الفصل الأول

177K 4.4K 1.8K
                                    


الفصل الأول

لهثت وهي تركض صعودًا على الدرج لتصل إلى الطابق المتواجد به منزلها، لم تحبذ مطلقًا الاختلاط بأمثاله من العاطلين عن العمل ومحدثي الشغب، كانت لها أحلامها، أطماعها البسيطة، وأمانيها، دقت "هالة" الباب بدقات ثابتة منتظرة فتح والدتها لها، تفاجأت بوجود أختها الكبرى "بطة" بالمنزل، ارتسم على شفتيها ابتسامة عريضة مرحبة بها:

-إنتي هنا، وحشاني يا "بطة" أوي

احتضنتها أختها عند عتبة المنزل قبل أن تفسح لها المجـال لتلج إلى الداخل، سألتها "هالة" بفضولٍ متحمس:

-أومال "سمسم" حبيبي فين؟

أجابتها بتعبٍ:

-نايم جوا على السرير، أنا مصدقت أرتاح شوية من دوشته

ردت بنفس الابتسامة الهادئة:

-ربنا يحفظهولك، ده جه بعد غلب

أخرجت "بطة" زفيرًا طويلاً حمل معه الكثير من التأوهات المؤلمة، للحظة تذكرت ما خاضته من معاناة شنيعة مع حماتها ونهاية كادت تقضي على أنوثتها، ردت بوجه متجهمٍ للغاية:

-ماتفكرنيش، هو اللي حصل فيا كان قليل، منها لله "إحسان"، ربنا يخلص منها و...

قاطعتها "هالة" بأسفٍ:

-مايجوزش عليها دلوقتي إلا الرحمة

اضطرت "بطة" أن تبتلع باقي كلماتها الحانقة في جوفها، فلو ترك لها العنان لصالت وجالت في مساوئها، سألتها أختها باهتمام:

-وفين "عبده"؟

أجابتها بعدم اكتراث:

-عنده كام شغلانة بيخلصها، أهو كل يوم بحال

سألتها مهتمة:

-يعني إنتي أعدة معانا؟

ردت مبتسمة:

-لحد آخر النهار

ربتت على كتفها مرددة بسعادة ظهرت في تعبيراتها:

-كويس والله

وقبل أن تثرثر بالمزيد خرجت "أم بطة" من داخل المطبخ وهي تحمل فيها قطعة قماشية بالية، جففت بها يديها المبتلة وهي تهتف بامتعاضٍ:

-ما بتصدقوا تتلموا إنتو الجوز على بعض وهاتك يا رغي

ردت عليها "بطة" بضيقٍ:

-في إيه يامه، مش بأطمن على البت "هالة"؟!

لوحت بذراعها صائحة بتهكمٍ:

-ما هي زي القردة قصادك

أخفت "هالة" ضيقها من أسلوب والدتها التهكمي الدائم على شخصها، فهي دومًا تثبط من أقل شيء تفعله، وكأنها تتمنى لها الفشل لتثبت صحة وجهة نظرها، على عكس ابنتها التي تسعى للخروج من القالب الفكري المتدني والسائد في عائلتها وأغلب قاطني منطقتها الشعبية لتثبت أنها أكثر نضجًا وعقلانية وتستحق الأفضل والأرقى، أخرجت من حقيبتها المدرسية ورقة فاخرة، برقت نظراتها وهي ترفعها في وجه والدتها قائلة بتفاخرٍ:

الحبُ.. أَوْس ©️ (الجزء الرابع - كامل - حصريًا) ✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن