الفصل العشرون

21.2K 476 16
                                    

الفصل العشرون-

بعد مرور ثلاثة أيام
جلس خارج غرفتها,ينظر لباب الغرفة المغلق بتعاسة ويأس؛ ثلاثة أيام مرت,حتى الآن على ما حدث؛ عندما استمتعت لحديثه مع أبيها وانهيارها أمام عينيه,لا يعلم كيف تلقفها بين يديه قبل أن تصل إلى الأرض,ربما حركه رعبه والأدرنالين الذي تدفق في عروقه ..جزعه عليها جعله يصل لها في أقل من ثانية واحدة,ليتلقف جسدها المستسلم في موجة إغماء قبل أن يصل إلى الأرض ببضع سنتيمترات,ليضمها إليه وهو تقريباً مغيب الإدراك,عاجز عن إبداء رد فعل غير ضمها إليه وهو يطبق جفونه بقوة وكأنه بهذا ينكر ما يحدث وما سمعته منهما,يتأمل أن يفتحهما فيجد وضعهما مازال هناك على فراشهما يضمها إليه,بعد أن بثها عشقه وخوفه واشتياقه إليها,لم يستوعب حقيقته فعلا إلا مع هدر ياسر المرتفع و صوت زوجة أبيها القلق وهي تأمره بأن يتحرك ويضعها على الفراش لتستطيع فحصها,ليفتح عينيه وهو يخبرها بقلق,يفيق من تلك الغيبوبة المؤقتة التي لفت عقله ويحمل جسدها بين يديه بأنه سيتحرك فوراً لأي مستشفى قريب.
لتنهيه مرة أخرى وهي تأمره بأن يذهب بمريم إلى إحدى الغرف وبأنها طبيبة متقاعدة ولكنها تستطيع فحصها وتعلم قبل حتى الفحص ما يحدث معها,مخبرةً إياه وهي تقوم بالاقتراب منه بالفعل ومدت يدها لجس نبضها أن بقائها هنا الآن أفضل..عقله كان متوقف كليا عن أي تفكير منطقي وهو ينصاع لما تقوله,يثق بتلك المرأة من أول لقاء بينهما,لا يعلم لماذا؟! ولكن هو يشعر بصدقها ونزاهتها وقلقها على طفلته حتى لو لم تعرفها قبلا..وهذا ما حدث في الأيام السابقة لم تتركها لحظة واحدة وهي توليها كل الاهتمام,منعت زوجها بصرامة عن اتهامه له بأنه سبب ما يحدث بل أخبرته بنبرات قاطعة أنه المسؤول الوحيد بأنانيته الدائمة,مذكرة إياه أنهم اتفقوا على أنهم أتوا إلى هنا لاطمئنان فقط انها بخير ولن يخبروها أنه أبيها..عاد بعينيه إلى الباب الذي فتح,وخرجت منه منى القاضي,تنظر له وهي تتوقع سؤاله الدائم عن حالها,أجابته قبل حتى أن يسأل:
"هي وطفلها بخير,لا تقلق ولكنها مازالت ترفض الحديث حتى معي"
أطرق برأسه إلى الأسفل يتأمل الأرض تحت قدميه,عاجز حتى أن يدخل غرفتها,يريد أن ينظر لعينيها,يتحدث معها,يخبرها بكل شيء لتفهم ما يحدث ولكن خوفه وقلقه عليها بعد انهيارها ونصيحة زوجة أبيها بشكل قاطع ألا تراه,اكتفى بأن يدخل إليها أثناء نومها ويطمئن قلبه الملتاع باحتراقه الدائم إليها أنها تبدو ولو ظاهريا بخير.
ليسمع سؤال أبيها الذي يأتي يومياً ويجلس ساعة أو ساعتين,متعشما بأنه ربما يستطيع الحديث إليها ولكنها تائهة عن الجميع ولم يستطع أحد منهم اقتحام خلوتها,حتى عندما أتت مَي وجاسر للاطمئنان عليها,لم تستطع مَي أن تجعلها تخبرها أي شيء أو حتى تحدثها كما أخبروها تكتفي فقط بنظرات متحجرة إليهم جميعا ثم تشيح بوجهها تحدق في الفراغ,ليسمع ياسر يسأل زوجته:
"إن كانت بخير؟!,دعينا إذا نتحدث معها,ما المانع في ذلك؟"
أجابته وهي تتحرك لتجلس على إحدى المقاعد بجوارهم:
"وما الذي تريد إخبارها به ياسر؟,هل وجدت الحجة القوية لإقناعها بسبب تركك إياها تعاني ما يقارب العشرون سنة؟,هل تستطيع تخيل ما شعرت به هي الآن؟ ! إنها في حالة صدمة,اتركوها تهدأ هذه نصيحتى,ربما لو كانت ثارت أو صرخت,احتجت في وقتها كان هذا ليكون في صالحها وصالحكم,لكن انهيارها وصمتها هذا لا يدل إلا على شيء واحد,إن تحدثتم معها الآن سوف تخسرانها إلى الأبد,فأرجو بعض التعقل من كليكما..."
زفر ياسر بضيق,لا يستطيع تحديد مشاعره في تلك اللحظة,يشعر بالقلق,بالندم ويعود يكرر لنفسه بأسى لمَ لمْ يبحث وراء خطأ عمره !,فريال !,كيف وثق بكلامها وهو يعلم كذبها وطرقها الملتوية؟,أم ربما هو كان شبه متأكد من وجود قطعة منه معها ولكنه أراد إنكار ذلك ولملمة حياته وأطفاله ومحاولة مسح فريال من تاريخه بأي طريقة,فقط لو تمسك عندما رآها في حفل القنصلية وأعلن أبوتها..الندم يهاجمه بقسوة ولكن ماذا يفعل؟,يأتي كل يوم متعشما في الحديث معها ربما تتقبله,ربما يستطيع أخذها إلى بيته في رعاية زوجته وباقي أولاده قد يكون هذا في صالحه ويستطيع بثها الاطمئنان وأبوته الضائعة منها..وقال بصوت هادئ,مقنع بعض الشيء,يخاطب الصامت الذي أمامه:
"إيهاب ما نحن فيه غير مجدي,ربما لو تم تغيير الأجواء من حولها ورؤيتها إخوتها تستطيع أن تخرج مما هي فيه ربما تتحدث معنا ونستطيع إخبارها كل شيء وإقناعها وتتقبلني أنا بدون رفض وتتفهم أسبابي"
رفع إيهاب رأسه,ينظر إليه طويلا ووجه جامد لا إشارة فيه لأي انفعال,وقال ببرود وكأنه يجبر نفسه على الإجابة عليه وقال:
"ماذا تعني بالضبط هل تريد أخذ زوجتي مني فقط لتستطيع أن تجعلها تتقبلك وتتفهم حبك لنفسك لكن أخبرني ياسر هل ستخبرها حرصك الشديد على سمعتك هل تعترف لها بأن لولا قلب زوجتك الرحيم ومناصرتها لي ربما لم تكن توافق على اعترافك بها أبدا"
أكمل بسخرية منه ومحاولة أن يسيطر على غضبه:
"هل ستخبرها بأن كل الإجراءات التي اتخذناها الآن تتم على أعلى درجة من السرية وبأنك لا تنوي تعريفها لأحد بأنها ابنتك"
صمت للحظات مدعي التفكير وأردف بعدها يسأله:
"أخبرني ياسر عندما تأخذها إلى بيتك بأي صفة سوف تعرف الناس عليها؟"
بحزن عميق ارتسم على وجهه وخزي أكبر شعر به من الكلام الذي ينبض بالحقيقة الموجهة إليه,أطرق برأسه للحظات وهو يتمتم بخفوت:
"هذا الحل الوحيد إيهاب أنا لم أعد أرفض سأقدم لها كل ما أستطيع لتعويضها,لكن أعطوني بعض الوقت تعرف أحكام مجتمعنا الظالم وأول من سيطال الأذى هي لا غيرها في نظر المجتمع هي إبنة حر....."
وقف الآخر يقطع حديثه بهدر مجنون:
"أصمت,لا تعنتها بهذا,هي ليست هكذا ولن تحمل اللقب يوما,أنت والحقيرة شريكتك فقط من تستحقون كل ألفاظ الانحطاط في العالم هي ضحية لكما لا أكثر من هذا"
وقف الآخر يوازيه يرد بغضب وصوت خافت من هجومه المتكرر عليه:
"أنا لا أنعتها بشيء المجتمع الظالم هو من سينعتها تلك هي الحقيقة وَيَا ليت الأمر سيتوقف عند هذا الحد,بل جميع أولادي سيطولهم الأمر لن يقتنع أحد يوماً بأنها ناتجة عن زواج حتى لولم يكن شرعي لما إذا كل حربك على أنا أذهب وأعلن عن الأمر وحارب المجتمع واقطع كل لسان سوف يخبرك بهذا تلك هي الحقيقة كما أخبرها ابن عمك مريم ابنتي ولكن ستحمل لقب إبنة الحرام إلى الأبد فماذا سنفعل لنخرس كل لسان؟ !"
إقترب منه الأخر والشرر يتطاير من عينيه,يهدر به:
"اخرس,فقط اخرس هل تريد قهرها إن سمعت كلامك,لا يعنيني أنت أو اسمك,حدالمجتمع ولا اهتم,سآخذها من هنا وسأهرب بعيدا,لا أريد اعترافك ولا أي شيء أخر منك,لولا حاجتي لاسمك لإثبات نسبها ونسب طفلي لم أكن سأجبر لتقبل تفاهتك,أنانيتك أو لرؤية وجهك اللعين...!"
وقفت منى حائلا بينهما,تهز رأسها بيأس,يتبادلان الاتهامات وإعلان أحقية كل واحد منهما بمريم ولا يفكران بخطورة حديثهما إن سمعته عليها ولكن هنا هي في صف إيهاب من حقه الدفاع عنها من تصميم زواجها إلقاء جبنه وحرصه على سمعته وعلى كلام المجتمع واتهاماته,قالت تنهاهم بهدوء وحكمة تلعب على أوتار خوف إيهاب وحرصه عليها:
"هل من الممكن أن تهدئا الآن يكفي تبادل اتهامات وكلام قاتل إن سمعتكما من تجلس في الغرفة المجاورة تخيلا وضعها' فعنادكما هذا سيزيد الوضع سوءا وهي يكفيها ما فيه"
إلتفتت لإيهاب:
"بني,اهدأ قليلاً لا أحد يلقبها بشيء ولكن من أجلها فقط ومن أجل طفلك حاول التزام الهدوء لتتعامل بحكمة معها"
إلتف برأسه يخبر ياسر بقرار قاطع منهيا الحوار في طلبه السابق:
"ردا على كلامك وطلبك,مريم لن تخرج من هنا مهما حدث هنا بيتها وبيت طفلها,قبل أن يكون بيتي وأنا لم أمنع أحدا إن أراد رؤيتها وإنتهى الكلام في هذا الأمر ياسر لأنك كررته كثيرا في الأيام السابقة"
بعد مضي بعض الوقت بقي كل منهم يلتزم الصمت بجمود في مكانه,مواجهين لبعضهما المكان ولكن كل منهم يشرد تفكيره في مكان أخر,قطعته منى التي كانت ذهبت لغرفتها لتطمئن عليها تخبره:
"إيهاب,اعتقد حان وقت دخولك الآن"
عبس بوجه في علامة على عدم استيعاب جملتها لتكمل هي تفسر له:
"اعتقد أنها بدأت في الإدراك واتخاذ قرار ما في عقلها,لقد خرجت من سكونها أخيرا ونهضت من الفراش وهي تقوم بطردي خارج الغرفة متوجهة للخزانة تبحث عن ملابس لها على ما يبدو لي وهي تعلن بتعجل أنها سوف تغادر من هنا وتذهب لإمرأة تدعى هناء"
نهض سريعاً,بدون تفكير وهو يتوجه لغرفتها ليصدم بها تفتح الباب وتخرج منه بتعجل,أمسكها من كتفيها بحنو قبل اصطدامها به حاول تصنع الهدوء وابتسامة واهية,يحدثها بصوت هادئ,متفهما لما سوف تفعله,قلق من صمتها وتفكيرها ليبتلع كلامه داخل حلقه الذي جف عندما رفعت إليه نظرات شرسة تحرقه,وقع قلبه بين أضلاعه يعلم جيدا عندما تثور وتغضب ستهدم كل شيء بينهما بغباء؛ لقد خسرها لا محالة رفعت يديها تزيحه فتبعده عنها بدفعها صدره بعنف وكأن إمساكه بها يحرقها وهي تهدر به بغضب:
"ابتعد عني على الفور,إياك ولمسي أو الاقتراب مني,أنا سأغادر من هنا,لا أريد رؤية وجهك بعد الآن يا كاذب."
ازدرد ريقه بصعوبة وقلق متجنبا نعتها إياه بالكاذب ولم يحرك يديه عن إمساكه بها ليستفسر منها بهدوء:
"إلى أين ستذهبين حبيبتي؟,هل من الممكن أن تخبريني؟"
صرخت بِه بفقدان سيطرة وهي تتملص منه بحدة:
"أنا لست حبيبتك ولا أعرفك حتى,ابتعد عني ودعني أغادر وإلا افتعلت فضيحة هنا لأخبر الجميع باستغلالك لي رغما عني وحملي منك يا أخي العزيز"
اشتعلت عيناه بغضب فاقدا سيطرته على انفعالاته التي تحتل وجهه عند سماعه كلامها المسموم عاجزا حتى عن الرد أو مقارعتها مثل الماضي عندما كانت تتهمه بهذا وهي تسخر منه بلقب أخيها هذا ..أخبر نفسه إهدأ وإحتويها لديها الحق في كل ما ستفعله بل هذه هي البداية فقط حاول أن تجهز نفسك لما هو أسوأ.
قبل أن يتحدث أو يرد عليها,كان يأتي ياسر من الخلف يخبرها بصوت قلق و هو يشعر بالرعب في نبرات صوته عند محدثتها,ليسمعه قال بصوت متقطع مهزوز:
"اهدئي,يا ابنتي ودعينا نتحدث قبلاً ونفهمك كل شيء"
دارت برأسها بشراسة وتقزز تلتفت لياسر بعد أن تخلصت منه هو واجهت ياسر مباشرة وهي تسأله باستخفاف:
"ومن أنت؟ !,ولما قد أستمع إليك من الأساس هل من الممكن أن تخبرني؟ !"
تردد ياسر أكتر والعرق ملأ جبينه و قال بتقطع:
"أنا,أنا..."
ليخبرها بثقل:
"أنا والدك الحقيقي يا مريم ومن حقي أن تستمعي لي"
صمت بعدها وكأنه يبحث عن أي شيء يخبرها به...وقفت مكانها تربع يديها على صدرها تشمله بنظرات تقليل من أطراف قدميه حتى منبث رأسه تقدح عينيها بشرر,استمر تأملها وقت طويل للثلاثة الذين يترقبونها بقلق,قالت بعدها بقوة وإهانة وهي تقول بتشدق:"حقاً أنت والدي؟!,إبنة الحرام خاصة فريال أصبح لديها أب !,أين كنت منذ عشرون عام بالضبط يا هذا؟ ،! إن كان ما تخبرني به صحيح؟"
أكملت بصرامة,قبل أن يجاوبها إلتفت لإيهاب:
"هل هذه لعبة جديدة إيهاب !,لتكبلني بك وتجعلني أنهار بضعفي المقيت لك من هذا الرجل أجبني؟ ثلاث أيام مضت وأنا أفكر وأنكر لنفسي ما سمعته من هدركم بأن هذا الشخص أبي هل ألدي أب إيهاب تخبئه عني؟"
صرخت به وهي تمسك رأسها بيديها:
"أجبني أنا سوف أجن....!"
لتكمل برجاء مستتر بين نبرات صوتها:
"فقط قل لي أنها لعبة لتسيطر علي,انتقام مني لهروبي منك,مزاح ثقيل !،أن هذا الشخص يكذب أو خيالي يتلاعب بي !أنا أحلم !,أنا سأجن,أخبرني أي شيء وأنهي هذا الأمر لا تجعل خيبتي فيك تكبر أكثر"
عاجزا عن الرد,بل جميعهم عاجزين عن الرد,وسط هدرها وصراخها ماذا سوف يخبرها؟.
إقترب منها ياسر يحاول أن يلمسها ويحيطها ليخبرها بالحقيقة فتراجعت للوراء برعب وهي تصرخ:
"لا..لا ابتعد عني,من أنت لتلمسني ؟",
إلتفتت لإيهاب:
"تحدث,قل أي شيء,كيف ترى رجلا أخر يقترب مني ولا تعترض؟"
اقتربت منه بثورة تضربه على صدره بقوة وانفلات وقد بات فقدانها لسيطرتها هو ما يتحكم في ردود أفعالها بانفلات وبهيجان ظاهرين للعيون المراقبة بعجز:
"تحدث ما الذي يحدث هنا لما أنت صامت هكذا؟"
أمسك يديها يحاول السيطرة على جسدها الثائر بقلق وقال:
"فقط اهدئي,دعينا نتحدث أولاً وسأخبرك كل شيء منذ البداية"
إعترضت بثورة رفض شرسة وهي تجزم بكل كلمة ستقال لها,أب ينكره عنها جعلها تتذوق مرارة كل أفعالهم ونعتها بإبنة الحرام عايش كل ألمها منذ طفولتها..اتخذها زوجة في السر كأي مخطئة...كأي علاقة محرمة بحجة أن لا أوراق لديها يستطيع إعلان زواجه منها وهي لها أب...جعلها تعيش قهر نسب غير موجود,تتقبل تضحيته بأنه قبل بها وهي لا تحمل أي شرعية لنسبها..كادت تقتل طفليها بسبب زواجهما الذي لن يخرج للنور يوماً استغل كل جزء منها وهي لها أب..لها والد ينكر معرفته بها لتخبره بصراخ:
"لا لن أهدأ ولن أتحدث لا أريد أحد منكم,أتركني أغادر لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى,كان خطئي أني تراجعت عن سفري كم كنت غبية بضعفي نحوك"
قاطعهم ياسر مرة أخرى وهو يخبرها بتعجل وقلق:
"اهدئي من أجلك ومن أجل طفلك هذا خطر عليه,إن كنت تريدين المغادرة أنا سوف أخذك من هنا"
إلتفتت له وشعرها يتناثر بهمجية من حولها متضامنا مع هز رأسها بسرعة إستدارت نحو ثلاثتهم,تنفي بجنون قبول طلبه بينما تعاود القول بتأكيد وإهانة له:
"وأنا أعيد سؤالي من أنت لأذهب معك؟,أنا أخبرك أن لا والد لدي,أنا إبنة حرام,لا أحد يعلم من أبي ولن نعرف يوماً,أنت لست والدي ولن تكون يوماً لا والد لي إلا الرجل الذي تكرم على ومنحني اسمه حتى ولو لم يعاملني يوماً كإبنته سأظل ممتنة له,لكن أنت !,أنا لا أعرفك ولا أريد رؤية وجهك المقيت,عمي حسين هو أبي وإنتهينا من هذه القصة السخيفة"
تمتمت بغضب وقلة أدب متعمدة:
"حقير أخر وكأنه ينقصني حقراء في حياتي لتظهر أنت"
لعل كلماتها تلك تحقق ما عجز الانكسار المستتر أن يحققه فيبعد سعيهم نحوها ويوقفه,لا تريد وعودا..ولا تودد زائف..لا أمل كاذب..فكل وعد,تودد وأمل زرعته في نفسها سابقا لم تجني من بعد زرعه إلا الحزن..حاولت الابتعاد عن إيهاب مرة أخرى وهي تهم بالمغادرة غير عابئة لعيني الرجل التي تكاد تنفر منها دمعات الألم من كلامها السام..أمسك إيهاب بها يدفعها لداخل الغرفة مرة أخرى وقال بقوة وسيطرة:
"يكفي جنون إلى هذا الحد مريم يجب أن تستمعي لي أنا على الأقل"
هتفت بجنون ساخر بصوت عال قبل أن يدخلها الغرفة تهدر به بكلمات مهينة طاعنة أمامهم,تضرب أخر مسمار في نعشه:
"أتحدث معك وحدنا هل تمزح !؟أنت لا تنفرد بي إلا لطاقة داخلك تفرغها في مثل أي حيوان"
أشارت لبطنها:
"وكانت هذه النتيجة يا أخي الناضج الكبير,يا أبي الذي رعاني,طفل حرام أخر من إبنة الحرام لا تريد الاعتراف به بل تشككت انه منك"
توسعت ﻋينا ياسر ومنى مما يسمعاه بصدمة غير قادرين على قول أي شيء أخر مما تقول,وهو أيضاً ناله من صدمتهم جانب أزاحها إلى داخل الغرفة بتوتر وهو يهدر بها:
"اخرسي ما هذا الذي تقولينه؟"
تركها تقف في منتصف الغرفة وعاد لغلق الباب بتعجل في الوجهين المصدومين غير مستوعبين لما يقال,ليستمع لباقي هدرها تقول باستنكار:
"أخرس؟أخرس؟,لما قد أخرس !أنا أقًول الحقيقة إيهاب هل لك تفسير أخر لعلاقتنا السرية المحرمة غير الذي قلته؟"
اقترب منها وهو يسيطر على نفسه بقوة يحاول التفهم ..أن يدرك تغيبها عن الوعي فيما تقول,ليجز على أسنانه وهو يخبرها:
"لا يوجد بيننا علاقة تحمل صفة الحرام يا غبية لا تكرريها في كل مناسبة بداع وبدون داعٍ أنت زوجتي..زوجتي أخبرتك سابقاً زواجي منك شرعي,فما دخل أي شيء أخر بزواجي منك الآن؟"
لتستطيل على أطراف أصابعها تواجه عيناه:
"حقاً زوجتك؟ !,منذ متى إيهاب فأنا لم أسمعها منك إلا عند علاقتك الجسدية معي,حتى تؤكد لنفسك أنك المثالي الذي لا يخطئ"
مدت إصبعها تضرب على صدره في إشارة حانقة:
"لكنك تدرك أن كل ما يحدث حرام لا يحمل إلا صفة الظل"
ثم أضافت بتشدق:
"متى أخبرتني؟ أها ..عندما هدرت بها في المستشفي ولكن هل كان من أجلي أم من أجل تحسين صورتك أمام الطبيب وصديقك ؟"
عقد حاجبيه بتعجب مما يسمعه منها:
"هل أنت تدركين ما تقولين؟,هل تعين كلامك حقا أم تلفظين لمجرد جرحي به فقط؟,لعلمك لو كنت كذلك لاستطعت أن أنكره أمامهم,أن أخبرهم بأني لا صلة لي بك يا غبية بل أخبرت الجميع لحمايتك أنت,فكيف أحمي نفسي وأنا أخبر الجميع بخستي معك"
ضحكت باستهانة وهي تصفق بيديها:
"حقاً أنت مرح للغاية,وهل يفترض بي أن أصدقك أيها الكاذب !,كل ما أخبرتني به كذب"
وأضافت والألم إحتل وجهها ولكن لم تتخلى عن نبرات صوتها القوية:
"كل ما عشته معك كذب,إدعائك الحماية كذب,حبك وتملكك لي كذب,ادعاء زواجك مني كذب,أنا الآن متأكدة أن تلك الورقة أيضاً التي افتعلتها أنت وحسين وفريال لإيهامي بزواجي منك ما هي إلا محض خدعة...لنقل مسؤوليتي بينكم كسلعة مستهلكة,أخبرني إيهاب,هل دفعت لهم ثمني هل كان ثمن باهظ؟ هل قدم لك جسدي ما يستحق ؟"
احتله الذهول مما تهذي به,هل نسيت الغبية كل شيء هل تناست أنها من سعت في بادئ الأمر هل يجلدها الآن ويذكرها بما كانت تفعل لإغرائه بل وتوسلها المتخفي لعلاقة معه؟,وقال لها ينهيها:
"يبدوا أن الجنون تملك منك تماما هل تعين ما تقولين أي صفقة ! وأي جسد هذا الذي اشتريته !هل أخبرك أحد أني كنت عاجز عن إيجاد إمرأة والزواج منها لأشتريك يا مجنونة ؟"
قالت:
"لا لم يتملكني الجنون بعد,ودعني فقط أوضح لك نقاط أنت من كنت غافلا عنها وأنت أتثبتها لي منذ البداية,أخبرني لم خبأت عني أبي؟,لما لم تحاول اثبات حقي به قبل زواجك مني؟لعلني كنت نجوت من ارتباطك بي وأنقذت نفسي"
,أشارت..إلى باب الغرفة وهي تردف:
"هذا الرجل في الخارج أنا أتذكره جيدا بعد أن راجعت صورته في رأسي,إنه من أرعبك أنت وفريال عندما تحدث معي في ذاك الحفل البائس,لتأتي بعدها بوقت قصير تخبرني بزواجك مني وتخدع تلك الصغيرة التي وثقت بك أكثر من نفسها و كل ما كنت تريده هو السيطرة علّي,لقد أجدت اللعبة إيهاب لتجعلني أنزوي بألم وخزي من نفسي بأني من حاولت معك بالتأكيد كنت تعلم هيامي بك ولم تقترب مني إلا بعد أن تأكدت من خزي بنفسي وتصديقي لك بأني من سعيت لتستغل جسدي كما تريد ووقت ما تريد"
وأضافت بفحيح أشعره أن من أمامه فريال لا مريم حبة قلبه الصغيرة,ناعمته الخاصة:
"أم أنك كنت عاجزا عن إيجاد أخرى!! أوغير واثق من أن إمرأة تتقبلك بعد خيانة إسراء لك!!إذا كان غير هذا لما لم تتزوج بعدها أخبرني؟"
وأضافت باتهام لاذع:
"أنت كنت تريد جسدًا بريء لتفرغ طاقتك و شهوتك به دون اعتراض,كنت متأكدًا من استسلامي لك وعدم خبرتي في شيء وهذا يرجع لثقتك في نشأتي على يديك"
نظر لها بصدمة حقيقية وكأن لسانه شُل للرد عليها وهو يشعر أن قلبه هوى إلى ما بين قدميه,برودة سرت في جميع أطرافه وسارت في باقي جسده..سأل نفسه عند كل كلمة قالتها *هل مريم من أمامه أم فريال احتلتها وتحدثت بلسانها,هل هذه صغيرته ؟!!*
أكملت بدون اكتراث به:
"شهور طويلة,أتحمل ثورتك بقلب عاشق,إهانتك لي عند كل لقاء بيننا وأنت تعاملني كالساقطات,لا بل ربما الساقطة أفضل مني إذ ربما قد تأخذها بين ذراعيك بعد لقائك بها ولكن أنا ما كان يحدث بعد عودتنا من أسبانيا وتلتقي بي ثم بعد انتهاء كل شيء تنهض وكأن حية لدغتك"
هبطت دموعها رغم عنها وهي تكمل بألم غير قادرة على التجلد بالقوة أكثر عندما عاد لها كل شعور بالخزي والمهانة بل وربما العار وهي تسترجع شعورها آنذاك عند تركه لها:
"هل تعلم ماذا كان شعوري عند رؤيتك ترتدي ملابسك بتعجل وأنت تأمرني بمداراة أي أثار لما حدث بيننا؟؟ هل كنت تشعر بالخزي من نفسي وأنا ألجأ إليك كل مرة للشعور فقط بالأمان لتنتهي بعلاقة في غرفتك وككل مرة يجب أن أتسلل إلى غرفتي قبل أن يراني أحد,هل شعرت بقهري وأنا أراك؟,تعرف أني أخت لك أمام الناس لتعود بيني وبينك رجل متلهف لن أستطيع قول عاشق لأني لا أعتقد أبدا أنك أحببتني حقا يوماً,حتى عندما كنت اعتكف في غرفتي ولا أذهب إليك لتتصل بي بصوت هامس أن أتي إليك وأن أكون حريصة ألا يراني أحد..أنت كنت تتخذني ساقطتك الخاصة التي تلتقي بها في فندق,هل تعلم أن هذا كان ذابحا لي أنا كنت أصمت وأتجنب أي شعور بخطئك نحوي أخبر نفسي بصبر أنك زوجي أنك إيهاب حبيبي أن لا مشكلة فيما يحدث ما يهم أنه معي وحولي"
ليعلو صوتها مرة أخرى:
"اللعنة عليك إيهاب,حتى عندما ثرت محاولة واهية من صغيرة غبية أتمرد على الوضع جلدتني جلد وأنت تثبت شكوكي وأنت تخبرني بحقارة أني جسد يستخدم في الخفاء بالفعل هل تعلم كم كنت أتعذب وأنا أعاني من الوحم وحدي لم أكن أداري الأمر جيدا كم سخرت مني وأنت تخبرني بالاستمرار في مداراته بل كنت أعاني منه وحدي أمر أجهله ولا أعرف كيف أتعامل معه لتأتي في النهاية عند معرفتك تنكره,حتى بعد عودتي المخزية لك بالأمس"
صمتت لبرهة تحاول السيطرة على أنفاسها رفعت يديها تمسح دموعها بعنف من على وجهها,قالت بتشدق تسخر من كلامه معها,من شوقه إليها ومن عاطفته نحوها:
"كل ما فعلته,أنك أتيت بي مباشرة لهذا الفراش وأنت تسيطر على أي تفكير لدي كعادتك مخبرا أياي بكلماتك المنمقة تلك,ماذا قلت آه نعم حرفيا وكيف استطيع أن أنسى فالوعود الكاذبة تحفر جيدا (قد لا أعرف التعبير عن حبي نحوك بالكلام مريم ولكن سأعبر بعاطفتي نحوك )"
ارتسم التقزز على وجهها وأضافت:
"لم تكن أشواقك بل حاجتك لهذا الجسد القذر لم يكن اشتياق لي بل اشتياق لرجولتك فيّ أنا"
أجفل جسدها وهي تراه أصبح كثور مجنون فاقد سيطرته تماماً يحطم كل شيء بالغرفة حولهما ويعود ليضرب الحائط بجانبها بقبضتيه وهو يصرخ بها:
"توقفي فقط توقفي هذا افتراء عليّ,لم أكن هكذا يوماً ربما أخطأت في حقك لكن لم أعاملك يوماً كما تقولين,لما أركِ مجرد جسد أبدا,تعاقبيني أنا عللا أب لك وهل حاول الاقتراب منك؟! المطالبة بك؟هل أخبرتك أمك بوجوده؟؟ما ذنبي يا مريم؟,فعلت ما استطعت لحمايتك من الجميع وأنا من ذهبت أطالب بحقك وحق إبنك لا إنه ابني أنا,متى أنكرته؟!أخبريني ؟متى أعطيتني الفرصة لأشرح أسبابي كنت أسابق الزمن وأحارب الجميع لأرد لك حقك المسلوب وأنت تخططين بحقارة لموت طفلي والهروب مني"
هدرت به بصراخ:
"كـــــــــــــاذب !,أنت كاذب الحقيقة الوحيدة الثابتة الآن هي كل ما أخبرتك بِه ولن تقنعني بغيرها"
اقترب منها نار تشتعل به ..طعنة في الصميم لرجولته وهو يسترجع كل حرف قالته اتهامها له بأنه كان عاجزا عن إيجاد إمرأة تضغط على جروحه بحقارة..تنتقم منه بنفس أسلوب أمها,مثلها ومثل الجميع..تمتم بغضب وهو يقترب منها عينيه تقدح شررا تراجعت للوراء خطوات ليوقفها باب الشرفة الزجاجي من خلفها,دارت خوفها بجسارة وهي تحدق به بأعين شرسة لم تبدي أي ردة فعل أو خوف منه متوقعة بعد صدمتها به أي شيء قد يفعله بها:
"لم أكن كاذب يوماً أنا يا مريم عاجز وناقص وحيوان ولم أستطع إيجاد إلا أنت لعلاقة معي هل كل ما كان بيننا هذا فقط"
رفع يده بدون سيطرة ليوقفها في الهواء وهو يرى حدقتيها اللتان اهتزتا,لتسقط عينيه على بطنها المنتفخ,أنزل بقبضته على الباب الزجاجي من خلفها بشدة أغمضت عينيها وجسدها ينكمش رغم عنها وهي تسمع صوت تحطم الزجاج,تضامنا مع صراخه بكلماته:
"فقط ما يمنعني طفلي عنك الآن وإلا كنت جعلتك تعلمين حقاً معني الحقارة,معني الحيوان العاجز التي تتهميني به"
لتهدر به بجنون:
"أنا لا أخاف منك,لم أعد حتى اهتمً بما شعرت وبما تفعل هل تظن أن ما تفعله الآن يخيفني؟,أنت تحلم؟"
:"أنا سأترك هذا المنزل وأنت بغير رجعة لا أريد رؤيتك مرة أخرى وأطفالي لن تراهم أبدا لقد اكتفيت منك ومن كل أفعالك,من خيبتي المتكررة بك أنت إنكشفت إيهاب على حقيقتك أمامي هل تفهم ؟"
وسط كل عواصفهم لم يستوعب بعد زلة لسانها التي كررتها مرتين وهي تخبره بأنها تحمل طفلين وسط كل مشاعره,غضبه,انكساره منها ربما حتى لم يتفهم ألمها وهي تخبره كيف كانت ترى علاقتهما,كل ما يراه الآن رجولته التي طعنتها باستخفاف شعورها المخزي نحوه تراه حيوان بل وتريد الابتعاد عنه ليضغط على حروفه وهو يخبرها أنه لن يهتم بشيء ولا بما شعرت لقد توقف حتى عن شعور المراعاة لها..ليصرخ:
"في أحلامك الخاصة فقط لن تتركي هذا المنزل ما حييت طفلي سيولد بين يدي أنا"
أكمل وهو يسألها ساخرا وكله يتمزق منها ربما يريد صفعة آفاقه لها لتعلم وضعها جيداً:
"ولكن أين ستذهبين؟,هل لك أحد غيري؟ماذا مريم هل ستذهبين لأحضان أمك الحنون مثلاً,ارتضي بما هو متاح لك هذا قدرك أنا وأنا فقط"
صرخت به والألم يعتصرها هذه هي الحقيقة الثابتة الوحيدة ومن لها لتلجئ إليه وأين تذهب لقد عجزت حتى عن مغادرة هنا لتعود له صاغرة ترجو تلمس بعض الأمان منه لكنها علمت بالطريقة المرة كذبه وحقارته معها من البداية لقد حطمها كلياً بما علمت قالت:
"أنت لا تملكني إيهاب,إفهم لا يعينك أين أذهب هذا القدر أرفضه وسأتخلص منه"
اقترب منها بغضب ليمد يديه يمسك أعلى ذراعيها بعنف..لم يهتم في هذه اللحظة بحملها ولا صدمتها به كل ما يستوعبه هو كلامها القاتل والموجع واتهامها له وكأن كل ما بينهما لم تر منه شيئا غير علاقتها الجسدية به وتتهمه بأن عاطفته نحوها لإشباع غرائزه فقط وكأنه مثل أي حيوان..اتهامها لرجولته..هتافها بوجهه والإصرار والعزم في قرارها التخلص منه,تريد تركه مرة أخرى وهذه المرة إلى الأبد. وقال ردا على تهديدها وصوته يحمل الشر,هزها من عضديها علها تفيق من هذرها من بشاعة كلماتها ووصفها لعلاقتهما:
"أنت كلك ملكي وحدي,تقبلت هذا أم لم تتقبليه لم أعد أهتم"
إقترب من وجهها يهمس بغضب وشراسة يكمل بتأكيد ويميل برأسه ليوازي رأسها ينظر لعينيها التي تبادله بنظرات شرسة مثله:
"نعم كما قلت يا مريم أني ربيتك لأجد المقابل ولم أمانع بأن يكون جسدك هو الثمن,أن كنت مصرة أن كل ما بيننا كان مجرد علاقة حيوانية,كل مشاعري لك اختصرتيها في هذا,أنت لي حتى عدد أنفاسك التي تخرجيها لي أنا,دقات قلبك هي لي,كل فعل يخرج منك أمتلكه,ظهور أباك من عدمه لا يعنيني ولن يغير وضعك أبدا,خروج من هذا البيت لن يحدث..هروبك مني إن كنت تسامحت به سابقاً وتهديدك بقتل طفلي فأنا أخبرك أني أتراجع وسوف تُعاقبي عليه..تعايشي مع هذه الحقيقة المرة لأني لن أتركك وحقا أنتِ لن تخرجي من هنا مهما حدث"
ردت بفقدان سيطرة تهدر بصراخ وقوة:
"حقير,قذر يا إيهاب..هذا ما توصلت إليه أخيراً..لم أتوقع منك غير ما تقول,وقسماً على قسمك سوف أتخلص منك ولو أغلقت على ألف باب,كيف كنت عمياء طوال حياتي ولم أرك على حقيقتك؟!"
لم يهتز حتى وكل ما تقول يذبحه ويحطم قلبه لشظايا صغيرة منثورة بداخله فأجاب بتأكيد وسخرية مريرة:
"جيد أنك علمت هذا,تعايشي معه لأن لا مفر لك مني,أنت أم طفلي وزوجتي رغما عن أنفك,حتى روحك أنا من أمتلكها"
ردت وعلامات النفور تكسي وجهها:
"نعم,نعم علمت ولكن أريد أن أخبرك شيئا,أنت علقة يجب التخلص منها,أنا أشمئز منك,أشمئز من كل مكان في جسدي لمسته,أكره كل شيء بي ويصيبني التقزز عند تذكري أنك امتلكته فكيف تنوي حبسي؟! ألا يوجد لديك كرامة؟! أنا سوف أخرج من هنا مهما فعلت وسأتخلص منك وأنسى أي شيء يخصك"
علا صراخها:
"أكرهك,أكرهك ألا تفهم أم أن الغباء أصابك؟!"
رد بألم وهو يترك عضديها ويتراجع للوراء ليغادر الغرفة..لن يحتمل أكثر من هذا,لن يستطيع أن يبقى أمامها لحظة أخرى:
"وكأني أهتم بحبك أو كرهك أو حتى كيف أصبحت صورتي بعينيك! خروج من هنا لن يحدث,تركي مرة أخرى إمسحيه من تفكيرك لأنه لو حدث سيكون بموتي,وضعي في عقلك أنت هنا من أجل طفلي فقط لا تمسكا بك"
هتفت به بفحيح من وراء ظهره,الألم ينزف من كلماته صدقها أو تكذيبها,قلبها النازف متردد بغير وعي:
"كم أتمنى أن يكون هذا قريبا,فلتذهب إلى الجحيم"
التفت لها برأسه وعيناه تنضحان ألما,طعنته بخنجر مسموم في قلبه:
"وأنا أيضاً يا مريم أتمنى أن يتقبل الله دعوتك لتتخلصي مني لأنه لا يوجد لك مخرج أخر"
شهقت بصدمة وهي تضع يديها على فمها وكأنها ستعيد الكلمات البشعة التي قالتها داخلها جحظت عينيها بذهول عند ادراكها لما هتفت به في وجهه ..لقدأصابتها طعنة الألم التي رأتها في عينيه ..هل حقاً تتمنى موته؟!لا لم تقصد هذا؟,رغم كل ما فعله,رغم كل وجعها منه,رغم كل الجنون التي أخبرته به وغير نادمة عليه ولكن لا تتمنى هذا أبدا ولم تقصد أن قول هذا له,أن تتمنى موته لن تستطيع مجرد تخيل أن يصيبه مكروه.
تمتمت بذهول من وراء ظهره,بعد أن غادر الغرفة وهي تتراجع تجلس على طرف الأريكة التي بجانبها وقد شعرت بانهيار جسدها,لن تستطيع أن تستمر في وقفتها لقد أنهكها كل ما تبادلاه ..قالت بألم والدموع تنساب رغم عنها على وجنتيها:
"إيهاب لا..قد أموت أنا قبل أن يمسك أذى"
خرج بعاصفة وعلامات الألم لا تفارق وجهه,شعور مقيت يتملك منه في كل تخيلاته لمواجهتهما لم يتطرق إلى تفكيره أبدا أن تتهمه بكل هذه الحقارة والبشاعة,تعيد كلمات فريال عليه؛ أنه ناقص !أغمض عينيه بقوة وهو يشعر بترنح جسده توقف قليلا حتى يعيد توازنه في الممر الذي يربط الغرف ببهو الاستقبال..يعيد كلامها كله في ذاكرته بقهر وتوقف عقله عند جملة واحدة (أو كنت عاجزا عن إيجاد أخرى وغير واثق من أن إمرأة تتقبلك ),وجه السؤال لنفسه بعذاب ..ما الذي فعله بنفسه؟!!ما الذي أوصله لهذا؟!هو حاول حمايتهم و لم شتاتهم فعاش فقط مخلصا للجميع وسندا لهم,هل هذا جزاء مراعاته لهم هل هكذا تكافئه باعتنائه بها وكأن كل مصائبها هو السبب فيها.
توجه لباب الشقة ليغادر,فتوقف لحظة وهو يلتفت للوجهين اللذان ينظران له بترقب وقلق,سأل نفسه إلا أي حد أهانته صغيرته أمامهم؟! وماذا سمعوا من حديثهم المنفرد؟!!
لم ينطق ياسر بحرف,اقتربت منه منى ربتت على كتفه بحنو وهي تخبره:"إلى أين؟! لا تخرج بحالتك تلك,يدك تنزف"
نظر ليده التي لم يشعر بأي شيء فيها ولا الجرح الغائر والدماء التي تغرقها..خرج صوته غاضبا بعض الشيء وكأنه ينفي أي شيء قد يكون سمعاه,وقال بقوة متجنبا الرد على سؤالها أو إخبارها له بيده النازفة:
"إلى الجحيم كما طلبت إبنة أمها وأبيها ولكن أخبريها وأيضاً أنت يا ياسر قسماً لن أرجع فيه أبدا إن خرجت مريم من هنا بأي طريقة وتحت أي سبب سيكون أخر يوم في عمرها البائس ولن أرحمك أنت فاتقي شري وانتقام الحليم عند الغضب,ابنتك ستكون حبيسة هنا إلى أن أقرر أنا إطلاق سراحها"
أجابه ياسر وهو يشعر بالغضب,هل أتى عليه اليوم الذي يهدده فيه أحد ويكون منكسرا أمامه وعاجزا عن فعل شيء:
"هل تهددني ؟"
رد الأخر بقوة وتأكيد وهو يعلو صوته ليُسمع التي داخل الغرفة:
"نعم أهددك,أهددها وأهدد أي شخص يقترب منها هل تفهمون جميعاً"
فتح الباب يغادر,توقف مرة أخرى عند عتبة الباب يلتفت لمنى يخبرها بصوت منخفض قليلاً لم يستطع أن يغادر بدون التأكد أن أحدا هنا يرعاها:
"لا تتركيها مهما حدث,أنا أثق بك لا أعرف لما ولكن أثق بك مهما ثارت لا تتركيها هي أمانه لديك عدت أم لم أعد"
نظرت له منى بقلق واستفهام:
"ماذا تعني ؟ !"
أجاب وهو يوليها ظهره:"فقط لا تتركيها ولا تهتمي بشيء أخر"
***************
بعد ساعتين لم يتحرك من سيارته التي تقف أمام المبنى الذي به الشقة التي ابتاعها وسجلها باسمها هي,ربما خوفا أن تنفذ تهديدها وتغادر غير عابئة بأحد لم يرى إلا ياسر يغادر هو أيضا والقهر يرتسم بين قسمات وجهه وربما بعض الدموع تلمع في عينيه,لم ينتبه له حتى وهو يصعد إلى سيارته وينطلق السائق بها..ابتسم بمرارة رغماً عنه,قطته الصغيرة أصبحت لبوءة شرسة تمزق الجميع بدون رحمة,نظر ليديه التي مازالت الدماء تنزف منها,لم يستمع للحارس الذي ساعده في جلب بعض الشاش والقطن لمساعدته في تطهير جرحه وهو يخبره أنه يجب أن يذهب لطبيب ليقطب الجرح الغائر,وضع رأسه بتعب يريحها على ذراعيه المسنودة إلى المقود وصوت فحيحها مازال يرن في أذنيه.
رفع هاتفه يضعه على أذنه ولم يتحرك من وضعه هذا,ليأتيه صوت جاسر المرح:"مرحباً,هل أخيرا تذكرتني ورضيت عني؟"
ليخبره مباشرة وصوته يفضحه الألم الذي يسكنه:"جاسر,أريدك أن تخبر زوجتك أن تتصل على عمتها في الحال مريم تحتاجها"
أجابه جاسر بقلق وترقب مما قد يخبره به:"ماذا حدث هل خرجت عن صمتها أخيرا"
:"فقط لا تسأل واجعل هناء تأتي إليها يبدو أنها لا تثق بأحد الآن غيرها,جاسر أريد منك طلبا أخير ونحي أفكارك الخارقة وتعليم دروسك المجنونة جانباً أناشدك باسم صداقة بيننا كن مخلصا لي"
أجابه الأخر بحزم:"قل ما تريد وثق بإخلاصي لك"
رد عليه والإرهاق حل منه:"أولا لا تخبر أحدا بأني من طلبت منك إرسال هناء,أخبر مَي بأي حجة على سبيل المثال,مريم متعبة أي شيء.."
وقال الأخر:"لك ما تريد,لا تقلق هي على كل حال تطالب منذ يومين بأن تأتي إليها وأنا من منعتها وأجلت الأمر هل هناك شيء أخر"
"نعم جاسر اعتني بها ولو من بعيد هذه المرة جاسر لا تخيب ظني بك,طفلي وهي أمانة في عنقك سأطالبك بها ولن أسامحك أبدا إن قصرت"
"علم إيهاب لا تقلق"
سأله بحرص نابع من شعور خوفه عليه :"ولكن لِما تخبرني بهذا؟! فأنت موجود لأجلهما"
صمت ولم يجيبه,وقال جاسر وهو لا يريد الإلحاح عليه الآن ولكن لم يستطع إلا أن يستفسر عن سبب كلامه هذا:
"إيهاب ماذا حدث بينكما؟,هل أستطيع المعرفة؟"
أجابه إيهاب بجرح نابض في ثنايا روحه,فقال مع ضحكة مرتعشة:
"لقد حولتها لوحش كاسر,لكائن لا أعرفه"
أضاف بانكسار رجل موجوع,وقال:
"طعنتني في الصميم بدون شفقة,لقد مزقتني أشلاء يا صديقي"
************************

دقات محرمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن