــ أنا آسف....نسيت أصول اللياقة .
بذل جهداً جباراً لئلا يعكس صوته ذاك الشعور الذى يتملكه و تابع يقول :"لن يتكرر هذا مجدداً"
تباً لقد توقفت فى مكان جعلها بعيدة عن متناول يده . بقيت بعيدة عنه بحيث بات من المستحيل أن يلمسها من دون أن تراه يتقدم نحوها ما يعطيها فرصى للانسحاب و التراجع سريعاً. و إذا ما تحركت بعيداً فهو يشك فى أن تقترب منه مجدداً
إنما هناك الكلمة السحرية بالطبع
ــ أرجوك...
و أرفقها بإيماءة حذرة من إصبعه . حذرة و بطيئة , من دون أى حركة مفاجئة من شأنها أن تجعلها تجفل كظبية تخشى أن تقع فى الفخ . بدت عيناها واسعتين و داكنتين كذلك المخلوق البرى فيما بقى رأسها عالياً و حركاتها حذرة.
إلا أنها أقتربت منه خطوة أخرى إلى الأمام.
بحذر ونعومة...
و مد ذراعيه ليحتضنها....
لم تصدق مرسيدس أنها تفعل هذا. لا ينبغى لها أن تفعل لكنها تعلم أيضاً أنها عاجزة عن المقاومة. فالأمر أشبه بالوقوع تحت سحر مشعوذ, كما لو ان خيوط السحر الدقيقة حيكت فوق رأسها ومن حولها كطوق هش إنما غير قابل للكسر.
و أدركت فى أعماقها أنها لا ترغب فى التحرر و الإفلات من هذا السحر.
لم تشأ أن تقاومه.
عندما يبتسم جايك بهذه الطريقة , يسحرها ويصل إلى روحها حيث تمركز منذ بداية لقائهما و هى تدرك ذلك تماماً مهما حاولت جاهدة أن تقنع نفسها بالعكس. وكلمة "أرجوك...." التى همسها قضت على أى أمل لديها فى أن تتمكن من مواجهته بثبات.
لعله كان بمقدورها أن تقف فى وجه جايك نفسه...لكنها لم تستطيع أن تصمد فى وجه المزيج المهلك من سحر جايك المقنع و من شوقها الملح .
وهكذا تقدمت كشخص خاضع لتنويم مغناطيسى .
الدقيقة التى مضت قبل أن تطبق ذراعاهعليها استمرت دهراً. شعرت و كأن قلبها توقف عن الخفقان فيما أنحبست أنفاسها فى حلقها . أحست و كان تلك الثوانى القليلة لم تكن اطول....و لا تحتمل بقدر ما هى اليوم.
بدا وكأن الأحداث كلها تجرى ببطء شديد.
و عندما عانقها أخيراً , أنفجرت حواسها و ذهبت بأفكارها معها. كل ما كانت تعيه هو نار المشاعر البدائية المستعرة التى بدأت تتأجج فى داخلها و تنتشر فى جسدها كما تنتشر فى الهشيم

الإنتقام الأخير - روايات احلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن