13 / أســألــيــه هـــو

7.5K 108 2
                                    



كاد الشهر ينتهى.
مر الوقت من دون ان تشعر به مرسيدس حقاً. لكن الأسابيع الأربعة التى خطط جايك لقضائها فى اسبانيا كادت تنتهى الآن.سيعود رامون و استرايللا من شهر عسلهما بعد ثلاث أيام و عندما يفعلان فسيضطر جايك لترك الشقة.
عندئذٍ سيعود إلى انكلترا....
ما يعنى أنه سيترك مرسيدس !
المشكلة هى أنها لا تعرف إذا ما كان رحيله مؤقتاً فحسب أم ان خبر عودة أخيها إلى المنزل يعنى بداية النهاية بالنسبة إليها.
كانت تعلم أن عودة رامون و استريللا هى العذر المناسب ليتمكن جايك من الانسحاب من علاقتهما إما بشكل علنى وإما بلدعاء أنه سيبقى على اتصال بها ليدع الأمور تنتهى تدريجياً بكل بساطة . وهو سيختار الحل الأول على الأرجح فهى تعرفه تماماً إذ ليس من الرجال الذين يراوغون فى حل قضاياهم . إن كان لديه مشكلة فسيواجهها و يعمل على حلها على الفور. عندما تذكرت الطريقة التى تحدث بها عن إنهاء علاقته بــ كارين أدركت مرسيدس أن عليها أن تتوقع النوع نفسه من التصرف الفظ عندما يحين وقتها.
إن جايك يشبه أخاها جواكين إلى حد بعيد فى هذا. جواكين الذى لطالما حرص على ألا تستمر علاقاته أكثر من سنة واحدة.....
حتى عرف كايسى.....تسللت كايسى بحرص و حذر إلى قلب أخيها المحصن و بقيت فيه . وها هى الآن زوجة جواكين و قد تحول شقيق مرسيدس المصر على العزوبية إلى أسعد الرجال المتزوجين.
و أسعد الآباء المستقبليين أيضاً.
أجفلت مرسيدس بحدة لهذه الفكرة فهى لن تحمل يوماً أولاد جايك ولن تعرف فرحة الأمومة معه. جايك لن يفكر يوماً فى الزواج منها, فهو لا يحبها ولن يحبها.
صوت من خلفها جعلها تقفز و تستدير من حيث كانت تقف محدقة من النافذة لتكتشف أن والدها دخل إلى الغرفة.
ــ لقد أتصل رامون. سيعود هو واسترايللا غداً.
ــ بهذه السرعة؟
شعرت مرسيدس باللون يختفى من وجنتيها . ظنت....أملت....أن تتاح لها فرصة أطول مع جايك قبل أن يقع ما لا مفر منه.
مازحها والدها قائلاً :"لا تبدين سعيدة بهذا الخبر . ألست سعيدة بعودة شقيقك؟"
و خانها صوتها فلم تستطيع أن تكمل كلامها لكن بدا أن أباها فهمه و هذا ما لم تتوقعه.
ــ عودة أخيك تعنى أن خطيبك سيعود إلى دياره إلى انكلترا . أليس كذلك؟
طرح سؤاله هذا بنبرة متعاطفة نادراً ما سمعته مرسيدس يستخدمها من قبل. نادراً بحيث أنه دفعها إلى الكلام من دون احتراس.
ــ أخشى....
لم تستطيع أن تنهى جملتها و لمتستطيع أن تعبر عن مخاوفها بصوت عالٍ لكن والدها أومأ برأسه ايماءة تفهم.
ــ تخشين أن يتغير كل شئ إذا ما رحل. تخشين أن ينساك!
همست مرسيدس:"بعيد عن العين بعيد عن القلب"
ــ لن تجرى الأمور على هذا النحو إن كان يحبك فعلاً.
إن كان يحبك فعلاً....
أغمضت مرسيدس إزاء الألم الذى تسببت به هذه الجملة لها .
هذه هى مشكلتها , هنا فى هذه الكلمات الأربع المهمة والعاطفية .
إن كان يحبك فعلاً....
سألها خوان ألكولار بلطف:"هل تشكين فى شعورك نحوه هل هذه هى مشكلتك؟"
آه, لا !
خرجت الكلمات من بين شفتيها بشكل عفوى فيما فتحت مرسيدس عيناها على أتساعهما لتنظر مباشرة فى عينى والدها السوداوين.
ــ لا, هذه ليست المشكلة! فأنا أحبه, أحبه فعلاً أظن أنى وقعت فى حبه منذ رأيته للمرة الأولى.
أخبرها خوان بنبرة غامضة :"أنت تشبيهين أمك فى هذا. لطالما قالت إنها أحبتنى منذ البداية لكنى لم أقدر مشاعرها حق قدرها. فزواجنا كان زواجاً مدبراً"
