الفصل الثاني والعشرون

77.4K 3.1K 636
                                    

الفصل قصير في أحداثه لأنه يعد تكملة لباقي أحداث الأمس، وموعدنا الأساسي القادم يوم الاثنين بأمر الله

""""""""""""""""""""

الفصل الثاني والعشرون

توسمت في حضوره المباغت ودون المتوقع خيرًا لها، فمجيئه إلى ذلك المكتب قبل انصرافها المتحسر بعد جدال لا يسمن ولا يغني من جوع مع من ظنت أنه سيمنحها المساعدة يعني مكسبًا عظيمًا لها وإشارة قوية على احتمالية نجاتها، فلطلته مهابةٌ واضحة تفرض نفسها على المتواجدين وكأنها صممت خصيصًا له وحده، بلا وعيٍ سحبت "هالة" ذراعها من بين أصابع "يامن" المرتخية لتخطو في اتجاه "أوس الجندي" الذي كان مدهوشًا من تواجدها في مقر مؤسسته وعند "يامن" تحديدًا، فمنذ متى هي تعرفه لتكون على اتصال مباشر به؟ وقبل أن يترك لأفكاره مساحتها للتحليل والاستنباط، وقفت "هالة" قبالته تطالعه بعينين راجيتين لتستجدي عطفه قائلة بنبرتها المختنقة:

-أنا واقعة في عرضك يا باشا!

ضاقت نظرات "أوس" نحوها، رمقها بنظرات دقيقة دون أن يظهر وجهه الصارم أي تغيير في تعبيراته، بينما تابعت توسلها المرتعد:

-إنت الوحيد اللي هاتقدر تساعدني في مشكلتي، بالله عليك تديني فرصة وتسمعني!

ذكره حالها المرتعد وارتجافتها البائنة بموقف مشابه عايشه مع زوجته حينما التقى بها هنا في مؤسسته لترجوه أن يعفو عن والدتها البريئة، عاد "أوس" إلى أرض الواقع نافضًا تلك الذكريات ليركز تفكيره مع الفتاة المألوفة، تعجب "يامن" من تلهفها لمقابلته واستعطافها له بتلك الطريقة المبتذلة من وجهة نظره، ضم شفتيه مبديًا سخطه وسخريته مما يتابعه، توقع أن يرفض ابن عمه الصارم مد يد العون لها، فقلما ساعد أحدهم أو تقبل ذلك الأسلوب الرخيص في استجداء إحسانه، بل على العكس كان يقابله بحدة وقسوة، تبخرت اعتقاداته القديمة حينما نطق "أوس" آمرًا باقتضاب:

-تعالي مكتبي!

شعورًا كبيرًا بالراحة تغلغل في صدرها وجعل أعصابها الهشة تستكين نسبيًا، أشار لها "أوس" بإصبعيه لتتبعه، أومأت برأسها في خنوع وسارت خلفه وكأنها أسلمته طوعًا زمام أمرها ليفعل ما يشاء، احتقنت نظرات "يامن" وشعر بالضيق وهو يتابع كالمتفرج ما يدور بينهما، ألم تثُر قبل لحظات لظنه أنها على علاقة بشاب ما يجعلها ترفض الزواج من غيره؟ وكانت على وشك الانصراف، وها هي بكل بساطة تعاود سرد ظروفها لابن عمه الذي بدا مهتمًا بأمرها، زفر "يامن" مطولاً وهو يستدير عائدًا إلى مقعده، ألقى بثقل جسده عليه ناقرًا بأصابعه على سطح المكتب، تشتت أفكاره فلم يعد قادرًا على التركيز في الملفات الموضوعة أمامه، ولأول مرة يسيطر عليه إحساسًا غريبًا لم يعهده مسبقًا مع أي أنثى تعامل معها؛ الغيرة.

...............................................

اصطحبها إلى داخل مكتبه آمرًا سكرتيرته الخاصة بعدم مقاطعته لأي سبب ريثما ينتهي من مقابلته مع ضيفته المراهقة، اتخذت "هالة" موضعها على الأريكة الجلدية مطأطأة رأسها في خجل خائف، ركزت نظرها على قدميها المرتعشتين معتصرة عقلها لتبحث عن الكلمات المناسبة لتبدأ حديثها معه، ظلت تفرك بأصابعها حقيبتها المشدودة إلى صدرها، جلس "أوس" في مواجهتها واضعًا ساقه فوق الأخرى، تأملها مليًا بنظراتٍ جابت ثيابها المدرسية مرجحًا بقوةٍ أنها لم تذهب إليها وأتت مباشرة إليه، الكثير من الأسئلة الحائرة دارت في رأسه، لكنه لم يتعجل الحصول على إجابات شافية، تركها صامتة لبعض الوقت لتستعيد ثباتها وتستطرد حديثها، لكنها لم تقطع ذلك الحاجز الوهمي، لذا بادر متسائلاً بجديةٍ وهو يراقب عصبيتها الظاهرة:

الحبُ.. أَوْس ©️ (الجزء الرابع - كامل - حصريًا) ✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن