الفصل الثامن

13.6K 504 3
                                    

بينما هي في طريقها للحديقة سمعت صوت ونيسه بالمطبخ تتحدث مع أحدهم فقررت الذهاب لها لتصنع لها كوبا من اللبن الدافئ المحلى بالعسل الابيض علها تنام سريعا و بينما تهم بدخول المطبخ تنامى اسمها لسمعها فغلبها فضولها فقررت التنصت لتعرف عم تحدث ونيسه من معها بالمطبخ لتسمع ونيسه
" و الله يا بت يا ناجيه الست الصغيره رابحه حلوه جوي ، و شكلها عشريه كده "
فابتسمت رابحه
تابعت ونيسه حديثها
" بس صعبانه عليا و هي مش فاكره حاجه واصل اكده "
ردت ناجيه " يا بت كده أحسن ، يا حومتي تفتكر ايه ، سيبيها ناسيه أحسن لها "
فتساءلت ونيسه " تفتكري يا بت هتفضل ناسيه كده كتير "
ردت ناجيه " يا رب ما تفتكر ، هو اللي هتفتكره ده بالساهل ، إن أمها الجازيه ماتت هي و عمها عمران "
فور سماع اسم والدتها انتابها صداع شديد جدا فأمسكت رأسها في محاولة منها للسيطرة عليه لكن لم تفلح محاولتها لدحر هذه الخيالات التي تتراقص أمام عينيها
مشاهد متفرقه تمر سريعا ، اصوات تسمعها ، بكاء ، صراخ ، امراه تراها تتألم ، رجل ما يحملها ، مستشفى ، تري نفسها تركب تاكسي ، رجل يهاجمها صوت طلق ناري
لم تعد تتحمل الوجع ، كل الذكريات عادت لها تهاجمها بقسوة و ضراوة ، خارت قواها و أطلقت صرخة مدويه ، تبعتها صرخات و آهات ، انتفضت ونيسه و ناجيه لسماع صوتها و خرجتا لتجدها علي الارض تمسك رأسها و تصرخ
" ماما ، بابا ، لا"
حاولتا احتضانها و تهدئتها
كان صوتها قد وصل لمن بالأعلى فهرع فهد سريعا و من ورائه ضرغام و صبيحه
و هي ما زالت تصرخ بعلو صوتها
فهم فهد فورا أنها قد استعادت ذاكرتها و اتصل علي الطبيبة وأرسل ناجيه مع الغفير رضوان ليحضرها
و اقتربت صبيحه منها و احتضنتها ، تمسكت رابحه بصبيحه بقوة ، و استمرت في الصراخ حتي خارت قواها و فقدت وعيها
حملها ضرغام لغرفتها
حضرت الطبيبة و حقنتها بمهدئ و استغرقت في سبات عميق
استيقظت رابحه في الصباح بعدما داعبت اشعة الشمس وجهها ، فتحت عينيها ، تململت في الفراش ،لتجد صبيحه بجوارها ،التي ما ان أحست بحركة رابحه حتى استيقظت
" صباح الخير يا بتي ، شا الله تكوني بخير "
لم تتحدث رابحه ، و اغرورقت عيناها بالدموع ، احتضنتها صبيحه ،
" أبكى يا بتي ، طلعي اللي جواكي ، ما تكتميش "
طرق ضرغام الباب و دخل الغرفة يرافقه فهد ،الذي اختلج قلبه ما أن وقع بصره علي رابحه و الدموع تتراقص علي خدها الوردي وراي ذلك الشلال الأسود الغجري يحيط وجهها ، انتبهت صبيحه لشعر رابحه ، فأحاطت رأسها بالحجاب
اقترب ضرغام من السرير و ربت علي ظهر رابحه و هو يحتضنها " بسك عاد ، كفايه بكا ، ما يرجعش اللي فات يا بتي ، غلاوة أمك ما لهاش حد و لا فيه زيها ، بس ده أمر الله ، هنجولوا ايه ما نجدروش نعترضوا "
ابتعدت قليلا عن حضنه " أنا عاوزه أروح لماما وبابا عمران "
اهتز قلب ضرغام غضبا لسماعها تنادي عمران بأبيها ، لكنه تماسك
" حاضر من عنيا ، بس توعديني إنك ما عتصرخيش تاني "
كفكفت دمعها " حاضر"
قال فهد " تاخدي الدوا الاول "
"حاضر "
و ناولها المهدئ
تعلل ضرغام بوجود مشاغل هامه و لم يذهب معهم
عند قبر الجازية و بجوارها قبر عمران وقفت رابحه تبكي
" كده يا ماما ، كنتي بتتوجعي و ما تقوليش ، يعني لو كنتي عرفتينا مش جايز كنا لحقناكي و اكتشفنا المرض بدري ، و أنت يا بابا تسيبني لوحدي كده ، ايه ما قدرتش علي بعادها أنا عارفه ، طب كنت استني شويه ، خليك جمبي لحد ما اعدي من وجعي ، تسيبوني انتو الاتنين سوا ، مره واحده "
و انفجرت في البكاء و احتضنتها صبيحه
" يا بتي أمر الله ، ما نعرفوش حكمته في إكده "
نادي الغفير رضوان علي فهد ، اقترب منه فهد
"خير يا رضوان "
تردد رضوان " يا باشا فيه حاجه آني مش عارف أجولها و إلا لا بخصوص البيه الكبير "
"جول "
" بس أديني الأمان ، و ما تعرفش البيه الباشا الكبير إني جلت لك"
" جول و اخلص "
"الجبر ده مش جبر عمران بيه "
ضيق فهد عينيه " أمال جبر مين "
" مش جبر حد يا بيه ، الجبر فاضي ، ضرغام باشا أمرنا ندفنوا البيه عمران نواحي المجابر الجبليه "
أمسك فهد بتلابيب رضوان " أنت بتجول ايه يا ابن المركوب ،أنت واعي لحديتدك ده "
حاول رضوان التملص منه " و الله يا باشا دي أوامر الباشا الكبير ، آني عبد المأمور "
تركه فهد و تساءل في نفسه كيف يفعل والده ذلك ؟ كيف يدفن ابن العبابسه و زينه رجالها في مقابر مجهولي الهوية و اللصوص
" اسمع يا ولد ، بعد ما نمشوا من اهنيه ، هاجول لابوي إني بعتك تطل علي الأرض الجبليه ، هتاخد معاك سعيد التربي و تنجلوا جتته سيدك عمران في الجبر اللي المفروض يكون فيه "
و نادي على سعيد و أمره بما أراد ، و لم يكن سعيد بالطبع ليخبر أحدا فهو أخرس
توجهوا للدوار و مرت بضعه أيام ، بدأت رابحه في الخروج تدريجيا من مصابها ،
انتهي تجهيز دار طايع و نزلوا إلى الكفر
و أرسل مرسالا إلى ضرغام يطالبه بالحضور لجلسة عرفيه تضم سيد رجال الصعيد و صاحب الكلمة العليا دياب العزايزي وأكابر العبابسه و الحطابين
هاج ضرغام و ثارت ثائرته و أرسل من يقص أخبار طايع و يعرف عنه كل كبيره و صغيره و هاله ما عرفه عنه من نفوذ و جاه و مال و مكانه و ايقن أنه قد وقع بين رحي المطرقة و السندان
حان وقت الجلسة
دخل ضرغام و من ورائه فهد للقاعة ليسلما علي كبير الجلسة دياب العزايزي و يرحبا به ترحيبا حارا و ليجدا طايع و وهدان يتوسطان المجلس
فدخل ملقيا السلام
" السلام عليكم "
فنهض طايع من مجلسه و ألقي السلام " و عليكم السلام "
و لم يسلم أحدهما باليد على الآخر
اتخذ كل منهما مجلسه و نظرات التوعد و الكره موجهة من كل منهما للآخر
فدق دياب العزايزي الأرض بالآبنوسية السوداء ليصمت الجميع
" آني هاسمع الحديث للآخر و مش هاجول حكمي إلا بعد ما تتحدتوا ، الكلمه ليك يا طايع يا ولدي "
بدأ طايع الحديث
" من سنين مش عاوزين نعدوها و لا نفتكروها الضرغام جتل أبوي جدام عيني و ما خدش بشهادتي إن أبوي كان بريء ، و استوطي حيطتي و إني كنت لساتني عودي أخضر و طردني من ارضي و بيتي و هدد أمي اللي خافت علي و هربت بي كيه ما أمرها ، الزمن دار و لف و اللي ما يعرفش دلجيت مين هو طايع الخطاب يروح بس اسكندريه و يجول الاسم و الف مين يدلوه على تجاره و أملاك ما لهاش آخر ،
أنا رجعت للكفر و رايد حج بوي و هاحلف على كتاب ربنا إن ابوى ما جتلش الناصري
، يا ولد هات المياه و المصحف"
توضأ طايع ثم وضع يده على كتاب الله عزو جل و اقسم
" أنا حلفت علي صدج حديديتي ، و رايد الحج "
و نظر لضرغام " رايد تار ابوي يا ضرغام و أنا أعرف الأصول زين ، و الدم ما رايدهوش يسيل بين العبابسه و الحطابين ، مهما ان كان بينا أصول و نسب جديم و مش عاوزين نفتحوا سيرة الدم و سلساله "
نظر له ضرغام نظرة يحاول بها سبر أغواره و أن يفهمه " أمال رايد ايه يا ولد الحطاب "
قالها بقوة " يا تجدم كفنك ليا جدام الكل ، يا يكون بيناتنا نسب جديد و تجاره توجف الدم "
انتفض ضرغام و تملكه الغضب ووقف صائحا " يا ابن حطاب رايد ضرغام العباسي يشيل كفنه لا كان و لا هيكون ، ده آني اضرب نفسي بالبندجه جدام الكل و ما اعملهاش "
قال طايع منتصرا " يبجى النسب ، و آني رايد رابحه بنت الناصري خيك تكون مرتي على سنة الله و رسوله "  

‎العبابسه  للكاتبه نشوه أبوالوفا (باللهجة الصعيديه)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن