الفصل الثامن عشر

19.4K 421 8
                                    

الفصل الثامن عشر

خرج مسرعًا من منزل صديقه يلتهم الممر الصغير بين المنزل وبين وقوف سيارته التهاما,إحتل مقعد القيادة على عجل وتحرك على الفور بسرعة جنونية متوجها فورا إلى طريق المطار.
شعر أن قلبه يكاد يتوقف عن العمل؛ الخوف يعصف بكيانه ويزلزل عالمه...حدث نفسه بيأس...سوف يخسرها إذا لم يلحق بها,سيخسرها إلى الأبد يعلم ذلك جيدا؛ لقد بحث عنها ما يقارب الشهرين الآن وهي هنا ولم يجد لها أثرا,كيف إذًا أن يجدها إن غادرت؟ خاصة أن جواز السفر الذي تحمله يحميها ويعطيها كل خصوصية تريدها بعدم الإفصاح عن معلومات عنها! ألم يجرب ذلك بنفسه عندما أبلغ عنها في سفارتها هنا ليخبروه حتى إن وجدوها لن يخبروه بمكانها إلا إن أرادت هي ذلك؟ خاصة عندما علموا بأنها تركت المنزل من تلقاء نفسها...
فقط لو استطاع إكمال الأوراق هنا؛ لكان منعها باسمها الجديد,ولكن اختفاءها عطل الكثير من الإجراءات التي يجب أن تتم بوجودها.
نطق متمتما بيأس وأفكاره السوداء تجبره على الاعتراف لنفسه,لن يجدها الآن بالتأكيد؛ هي على متن الطائرة,قد تكون الآن محلقة في السماء بالفعل!
تأوه بحرقة وهو يزيد من الضغط على دواسة بنزين السيارة غير عابئ بأبواق السيارات الأخرى التي انطلقت,منها من يحذر ومنها من يسبّه لسرعته الجنونية على الطريق...أخبر نفسه بألم وسألها:
"لماذا يا مريم؟ لمَ تفعلين ذلك؟ لمَ أصبحتِ طيفا أطارده بيأس؟,حلما أصبح بعيد المنال بعد أن كنتِ دائما بين يديّ؟ تهربين كلما أقترب منك,لا تريدين حتى منحي الفرصة بعد أن منحتني كل شيء! هل استنفذتك حقا ولم يبقَ ما تقدميه؟".
صرخ بيأس ذابح وعيناه تضيقان بإصرار وهو يأخذ الطريق بسرعة جنونية...
استل هاتفه بتعجل وهو يضغط رقم والدها (ياسر الرواي)؛ لقد حان أن يفعل شيئا واحدا لهما بعلاقاته,لا يعنيه كيف سيحاول منعها...يعلم جيدا أن في البلد هنا كل شيء بالواسطة والنفوذ يصبح سهلا,هذا في حال أن لم تكن الطائرة أقلعت بالفعل! أتاه الرد بعد لحظات...
"مرحبا إيهاب,هل...".
قاطعه إيهاب بصوت متعجل:
"ياسر,اسمعني جيدا بدون خوض في تفاصيل...لقد وجدت مريم,هي الآن في مطار البلاد أو ربما تكون على متن طائرة بالفعل".
قاطعه ياسر وسأل بلهفة نابعة حقا من مشاعر أبوية؛ قلق عليها بعد أن علم منه عن حالتها النفسية السيئة وحملها...الألم عصر قلبه بقوة هز أنانيته التي كان لا يدركها بعد أن علم منه أنها أخبرته بقتل طفلها وقتل نفسها...إحساس بالذنب يغمره؛ لو كان فقط تمسك بها وقتها,لو أعلمها أنه والدها,ربما كان جنّبها مصيرها المجهول.
وقال بصوت ملهوف مشوش:
"وجدتها! أين,ولماذا هي في المطار؟ لمَ لم توقفها؟".

ليقاطعه إيهاب للمرة الثانية وهو ينهيه عن أسئلته:
"ياسر اسمعني جيدا لا وقت للنقاش أخبرتك...
كل ما أريده منك استخدم كل علاقاتك في الحال وامنحهم اسمها الذي تحمله (مريم حسّين زيدان)؛
لتمنعها من السفر...لا يعنيني بماذا تخبرهم وما أسبابك ولكن يجب أن تُمنع,هل فهمًت؟ أعلم أن هذا شيء يسير بالنسبة لك؛ تحرك حالا أنا في طريقي الآن ربما أجدها رغم أني أعلم جيدا أنه لا وقت متبقٍ". ليحاول أن ينهي المكالمة ليضربه إدراك لا يعلم إن كان سينفعه,ليهتف به:
"ياسر مريم زوجتي وأنا مواطن من البلاد أخبرتك الورقة التي أثبت زواجي منها لأستخدمها وقت الحاجه لا أعلم ان كانت ستنفع ولكنها محاولة,أخبرهم اني قريبك او أي شيء وأني أمنعها من المغادرة بقوة القانون حتى ان كان زواجا غير معترف به".
رمي الهاتف بجانبه غير مكترث بسماع الإجابة ويداه تتشبثان بالمقود بقوه ابيضت لها أنامله؛
ركز على الطريق الذي أصبح مزدحما بعض الشيء في أول الجسر الذي يمر فوق النهر...زفر بقوه وخبط المقود وصرخ وقال:
"هذا ما كان ينقصني!".
لم يستمرالأمر كثيرا حتى وصل إلى منتصف الجسر ففُتح الطريق أمامه ليهمّ بزيادة سرعته ولكن للحظة واحدة لا يعرف ما الفضول الذي إنتابه ليتأمل سبب الزحام وجد سيارة حمراء صغيره وقف بجانبها شاب لم يتبين ملامحه وعلى سور الجسر هيّئة فتاة تعطيه ظهرها.
لم يهتم كثيرا وهو يعود لتعجله ويركز في طريقه لتعود صورة الفتاة ذات الشعر الغجري المتطاير من خلفها بفعل الهواء بلونه البني وأطرافه العسلية- تضربه في صميم قلبه المتسارع الدقات. (مريم) إنها هيّئة حبيبته الصغيرة وهل يستطيع ان يتوه يوماً عن قوامها الذي أصبح يحرق كل ذرة فيه وينسف الأرض من تحت أقدامه!
أوقف السيارة بتسرع في منتصف الطريق لتصدر صريرا عاليا ..هبط منها مسرعاً وللمرة التي يعي عددها سمع سبّه بأذنيه من راكبي السيارات التي تمر على الطريق. ترك سيارته غير مدرك لوقوفها في منتصف الجسر ولا بأنها مازالت تدور- ركض عائدا إلى الخلف قلبه يخفق بقوة يبتهل لله ابتهالاً أن تكون هي ..رافضا أن يستمع إلى ذلك الهاجس الأسود الذي يسيطر على عقله ويخبره لن تجدها مريم لقد تركتك..لا يعلم كيف وصل أخيرا للمكان الذي رآها به بعد ان ابتعد قرابة النصف ميل ربما- إلى ان إستوعب ما رأته عيناه...توقف على بعد خطوات منها..أنفاسه الهادرة من أثر ركضه حبسها في صدره بقوة،لا يستطيع حتى إخراجها...عيناه متسعة؛ كأنها ستخرج من مقلتيه,غائمة بنظرات لا يستطيع الناظر إليه أن يفسرها..نظرات تحمل من الألم,الاشتياق,واللهفة وعدم تصديق بما يرى.هل هي من أمامه حقاً؟! سأل نفسه...
تقف على الجسر المؤدي إلى المطار,وتحدق بشرود في النهر أسفله!أم خياله الذي يطارد ظلها يتلاعب به؛ ليريحه من الألم الذي يذبح قلبه,كلما أقنعه وسواسه انه لن يراها مرة أخرى!
إلتفتت إليه بهدوء,وكأنها شعرت بكيانه حولها..رفعت عينيها التي تمتلئ بالدموع ؛ تواجه عينيه مباشرة,دموعها المتحجرة انسابت فوق خديها بصمت,رفعت كتفيها في علامة استسلام قاتلة له..وتحدث بصوت مبحوح وأخبرته:
"كنت أنتظرك؛ لم أستطع أن أبتعد عنك أكثر من هذا..لم أقوَى ان أغادر إلى سماء أنت لا تتواجد تحتها".
آه خافتة مؤلمة,خرجت منه رغما عنه وهو يتأمل شحوب وجهها,شعرها المتطاير بفعل الهواء،عينيها الباكية وشعوره باليأس في نبرات صوتها وكلماتها,كأنها كانت تتمنى بقوة ألا تعود اليه,كأنها تكره ضعفها به.
أكملت وهي تشير إلى انتفاخ بطنها الذي لم ينتبه له من كثرة لوعته واشتياق قلبه وعقله وتأمله لقسمات وجهها؛ ليتأكد انها هي من أمامه الآن..إنتبه لحملها مع حركة يديها و أخبرته:
"حتى هما أشعر أنهما يرفضان قراري بالابتعاد عنك يا وجعي".
هل نفذ الهواء من محيطه؟!!ام توقف العالم من حوله؟!ام هي قتلته وأحيته مرة أخرى؟!دقائق مرت,لايقوى على الحراك..رئتيه نفذ منهما الهواء !هل نسي كيف يتنفس؟!عاد لوعيه مرة أخرى وهو يحدق في يديها المستريحة هناك..مريم لم تقتل طفله !!حبيبته لم تستطع تركه!!صغيرته أشفقت على قلبه !!أخيرا استطاع أن يأخذ بعض الهواء,كاد أن يسقط على ركبتيه فإستند على سور الجسر..تحركت شفتاه تتحدث بألم,عيناه تتنقل بين وجهها الحبيب إلى قلبه وقوامها مسحورا بحملها لطفله الذي لم يُقتل وما زال على قيد الحياه ..أاااه يا الله!!كيف استطاعت أن تقتلني وتحييني بعدة كلمات؟!!وقف معتدلا وكأن إحتياجه لضمها الآن طغى على أي شعور أخر لديه ..إقترب منها مسرعا ،إختصر الخطوات المتبقية في خطوة واحدة ..جذبها من يدها التي ما زالت تستريح على انتفاخ بطنها بقوة لتصطدم بصدره العريض بعنف..حاوطها بخشونة و عصرها بين ذراعيه القويتين ؛ أراد دفنها بين أحضانه التي عانت من بُعدها..وكأنه يريد زرعها في تجويف صدره بدون ان ينتظر منها ردا !!إقترن فعله بقوله لها:
"فقط دعيني أُطفئ نارقلبي بكِ وأصهرك بين ضلوعي,وأذوب فيكِ"
تسللت يد واحدة من يديه لتتحسس انتفاخ بطنها,أغمض عينيه بقوة..لم يستطع وسط كل أشواقه إليها وغضبه منها ونقمته على نفسه مما وصلوا اليه ان يمنع يده فطفله هنا داخل حبيبته الغالية !وهو يؤكد لنفسه إنها جزئه الشارد الذي عاد..لم تخيب ظنه ولم تستطع قتل جزء منه..ولكنها قتلته هو !!
إرتفعت يديها تحاوطان عنقه بشدة؛ ضمت جسدها إليه أكثر لتدفن وجهها في صدره بقوة..لم تستطع منع نفسها من استنشاق رائحته بعمق فشعرت انها عادت للحياة.تأوّهت بألم حارق,ودموعها تغرق صدره بشهقات مؤلمة قاتله..فضمها أكثر غيرعابئ بمكان تواجدهما على قارعة الطريق ..يده مازالت تصول وتجول فوق بطنها كأنه لم يستوعب بعد سلامة طفله ؛وكأنه يريد اختراقها ليتحسس طفله..قال بصوت موجوع ودموعه يحتجزها بصعوبة في جفونه كأنه غيرمصدق بعد لوجودها:
"آه يا قاتلة!! قاتلتي أنا وطفلي"..
لم ترد ووتيرة بكائها تزداد,جسدها بدأ في الارتجاف بين ذراعيه وبين أحضانه..مال برأسه يدفنه بقوة بين كتفها وتجويف عنقها أغمض عينيه بقوة حاوطها بتشدد يائس وكأنها ستهرب منه إن أفلتها او تتبخر من بين يديه وتصبح سرابا. استمر عناقهما دقائق او ربما ساعات لا يدرك او يعلم ما يدور حولهما,فقط لا يشعرإلا بجسدها المنتفض بين يديه ودموعها التي تغرقه..أخرجه من دوامة شوقه وآلامه يدين تطرق بعنف على ظهره وصوت يتحدث بنزق:
"هييه أنت ما الذي تفعله؟ الناس توقفت تشاهدكما هكذا...ابتعد عنها الآن ألا ترى أنك تؤذيها؟".
وكأن هذا الصوت نبّهه لموقفهما ؛ فحررها من أحضانه ببطء شديد يائس ..رفع يديه إلى وجهها يمسح دموعها بكلتا يديه وأخبرها بصوت أجش متألم:
"هشش اهدئي؛ أنت هنا معي لا يهم أي شيء أخر,ستذهبين معي الأن".
قربها منه مرة أخرى ولف يده حول خصرها وقربها من جذعه ألصقها به بقوه...حاول استعادة رباطة جأشه..وإلتفت لذلك الصوت النزق الذي لم يتوقف في إلقاء الأسئلة عليه ..واجهه وهو ينتبه له لأول مرة,ذلك هو الشاب الذي لفت انتباهه سابقا ولكنه لم يطِل في تأمله ولكن الآن تفحصه بدقة مع ثورته التي بدأت في الظهور. شاب صغير بل بالأصح مراهق لا يمكن ان يكون تعدى الثامنة عشر بعد,أدرك كلمات مَي السابقه وربط ما أخبرته إياه بالشخص الذي عاون مريم ابن عمتها؛ بالتأكيد هو! ضيق عينيه للحظات وهو يسمع هتاف الشاب بنفاذ صبر وهو قال له:
"ابتعد عنها؛ من انت,وكيف تحتضنها هكذا؟"
وجه كلامه لمريم يأمرها:
"تعالي إلى هنا,هل أنت مجنونه؟ هل كل من يحتضنك تبادليه عناقه؟".
نطق بصوت مستفسر:
"مهلا لحظة ،ما الذي تقوله؟".
"اقًول ابتعد عنها حالاً؛ أنا أخوها وأنت تحتضنها أمامي".
خاطبته مريم بصوت أشبه بالهمس تنهيه:
"نزار توقف؛ هذا...".
إقترب منها نزار:
"لن أتوقف؛ قلتِ انك سوف تسافرين لتبتعدي عن من يؤذونك هنا وأنا ساعدتك معرضا نفسي لغضب والدتي,لتعودي بعدها تصرخين بي في منتصف الجسر هنا وأنت تقولين بصوت هستيري وهلع لن تستطيعي الابتعاد عنه,وأنا لم أسألك وصمتت وهذا ضد عادتي,لتتركي السيارة وأنت تخبريني سوف تنتظرينه -والذي لا أعلم من هو- متأكدة أنه سيأتي لترتمي في النهاية في أحضان هذا الشخص الذي لا أعلم أيضاً من هو!".
لم يرد عليه أحدهما وإيهاب يسحبها من يدها ويتحرك بها في اتجاه سيارته التي ربما لن يجدها..صرخ به نزار يوقفه:
"أنت,أين تأخذها؟ توقف وواجهني وإلا صرعتك هنا على أرض هذا الجسر".
أمره إيهاب بصوت قوي وهو يحاول إزاحته من الطريق:
"ابتعد يا ولد,لا يوجد لدي عقل الآن لإحتمال جنون أحد".
إلتفت اليها ونظر لعينيها بقوة وقال بصوت أجش:
"لدي بالفعل مجنونة هاربة وهناك الكثير لتخبرني به,ولدي من العقاب الكثير لها".
شحب وجهها وشعر باهتزاز عينيها وهي تنقل بصرها من عينيه لعيني نزار وكأنها تُقيم الوضع ربما لا تريد ان تغادر معه...لم تجعله يستغرق في تفكيره إذ قالت بصوت بدا منهكا وهي تحاول ان تحرر نفسها من يديه:
"ابتعد إيهاب عني؛ لن أرحل معك,لا يوجد لدي ما أقوله ولن أقبل بعقابك لي مجددا".
وأكملت بتردد:
"أنا سأذهب مع نزار,سأعود لهناء".
إقترب منها مرة أخرى وحاوط وجهها المنكس بين يديه ورفعه اليه ليواجهه وقال بخفوت:
"أنظري الى عيناي وأخبرني أنك تريدين الإبتعاد عني مرة أخرى".
تمتمت وهي تغمض عينيها بقوه:
"قربك يؤلمني؛ أتركني"
وأكملت كذبا:
"نعم أنا أريد الابتعاد"
" بعد أن أخبرتيني أنك لم تستطيعي البعد عني أبدا لن أتركك بعد أن وجدتك,لقد عادت روحي الي,إفهمي هذا..يجب أن نتحدث ستأتين معي ولن نتناقش هنا والناس تسترق السمع إلينا,أطلبي من هذا الـ(نزار) الآن ان يرحل".
نظرت له بحيرة أرادت أن تنكر وبشدة حاجتها التي أصبحت لا تطاق اليه,ضعفها وشوقها الذي لا يحتمل,أرادت فقط لحظات سلام وعودة إلى أحضانه,ان تشعر بحبه واهتمامه بها وبطفليها كما شعرت منذ دقائق..بعقل مشوش وقلب مربوط به وإرادة مقيدة...إستسلمت ليديه التي حاوطتها وهو يتوجه بها مرة أخرى الى سيارته ..إلتفت لرفيقها يطمئنه وهو قال:
"أشكرك لشجاعتك ولإهتمامك هذا,أنا زوجها حتى تطمئن إنها ليست طفلة ستذهب مع أي أحد يعطيها قطعة حلوى".
إرتبك نزار للحظات من الغباء الذي إنتابه؛ هل هو أحمق؟ بالطبع هذا إيهاب فدائما ما سمع به كمادة بحوار أمه ومي و مريم..مشاهدتهما معا آلمه بشدة وهو الذي لا يتأثر بأي أمور عاطفية,لكن خوفه عليها ما جعله يهاجمه بقوة..ظل يراقب إنصرافهما وهو يخبر نفسه:
" كم أنت أحمق وهجومك مثلك يا نزار"
,ولكنه لا يعرف الرجل الذي يبدو أنه يكبرها بالكثير؛ لقد ظن ان إيهاب هذا في عمرها او ربما يكبرها بأعوام قليله لا رجل ناضج بالتأكيد تعدى عمره الثلاثين بكثير وبعض الشعيرات البيضاء القليلة تغزو رأسه.
"هل أحملك؟ السيارة بعيدة قليلا وتبدين مرهقة".
قالها وهو يتبين سيارته التي تجمهر حولها مجموعة قليلة من الناس وسيارة شرطة يبدو انها أتت لسحبها..توقف وإنحنى قليلاً وضع إحدى يديه تحت ركبتيها ووازن جسدها بذراعه الأخرى..بدون ان ينتظر منها إجابه تحرك بشكل مسرع قليلا
سمع اعتراضها بصوت خرج ضعيفا:
"ما الذي تفعله إيهاب,أنا أستطيع المشي وحدي".
غير مبالٍ بإعتراضها ضم جسدها اليه بقوه وأخبرها بحزم:
"أصمتي تماما إلى ان نتحرك من هنا,ولا لن أنزلك؛ المسافه تبدو بعيدة عليكِ وأنتِ تجاهدين لإلتقاط أنفاسك"
عيناه المليئة بمشاعر جياشه إنزلقت مرغمة الى بطنها المنتفخ لم يستطبع كبح ابتسامة ألم إعتلت شفتيه وهو ينقل بصره بين الطريق وبينها ..وصل الى مكان سيارته في بضع دقائق وهي إستسلمت لأحضانه ودفنت وجهها في طيات قميصه؛ ربما خجلا من الجمع المحيط أجلى صوته وتوجه الى الشرطي الواقف يبحث عن أي شيء يقوده الى صاحب السيارة
خاطبه بصوته الرزين:
"أعتذر أنا صاحب السيارة,أعلم أني خالفت القانون ولكن الأمر كان طارئ".
إلتفت اليه الشرطي الذي كان قد حرك السياره بعيدا عن وسط الطريق قليلا وتأمل ملامحه الوقورة وحمله الذي بين يديه
وأكمل بصوت غلبه التعجل قليلا:
"أنا مستعد لأي غرامة ولكني أريد أن أتحرك سريعاً؛ كما ترى زوجتي متعبه قليلا".
أشار بعينيه وهو يخبره بهدوء:
"هل يمكن أن يتحرك التجمهر قليلا حتى أستطيع أن أضعها بداخلها؟".
رد الشرطي عليه بحزم وهو يأمر التجمهر بالابتعاد لأداء عمله,أشار اليه بتفهم:
"تفضل ولكني أريد رخصة القيادة وهويتك".
أومأ له إيهاب بصمت وهو يلتف حول السيارة ليفتح الباب وينزلها ببطء ليجلسها بمكانها ..مال يخبرها وهو يلثم أعلى جبتها:
"دقائق فقط وننصرف من هنا".
أغلق الباب وتوجه الى الشرطي بما طلب و بدقائق معدودة تفهم الشرطي وتقبل إعتذاره المتحفظ او ربما إدراكه لهويته هي من جعلت الأمر يمر سريعاً بدون أي اعتراض لطريقه..فتح بابه بعدها ليحتل مكانه قام بتشغيل سيارته التي أطفأها الشرطي ..لم يحاول الإلتفات اليها شعر انه لو عاد لتأملها من جديد سيفقد كل ذرة سيطرة حاول جاهدا بالوقت الماضي ان يبديها ..سمع صوتها تخبره بشرود وضعف:
"أنا لن أعود الى منزلك إيهاب مهما حدث؛ يجب ان تعلم هذا...قلت يجب ان نتحدث اذاً في أي مكان إلا منزلك".
صمت برهة ثم استدار اليها ورمقها بنظرات خاطفة وهومستمر بطريقه؛ يجب ان يصل بسرعه الى وجهته
أكملت بصوت خافت:
"أرجوك إيهاب لن أحتمل نظرات أحد ولا نظرات والداتك لي,لن أحتمل أي هجوم او اتهام"
شهقت بدمعة حبيسة أخرى:
"كما ترى لم يعد بيدي أن أداري جريمتنا سوياً كما أمرتني سابقاً".
نهاها بحزم:
"أصمتي الى أن نصل".
صمت بعدها لحظات وحاول أن يهدأ؛ يجب ان يكون حكيما معها ويتفهمها ..خاطبها بهدوء:
"طفلي ليس جريمة يا مريم؛ لم أخطئ معك؛ أنت زوجتي..هل تتذكرين هذا أم نسيتيه كالعديد من الأشياء؟".
لم تُجيبه فقط لاحظ توترها من كلماته وحركة يديها التي تفركهما بعصبية.
*************
بعد وقت,
وقف بسيارته أمام مبنى ضخم لم تراه سابقاً في إحدى المناطق الراقية وسط المدينة وقام بركن السيارة وإلتفت إليها:
"لقد وصلنا إلى بيتك أنتِ لا بيتي كما تريدين"
ترجل من السيارةوإلتف نحوها وفتح الباب ثم مال ليحملهافلم تعترض وبدت له أنهاعادت إلى حالتها التائهة..دخل المبنى وتوجه إلى المصعد غير مبال بنظرات الحارس المتفحصة والفضولية لهما.
ضغط على أزرار طابقه,وصل بعد دقيقة إلى وجهته,ثم أنزلها بهدوء وأسند جسدها الرقيق إلى جذعه,أحاطها بذراعه وبيده الأخرى قام بفتح الباب وحملها مرة أخرى,و خطى إلى الداخل وأغلق الباب بقدمه,توجه من فوره إلى غرفة نومه,كأنها لا تعي ما يدور حولها,أنزلها برفق على الفراش الوثير,وحرك بعدها الوسائد من خلفها وأراح جسدها عليها.
نظرت إليه بعيون متفحصة وكأنها تعود لإدراكها ببطء..خلع عنها الكنزة الصوفية الرقيقة وهي مستسلمة بين يديه لا تبدي أي ردة فعل وأخبرها بحنو:
"حاولي الإسترخاء الآن ولا تفكري بأي شيء أخر"
نزل بجذعه قليلا إلى حذائها وخلعه عنها,فسمع صوتها الرقيق يناديه بخفوت:
"إيهاب"
عاد إليها,بعد أن أراح ساقيها وشد الغطاء عليها ليغطي جسدها الذي شعر ببرودته تسري إليه من ثيابها الرقيقة,خلع سترته هو الآخر,بتعجل وألحقها بحذائه,وعاد سريعا إلى جانبها ورفع رأسها ومرر ذراعه من تحتها وأحاط خصرها بيده الأخرى ,ضمها إليه بقوة؛ إستنشق عبير خصلات شعرها وملأ رئتيه بعبق عطر روحها الخاص,أخبرها بصوت تملأه العاطفة و مشاعر أخرى متعددة عصفت به,لقد فقدها ويئس أن يجدها ..تمزق قلبه بين أضلاعه شوقا إليها,الألم القاتل كان رفيقه طوال الفترة الماضية وهو شبه متيقن من أنها انتقمت منه وقتلت طفله,تنهد بعمق وذراعيه تضمها بقوة ربت على ظهرها براحة يده الحانية,عادت دموعها تغرق صدره فرد على نداءها له:
"لقد أعدتي إلي روحي يا مريم,لا بأس حبيبتي توقفي لا تؤذي نفسك,أنت بين أحضاني الآن أمنة عدتي إلى وطنك يا مريم إلى حضن حبيبك وزوجك ووالد طفلك"
سمع تسائلها المهموم بصوت هامس:
"وماذا بعد؟,ما مصيره كيف يكون مستقبله؟,أنت آلمتني بشدة لقد تخليت عني"
حاول مداراة كل مشاعره,اضطرابه وقلقه منها وعليها حاول أن يخفي في عينيه جوعه الشديد إليها فأمرها بصوت حازم حنون:
"أنظري إليّ,إرفعي عينيك وإسمعيني جيدا"
رفعت وجهها الدامع بعذاب في قسماته,وقال:
"أنت لم تتمهلي لتسمعيني وأنا أخطأت خطأ لا يغتفر في حقك,كل ما أريده منك الآن أن لا تفكري بشئ ولا تقلقي أبدا أريدك أن ترتاحي و وبعدها لنا حديث مطول ولكن اليوم"
فلتت منه عاطفته رغم عنه تحشرج صوته ونظر لعينيها العسلتيين قائلا:
"فقط دعيني أقتص من بعدك عني أعوض فقدانك وهربك مني"
إرتعش جسدها بقوة تماماً مثلما حدث عند الجسر,قوة جسده الملتصق بها أهلكتها..فكلامه المبهم لا تعلم إن كان تهديد أو لهفة إليها,مشوشة الذهن شعرت أنها عادت لوعيها للحظات,فعاد حضوره الطاغي حولها يحطم كل حصونها وقوتها. تشبثت بقميصه أكثر وهي تحاول الهرب من تأثيره المُهلك عليها..نعم تهرب منه وإليه..فكرت بألم ..هل إشتياق قلبها إليه جعل كل ما بنته وحضرت نفسها إليه من أجل مواجهته بقوة ينهار بمجرد رؤيتها إياه,فقط حضن دافئ كالماضي جعلها تنسى كل وعد قطعته لنفسها..رفعت وجهها لتصدم بعينيه المتوهجتين بشوقه ومتألما بدون أن يتكلم عنه ..لم تستطع إزاحة عينيها عنه,لم يتحدث أو يقطع أحدهم هذا الوصال وكأن ما في أعينهما لا يحتاج أبدا لترجمته بكلمات لقد كان يحمل لأحدهما من الآخر حب,لهفة,ألم وضياع أبلغ من أن يقطعاه بعدة حروف غير مجدية لم يقطع وصال أعينهما إلا بعد فترة من الزمن لا تدركها وأنفاس إيهاب الساخنة تلفح وجهها,صوت أنفاسه التي علت وتحشرج صوته المفعم بعاطفته قطع صمتهما وهو يقترب من شفتيها بحذر وتمهل وكأنه ينتظر منها ردة فعل معترضة..مال إليها يلثم شفتيها برقة فشعرت كرفرفة أجنحة فراشة,وهو يخبرها بأنفاسه المتلاحقة:
"لقد اشتقت إلى وجودك,إلى ضمك إلى صدري"
أخبرته بألم:
"وأنا كنت ومازلت أتعذب إيهاب بُعدك ألم وقُربك وجع"
"فقط أخبريني يا مريم كيف استطعت أن تطعنيني في صميم قلبي؟ كيف استطعت البعد عني؟,اخبريني كيف أمنع نفسي من القصاص لروحي التي قتلتيها على يديك؟"
ردت بصوت مرتعش خافت:
"وأنا من يقتص لي مما فعلته بي إيهاب؟ من يقتص لطفلي الذي كدت أن أهلكه بسببك؟"
مال إليها مرة أخرى وكأنه يريد أن يسكتها لا يريد أن يسمع المزيد من لومها الذي عرف جيدا أن لها كل الحق به فقط يريد أن يُطفئ شوقه إليها وأن يشعر بعد تعب مضني أنها هنا بين ذراعيه ليرتاح اليوم. اليوم فقط وغداً يوم أخر,وسيخبرها كل شيء من البداية وتمنى لنفسه الحظ الجيد معها,أن تتفهم أنانيته وإنكاره لمعرفته بوالدها. مال إلى خديها الناعمتين ونثر قبلاته بنهم عليهما,مرورا بجبهتها,عينيها وحتى أنفها المحمر من البكاء,وصل لشفتيها المنفرجتين مال إليهما بقبل حانية متمهلة,لم يشعر بنفسه أو أن قبلته تحولت لجموحه المعتاد معها,وأن يديه تضغط جسدها إليه بشدة,لم يفق إلا على تذمرها الذي بدأ واعتراضها الذي شعرت وهي تزيحه من صدره. تركها لتستنشق الهواء ونظر لها وصوت أنفاسه يعلو,أخبرها بصوت أجش:
"أنا لست أسف على هذا,أخبرتك سأقوم بالقصاص منك ولكن سأتركك الآن لترتاحي بين أحضاني"
ضمها إليه مرة أخرى,ودفن وجهها في عنقه,لم تعترض وهي تستسلم لتلك الغيمة الممتزجة برائحة جسده كأنها كانت رحالةً لوقت طويل ووجدت الوطن أخيرا,كالعطشى التي تتوق لقطرة ماء ووجدت أخيرا نهرا واسع المدى من الماء العذب الرقراق,لتنهل منه وترتوي حتى أخر قطرة. بعد ساعات من نوم هادئ في أحضاه لم تتخلله كوابيسها المعتادة,فتحت عينيها ببطء وهي تشعر بقبلات هادئة على بطنها العاري وصوته الهادئ يتحدث إلى طفليها. ذكرت نفسها طفله,فهو لا يعلم بعد أنهما طفلين وهي لن تخبره الآن,على الأقل الى أن تعلم ما مصيرها هي وأطفالها,استوعبت كلماته مع قبلاته التي تزداد فوق بطنها:
