الفصل الثالث والعشرون

91K 3.1K 1.1K
                                    


الفصل الثالث والعشرون

ارتشفت القليل من عصير البرتقال الطازج الذي أعدته لها "عفاف" لتواصل بعدها مطالعة ذلك الكتاب الذي بيدها بحديقة الفيلا الخلفية، في البداية وجدت صعوبة في الاستذكار واستعادة المعلومات من بواطن عقلها إلى ذاكرتها القريبة، لكنها لن تستسلم وتتخلى عن أبسط طموحها، ستبذل قصارى جهدها لتحقق شيئًا إيجابيًا لنفسها أولاً قبل أسرتها، كانت بحاجة للشعور بذاتها، باكتساب الثقة في نفسها وتعزيز إحساسها بأهميتها، أدارت "تقى" رأسها للجانب حينما سمعت صوته المألوف يُناديها من على بعدٍ، أسندت الكتاب بجوارها لتنهض من مكانها متجهة إلى البهو، تعجبت من وجود "أوس" في تلك الساعة المبكرة من النهار، فعادةً هو يأتي متأخرًا بعد انتهاء أعماله بالمؤسسة، اعترتها دهشة أكبر حينما رأت "هالة" بصحبته، تجمدت نظراتها عليها ولاحظت بكائها وشحوبها المُربك، وزعت نظراتها الحائرة بين الاثنين وهي تتساءل باستغرابٍ:

-"هالة"، بتعملي إيه هنا؟

ثم التفتت نحو زوجها لتسأله بجدية وقد انزوى ما بين حاجبيها:

-حصل إيه يا "أوس"؟

وقبل أن يجيبها هرولت "هالة" نحوها لترتمي في أحضانها باكية بقهرٍ، تعالت شهقاتها وامتزجت مع نحيبها المتقطع، ضمتها "تقى" بحنوٍ وقد تضاعفت حيرتها من حالتها المثيرة للشكوك، نظرت إلى "أوس" في صمتٍ وكأنها تسأله عما تخفيه، أشار لها بعينيه كتعبير مباشر عن تأجيل الحديث في الأمر لوقت آخر، أومأت برأسها بتفهمٍ ثم ربتت على ظهرها برفقٍ وهي تسألها:

-إنتي كويسة يا حبيبتي؟

لم تجبها "هالة"، بل شعرت بأنها بحاجة ماسة لإراحة عقلها من كم الضغوطات العصبية التي تعرضت لها واستنزفت طاقتها بالكامل، هي تحملت في ساعات قلائل ما لا يمكن أن تتحمله فتاة صغيرة في مثل عمرها، وما إن تسرب إليها ذلك الإحساس المطمئن بوجود من يدعمها حتى تخلت مؤقتًا عن وعيها ليزداد ثقل جسدها على "تقى"، شعرت الأخيرة بتراخيها في أحضانها وبعدم قدرتها على الإمساك بها فهتفت بجزعٍ:

-"أوس"، الحقني!

أدرك سريعًا من نظرته الشاملة فقدان "هالة" لوعيها، اقترب منها هاتفًا بجدية:

-حاسبي، أنا ماسكها

بحذرٍ تام لف "أوس" ذراعه حول ظهرها وانحنى قليلاً ليتمكن من حملها ثم ســار بها بخطوات متعجلة نحو الدرج ليتجه للطابق العلوي، تبعته "تقى" بقلبٍ قلق على تلك الصغيرة التي أوحت ملامحها الذابلة بوجود خطب عظيم، رددت من ورائه:

-أنا هاكلم الدكتور يجي يشوفها

رد دون نقاشٍ:

-يكون أحسن!

الحبُ.. أَوْس ©️ (الجزء الرابع - كامل - حصريًا) ✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن