الفصل الحادي عشر

13.6K 510 3
                                    

بعد أن تم دفن ضرغام و أخذ طايع عزاء والده أخيرا، كان الحزن و الفرح ضدان مخيمان علي أرض العبابسة و كفر الحطابين
حزن عميق في العبابسة، ليس على ضرغام، فضرغام لم يزرع في قلوب المحيطين به سوى الكره له و الحقد عليه
بل حزن علي أواصر الأخوة و رباط الدم التي اكتشف الجميع تمزيقها تمزيقا علي يد ضرغام بقتله لأخيه و توريط آل حطاب في القضية ،
حزن علي أواصر الدم عندما فضل ضرغام مصلحته علي مصلحة ولده و فضل أن يوافق على زواج ابن غريمه طايع من رابحه رغم علمه بحب فهد لها ،
و لكن ذلك انتهى بانتحار ضرغام
ليكتب بيده نهاية فصل من الظلم و الطغيان
بينما آل حطاب يغمرهم الفرح بنيل ضرغام جزاءه و قتله لنفسه و تنظيف سيرة آل حطاب مما لحق بها من تهمة باطله و ادخالها في ثأر غير حقيقي.
استيقظ فهد متكاسلا و جلس على السرير قليلا ثم أخذ نفسا عميقا و وقف متجها لدورة المياه لينعم بحمام بارد ينعش جسده و يبعث النشاط فيه
بينما يفتح باب الغرفة لتدخل رابحه فتجد السرير خالي فتبتسم لسماعها صوت الماء بالحمام و تقف أمام الشماعة تتفقد العباءة التي يضعها فهد على كتفيه و تسافر بخيالها بعيدا تحلم باليوم الذي سيجمعها و فهد في هذه الغرفة ، انها تنتظر مرور فترة مناسبة على موت ضرغام ، لكي يتم زواجها من فهد الذي لم تعد تستطيع امضاء يوم بدون أن تراه و تتسامر معه أو تتشاكس معه
بينما أنهى فهد حمامه ثم تناول البشكير و قام بلف نصفه الأسفل و خرج من الحمام عاري الجذع
ليراها هائمه مغمضة العينين تحتضن عباءته فاقترب منها متسللا و همس
" ما آني جدامك أهو ، مش آني أولي بالحضن ده "
انتفضت رابحه على صوته و ارتدت للخلف لتصطدم بالدولاب و تراه عاري الجذع لا يرتدي سوي البشكير فتصرخ و تضع يديها علي عيناها لتغلقهما
" عيب كده البس حاجه "
و حاولت أن تتحرك لتخرج من الغرفة لكنه منعها من ذلك فلقد مد ذراعيه القويتين و حجزها بينهما
حاولت أن تسيطر علي تنفسها المضطرب و هي تحسه يقترب منها
حتى لامست جبينه جبينها
" ما هتخرجيش قبل ما أملي عيوني من عيونك ، فتحي عينيك يا رابحه "
أجابت و هي تجاهد لتلتقط أنفاسها " مش مفتحه و أنت كده ، عيب اتلم ، فيه بنات و ستات في البيت "
فقال بلهجه قاهريه " ده علي اساس أني ماشي عريان في الدوار ، دي أوضتي و أنتي اللي جايلي برجيلك ، ما فيش خروج إلا لما تفتحي و أبص في عيونك اللي مجنناني دي "
أخذت نفسا عميقا
" يعني لو فتحت هتسيبني أخرج "
" طبعا "
فتحت رابحه عينيها ليقترب منها أكثر قائلا " يا بوووووووي ، عيونك جتاله يا بت عمي ، تسحرني كيه النداهة "
و قبلها قبلة خفيفة من وجنتها
رابحه كانت واقفه لم تتوقع أن يقبلها فرفعت كفها لتصفعه ، بينما لم يتوقع فهد علي الاطلاق تلك الصفعة ، و ضع يده مكان الصفعة فتحررت رابحه و جرت الي الباب تفتحه بينما تنبه هو و أمسك يدها و هي تفتح الباب
" بتضربيني يا رابحه ، عشان حبيتك في خدك ، طب تعالي بجي "
لتصرخ رابحه بينما تفتح صبيحه الباب
" واه واه ، ايه ده اتحشم يا ولد وهملها ، مالك بيها "
جرت رابحه تحتمي بصبيحه "الحقيني يا ماما الحاجه "
نظرت صبيحه لهما و هي تبتسم "اتحشم يا ولد و يا لله عشان نجابل الزاد "
و أمسكت رابحه من يدها و خرجت ثم ضربتها علي رأسها
" اتحشمي يا بنت الجازيه ، لجتيه جالع خلجاته ، اهربي بجلدك "
ضحكت " و أنا مالي أنا دخلت اصحيه و هو اللي طلعلي كده "