"القاسية كانت تريد ابعادك عني,لا تعلم ماذا تعني هي لي ولا تعلم مدّى حبي لك من قبل أن أراك! ,كيف شكت للحظة واحدة بأني سوف أتخلى عنكما!,ألا تدرك ماذا أفعل الآن لإثبات حقك وحقها في أنا"
,ربت على بطنها وكأنه يربت على طفله بالفعل:
"لا بأس الآن من أجلكً ومن أجلها أنا أسامحها,فقط لتبقيا معي إلى الأبد,لو تعلم فقط كم إنتظرتك بلهفة وشوق منذ زمن,لو تعلم حبي لها هي وراحتى أنها هي من أتت بك"
قاطعته وهي تحاول التحرك,تتساءل بعجز:
"إذاً لما لم تخبرنا بحبك لنا من قبل إيهاب"
أجفلته بسؤالها فسيطر على انفعالاته سريعاً ترك وصاله مع طفله,ليعلوها وهو يرتكز على يديه وحاوط رأسها بين كفيه,أخبرها وهو يبتسم ولكن الإرهاق يبدو جليا على وجهه,وقال:
"لأني كنت غبي لم أدرك الشئ الثمين الذي بين يدي إلى أن فقدته,أحبك يا مريم كما لم أحب أحدا من قبل,أحبك كزوجة وحبيبة كما لم أشعر نحو إمرأة من قبل دائماً كنت أنت وستبقين أنت إلى الأبد"
تهربت من عينيه كأنها لا تريد تصديق كلامه,سألت بأنفاس مضطربة:
"أنت لم تنم ؟"
اتسعت ابتسامته لعينيها:
"كيف أفعل وأنا لم أشبع منك بعد,كنت أتاملك"
أنزل رأسه مرة أخرى وقبل بطنها بقوة وهو يتنفس بعمق,أخبرها بصوت حار:
"وأتأمل سحرك في حملك طفلي,لم أستوعب بعد وجوده قد أبدو سخيف لك لكن لم أستطع مقاومة سحره يا ناعمتي"
اعتدلت قليلا وهي تمتم بضعف مهلك,وصوت خافت لا تستوعب إلا اللقب القديم الذي كان يناديها به في أوج عاطفته معها:
"أنت لست سخيف"
هز رأسه وشفتيه لم تترك قبلته على بطنها وقال بصوت خافت:
"اشتقت اليك"
مالت اليه قليلا طبعت بشفتيها قبلة على قمة رأسه,لم تستطع منع نفسها من فعلها وهو يقوم بهذه القبلات لبطنها وكأنه يقبل طفليها. لم يتحرك أحدهما لدقائق وبقيا على وضعهما يديه تحيطها و فمه يقبل بطنها بقوة وهو يغمض عينيه ويأخذ أنفاسه بعمق وهي تقبل أعلى رأسه المائل إليها وعقلها يتناسى أوجاعه الماضية بظلال عاطفته واشتياقها اليه . رفع رأسه قليلا وعادت بجسدها إلى الوراء,وقال لها بقرار وهو يعود ليعلوها بجسده,حاوط رأسها بذراعيه:
"ربما لا أجيد الكلام,لأخبرك مدى عشقي لك يا ناعمة لا أجيد إلا التعبير بعاطفتي نحوك,سامحيني على ما سيحدث"
بأنفاس متلاحقة سألته وهي تدرك جيدا مقصده:
"وما الذي سيحدث؟"
ضحك بخشونة وهو يميل إليها يقبلها بهدوء تركها لحظات:
"نفس السؤال القديم يا مريم وستكون نفس إجابتي القديمة حبيبتي"
مال إليها مرة أخرى إلتهم شفتيها بضراوة جائعة إليها,يبثها أشواقه وقهره في بعدها عنه..إحساسه بالعجز السابق في فقدها,استطاع في لحظات أن يسكت اعتراضها الضعيف ويذيبها بين يديه ..شعرت باستسلامها وهي تقابل عاطفته بعاطفة أقوى ويديها التي إرتفعت لخصلات شعره تبعثره بشدة. انفصل عنها مرة أخرى وسألها بيأس:
"أنا لن أؤذي الطفل صحيح؟"
عينيها التي فاضت بعاطفتها وشوقها هي الأخرى إليه شجعته,وهي تهز رأسها بنفي يؤكده قولها:
"لن تؤذيه"
عاد لتقبيلها بقوة وعاطفة منفلتة وهو يمرر كفيه على طول جسدها الناعم الدافئ بشوق و لهفة وانفلات عاطفي حاول جاهدا أن يهذبه فقط من أجلها ومن أجل طفله .

دقات محرمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن