في الصف الرابع الابتدائي صرت طويلة ، اطول من نادية ، لكن عيني لستا خضراوين ، بقي لونهما كما كان حين كنت صغيرة لم تكن امي تكذب حينها ، لقد كبرت انا و تركتهما كما هما ، امي لم تكن تكذب انا غيرت رايي لا اريد ان تكون عيناي خضراوين . الاعين الخضر ترى العالم كما نراه نحن ، نادية لا ترى كل شيء اخضر ، انا لست خضراء بيتنا ليس اخضر ، السماء ليست خضراء لكن الاشجار خضر و العشب اخضر .
انا اطول من نادية ، ارى الأشياء من بعيد و الأشياء التيلا أراها اتخيلها و اذا اردتم الحقيقة ، انا احب الأشياء التي اتخيلها اكثر من الأشياء التي اراها ، و عند ما قررت في احد الايام ان ارى نهر دجلة ، صعدت سلم بيت إلى السطح لأن النهر كلن بعيدًا ، فنحن عندما نصعد فوق سطح البيت نرى الاشياء البعيدة . وقفت فوق خزان المياه في الطابق الثاني ، درت في كل الاتجاهات لكنني لم ار نهر دجلة و لا اي نهر اخر ، رأيت جسورًا كثيرة وبنايات واشجار عالية و طيورا تحلق في السماء.
قبل ان انسى ، دعوني اصف لكم ما رايت ايضا في ذلك المساء ، رايت محيطا هائلا من الفراغ ليس له نهاية ، في هذا المحيط الشاسع من الافاق المترامية الاطراف تحت الشمس الغروب شاهدت محلتنا كانها سفينة ترسو عند شاطئ المحيط ، سفينة عملاقة يتوسطها برج المأمون مثل شراعها العالي و ساعة بغداد كانت تشبه المرساة الملقاة على رصيف الميناء و برج الزوراء هو مثل قمرة قيادة هذه السفينة .فكرت مع نفسي :في يوم ما ،
عندما تتحرك هذه السفينة من مكانها و تنفث بخارها الابيض في السماء ، ستجار محركاتها العملاقة ، ثم تدوي في ارجائها اشارة الانطلاق ، و يصعد الجميع على متنها في رحلة طويلة نحو جزيرة الامان، نحو مرافئ لم يصلها احد من قبل ، ستبتعد هذه السفينة و تبتعد حتى تتلاشى اثرها وراء ضباب كثيف من النسيان .
نسيت ان اخبركم امر اخر ، انني و قبل ايام كنت اخرج من باب المدرسة بعد نهاية الدوام ، كانذلك في شهر شباط ، عندما سمعت موسيقى عالية تنطلق في السماء ، موسيقى اتصور ان اغلبكم كان يسمعها في تلك الايام من التلفزيون او من الراديو .
_تن تن تنْ تنْ ... تن تن تن تن .
هل تتذكرونها ؟ انا اتذكرها ، انا لا اعرف كم هو عمركم الان ، و لكن اذا كنتم في بغداد عام ١٩٩٤ ستتذكرونها كل من كان في بغداد عام ١٩٩٤ سيتذكرها .
بعد اسبوع او اكثر ، اخذونا من المدرسة في رحلة الى بناية الساعة الجديدة 《ساعة بغداد 》 تجولنا في القاعات و الحدائق ، ثم اخذونا الى المتحف الذي فيه واجهات زجاجية نطيفة يعرضون فيها هدايا يقدمها الناس الى رئيس الجمهورية ، يقدمون اليه سيوفا تراثية و بنادق قديمة و لوحات فنية و يكتبون له قصائد عن سيرته . شاهدنا منحوتات و اختاما صغيرة من الطين تحكي قصصا عن الناس القدماء الذين عاشوا قبلنا بالاف السنين في العراق .
احدهم رسم صورة كبيرة للرئيس و معها صورة اكبر لهارون الرشيد ، قلت للمعلمة : هارون الرشيد جدي ، قالت المعلمة : اعرف ذلك ، انه يشبهك و ضحكت من كل قلبها .
بعض النساء فقيرات ، ليس لديهن ما يقدمنه هدية الى الرئيس ، قصص ضفائرهن و كتبن عليها اسماءهن و وضعنها في المتحف ، انا لا اعرف ماذا يفعل الرئيس بضفائر النساء .
دقت الساعة العاشرة صباحا ، و كان صوتهت عاليا هذه المرة :
بين الشعب و بينك ... عهد و شفته بعينك .
وقفنا في حديقتها الامامية صفا واحدا نلتقط صورة تذكارية تحت الساعة العاشرة و عشر دقائق .
هذه الصورة ستبقى هي الصورةالوحيدة التي تجمعنا بالترتيب ، انا وناديا و احمد وفاروق وبيداء و مروة و وجدان وريتا و مناف مع بقية طلاب صفنا .
الى يمين الصورة ، كانت ست نجاح تقف بشعرها الاشقر و قميصها الاحمر و هي تضع كفها على كتفي و تبتسم للكاميرا ، كم احب ست نجاح ، و احب ان تضع يدها على كتفي دائما ، هي معلمة طيبة تحبنا كلنا و تضحك معنا ، و عندما ياتي زوجها الذي يلبس ملابس الطيارين بسيارته البيضاء و ينتظرها عند باب المدرسة ، نسلم عليه فيضحك هو الاخر معنا .حلمت نادية انها تركض في حديقة ساعة بغداد ، تعثرت قدمها و سقطت على العشب و انخدشت ساقها ، جاء احمد نحوها ، أخرج منديله من جيبة و جلس يشد المنديل على مكان الجرح ، هل كان ذلك حلما ام انه حقيقية ونسيتها انا ؟
في يوم من الأيام، كنا نذهب الى المدرسة و كان ذلك في شهر شباط ايضا ، شاهدنا فاروق و هو يرتدي بنطالا من الجينز و قميصا ابيض و حذاء رياضيا من دون ان يحمل حقيبة المدرسة ، كان منظره هذا غريبا بعض الشيء ، قال لنا انه سيأخذ هذا اليوم إجازة من المدرسة ، ابوه سيسافر بعيدا .
جاء احمد بعد قليل على دراجته و هو يبتسم و يغني مع نفسه ، التفت الى نادية و قال لها :
_ عندي قطة عيونها خضر
_ كذاب ما عندكأخرجت نادية طبشورا من حقيبتها و كتبت على جدار المدرسة بحروف كبيرة :
سَرَقَ أَحمدُ قِطتَنا .
بعد سنوات من الان سنمر انت و نادية بهذا المكان ، الى جانب هذا الجدار نفسه ، و نقرأ اسم احمد ، سنتذكره و نضحك الكلمات التي نكتبها على حائط المدرسة بالطباشير تبقى الى الابد لكي نتذكرها و نضحك .
في هذا اليوم نفسه ، جاءت ست نجاح الى صفنا و وزعت بيننا صورتنا الجماعية امام ساعة بغداد ، ضحكنا من مروة ، لأنها تظهر خلف كتف احمد مثل ياسمينة في مسلسل السندباد ، اكتشفنا في هذه الصورة ، ان الساعة كانت تبتسم لنا ، قالت يبداء : انها تضحك علينا فضحكت ست نجاح ايضا .
أنت تقرأ
ساعة بغداد/ Baghdad clock
ChickLitفمثلاً ، يمكنك أن تقول :《إنها الساعة السابعة صباحاً بحسب توقيت بغداد المحلي》،في حين أن شخصا ما يقف من الجهة الثانية المقابلة يقول :《إنها الخامسة عصرآ بتوقيت بغداد المحلي 》. وفي الجهة الثالثة في إمكان شخص ما مرَّ مصادفة في هذا المدينة أن يقول 《الساع...