سقط من عينيها
الجزء الأولبإحدى قرى مصر
استيقظت حياة من نومها على لمسات ناعمة على وجنتيها ففتحت عينيها لتجد ماجد ابن خالها وحبيبها يداعبها بزهرة فابتسمت وأعادت إغلاق عينيها وهى تظن نفسها تحلم لتسمعه يقول مداعبا: قومي بقى وبطلي كسل.
لتنتفض وهى تفتح عينيها مرة أخرى وتتأكد أنه ليس حلم بذعر: ماجد، أنت أتجننت أزاي تدخل أوضتي.
ـ ماجد معاتبا: أيه يا قمر، مش هنبطل كسوف، ده حتى النهارده فرحنا.
سحبت حجابها ووضعته على رأسها وأحكمت لف جسدها بشرشف السرير وهى تقول بحده: أنت بتهرج، فرح أيه دي خطوبه، وحتى لو كده يبقى بعد الفرح مش قبل، أتفضل أخرج بره، يعنى لو بابا شافك دلوقتي هيبقي أيه العمل.
ـ ماجد بضحكة متهكمة: عمل أيه ما أنا داخل قدامه وهو قاعد لنا على الباب بره، أنت بس اللي محبكها.
المها فهمها لتلميحاته وسبب ضحكته الساخرة فردت بحده: طيب أتفضل أخرج أعتذر له دلوقتي حالا وأقعد معه لأحسن والله ما يبقى في حتى خطوبة، وأنت عارفني.
ـ فقال مهادنا: أيه يا حياة أنت زعلتي، انا قصدي أن عمى فاروق حبيبي، وعارف بحبك قد أيه علشان كده طيب معايا، أنا خارج أهو ومستنيكي معه وفكي التكشيرة بقى.
خرج فقامت من سريرها لتستعد للخروج له وقد افسد بداية يومها المميز بملاحظته السخيفة رغم علمه أن أكثر ما يؤلمها أن يشير أحدهم ولو من بعيد لحالة السلبية والانفصال عن الواقع التي يحيا بها والدها أو ذكر السبب الذي انتهي به لهذه الحالة وهو خيانة أمها له وهروبها للزواج بعشيقها صديقه الخائن، ومع ذلك لا يكف من وقت لأخر عن التطرق للأمر رغم أنها نهته عن ذلك أكثر من مرة، نظرت لنفسها نظرة رضا وهى تتطلع لنفسها بالمرأة، ثم همست لنفسها بتلك الكلمات التي لا تعلم متى سمعتها ومن قالها ولكنها لا تكف عن ترديدها لنفسها مستمدة منها الثقة: أنت قوية، ربنا حملك أمانه نفسك ولازم تكوني قدها، والحاجة الوحيدة اللي تعيبك الحرام مش العيب، محدش يقدر يكسرك إلا لو أنت سمحتي بده، الضربة اللي ماتموتش تقوي.
شعرت بالراحة تتسرب إلى قلبها بعد ترديدها لتلك الكلمات، فخرجت إليه مرفوعة الهامة.
ـ حياة بحب: صباح الخير يا بابا، عامل أيه النهارده يا حبيبي.
ـ فاروق بخفوت متجها لغرفته: الحمد لله.
ـ ماجد بعتاب: وأنا مليش صباح الخير.
ـ حياة ببرود: صباح الخير.
اقترب وهو يهمس بصوت خافت: يعنى ينفع تكشري في يوم زى ده.
ـ حياة بلوم: يعنى هو كان ينفع اللي أنت عملته.
ـ ماجد مدللا: مش أنا كل ماقرب منك تقولي أن مفيش بنا حاجة رسمي، فقولت النهارده بقى هتبقي بتاعتي رسمي وحبيت أدلعك.
ـ حياة بانفعال: بتاعتك أيه، دي خطوبة، يعنى مجرد وعد بالجواز ما يترتبش عليها أي حقوق.
ـ ماجد معاتبا: مانا قولتك من سنة نتجوز، وأنت اللي رفضتي.
ـ حياة بحده: تاني يا ماجد أنت أتجننت، كنت عايز تتجوزني عرفي ليه عاملين عاملة ولا ده جواز من أصله، وبعدين أنت مستعجل كده ليه، مش كفاية أنى عشان خاطرك وافقت نتخطب فى اجازة نص السنه ونتجوز فى أجازة آخر السنة وأنا لسه في سنة أولى، بعد ما كنت مصرة مااتجوزش غير بعد التخرج.
ـ ماجد بلهفة: بحبك يا حياة، حرام عليكي أنت في كلية طب، عايزني أستنى سبع سنين، وبعدين أحنا الأتنين قاعدين في القاهرة، انا عشان شغلي، وأنت في بيت الطلبة، يبقى كنا عيشنا سوا أحسن، أعملي حسابك جوازنا يوم عيد ميلادك الجاي مش هاستنى بعده لحظة وكمان يا حبيبتي تبقى أتولدتي من جديد يوم جوازنا.
ـ حياة بحزم: ماشى بس صدقني لو أتكلمت تاني عن الجواز العرفي هاعيد تفكير في مسألة جوازنا كلها.
ماجد باستسلام: لا خلاص براحتك، مش هستعجلك أكتر من كده، ربنا يصبرني الكام شهر دول.
***********************
مرت حفل الخطبة على خير إلا من بعض المضايقات من نوال زوجة خالها التي لا تترك فرصة تمر بدون التلميح لأمر والدتها أو حالة والدها المزرية وبرغم أنها قد أصبحت حماتها الأن إلا أنها لم تسمح لها بالتقليل من شأنها فهي لم تفعل شئ يستوجب الخجل، وذنب أمها تحاسب هي فقط عليه، فالله لا يحاسبنا سوى على أفعالنا نحن فلما تريد محاسبتها هي على ذنب اقترف منذ طفولتها وانقطعت صلتها بفاعلته منذ ذلك الحين، ولكن خفف عنها الأمر وجود منيرة زوجة طاهر ابن خالها البكر الطيبة التي لم تسلم هي أيضا من شراسة زوجة خالها وكذلك تلك الطفلة البريئة التي مازالت تتصرف بطفولتها رغم زوجها المبكر وحملها الخطر صفية ابنة خالها وشقيقة حبيبها التي لا تشبها أمها بأي شكل، وأسعدها انتهاء الأمر بتدخل حازم من خالها سامي والد ماجد، فهو دائما يتدخل لصالحها بالوقت المناسب ولا يستطع أحد مخالفة أوامره فهو شخص جاد وصارم.
***********************
انتهت أجازة نصف العام وعادت حياة للقاهرة لمواصلة الدراسة، جلست في المحاضرة ووقف المحاضر الشاب يشرح لهم مادته بسهوله ويسر، وهذا ما يرغمها على حضور محاضراته برغم موقفها الشخصي منه، ولكن أكثر ما يزعجها نظرات الاهتمام التي يصوبها إليها دائما، حتى أن بعض صديقاتها ظنوا بأنه قد يكون معجبا بها وقد زاد شكهم بهذا الأمر حين تعرض لأزمة صحية في منتصف النصف الأول من العام الدراسي وقد زاره العديد من الطلاب و رفضت هي وقتها الذهاب معهم دون إبداء أسباب، وأخبروها بأنه كان يبحث عنها بلهفة بينهم وسأل عنها بشكل مستتر وانه اصيب بخيبة الأمل حين لم يجدها، بل زاد خيالهم بأنهم يجزمون بأن والدته أيضا تبحث عنها وكم تألمت عندما ظلوا يحكون لها بعد زياراته عن والدته ومدى اهتمامها به والكم الكبير الذي تتمتع به من الرقي والاحترام، كانت تتألم وهى تود أن تصرخ بأنها ممثلة تتقن دور الأم له وقد رمت ابنتها الحقيقية، وأي رقى واحترام تتمتع به زوجة خائنه ولكن هم لا يعرفون فمن أين لهم معرفة علاقتها به وأنه ابن لص الأعراض وربيب الخائنة، فهذا المحاضر ما هو آلا أحمد ابن مصطفى صديق والدها الذي خانه وسرق زوجته.