ــ أعلم ذلك فقد أخبرتنى أمى. قالت أنها أحبتك حباً جماً . لكنها اضطرت للانتظار حتى بادلتها هذا الشعور .
تنهد والدها و مسح وجهه بيده بحركة جعلتها تفكر على الفور فى أخيها جواكين . مرت علاقة والدها وأخيها الأكبر بصعاب عديدة و تواجها مراراً...ربما لأنهما متشابهان للغاية....لكنهما يعيدان الآن بناء علاقة جديدة و يوماً عن يوم تتوطد هذه العلاقة أكثر فأكثر.
ــ كنت غبياً و أعمى.كنت مغرماً للغاية بـ مارغريت....
ــ والدة رامون؟
ــ نعم والدة رامون . وعندما توفيت....بعد ولادة رامون بوقت قصير جداً... فقدت أعصابى و خرجت عن طورى . لقد لامتنى أسرة مارغريت بالطبع على موتها....ولم تغفر لى أبداً, حتى قبل أن يعلموا أن رامون أبنى . كانت أختها الكبرى تكرهنى....وقد أقسمت على أن تنتقم منى....كما أنى شعرت بالذنب فعلاً . لقد فقدت صوابى ولجأت إلى معاقرة الخمرة...فأرتكبت عملاً أحمق للغاية.
لم تستطيع مرسيدس سوى أن تومئ بصمت. إنها تعرف القصة الآن . كيف أن أباها اليائس الحزين لفقدانه المرأة التى يحب سافر إلى انكلترا و عاشر أحدى النساء فى ليلة كان فيها ثملاً....و جاءت النتيجة بعد تسعة أشهر... أليكس أصغر أشقائها الثلاثة.
ــ إنما عدت إلى البيت كانت والدتك فى انتظارى . فلملمت حطام الرجل الذى كنت عليه وأعادتنى إلى صوابى و إلى الطريق القويم. وأخيراً تعلمت معنى الحب الحقيقى و الصحيح . لكننى كنت قد أضعت الكثير من الوقت فلم نمض ما يكفى من الوقت معاً.
و توقف عن الكلام وتنهد تنهيدة خرجت من اعماق روحه .
ــ كنت ثمرة تلك المصالحة يا عزيزتى.و مهما كانت الأخطاء الأخرى التى ارتكبتها فى حياتى إلا أن تلك لمك تكن غلطة. جئت ثمرة للحب يا مرسيدس و بسببك تسنى لى ولأمك فرصة لكى نحاول مجدداً....لنشكل عائلة حقيقية . إذن أأنت غير واثقة من مشاعر جايك؟
و للحظة بقيت مرسيدس تحدق إلى أبيها فى ذهول فارغ من دون ان تفهم من أين أتى سؤاله هذا. لكنها استعادت الحوار الذى كان دائراً بينهما و أومأت ببطء.
ــ لا أعرف حقيقة مشاعره.
ــ لكن إذا ما طلب يدك للزواج....
لاحظ خوان النظرة السريعة اللامعة التى لم تتمكن من إخفائها قبل أن تخفض عينيها و تحدق إلى الأرض
ــ لم يطلب منك أن تتزوجيه؟
ــ لا.
جاء جوابها مجرد همسة بائسة خفيضة.
ــ لِمَ قال إذن إنه طلب يدك للزواج؟
ــ لا....لا أعلم.
ــ أنا أعرف.
صوت رجولى آخر هو الذى قاطع حديثهما . هذه المرة كان أخوها جواكين هو من تكلم. رفعت مرسيدس عينيها إلى وجهه فرأت التعبير الجاد والبريق فى عينى أخيها الرماديتين.
ــ كيف....؟
ــ كنت هناك , أتذكرين ؟ كنت أقرب إليه من أى شخص آخر...باستثناء أليكس . رأيت وجهه...و عينيه. لاحظ أنك فى ورطة فلم يتردد . سارع فحسب لينقذك....فتكلم من دون ان يفكر.
هل هذا صحيح؟ هل يمكن ان يكون هذا حقيقياً؟ وجدت مرسيدس السرعة بحيث أن دفق اتلدم عند صدغيها أصبح أشبه بالرعد ما أشعرها بدوار و عطل دماغها . لكن خلف هذا التشوش ظهر أمل صغير , صغير جداً.
إذ ما هب جايك لنجدتها...فلربما هذا يعنى أنه يأبه لأمرها.....و لو قليلاً. وإذا ما حاولت ان تعالج علاقتهما بشكل مناسب فربما تنجح فى لم شملهما كما حصل مع أمها و أبيها.
ــ هل تظننان.....؟
حاولت أن تسأل إلا أن جواكين فتح يديه فى حركة تدل على أنه غير متأكد
ــ الشخص الوحيد الذى يمكنه أن يجيب عن سؤالك هو جايك نفسه . فعليك أن تسأليه هو.

الإنتقام الأخير - روايات احلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن