الفصل الثانى

35.2K 603 21
                                    

الفصل الثاني

عاد من ذكرياته رفع عينيه ليصطدم بوجه أمه الغاضب الحانق دائمًا,تلك السيدة التي تحاول طمس خطوط الزمن بأي شكل على وجهها بدون فائدة,القسوة التي تُكنها في قلبها تتجلى بوضوح على وجهها لتمحو أي أثر للتجميل أو أن تظهر أصغر سنًا كما تسعى,لا يعرف ما سر كل هذه القسوة وخصوصًا تجاه تلك الصغيرة البائسة التي رماها القدر في طريقهم جميعا,ألا يكفي ما عانته؟ أ لم يكتفوا من قسوتهم! ماذا بعد؟!
سوف تثأر منهم صغيرته القوية ذات الروح الشفافة,برغم كل ما تعانيه من قسوة وكره يحيطها إلا أنها تحول الأمر لإنتقام ضاحك عفوي وأفعال بريئة .
قاطعت أمه تأمله وشروده وجهت الحديث إليه بغضبها المعتاد:
"هل عاقبت تلك البائسة ؟عديمة التربية تتجرأ وتفعل ما فعلت مع صديقاتي ومعي"
لم يستطع أن يمنع تأففه بضجر,ها هي المحاضرة تعاد مرة أخرى..حاول منع إسترسالها قبل أن تبدأ:
"أمي أرجوكِ,لقد تحدثت معها ولن تكررها كانت تمزح فقط معكم"
لتقاطعه بحدة:
"تمزح؟! تمزح مع سيدات من أرقى طبقات المجتمع و تجعلهم يقفزن مثل القرود,لقد خسرتُ مكانتي بسببها.."
لتكمل بوعيد:
"البائسة المتشردة,تقول تحدثت معها!! بالتأكيد لم تفعل لها شيئاً,لا فائدة يبدو أني سأقوم بتهذيبها بنفسي"
تركته وتوجهت إلى درجات السُلم,وقف إيهاب في طريقها قائلاً بصوت حازم:
"يكفي إلى هنا وتوقفوا,لا أحد سيتحدث معها ولا يوجد أحد له الحق في معاقبتها وأنا سأجعلها تعتذر لكم,لكن أقسم يا أمي إن تعرض لها أحد فرد فعلي لن يكون جيدًا"
نظرت له أمه باستنكار وقالت غضب:
"أهذا تهديد إيهاب؟! ومن أجل تلك الفتاة الحاقدة الناكرة للجميل ؟ أنا أمك تتوعدني من أجلها ؟"
زفر بضيق محاولاً مهادنتها قائلاً:
"أنا أسف,لكن لقد طفح الكيل وتعبت من المشاكل والتوعد يا أمي..فقط توقفوا عن أذيتها,مريم بطبيعتها لا تثير المشاكل إلا ردًا على من يؤذيها,الى هنا و يكفي لا أعرف سر كرهك لها هكذا!! حاولي ولو من أجل راحتى أن تعتبريها إبنتكِ"
ردت عليه أمه بإستعلائها المعتاد:
"من الذي يفتعل لها المشاكل يا إيهاب ؟ إنها لا تستحق حتى مجرد نطق إسمها في نظري,و لن أعتبرها أبدا إبنتي..أما كرهي فأنا لا أراها من الأساس لأكرهها أو أحبها,فقط أبعدها عن طريقي"
وأضافت بحقد قديم دفين:
"رغم كونها أختاً لك أنا لست مجبرة على تحملها"
أجاب بقنوط:
"لا فائدة منكم أبدا مهما حاولت"
كرر حديثه مرة أخرى بصوت قاطع قوي:
"أكرر كلامي لا يصعد لها أو يخاطبها أحد..تأكدي أنها سمعت الكلام الجارح واللوم الشديد ولا تحتاج المزيد"
تركها وغادر تاركاً البيت..شعر بالإختناق من كل ما حدث منهم ومن حمله الثقيل! حتى بعد أن وجد راحته أخيراً وهدوء نفسه بوقت يسرقه من الزمن معها ليستريح فيه لأنها تمنحه الكمال وتهبه من روحها..انقلبت الصغيرة عليه ثائرة ولا يعرف السبب !!
لم يرَ ضحكة الإنتصار والشماتة التي إرتسمت على وجه أمه وإسراء الغاضبة من ردوده الجافه حسناً فليست الوحيدة هنا من تتلق اللوم ربما يعزيها قليلاً أنه إنقلب على والدته ويعذب مثلما تتعذب هي !! كانت مازالت لم تتحرك من وقفتها أعلى الدرج تستمع للحوار بينهما .
تحركت مريم بتثاقل ناحية الباب لتقوم بغلقه بالمفتاح تسمع جيداً الكلام والصراخ المتبادل بين إيهاب وتلك..أغمضت عينيها بألم وأكدت لنفسها
* إبنة عمه فقط..إبنة عمه تذكري هذا جيدا,إسراء إبنة عمه وهو لن يعود اليها أبدا هو من أخبركِ بذلك مراراً حتى قبل أن تتحول علاقتكم*
تحركت إلى الحمام الملحق بغرفتها غير عابئة أو راغبة أن تسمع ما يدور,وما الجديد الذي من الممكن أن تسمعه؟ إنه مثل كل مرةعتاب,وشماتة بها,أو حتى سب في أخلاقها,ولوم له لتدليلها..ضحكت بألم *تدليلها *
بحق الله..يستكثرون عليها مجرد دلاله لها ؟ أي دلال هذا!! هل لأنه يلبي لها رغبة ما,أو يهتم بها في مرضها أو يدافع عنها أمام عائلة كاملة قامت بإضطهادها نفسيًا طوال عمرها وكرهوا وجودها..فأصبح هذا دلال ؟!
تذكرت وهي في عمر العاشرة,مرة من مرات كثيرة كانت تحتاج بشدة والدتها المصون معها في حفل مدرسي مثل باقي الفتيات,بكت وتوسلت لكن والدتها ككل مرة رفضت بإصرار ناعته إياها:
"بالدخيلة المقرفة."
في ذلك الوقت وجدها إيهاب تبكي في حديقة المنزل الخلفية بعد أن بحث عنها وعلم بما جرى لها من والدتها وتعنيفها لها,إحتضنها بشدة مهدئاً إياها كعادته وخاطبها بصوت حنون مثل كل مرة يعنفها أحد منهم وأخبرها أنه سيذهب هو معها مثل كل مرة,ولام عليها أن سألت أحد وهو موجود دائما لها,فأخبرته أنه لا أحد يحبها حتى أمها,وسألته لماذا حاول أن يقنعها بكل السبل أن الجميع يحبها وأن والدتها تعاني من بعض المشاكل فقط ولكنها إبنتها المفضلة؟ حاولت إقناع نفسها بكلامه فإيهاب لا يكذب أبدا عليها,رغم إدراكها في سنها هذا أنه لا يتقبلها أحد ولا يريدها إلا هو..وهو فقط دائما موجود ليذهب معها لمدرستها,و يتواجد بكل شيء يخصها ,ملابسها الحلوة..ألعابها..يذهب بها إلى متنزه الأطفال,دائما موجود ولا أحد أخر حتى إعتقدت بوقت مبكر من إدراكها أنه أبيها وليس أخ لها ولكنها أدركت عندما تزوج إيهاب بإسراء أن إيهاب أخيها الكبير كما أخبروها !! تذكر يومها بكائها الطفولي وإنهيارها لأن إيهاب سيتركها ليسافر مع عروسه,كان طول الحفل يحتضنها ويبقيها بجانبه,إلى أن سحبتها أمها وعادوا للمنزل..
ومع إزدياد بكائها قامت والدتها بتعنيفها وضربتها على وجهها فركضت لغرفتها والتي عرفت بعد ذلك أنه من قام بمنحها غرفة خاصة وقام بتأسيسها..هو لا غيره دائما هو..ولا أحد أخر إهتم بها غيره,يومها شعرت باليتم والنبذ,كانت في سنها الصغير هذا تدرك إنها غير مرغوبة من أحد إلا إيهاب ومُعلمة أمريكية في مدرستها غريبة عنها ولكن هي من عوضتها مشاعر الأمومة التي كانت تفتقدها بشدة إلى أن عاد إيهاب من سفره الذي إستمر شهراً,يومها إحتضنها وأحضر لها الهدايا ولعب أطفال ولكن هذا لم يعجب إسراء,ولا أي أحد فالكل لا يريد لها حتى و لو مجرد شعور بسيط بالإهتمام والسعادة..
حاولت يومها التسلل لغرفة إيهاب بغطائها الوردي الذي طالما تجره معها,لكنها صدمت بواقع أن إسراء أخذت مكانها فبكت كثيرا..لم تكن تستوعب معنى أنها زوجته كان كل تفكيرها في سنها الصغير أن إسراء أخذته منها عنفتها إسراء بشدة ليكون رد إيهاب قاسى لإسراء و حاول تهدئتها وإصطحبها إلى غرفتها وحكي لها القصص مثل كل ليلة حتى نامت وقام بالإنسحاب من جانبها ,وإستمر حالها هكذا لا أحد يهتم بها ولا بمشاعرها حتى بعد أن عادت إلى وطن لم تراه طول عمرها,بسبب قسوتهم ومنعهم إياها من مغادرة الأراضي الأمريكية قسوة وتصميم لم تفهم سببه !!,لم يتغير شيء في القسوة والكره الذي تتعرض له..
رجعت من ذكرياتها فضربت حائط الحمام بعنف ماذا فعلت لتستحق كل هذا النبذ ؟! ماذا فعلت ليكرهوها هكذا ؟! تذكرت أمها إن كانت لا ترغب بها من البداية فلماذا أتت بها لهذا العالم ؟! لقد إفتقدت الحب طوال عمرها وها هي تخسر إيهاب المراعي لها..ما الذي حدث؟!! كان كل شيء جيد..متى تحولت مشاعرها له بهذا الشكل ؟ وما الخلل الذي حدث ليرمي إيهاب كل شيء عرض الحائط و يوافقها على علاقتهم تلك؟!!
توقفت عن ضرب الحائط ناظرة لإنعكاسها في المرآة مخاطبة نفسها بقسوة..
* بل تعرفين متى تحولت مشاعركِ من رؤيته أخ يرعاكِ و يقوم بشئونك ويعطف عليكِ إلى مشاعر مراهقة سخيفة منكِ ترينه فيها حلمكِ وعشقكِ,رجل ترغبينه مثل زميلاتكِ الذين يتحدثون بتبجح عن علاقتهم الغرأمية,لتتحول كل مشاعرك له إلى غرام خالص تريدينه وترغبيه...*
صرخت لنفسها بصوت عال:
*غبية..غبية فبدل أن تتوقفي إستمريتِ في جذب إهتمامه ومحاولة جذبه لكِ *
أمسكت إحدى زجاجات عطورها وألقتها على المرآه بعنف فحطمتها لتفرغ غضبها وقهرها بها توقفت وصوت أنفاسها العالي يصم أذناها تنظر لصورتها المشوهة..
*هذا أنت هذه حقيقتكِ مشوهة من الداخل والخارج *
لم تستطع أن تقاوم إنهيارها وهي تجلس على أرض الحمام الباردة تبكي بعنف ونشيج حاد,ليجفلها بعدها طرق حاد على باب غرفتها الخارجية وصراخ حاد يأمرها بفتح الباب...
....0000000000000000000000
الفصل الثالث

دقات محرمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن