الجزء الثامن والأخير

8.5K 326 109
                                    

سقط من عينيها
الجزء الثامن والأخير

بعد مرور ثلاثة أشهر بغرفة حياة بشقة مصطفى
جلست على سريرها تحاول أستجماع شجاعتها، لتقوم بما أنتوته، تشعر بالخجل الشديد، صحيح أنها تفكر بتلك الخطوة من أكثر من شهرين ولكنها الأن مترددة ليس تراجعا عن قرارها بل خجلا من تنفيذه، وقفت أمام مرأتها لتتأكد من مظهرها الرائع تشعر بثقة بنفسها زادتها بترديد حوارها الصباحى مع نفسها فقالت هامسة: أنت قوية، ربنا حملك أمانه نفسك ولازم تكونى قدها، والحاجة الوحيدة اللى تعيبك الحرام مش العيب، محدش يقدر يكسرك الا لو أنت سمحتي بده، الضربة اللى ماتموتش تقوي.
تنهدت وقد هدأت نفسها، صحيح أنها لم تعد بحاجة لترديد تلك الكلمات ولكنها عادة إيجابية في حياتها لم تتخلى عنها، حتى بعد ما أصبح كل ما يحيطها يبث فيها الثقة، وجودها بمنزل طبيعى به حنان الأم وحزم الأب يعطيها الثقة، حب أمها ورعايتها الحنون يعطيها ثقة، عمها مصطفى وتدليله وشعورها باستعداده لحمايتها من أى مكروه يعطيها الثقة، ومنار وإخوتها وصداقتها المستعادة تعطيها الثقة، وأكثر ما يبث بها الثقة كان هو وأهتمامه وأحترامه وبعده القريب، فمنذ عودتهم من المستشفى في ذلك اليوم وهوبعيد عنها لا يحاول الأقتراب ولا تراه الا وقت الطعام الذى يتناوله صامت دون النظر إليها، ولكن رغم ذلك هى تشعر بقربه ومراقبته لها وتحفزه لمساعدتها بأي وقت تحتاجه، بل وتوفير كل ما يسعدها دون أن يظهر بالصورة، هى تعلم من أين تأتى منار يوميا بتلك الكمية الضخمة من الحلويات ليتشاركها سويا، وعندما شكرتها مرة وهى تلتهم شوكلاتها المفضلة، ضحكت منار قائلة بخبث { هو المفروض اللي أشكرك، لولاكي ما شوفتها}  لتفهم ما تعنى ولكن تتصنع عدم الفهم، أنتزعها من أفكارها صوت أمها التى تدعوها للطعام، شعرت برعشة بجسدها ولكنها تماسكت ونظرت لنفسها بالمرأة للمرة العاشرة قبل أن تخرج اليهم.
   ***********************
خرجت ليصدم الجميع بهيئتها الجديدة، صحيح أنها مازالت ترتدي حجابها ولكن ليس هذا ما أعتادوه منها، فهي دائما ترتدي الملابس الفضفضة والحجاب الساتر لمعظم بدنها، ولكنها الأن ترتدي سروال من الخامة المسماة جينز وقميص لا يصل لركبتيها وحجاب صغير بالكاد يغطى عنقها، كانت هيئتها كهيئة الفتيات التى يطلقون على أنفسهم محجبات وهم أبعد ما يكونون عن الحجاب وأحكامه، كانت جميلة للغاية ولكن ذلك لم يسعده بل أغضبه وأحزنه، وظل يحدث نفسه بأن ذلك بالتأكيد تأثير الكلمات القذرة التى وصفها بها ماجد، فبالتأكيد صدمتها بحبها جعلت تخرج عن تفكيرها الرشيد، هو منذ أهانة ماجد لها كان ينتظر رد فعل غاضب فهى صامتة شاردة من وقتها، لتزيد عزلتها بعد معرفتها بمخططهم الدنئ، لكنه لم يعتقد أنها ستنفس عن غضبها بتلك الصورة فهذا بعيد عن أخلاقها، ولكن لربما أعتقدت أن مظهرها الجديدة سيعطيها الأنوثة التى أتهمها بإفتقدها وهى لاتعلم أن مظهرها المحتشم وخجلها هما سمة الأنوثة الحقيقة، ولكنه متأكد أن ذلك ليس طبيعتها وهو لن يتركها لإنفعالات موقتة تنال من براءتها وتسئ لشخصها، لذا فقد قرر الا يذهب بعد الطعام مباشرة كما أعتاد بل سيبقى ويتحدث معها بهذا الشأن، أنتهوا من الطعام وشعر والده برغبته للحديث معها فأخذ سهير معه للغرفة وطلب من منار إعداد الشاي، جلسا معا، وفضل هو عدم الحديث مباشرة حتى يختار كلمات توجهها لما يريد بدون أن يجرحها، أتت منار حاملة الشاى وأعطته كوبه ثم أستدارات اليها تعطيها كوبها وهى تسألها : بس أيه الشياكة دى كلها؟
ـ حياة بخجل: ما أنا قلت بقى بلاش أكتف نفسى بالهدوم فى البيت يعنى مفيش حد غريب، عمى مصطفى محرم، وأنا وأحمد مكتوب كتابنا.
أهتزت يده لتتساقط بضعة قطرات من الشاى عليه ليصرخ، فتسأله بلهفة: سلامتك.
ـ أحمد بتلعثم: الله يسلمك، أيه يا منار واقفة كده ليه دخلي شاى بابا وماما [بعد أن تحركت] وعلى فاكرة خليكي معهم بابا قالي أنه عايزك [التفت اليها وبلهفة] أنت قلتي أيه دلوقتي.
ـ حياة بخجل: مقلتش حاجة.
ـ أحمد بلهفة: أنا مجنون خلقة، حرام عليكي، قولي قلتي أيه.
ـ حياة بخجل: أمال كنت بتقولي، أديني أنت بس أى أشارة، وأنك هتفهمها وهى طايرة، عن أذنك أنا داخلة أوضتى.
ـ أحمد وهو يمسك يدها يمنعها من الحركة: أسف، أسف والله فهمت بس ما صدقتش من فرحتي.
ـ حياة بخجل: طيب سيب أيدي لو سمحت.
ـ أحمد وهو يترك يدها: أهو بس ماتدخليش الأوضة عايزة أتكلم  معاكي.
ـ حياة بخجل: حاضر.
ـ أحمد بسعادة:على فكرة لبسك شيك قوي وشكلك زي القمر.
ـ حياة مشاكسة: يا سلام، مش ده اللبس اللى أتغيرت أول ماشوفتنى به، وكنت قاعد بعد الأكل عشان تزعقلى.
ـ أحمد باندفاع: لا والله ما كنت هزعق أنا كنت هاعترض بس.
ـ حياة بعتاب: يعنى فعلا أتصورت أني ممكن أخرج كده، أيه قلت الصدمة جننتها.
ـ أحمد مدافعا: لا والله أنا عمرى ما شكيت فأخلاقك بس..
ـ حياة ضاحكة: خلاص، خلاص، أهدى على فكرة أنا ماضايقتش، بالعكس مبسوطة جدا.
ـ أحمد بدهشة : بجد!
ـ حياة بصدق : طبعا، يمكن المرة دي أنا مكنتش هغلط ، بس أنا بشر وممكن أقع في الغلط فأي وقت، وساعتها طبعا هاكون سعيدة أن شريك حياتي يقف قدامي ويمنعني من الغلط ويأخد بأيدي للصح.
ـ أحمد بسعاده: شريك حياتك، ربنا يخليكي لي، ويبعد عنك أي غلط، عارفة أنا نفسى فى أيه دلوقتى.
ـ حياة بفضول : أيه؟
ـ أحمد عابثا: نفسى أرجع أوضتي، وأشيل المكتب وأشترى كنبة صغيرة كده.
ـ حياة بخجل: بس من فضلك.
ـ أحمد بسعادة: لا بجد يا حياة، احنا هنتجوز أمتى؟
ـ حياة بصدق: أنا هكلمك بصراحة، أنا محتاجة وقت أتعود عليك، أنا معجبة بك جدا، بس بصراحة يعني اللي بحسه ناحيتك لسه ما وصلش لدرجة الحب، لكن الحب مش هو أساس الجواز المهم المودة والرحمة و دول انا حساهم معك، وأكيد مع العشرة الطيبة هنوصل للحب وخصوصا أني دلوقتي مش بحب حد تاني ولا مشغولة بغيرك.
ـ أحمد بود: وأنا بحترم صراحتك جدا، وعايز أستغلها وأسألك، أزاي يا حياة، أزاي نسيتي بالسرعة دي
ـ حياة بحسم: أنا منستش يا أحمد ولا قلت لك أنى نسيته، ولايمكن كنت هاوافق على جوازنا لو نسيته بالسرعة دي لأن اللى بينسي ممكن يجي يوم ويفتكر.
ـ أحمد بفضول: كرهتيه؟
ـ حياة بصدق: لا يا أحمد مكرهتوش وبرضه مكنتش هاتجوزك لو بكرهه لأن الكره مشاعر، أيوه مشاعر سلبية، بس نوع من الاهتمام والتقدير، ببساطة وعشان أريحك، ساعة ما طلبت تتجوزني أنا قلت لك أني مينفعش أحبك لأنى فعلا بحب ماجد و مش شايفة حد غيره.
ـ أحمد بفضول: ده حقيقى، طب أيه اللى جد؟
ـ حياة بشرود: بعد اللي عمله وحقيقته اللي أنكشفت قدامي، مبقتش شايفه هو أصلا؛ ببساطة سقط من عينى
***********************
بعد مرور عدة سنوات
تقف حياة وأحمد متجاورين في استقبال ضيوفهم لحفل مستشفهما الخاص.
ـ حياة بسعادة: أنا مبسوطة قوي، بس هلكت، هو أنا لازم أفضل واقفة كده.
ـ أحمد ضاحكا: طبعا، حضرتك رئيس مجلس الإدارة، ولازم تستقبلي ضيوفك.
ـ حياة بعتاب: بس متفكرنيش، مش عارفة ليه أنت صممت أن أنت المدير، وأنا رئيس مجلس الإدارة، مع أن المفروض العكس؛ أنت أقدم مني وأشطر.
ـ أحمد بحب: مين قال كده أنا مراتي أشطر دكتورة فى العالم كله، وأجمل وأرق رئيس مجلس إدارة، وبعدين الإدارة مش بيحددها الأقدم، بيحددها نسبة رأس المال، وأنت نصيبك فى المستشفى أكبر مني بكتير، يبقى طبيعي أنك أنت تبقي رئيس مجلس الإدارة.
ـ حياة بعتاب: ماهو ده كمان مزعلني منك، ليه مسمعتش كلامي وكتبنها بأسمنا احنا الاتنين بالتساوي، وبعدين هو أنا كنت أحلم أن الأرض تجيب كل ده، بعد ما عمي مختار كان مصمم ياخدها بربع تمنها، لولا أنت وقفت قصاده وفهمته أنه مش هيلوي دراعنا ويأخدها بالسعر اللي يعجبه، وأنه لو مش عايزها بسعرها أنك هتبيعها لعضو مجلس الشعب هناك ويبقى يقف قاصده هو بقى، يعني لولا أنك معي وسندي مكنتش الفلوس دي جات وكده يبقي أنت كمان لك حق فيها.
ـ أحمد بجدية: حق أيه ، عايزة تديني تمن مساندتي وحمايتي لمراتي ومصالحها، حياة من فضلك احنا قفلنا الموضوع ده، دي فلوسك أنت، وطبيعي أنها تفضل باسمك، ومش أنا الراجل اللي ياخد فلوس مراته.
ـ حياة بدلال: طيب متزعلش بس، أنا بس شايفة أن الأفضل أنك تكون رئيس مجلس الإدارة لأنك متفرغ لكن أنا البيت والولاد، وبابا.
ـ أحمد بحب: متقلقيش يا قلبي، أنا معاكي وهساعدك بكل قوتي، وبعدين هما ولادك لوحدك، هما ولادنا وطبيعي نراعهم سوا، وبعدين هي ماما مخليهم عايزين حاجة هما وولاد منار، دي سابت كل شغلها ومتفرغة لهم، وبعدين متتلككيش بعمي فاروق، الراجل سعيد ومستقر وهيجيب لك أخ صغير يلعب مع ولادك قريب.
ـ حياة بسعادة: الحمد لله، بجد أنا مبسوطة عشانه قوي، شخصيته وحياته مستقريين جدا، والحمد لله مراته ست كويسة قوي، خليتني مطمنة عليه، بعد رفضه أنه يجي يعيش بالقاهرة.
ـ أحمد بحب: متقلقيش يا قلبي، أنا بس مش عايز أغصب عليه، بس مراته تقوم بالسلامة وأنا هاحاول معه تاني، وأنا كمان مجهز كل حاجة ومش عايز أجر الشقة بتاعة والدتك عشان لما يوافق ينقل فيها وهي قريبة جدا من الفيلا اللي أتنقلنا فيها كلنا.
نظر اليها فوجد عيونها تلمع وبها نظرة غريبة ترمقه بها.
أحمد بحب: أيه يا يويو بتبصيلي كده ليه، الناس بتبص علينا.
ـ حياة بحب: أنت كبير قوي في عيني لدرجة أني مش شايفة غيرك، وكل يوم بتكبر في عيني عن اليوم اللي قبله، وحبك بيكبر في قلبي لدرجة مش هيقدر كلام يوصفها، ربنا يخليك لي يا أغلي حاجة لي في حياتي.
ـ أحمد بحب: ويخليكي لي يا حياتي.
*****************************
تمت بحمد الله

🎉 لقد انتهيت من قراءة سقط من عينيها - بقلم منى الفولي 🎉
سقط من عينيها - بقلم منى الفولي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن