في احد ايام الشتاء ، لا اتذكر بالضبط في اي شهر،و في اي سنة حدث ذلك ، لكننا على الاغلب كنا في الصف الرابع الثانوي بعد ليلة شديدة المطر انبسط الضباب الكثيف على محلتنا في الصباح و صار مثل شال نظيف يمنع رؤية الاشياء تتمر اي خلفه البيوت و الاشجار و تتحرك عليه العصافير و هي تشبه نقاطا صغيرة من الحبر .
ظهر امامنا احمد و هو يقف على دراجته في راس الشارع لما اقتربنا منه على بعد خطوات قليلة تقدم الى نادية بخجل و في عينيه نعاس ثقيل من دون ان يقول لنا صباح الخير وضع بين يديها ورقة مطوية بعناية ادار دراجته في الاتجاه الاخر و انطلق بها مسرعا و هو يختفي في الضباب .
لم تكن نادية تتوقع هذه المفاجأة او ربما كانت تتوقعها و انا لا اعرف ذلك .
فتحت الورقة وراحت تشم عطرها و تقرؤها بهمس لنفسها ثم التفتت الي و قالت :
_هذا احمد مجنون !
_ليش مجنون ؟!
_يكول اني احبك من ايام الإبتدائية .
عاشت يومها هذا و هي تفقد شعورها تدريجا بثقل العالم من حولها صارت تسرح عني و لا تنتبه الى ما اقوله حتى لو كنت أتحدث في امر مهم .
هذه اول مرة تشعر فيها نادية ان طفولتها اصبحت تختفي وراء جدار كثيف من الضباب تغيرت هذا اليوم كثيرا كما لو انها نادية اخرى لا اعرفها كنت اريد ان ادخل قلبها و اجرب الحب و لكن لا يمكننا ان نستعمل قلوب غيرنا لنحب بها .
قرات رسالة احمد مرات عدة و نحن في الطريق قربتها من انفها و هي تتنفس عطرها حاولت غير مرة ان تمزقها لكنها كانت تغير رايها في اللحظة الأخيرة.في البيت عندما رجعنا من المدرسة قبل ان تغير ملابسها و تتناول طعام الغداء مع اهلها و قفت امام المراة الطويلة في غرفة نوم الام و تحسست جسدها بسرية من دون ان يراها احد .
خرجت الى الحديقة تجلس لوحدها تحت شمس الشتاء اللذيذة و هي تبتسم هبت عليها نسائم رقيقة و حركت اوراق الاشجار فتدحرجت منها قطرات المطر العالقة فوقها منذ الليلة الماضية نهضت من مكانها و قطفت وردة جوري حمراء اللون و نثرت اورقها في الهواء .
تخليت وجه احمد الطفولي و عينيه الصفراوين و انفه المدبب تنفست عطره الذي تركه على الورقة و تصاعدت انفاسها امتلا صدرها بهواء منعش و لطيف دخلت البيت و وقفت أمامالمرآة ثانية و عي تبتسم.
اصبحت في هذا الوقت تخاف من جسدها تخاف من اكتشافها المبكر لانوثتها قالت في نفسها ان حاجبيها جميلان بل هما اجمل حاجبين تراهما عين في هذا العالم وان رموشها طويلة تجعل من لون عينيها قصة سحرية من الخيال تاكدت ان خديها ورديان و ام شفتيها شهيتان رفعت خلصة من شعرها عن جبينها ثم تركتها تتهدل بنعومة ابتعدت قليلا عن المراة
لفت قميصها حول خصرها ثم تركته بسرعة كما لو انها ارتبكت خطأ غير مسموح به .
في الليل جلست تكتب لأحمد رسالة طويلة هذه أول مرة تكتب فيها رسالة نادية لا تحب كتابة الرسائل حتى في درس اللغة الانكليزية عندما تطلب منا المدرسة كتابة رسالة لصديقة مجهولة تعيش في بلد اجنبي تختار بدلا من كتابة الرسالة ان تكتب عن رحلة و همية في مدينة لندن .
وضعت رسالة احمد مفتوحة امامها و راحت تحاكي عباراته كتبت له :انت احبك ، لكنها شخبطت فوقها حاولت ان تتذكر عبارات مم الاغاني و المسلسلات التلفزيونية لكنها لم تتذكر شيئا يناسب ما كانت تريد ان تقوله بالضبط .
ماذا كانت تريد ان تقول له بالضبط ؟ هي تريد ان تقول له أحبك و لكن ان تكتبها مباشرة و اخيرا بعد ان تعبت و شعرت بالنعاس كتبت له.انا فرحت كثيرا برسالتك التي و ضعت عليها عطر احببته و قبل ان انام كنت افكر فيك و عندما أستيقظ صباحا سافكر فيك ايضا انت تجعلني افكر فيك ،ثم رسمت قلبا و سهما و نامت .
في اول لقاء عابر معه نهار اليوم التالي ، رمت عليه الرسالة بسرعة خاطفة و عادت تركض باتجاهي و هي تضحك من كل قلبها سحبتني وراء كشك بائع الصحف نراقب احمد من بعيد و هو يفتح الرسالة و يقرؤها كانت تمسك بيدي و تقفز من الفرح كلما يفتح الرسالة و يضعها في حقيبته يتقدم خطوات قليلة الى الامام يتوقف و يخرجها من الحقيبة و يعيد قراءتها اخذتني من يدي التي كانت تمسك بها و ركضنا الى المدرسة .
في درس الجغرافية لمحتها الى جانبي على الرحلة تخفي رسالته بين اوراق الكتاب و هي تعيد قراءتها مرة اخرى كانت مشغولة بها كانها تكتشف عالما جديدا من الكلمات لم تتعّرفه من قبل .
نظرت اليها نظرة خاطفة لاتاكد انها ما زالت نفسها صديقتي التي احبها هذه اول مرة يدخل في حياتها شخص اخر كنت اخاف ان يسرقها الحب مني ان يحتل احمد مكاني في قلبها و يتقاسم معها الاحلام .
في الفسحة و ضعت يدي بيدها و تمشينا في الساحة كانت ساهية عني مشغولة تنظر في البعيد لقد احتل هذا الولد روحها و صار يزيحني بعيدا منها انه يشغل تفكيرها كله
هل اصبح احمد كل شيء في حياتها ؟
قلت لها :
نادية اني اموت عليك .
_واني هم اموت عليك .
ردت علي ببرود او هكذا تخليت انا لم اكن انتظر منها هذا الجواب كنت اتمنى ان تقول شيئا اخر مثلا ان تقول لي ما مناسبة هذا الكلام ؟!فتحت الرسالة المحشورة في الكتاب نفسه ادارت ظهرها عني و قرأتها هذا المرة بهمس صارت اسرار نادية تخصها وحدها هي الان توسس عالمها الشخصي بعيدا مني قلبها يدق دقات جديدة ورئتاها تتنفسان هواء ليس هو نفسه الهواء الذي نتفسه سويا .
الحب عندما يقترح تاريخه السري يبدا بحراسة الغموض يقتلع الانسان من نفسه من اهله من اصدقائه من كل ما حوله و يحبسه في القلق ربما اصبح وجودي قريبا منها وجود باهتا فقدت خطواتها الانسجام القديم مع خطواتي صارت مرة تتقدمني و مرة اخرى تتخلف عني و عندما فقدنا انسجام خطواتنا كثرت عثراتنا في الطريق
حايرة و الشوك بين عيونك...والسهر ذبل سواد عيونك
خلينا نندل الطريق النمشية ...اوله واضح خلي نعرف تاليه.
في بداية فصل الربيع من هذه السنة و نحن نخرج من باب المدرسة بعد نهاية الدوام تصاعدت زخات المطر التي كنا قبل قليل نسمع طرقاتها على زجاج النوافذ كان احمد ينتظرنا عند نهاية السياج كان يرتدي بنطالا من الجينز و قميصا ابيض فوقه سترة جلدية قصيرة تقدم نحو نادية مثل عاشق في قصص الحب التي نشاهدها في التلفزيون ليناولها مظلة سوداء و يختفي في الزحام .
_احمد يخاف عليّ حتى من المطر .يتبع ......
أنت تقرأ
ساعة بغداد/ Baghdad clock
ChickLitفمثلاً ، يمكنك أن تقول :《إنها الساعة السابعة صباحاً بحسب توقيت بغداد المحلي》،في حين أن شخصا ما يقف من الجهة الثانية المقابلة يقول :《إنها الخامسة عصرآ بتوقيت بغداد المحلي 》. وفي الجهة الثالثة في إمكان شخص ما مرَّ مصادفة في هذا المدينة أن يقول 《الساع...