ابتسمت صبيحه " طب كويس انه مسك نفسه بدل ما كان عمل حاجه فيكي"
صرخت " يا لهوي ، و انتي كنتي هتسيبيني ليه "
احتضنتها " كنت جتلته ، ما يقدرش يجربلك غير بعد الفرح ، ما تخافيش ده بيناغشك بس "
ضحكت رابحه " بيناغشني ايه بس ده سيب مفاصلي "
احتضنتها صبيحه متسائله " صوح بتحبيه حب واعر يا بت الناصري ؟"
ردت رابحه و هي في أحضان صبيحه تستمد منها الحنان " باحبه قوي يا ماما صبيحه ، مع اني بعدت كتير عنه لما ماما كانت هربانه من عمي ضرغام ، بس زي ما يكون حب فهد قدر و مكتوب ، زي الدم اللي بيجري في عروقي ، أنا حاساه هو الهوا اللي باتنفسه ، قلبي ساعة ما يهل عليا كده بطوله و عرضه و هو لابس الجلابيه بتاعته و حاطط العبايه علي كتفه كده و العمه علي راسه ملفوفه ، قلبي بيرفرف , ابقي عاوزه اخبيه عن عيون كل البنات و الستات اللي في الدار كمان ، ما شفتيش مقصوفه الرقبه ونيسه بتبص ليه و تتنهد ازاي ، ده انا كنت هاقطم رقبتها امبارح "
ضحكت صبيحه " واه واه ، و أنت بتتحددتي إكديه كأن أمك جازيه و هي بتتحددت عن بوكي الناصري ، كانت عاشجاه عشج ما شفتش زييه "
ردت رابحه " طبعا كنتي شوفيها بس لما تيجي سيرته ، مع ان عمو عمران الله يرحمه كان بيدوب فيها و شفتي فضلت علي ذمته قد ايه و ما لمسهاش حتي "
مسحت صبيحه دموعها "الله يسامح اللي كان السبب و يخفف عذابه "
نظرت رابحه لها " ما انتي كمان كنتي بتحبي عمي ضرغام قوي برغم كل اللي عمله "
تنهدت صبيحه " يا ريت يا بتي كنت اجدر احكم عجلي كت مسحت ضرغام من عمري كله ، بس الجلب صعيب و حكمه واعر جوي ، مع اني كت عارفه انه عمره ما حبني و ما حدش سكن جلبه غير امك ، بس امك كانت بتعشج ابوكي الناصري و عمرها ما فكرت في راجل غيره "
نزل فهد ليراهما في أحضان بعضهما
" يا بوووي علي جلع الحريم ، كل يوم أحضان و بوس ، عيب اتحشموا راعوني شويه ، اخلصو عاوز افطر"
ضحكتا و اخرجت رابحه لسانها له " بالعند فيك" و قبلت صبيحه
فأمسكها فهد من مؤخرة رأسها و قال غاضبا
"لسانك ده يا بت عمي لو طلع تاني هاجصه ، احنا في الدوار من تحت يا رابحه مش فوج لحالنا ، ميزي و ركزي ، بدل ما أودرك"
حاولت التملص منه فقد آلمها ، فتركها
" ايه ايدك زي المرزبه ارحم يا وحش الوحوش "
تناولوا الافطار و هي صامته و غاضبه ، نهض بعد أن انهي افطاره و نظر لها " ورايا علي المكتب يا رابحه رايدك في موضوع امهم "
قامت تمشي ورائه ، دخل المكتب و استدار لها قائلا " اجفلي الباب ، ما عاوزش حد يسمعنا "
ما أن أغلقت الباب حتي اقترب منها و أمسك راسها و قبل جبينها
" ما تزعليش يا حبة جلب فهد ، بس ما يصوح تطلعيلي لسانك جدام الخدامين ، أنى ليا هيبتي ، ما ترضيش تصغريني "
نظرت له بحب و رأسها ما زال بين يديه " ما عشت و لا كنت لو صغرتك ، انت علي راسي يا فهد "
ابتسم " علي راسك بس "
ابتسمت " و في قلبي "
" يا بووووي ، هو الفرح ده مش هيجرب بجي ، آني ما جادرش ، و اقترب منها فهربت سريعا و فتحت الباب
" مع السلامه يا واد عمي "
فزفر و سار و بينما يمر بجوارها نظر لها غامزا " الهرب ليه آخر يا بنت العبابسه "
وقفت تبتسم بينما تراه يسير للخارج و نظرت له و عربته تسير مبتعدة
و لمحت ونيسه و هي تنظر له هي الاخرى فصرخت
"ونيسه ، هنشوف شغلنا و إلا هنفضل نتفرج طول النهار "
تبرمت ونيسه " حاضر يا ست البنات"  

‎العبابسه  للكاتبه نشوه أبوالوفا (باللهجة الصعيديه)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن