الفصل الرابع والعشرون-
تنهدت بإرهاق,لا يخلو من الراحة,بينما تخرج من المبنى الحكومي الذي تمت فيه أخر أوراق المعاملات القانونية لأهم تعديل قانوني في حياتها,إنها لا تفهم الى الآن طبيعة المشاعر التي تمكنت منها ،لكنها بطريقة ما شعرت بالقوة والنصر,ولو متأخرا,فقد حصلت على حقها الذي سلبوه منها,اسم والدها الذي كانوا يعيرونها بجهلها لهويته وشخصه,الإبنة مجهولة النسب,من كانت إبنة أمها أصبحت رسمياً(مريم ياسر الراوي)؛ وما أعجب ما يفعله اسم رجل بوصفه أب قبل اسمها في نظر الناس والمجتمع!!
إلتفتت لجاسر..كان عابساً طوال الوقت فلم يبتسم في وجهها مرة واحدةعلى مدار الأيام الماضية,تنقل برفقتها من مكان لأخر,لتكملة الأوراق الرسمية,لا تعلم سبب تعامله البارد الموجه منه نحوها,وجهت لنفسها السؤال أكثر من مرة والاجابة كانت ارتباكها. هل حقاً لا تعلم لمَ يعاملها هكذا!مؤكد إيهاب أخبره بما جرى منها في حقه,لهذا لا يشفع لها إرهاقها ولا إبداء اهتمامها المبطن بإيهاب بدون تصريح,فلم يخبرها أي شيء عنه,لا تريد سوى أن يطمئن قلبها,وأن يخبرها أنه بخير.إلتفتت له بينما يحثها على الحركة بتعجل,وإستمرت هي في تحركهاببطءبسبب ثقل جسدها..لم تستطع أن تخبئ إرهاقها وهي تخبره مازحة ربما تجعله يعاملها برفق قليلاً كما السابق:
"مهلاً قليلاً عمي جاسر,ألا ترى حالتي؟"
أخبرها جاسر بصوت جاف,غير مهتم حقاً بما شعرت به وقد خسرت بعضا من تعاطفه نحوها:
"نعم أرى ولكن هذا لمصلحتك,لقد كررتِ مراراً في الأيام السابقة أنك لا تريدين رؤية والدك الذي يقف بالفعل هناك ويبدو عازما على التواصل معك"
حركت عينيها قليلاً ناحية السيارات المصفوفة على مقربة,لا تنكر أنها لمحته مرات عدة,منذ بدأ التنقل لأجل الوثائق,وبشكل خاص اليوم,دائماً تراه على نفس وقفته عند خروجها من أي مكان تأتى إليه وكأنه ينتظر أي تفهم منها لمحادثته ولكنها اليوم رأت في عينيه الإصرار للتواصل معها..لم تحد عينيها الغاضبة الساخطة بسبب ظروفها المعقدة التي سمحت لها بالتنازل وقبول اعترافه بها،سارعت في تحركها قليلاً,تخطو نحو سيارة جاسر.
لتتعثر في شيء ما على الطريق،لتجد يداً تسندها وصوت مهتم قلق يحذرها برفق:
"انتبهي لخطواتك حبيبتي أي حركة غير محسوبة قد تؤذيكِ"
استعادت توازنها سريعاً وهي تنفض يده بعيداً عنها,لم تعلم كيف قطع المسافة القصيرة سريعاً ليكون بجانبها هكذا,ليبدي اهتمامه ومساندته.
تراجع عنها بعد العنف والرفض الذي رَآه في عينيها،فسمحت لنفسها أن تتأمله طويلاً وعن قرب وهي تتذكر كم الاذلال الذي تعرضت له،الرفض,الخزي,العنف وكل المشاعر السلبية التي كانت تتعرض لها؛ لم تتمالك نفسها وهي تصرخ به بوحشية وتستنكر اهتمامه غيرعابئة أنهم في الشارع أو أمام مبنى حكومي:
"أتعرض لأذى !,وهل تهتم حقاً بما كنت ومازلت أتعرض له من أذى؟,وجودك في حياتي هو خطئك أنت ومن تدعى أمي,وأما لي فهوأكبر أذى، ألم أتضرر بعد بسبكما؟!"
ارتد وجهه للوراء مأخوذاً بهجومها وقال:
"لم أكن أعلم بوجودك من قبل حتى ولا ما تتعرضين له من أذى"
بنفس الشراسة ردت:
"وعندما علمت ماذا فعلت؟!هربت مثل أي جبان حتى تحافظ على صورتك ويبقى سرك القذر طي الكتمان,نعم يا سيد ياسر أنا أعلم كل شيء حدث هناك وقتها"
طاف الغضب من بين شحوب وجهه والحقيقة المرة تلسع قلبه،تجلده وهو يصرخ بها:
"كُفي عن مهاجمة كل من يحاول أن يقترب منك ليعوضك عما حدث،أنت ابنتي رغماً عن أنفك وأنفي حتى إن أنكرت أو لم أنكر"
احتل صوتها الغاضب المستنكر المرارة وهي تقول:
"ابنتك حقاً !,أن وقع هذا اللقب على السمع رائع !لكن هل حقاً أنت فعلت شيئا لى يدل على هذا،أنت سبب دماري منذ مولدي حتى عندما ظهرت كان سببافي خسران الشخص الوحيد الذي أملكه,الوحيد الذي رعاني واهتم لي حقاً"
توقفت لحظة فقط وكأنها تستعيد موقفها الرافض,هتفت به:
"أنا لا أريد أن أكون ابنتك ولا أريد أي صلة لي بك,متى ستفهم هذا؟,لقد أخبرتك بهذا في لقائنا في بيتي سابقاوأخبرت زوجتك وابنتك أيضا،ارحل بعيداً عنى والتزم بما كنت تفعل بادئ الأمر،أنا لا وجود لي في حياتك,فقط ولمعلوماتك كما أخبرت أيضاً عمي جاسر منذ قليل أني قبلت باسمك من أجل أطفالي"
وأضافت بصوت قوي:
"ولأني قررت أن أسترد كل حق سُلب مني،واسم عائلتي هوحقي و منذ اليوم لن أترك حقا لي أبدا"
امتقع وجهه وصار شحوبه للون رمادي القاتم,لم يجد ما يخبرها به وكأنه فقد كل الكلمات التي يحتويها قاموسه.
ليتمتم بصوت خافت:"أنت ابنتي وأنا لن أتراجع حتى تسمعي ما لدي لأقوله لك"
تحركت مرة أخرى وهي تبتعد عنه لباب السيارة المفتوح,وتقول بفتور وكأن كل المواجهات التي مرت بها بالفعل الأيام الماضية استنزفتها ولم تعد تريد المزيد منها:
"لا يا سيد ياسر لن تقترب مني,أنا لي والداً بالفعل؛ هو من رعاني وكان الأب والصديق وأخيراً الزوج ولم أعد أريد أي صلة لي بسواه,ارحل من حياتي وعد لحياتك,بيتك وبَنَاتِك وأخرجني من حياتك"
لم تهتم بأن تسمع رداً منه حتى وهي تنهي حديثها وتستريح في جلستها أخيرا في السيارة وتغلق بالباب خلفها.
خاطبت جاسر الذي تحرك ليحتل مقعده عندما رآها تترك ياسر:
"هيا عمي،أعدني للمنزل لقد إنتهى هنا كل شيء"
طوال الطريق لم يتبادل معها الحديث بالطبع,كان منتبها لدموعها التي كانت تحاول أن تداريها حتى لا يلاحظها,لا ينكر اعجابه بمواجهتها مع والدها هو يستحق بالفعل ما قالته ولن ينكر أيضاً غضبه منها،الذي لم يستطع أن يداريه رغم تحذير صديقه اليومي بالرفق بها عندما يتصل به ليستعلم عن خطواتهما أولا بأول،لكنه لم يتصل منذ مساء أمس على غير عادته
لتفاجئه وتسأله بغضب لا بل ربما تهاجمه من نبرتها المشدودة:
"لم تُعاملني هكذا؟،إن كنت لا تحتمل رؤيتي كنت أوكلت الأمر لشخص أخر،أنا لم أفعل ما يسيء إليك"
تمالك أعصابه مرغما,حتى لا يطلق عليها كل جنونه الذي لا يستطيع أن يسيطر عليه وهو يشتم بداخله مستنكرا نفسه (هل أتى اليوم الذي يجبره فيه أحدهم على تحجيم لسانه وجنونه,تباً إنها إحدى مزاياه التي تغرم بها حمقائِه)
فقال بهدوء:
"وماذا فعلت لك؟,هل ظهر لك مني ما يجعلك تقولين هذا؟،أنا لا أوجه لكِ أي حديث إلا في نطاق تلك المهمة,أظن هذا ما كان ليفعله حتى الشخص الاخر الذي كنت لتحبذي وجوده بدلا عني"
ردت باستنكار:
"وهذا هو ما أقصد ه!"
قالت بتذمر طفلة ساخطة:
"امضي هنا مريم,سوف نذهب الى السفارة,سنقابل المحامي،....هذا فقط ما توجهه لى وبعدها تنظرلي بغضب وكأنك تعاني لاحتمالي وكأنه ينقصني المزيد من الساخطين علي"
وأضافت بتردد:
"كما أني أشعر أنك تصمت مكرهاوكأنك لا تجرؤ أن تخبرني ما تريد...كما..."
مط شفتيه بامتعاض وهو قال:
"كما أني ماذا؟!اسمعي يا مريم،أنا في السابق كنت أعاملك كأخت صغرى لي,لكن وبصراحة مطلقة بعد ما صدر عنك وعلمت به لا أستطيع إلا أن أعاملك كزوجة لصديقي الذي قام بتوصيتي أن أهتم بك وأرافقك واليوم انتهت مهمتي"
تحدث عنه...أخبرت نفسها..لقد أتى على ذكره,لم يهجرها بل هو من قام بتوصيته,بالطبع أخبره بما حدث لهذا يهاجمها جاسر..بخفقه مؤلمة لم تعرف سببها وصوت مرتعش ينبض باللهفة,سألته وكل تركيزها على شيء واحد مما أخبرها به,قالت بصوت خافت متسارع:
"هل يحدثك حقاً !,كيف حاله؟,أين هو,ماذا قال؟،أخبرني أي شيء عنه"
أوقف السيارة بجانب المنزل إلتفت إليها بغضب مستنكر:
"هل حقاً تهتمين لأمره مريم,أتهتمين لأحواله بعد أن قمتي بكسره وجعله يختفي عن الجميع,بعد كل ما فعله من أجلك؟"
هطلت دموعها بضعف وهي تنكس رأسها وتفرك يديها بإضطراب قالت بصوت خافت يتألم من أجله:
"ماذا أخبرك؟,لم أقصد ،أنا كنت غاضبة وساخطة بسبب ما علمت به وهو لم يخبرني شيئا لقد..."
أوقف سيل حديثها و قال بغضب مكتوم:
"لم يخبرني بشيء,يصر دائماً أن ما بينكم أكبر وأعمق من أن يتحدث عنه ولكن ربما أنا غاضب منك لأني شعرت بقهره وهو يحدثني,ليس هناك أصعب على الرجل أن يخبر رجلا أخر أن زوجته حطّمته يا مريم,حتى لو كان صديقه"
صمت بعدها وكأنه لا يريد أن يتحدث بالمزيد حتى لا يفلت غضبه منه.
لم تستطع رفع عينيها إلى عينيه,كل ما قاله آلمها أيضاً,الفترة الماضية قضتها في التفكير طويلاً,تعيد الموازنة بين كل ما علمته من منى وهناء وحديث بدور معها أيضاً عند ذهابها للطبيبة ورؤية جنينيها وقد وضحت ملامحهم أكثر يجعلها شعرت بالفقد بالحنين والحزن,مشاعرعدة تعتمل في صدرها وعقلها,تريده أن يقف بجانبها ويرى أطفالهما سوياً,مثلما ترى العديد من النساء هناك..تريد قربه بجانبها,هذا ما توصل له عقلها كما أخبرتها بدور إن أرادت الغضب منه لا تبعده عنها...غاضبة منه نعم ومازالت ولكن تحن إليه وبشدة,تفتقده وتحتاجه رغم كل الرعاية التي تنالها منهم لكن لا أحد يستطيع مدها بالاطمئنان والدفءإلا هو..أتاها صوت جاسر بجفاء:
"هيا يا مريم،اصعدي إلى بيتك حتى اطمئن لوصولك وأغادر"
أمسكت مقبض الباب بتردد لثوان لتتركه بعدها تنظر لجاسر بملامح مستعطفة,ودمدمت بخفوت:
"أين هو؟,هل أستطيع أن أعلم !،أريد أن أطمئن عليه فقط،أرجوك"
لم يملك إلا أن يهدأ قليلاً وهو ينظر ويستمع لصوتها المترجى,ليستفهم بهدوء:
"لما يا مريم؟,ألم تخبري الجميع حتى مي بأنك تريدين الانفصال عنه"
هزت كتفيها باستسلام وهي تهز رأسها بالنفي وعينيها تدمع مرة أخرى وأخبرته:
"كذبت،ماذا ألم تر طفلة غبية من قبل؟ !"
توقفت لبرهة واحدة لتدفن وجهها في يديها وهي تردف بوجع مشتاق وشعربه الآخر الذي رغماً عنه أشفق عليها كما الحال دائماً عندما يرى ضعفها:
"أنا أفتقده وأحتاجه رغماً عني،أنا...أنا..."
ترددت وكأن الكلمات لم تسعفها,رفعت رأسها مرة أخرى بعينيهاالدامعةإليه:
"أرجوك عمي،إن كنت تعلم مكانه أخبرني فقط هل هو بخير؟"
هز رأسه بموافقة رغما عنه ليطمئنها:"نعم هو بخير"
بصوت هادئ أكمل ولا يعلم ما الذي يدفعه لهذا:
"هل تريدين أن تتحدثي إليه"
لمعت عينيها بشوقها إليه,هزت رأسها بالموافقة وابتسامة تحتل وجهها لتنمحي ابتسامتها سريعاً ويحتل وجهها الحزن وهي تهز رأسها بالنفي قالت بخفوت:
"لا..لا أستطيع وهو لن يقبل أن يحادثني"
وافقها على الفور وهو يتصنع عدم الاهتمام لا يريد الضغط عليها بل أن تفعل الأمر من نفسها ليعيد هاتفه مكانه:
" كما تريدين"
عينيها تعلقت بالهاتف وكأنه هو منقذها لتسمع صوته الحبيب،أن تتواصل معه,كم مر على أخر مرة نعمت بقربه فيها..
توقفت لحظة وهي تغلق عينيها بيأس بل اللفظ الصحيح كم مر من الوقت على إهانتها له،هل تستطيع أن تنسى شهرا كامل بعيدة عنه ومن قبلها شهرين قضتها هاربة منه..فتحت عينيها وهي تهم بالمغادرة لا تستطيع أن تحدثه,ماذا ستخبره وهل سيتفهمها؟قالت لجاسر باستسلام:
"شكراً لك عمي,على كل شيء وعلى وقوفك معي"
قبل حتى أن يرد عليها رِن هاتفه نظر للرقم سريعاً وهو قال:"مريم توقفي.."
نظرت له بعدم فهم ليشير للهاتف يخبرها وهو يسخر داخله (قصص الحب الدرامية) ماذا هل شعر برغبتها للحديث معه ليتصل الآن؟!أجلى صوته وهو يبتسم لها يحثها بهدوء:
"إيهاب من يتصل يبدو أنه شعر بك,هل لديك الشجاعة لتحدثيه وتخبريه ما أخبرتني إياه"
حدقت به غير مصدقة لتعود عينها للهاتف تتعلق به...حثها جاسرأكثر وكل ما يفكر به احتياج صديقه إليها والذي يشعره في كل سؤال ملهوف عنها:
"هيا مريم,إن انقطع الاتصال لن يعيده مرة أخرى"
بدون تردد خطفت الهاتف منه بلهفة فتحت الخط على الفور وتضعه على أذنها...ابتسم جاسر لها بتشجيع وهو يلاحظ ارتباكها ليشير لها بأنه سيترك السيارةويترك مساحة لها لم تنتبه حتى إليه وهي تسمع صوته الأجش يحدثها:
"مرحباً جاسر,هل تسمعني؟"
لم ترد لوقت طويل وقلبها يهدر بعنف,أغمضت عينيها تستمتع بصوته* يا الله هل شعرت بالدفء من البرودة التي كانت تحيطها لوقت طويل بمجرد سماعها لصوته على الهاتف؟*
عاد هو بإلحاح يطالب جاسر بأن يرد عليه...حاولت جاهدة أن تُجلى صوتها وكأنها تعاني من اخراج بضع كلمات بصوت مختنق وهي تنظر لسقف السيارة تارة وتعود تنظر إلى يديها تارة أخرى كأنها ستجد ما ينقذها ..ما يساعدها على الحديث لا تعلم كيف استطاعت أن تخرج صوتها المرتجف باختناق وقلبها يتلوى بين أضلعها:
"مرحباً"
الصمت فقط هو ما حصلت عليه وصدى أنفاسه العالية تصلها هادرة لم تستطع أن تفسر سببها حتى,أغمضت عينيها بيأس ليختنق صوتها بدموعها أكثر وهي تستدعى كل شجاعة لديها وتقطع الصمت بعيون دامعة وصوت مخنوق،سألته:
"كيف حالك؟،أنا..."
صمتت مره أخرى وكأنها لا تستطيع الحديث ماذا تخبره..بعد ثوان أتاها رده بصوت بارد مقيت لها:
"حالي لا يعنيكِ في شيء,أعطي جاسر الهاتف ليحدثني"
تجنبت بروده معها إذ أن هذا ما توقعته:
"عمي جاسر,ليس هنا كما أني أردت...."
قاطعها بنفس البرود:
"نعم يا مريم,أنت تريدين كالعادة ومملوكك يُنفذ أليس هذا هو الحال بيننا؟"
همست بعذاب وكأنها تتوسل إليه,تتوقع هجومه عليها،كانت كل أفكارها تائهة بل هي ضائعة بدونه ومعه:
"ايهااااب....افتقدك"
هدرت أنفاسه مرة أخرى وصدر صوت مكتوم من ناحيته لم تعرف أسبابه,لتكمل هي بدون إعطائه فرصة الرد وهي تسمع الصوت المكتوم يتكرر..خرج صوتهاالمعذب بغصة بكاء واحتياج حقيقي فضحه صوتها:
"أنا أشتاق لمكاني في أحضانك,إيهاب أشعر بالفقد والبرد،أريدك أن تضمني وتحميني حتى من نفسي,افتقدك,أنا احتــــــــــــــــــــــــاجك...."
لوقت طويل فقط صوت أنفاسهما المتبادل على الهاتف كل ما يأتي منهما,لم تعي كم استمر الأمر ليكون في النهاية الرد له هو,بشكل قاطع وقال بفظاظة ساخرة وطعنة لقلبها مباشرة:
"أحضاني وتحتاجين إلي,أسف يا صغيرة,لم يعد مكانك ولا تملكين الحق في إعلان احتياجك لي"
"حق من اذاً إيهاب,هو حقي منذ طفولتي"
رد بحزم وما يخبرها إياه يقتلها مثلما قتلته:
"لم يعد لك أي حق في،أنت تنازلتِ عنه وأصبح ملك لمن تقدره"
بصدمة ووجه ذاهل استفسرت بتوجس مستنكر:
"ماذا؟,لا أنت تكذب لن تفعل هذا بي،أنت حقي وحدي لن تستطيع إيهاب"
رد بسخرية مريرة:"لمَ مريم,لأني عاجز,لن أستطيع أن اقنع إمرأة بقربي"
ردت بحرقة وهي تهتف بتملك:
"لا..لا لم أقصد لكن أنت حقي وحدي,ألم تكن تردده دائماً لي"
رد بجفاء:
"نعم كما أخبرتك بالكثير من الأشياء وبالنهاية اكتشفتِ أني كاذب,اذاً ضيفي هذا أيضاً"
لتتابع بصوت معذب:
"لكن أنت،أنت لست خائن,لن تفعل بي هذا أبدا"
رد بخشونة وبرود قاصداً أن ينهي الحديث:
"هذا حقيقي مريم،أنا لا أخون ولكن أنت تخليتي عن حقك بنفسك"
قاطعته بعذاب:"إيهاب اسمعني"
ليرفض بقوه:
"لا..لن أسمعك..اسمعيني أنت,بعد بضع أيام من اليوم سوف يتم الزواج بيننا رسميا,لن أحتاج موافقتك ولكنى أخبرك فقط,وبعد تعديل بعض التواريخ وولادتك الطفل سوف أمنحك ما طالبتي به طلاقك"
صاحت بعذاب تنهيه:"إيهاب اسمعني أعطني الفرصة..."
رد بالألم:"ولمَ لمْ تعطيني أنت"
أغلق الهاتف على الفور وتركها ترتجف من قمة رأسها حتى أخمص قدميها.
بعيون جاحظة وكأنها لم تستوعب بعد ما أخبرها إياه,تركت الهاتف على مقعد السيارة وهبطت أخيراً ببطء وكأنها تائهة لا تعي حتى خطواتها ولا صوت جاسر الذي يناديها بإلحاح..نظرت له بنظرات زائغة وهو يحدثها ولا تستطيع حتى تفسير ما قال لتتركه بعدها وتتحرك الى داخل العمارة ببطء غير مدركة للعينين التي تراقبها بأسى من مكان غير بعيد عنها وصوته يردد...
"آآآآآه يا قلب إيهاب,اغفري لي,لم أستطع يا روح إيهاب أن أمنحك الغفران الذي تستحقينه,لقد قتلتني يا مريم بدون رحمة,فلم يعد هناك شفقة احملها لكِ."
لقد كان يراقبهما منذ وقت طويل وعندما هاتف جاسر لم يتوقع أن تحدثه هي..عاد بعينيه يراقب تحركها البطيء بحملها,خطفت قلبه كعادتها ومن وقفته البعيدة لم يستطع تبين ملامحها جيداً,راقبها ليتفحص ما ترتديه كعادتها لا تحب التكلف في مظهرها,شعرها كما تحب دائما تتركه بنعومته و بغجريته يحيط وجهها,فستان بسيط مخصص للحمل حريرى بلون أرجواني تتداخل فيه بعض الورود بلون قرمزي,ليضيق من الأعلى وينزل على قوامها يحتضنه فيظهر حملها بشكل ملحوظ,لقد تأملها بشكل أشبع قلبه المشتاق قليلاً فقط اليوم,لم تكسب إلا قليلا من الوزن بالطبع عدا عن انتفاخ بطنها بشكل كبير استغربه,تسللت ابتسامة رغماً عنه لتحتل وجهه كله وهو يتخيل الطفل المكتنز الذي توقعه من انتفاخ بطنها بهذا الشكل.أم أنها طفلة؟,يريد طفلة تشبهها,سوف يكون سعيداً بوجود طفلة لذيذة وشقية في حياته مرة أخرى,سيدللها كما لم تتدلل أنثى من قبل,حتى أمها لم يسبق أن نالت منه كل الدلال الذي ينويه لطفلته,تنهد بحرقه عند تذكره ما حدث منذ دقائق،ليضرب المقود بقبضة يده عدة مرات,كما فعل عندما أعلنت احتياجها إليه وكأنه يفرغ غضبه فيه,بدل أن يخرج الآن ويتوجه إليها ليكسر رأسها بيديه,بكل ما تحمله الكلمة من معنى وبعدها يعيد ترتيبه كما يهوى لعله ينسيها ما كان وبعدها يحتضنها,يسكنها بين أضلعه يعطيها ما تحتاجه بدون أن تطالب به.
"آآآآآه"حارقة خرجت منه*كيف أنسى يا صغيرتى إهانتك لي وكيف أستطيع أن أنسيك ما حدث مني في حقك؟القهر والدناءة التى اشعرتك بها كيف أمحيها من عقلك وأمحي ما حدث منك في حقي؟؟*
لم ينتبه وهي تختفى من أمام ناظريه إلا وباب سيارته يفتح ويحتل الكرسي الذي بجانبه ثقل جسد جاسر.
سمع الأخر يقول بفتور بدون ترحيب حتى:"أغبياء"
زفر إيهاب بضيق وهو يبادله نفس الفتور ويرد:"مرحباً وأنا أيضاً سعيد لرؤيتك"
مط جاسر شفتيه بامتعاض كعادته وقال بلامبالاة:
"لم أخبرك بسعادتي،أنا أخبرك أنك غبي وتلك الطفلة أغبى منك حقاً,ما تقوله عنها أصدقه الآن هي طفلتك وقطعة منك إذ أنها تشبهك في غبائك"
زفر بضيق وقال بصوت مكتوم مرهق:"يكفي هجوم جاسر,ما بك أنا مرهق حقاً ولم أنم منذ الامس"
"متى عدت وأين كنت من الأساس؟"
"لا يعنيك أين كنت,ووصلت فجراً"
"اذاً ما اسشعرته صحيح أنت تراقبناً منذ الصباح"
أرجع إيهاب كرسي القيادة قليلاً إلى الوراء ليريح رأسه الذي يكاد أن يفتك به الصداع من أفكاره المتشابكة
وأخبره بصوت مرهق:
"نعم حدسك صحيح,كنت أحتاج لرؤيتها بعيني وعندما حدثتك كنت أريد أن أعلم لما طال جلوسكما كل ذلك الوقت لأفاجئ بك تعطيها الهاتف,فاضطررت أن أدعي أنّي لا أعرف من معي"
توقف للحظات وهو يتذكر كم العذاب وضبط النفس الذي فعله عندما سمع صوت أنفاسها ونبرات صوتها الناعمة
أكمل بصوت لم يستطع إخفاء غيرته فيه منذ جلستهما في سيارة جاسر التي طالت وملاحظاته الجدال بينهما:
"بماذا كانت تحدثك في السيارة وماذا أخبرتك ولما كل هذه الانفعالات والبكاء منها"
ضحك جاسر و قال بتسليه:
"مهلاً,هل أشعر بالغيرة والاستجواب هنا؟؟"
نبهه إيهاب بتحذير وهو قال باعتراف صريح:
"جاسر !،انتبه لما تقول ونعم أنا أغار وبشدة حتى من نسمة هواء عابرة تداعبها،فتوقف.."
وهو يعتدل ويلتفت له:
"فقط أخبرني ماذا كانت تقول لك؟"
هزجاسر كتفيه و قال بلا مبالاته الدائمة:
"فقط كانت تعترف بغبائها وغبائك واحتياجها إليك وإلحاحها على الاطمئنان عليك الاستماع الى صوتك"
ردف بجدية:"لم أخبرتها أنك سوف تطلقها"
سأله بتعجب:"هل أخبرتك سريعاً؟؟"
"لا لم تخبرني,عندما حاولت أن أطمئن عليها وأنا أرى شحوب وجهها بعد محادثتك كانت تتمتم الكلمة بدون وعي كما يبدو"
زفر بضيق وهو يعود لخبط المقود بيديه وقال بغضب:
"غبية,غبية وأنت كيف تتركها تصعد وحدها من المحتمل أن تتأذى"
"إيهاب أنت غبي أقسم لك ،إذا كنت تخاف هكذا,لم أخبرتها بهذا,أخبرتك عن سوء حالتها الصحية يا إلهي منك.."
زفر بحنق و قال يردف جاف:
"لا تخف مي كانت تنتظرها أمام المصعد كما طلبت منها قبل قليل وهي تحادثك كنت أعلم بغبائك"
ليصيح به بغضب:
"توقف فقط توقف عن نعتي بالغباء،أنت لا تعلم بما يدور بينا فتوقف"
صمت عم السيارة لدقائق.
قطعه جاسر مرة أخرى قائلا بهدوء:
"اسمع إيهاب ما أخبرك إياه الآن لم أقصه على أحد من قبل,فقط من يعلم تفاصيله صديقي مازن وهذا رغما عنى الظروف دفعته للتواجد حينها"
أوقفه بتسارع من يده و قال:
"لا تقاطعني,باختصار يا إيهاب سأخبرك قصتي مع مي,لم تكن سهلة لرجولتي على الإطلاق,فعلت ما لا يحتمله رجل إن كنت تقول بأن مريم كسرتك فإن صح التعبير ما حدث مع زوجتي أنى أجبرت للركوع تحت قدميها فقط لتبادلني حبي المجنون لها،تنازلت عن كل كبريائي فقط لأربح معركتي معها,أطلقت كل جنوني معها,تستطيع القول أني أجبرتها ووالدها على زواجها مني,كانت زوجتي تحت سقف بيتي لأشهر ولم أقترب منها بأي طريقة,أعطيتها كل ما يلزم من غرور انثوي حتى تسلم رايتها بنفسها وعندما سلمت كما يرضيني ويرضيها"
توقف للحظة وكأنه متردد مع نفسه لم قال ولكن إن كان سيساعده بطريقة ما لدفعه لإصلاح زواجه من مريم فسيفعل,فأردف بدون تردد وقال:
"فعلت بي ما لا تستطيع أن تتخيله حقاً إيهاب,فعل لا يغتفر كسرت هامتي وقتها أعلم أنه بحماقة منها كالمعتاد,كانت تثور لنفسها بدون أن تعي ما يحدث حقاً,وقتها فعلت مثل ما تفعل الآن وقمت بدون تردد بإخراجها من حياتي,أتت تتوسل لى أخيراً لردها وتعترف بحبها كما حلمت دائماً على مدار أربع سنوات ولكن لم أستطع منحها الغفران فتجرأت لتثير جنوني أكثر وبغباء أقدمت على الزواج من شخص أخر"
توقف عند الذكرى التي يتناسها وعينيه تقدح شرراً,نظر إليه إيهاب بصدمة إذ أنه لم يسمع منه من قبل أي شيء عن قصته,مستعجبا مما يخبره إياه.
لم يستطع كبح فضوله وهو يسأل:"كيف؟,لكن ما أراه بينكما لا ينم عما تقول"
عاد الاخر للتماسك وهو يجبر نفسه على محي الذكرى.أكمل:
"كيف؟,كما أخبرك تماماً,بتعنت مني وكبرياء رفضت أي مبادرة أفعلها لأنهي تلك المهزلة حينها,كان كبريائي يمنعني من توسل الحب منها مرة أخرى وتركتها تتم الأمر,لن تتخيل النزيف الذي كنت أتعرض له,تحطمت حرفياً إيهاب,ليلة عقد قرانها كنت أموت ببطء وأنا أتخيل أنه بعد ساعات زوجتي وحبيبتي سوف تكون....."
توقف وهو يتجنب الشرح أكثر وقال:
"لا يهم ما كان يحدث لي ولكن في لحظة اتصلت تستنجد بي لأنهي هذه المهزلة وتعترف بغبائها المعتاد وحبها لي تتوسل مني الغفران,فذهبت بدون تردد إليها وبعيدا عن التفاصيل أنهيت الأمر لأكتشف حملها بطفلتي,لن اكذب وأقول سامحتها على الفور ولكن إصرارها وحبي لها وحبها لي جعلني أتفهم تخبطها وثورتها في ذلك الوقت,وضع في حسبانك إيهاب فارق السن بيننا,نحن متشابهان في هذا الأمر,أنا أكبر من مي بأربعة عشر سنة وأيضاً أكثر لا تنسى عقل المرأة الغبي والمعقد الذي تملكه,هم لا يفكرون مثلنا عندما يثورون لا يدركن غبائهن,إلا بعد أن يهدئن ورغم كل ما بينك أنت ومريم تبقى أنثى صغيرة لم تملك الإدراك والحكمة بعد ولا تعرف من الحياة إلا ما أخبرتها أنت إياه"
توقف عن الشرح وهو يهم بالمغادرة وتركه ليحسب الأمر جيداً وأكمل وهو يغادر:
"نصيحة أخيرة مني لا تتحدث عن أمر لن تستطيع فعله,مريم تحمل طفلك وهذا يجعلك تغفر أي ما كان بينكما وصدقاً أي ما كانت فعلته بك لن يقارن بأفعال زوجتي السابقة"
أضاف ينبهه ساخراً:
"أي طلاق تتحدث عنه منها,هل تدرك أنها صغيرة فقط؟,فكر أنها من الممكن أن تتزوج غيرك وأخبرني هل تستطيع التخيل,أنت تغار عليها من جلوسها معي للحظات وهي كانت تخبرني بحبها لك وندمها,إيهاب فكر بالأمر جيداً يا صديقي"
ليتركه ويتوجه الى سيارته وهو يهتف به من وراء ظهره:
"أراك بعد ثلاث أيام إيهاب,كما حددت مع ياسر لإنهاء أخر شيء زواجك منها ولا تهتم لشيء لقد رتبت للأمر مع المأذون وأفهمته الوضع"
أنهي حديثه بالفعل وهو يترك الأخر يعيد توازنه مع أفكاره المهتاجة بعد كلمات جاسر التي أنصت لها واجما حائرا,يوازن الأمر فتنقلب حيرته لإشتعال,مريم لغيره هذا مستحيل ومرفوض,أن يفكر به حتى,لا هو يستطيع ولا هي تجرؤ لن يخبر أحد أنه كان يعاقبها بالكلام,لم يستطع أن يكبح ألمه منها فتفوه بهذه الحمقات التي من المستحيل أن يفكر بها.
نظر لجاسر الذي صعد إلى سيارته ويبدو أنه يتحدث في هاتفه ويضحك بصوت عال,كأنه لم يخبره الآن بقصته التي فهمها جيداً و تحفظ الأخر عن ذكر بعض التفاصيل والمحطمة لأي رجل.بعد دقائق رأى مي تخرج من المبنى وهي تضع هاتفها في حقيبتها بالترافق مع جاسر الذي أغلق هاتفه هو الأخر,رآها تضحك بجذل وهي تصعد بجانبه تنظر له وكأنه لا يوجد غيره بالعالم. كما تنظر له صغيرته,لا صغيرته تنظر بامتلاك وانبهار دائما وكأن العالم لا يتواجد به غيره,لم تلتفت لأي بشر منذ طفولتها..راقب انصراف الاثنان والأفكار تموج في عقله كأمواج ثائرة يوازن بين ما حدث وبين ما أخبره به جاسر,ولكن الصغيرة حطّمته لا..لا يوجد علاقة تشبههما,عاد ينفى لنفسه.
نعم لا علاقة تشبههما وربما هذا دافع أقوى ليغفر لها ويحاول الإصلاح كلاهما أخطأ في حق الأخر,إذا لمَ ينكر حقها فيما فعلته به,ألم يفعل بها ما هو أسوأ,سيعيد التفكير في الأمر جيداً,حتى تثبيت زواجه منها وبعدها سيرى ما يحدث,عاد للنظر إلى الأعلى ,تحديداً إلى شقتها خرج صوته المشتاق رغماً عنه متألما وهو يستعد للمغادرة.
(سامحيني حبيبتي,إذا لم أخبرك أني أيضاً لا أريد إلا أن أضمك لصدري وأتنفس عبيرك المُهلك الذي لا يفارق صدري لأشعر أني عدت إلى وطني)
تحرك بسيارته وهو يعد نفسه بلقاء قريب سوف يعود الى السكن معها بعد ثلاث أيام كما خطط في السابق ونوى ويرى ما تؤول إليه الأمور بينهما.
******************
بعد ثلاثة أيام،،
أنت تقرأ
دقات محرمة
Romanceرواية (دقات محرمة ) دقات كانت اول تجربة فعلية للكاتبة فى العمل الادبى تاخذ شكل جدى ..وتحليل نفسى وقضايا اجتماعية شائكة ... ولم اقتصر على تناولها في العالم العربي ولكن قصدت ان ادخل فيها ..اخطاء المغتربين منا فى خارج البلاد .. وهذا سيكون سيرة كل السلس...