ضحك بقوة وهو يلف رأسها للإمام مرة أخرى,ليعبث بشعرها يقسمه إلى جزئيين متساويين ويخرج ما أخبرها ليربط لها شعرها على هيئة قطتين أدارها إليه يتأمل وجهها بملامحها الناعمة الغاضبة بسخط عليه,يحتويها ويجمع شعرها بعقدتيه لتذكره بطفولتها البعيدة القريبة عندما كانت تجبره أن يسرح لها شعرها بنفسه,ابتسم وهو يرفع يديه يحاوط وجهها وقال بصوت أجش:"كما الماضي لقد عادت قطتي وطفلتي"
نظرت إليه بسخط لتخبره بامتعاض:"في الحقيقة سيد إيهاب أنا لست طفلتك بل زوجتك وتذكر أيضا أني لم أعد قطتك"
لتعقد حاجبيها مدعية التفكير قالت ببطء:
"أو ربما أنا بالفعل قطتك الأليفة بالنهاية القطط تأتي بتوأمين ويصادف أني أحملهما,إذاً أنت لم تخطئ"
عادت ضحكاته تترد بقوة وصخب في أرجاء الشرفة..نظرت له بغيظ وهي تهتف:
"هذا ليس مضحكا البتة,ماذا أفعل حبيبي للحق أنت أجدت التشبيه وأنا وضحت الأمر فقط"
عندما إنتهى من ضحكته,عاد ليحاول ضمها بينما أبعدت ذراعيه من حولها بحدة وهي تفرد جسدها تتمدد وتضع رأسها على إحدى ساقيه.
عدل وجهها لتواجهه وهو يطل عليها من علو وقال محاولا ترضيتها:"لا تغضبي ولكن أنا أجدت التشبيه كما قلت,وأنت أجدت التوضيح"
أغمضت عينيها وكأنها تخبره أنها مازالت غاضبة ساخطة بسبب تفكهه على حسابها..عاد لهدوئه وهو يعقد عزمه على أن ينهي الأمر مازالت تربط أمر علاقته معها بالحب,تأخذه محور حياتهما وهو المخطئ عندما كان يثبت لها,دائماً إنها الشيء الوحيد بينهما كزوجين مرر يده على وجنتها,وقال بصوت أجش خافت:
"اسمعيني حبيبيتي،بدايتنا كانت خطأ,سوف أجيبك على كل أسئلتك الغير منطوقة والتي تشوش تفكيرك الواضح,أعلم أن ممارستنا للحب لم تكن لشغفك بها فقط بل كنت توافقين عليها وتلجئين إليها لأنها في اعتقادك التعبير الوحيد عن الحب واثبات نجاح علاقتنا"
فتحت عينيها ببطء تنظر لوجهه الهادئ الملامح لتنفي بتردد:"لا أنا كنت أبادلك عاطفتك لم...."
وضع يده برفق وقال بصوت رتيب:
"لا تقاطعيني,ربما لم أنتبه في السابق لهذا حبيبتي ولكن ما حدث جعل عقلي لا يتوقف وأنا أراجع كل ردة فعل منك عند كل لقاء حميمي بيننا مواجهتك لي وأنت تصفين علاقتنا كيف كنت ترينها"
هزت رأسها ببطء تتمتم من تحت يديه قائلة:"لا ما أخبرتك به كان تنفيسا فقط في لحظة غضب لا أنكر أن معظمه كنت أشعر به وقتها ومقتنعة بأنه الحقيقة الثابتة لذا كان صحيحا حينها ولكن"
لم تُمحى ابتسامته وهو قال:
"أنا لا أتهمك بشيء ولا أريد ذكر ما حدث ولكن أريد أن أوضح لك بضع نقاط لنبني حياتنا سوياً على أساس جيد"
أخد نفسا عميق وهو يحرك يده ليمسد على شعرها برفق,وقال:"مريم العاطفة الجسدية شيء مهم وأساسي في العلاقة الزوجية ولكنها ليست محور الزواج وقد كان ظلما مني لك وأنا اثبت لك مرة تلو الأخرى أن علاقة الأزواج تعتمد على هذا فقط,هناك أشياء أخرى يا قلب إيهاب أهم,رعايتي لك,إهتمامي لمشاعرك,حمايتك,تفهمك,المودة والرحمة المتبادلة بيننا ثم السعي لجعلك أفضل وأن تبني نفسك لأجل نفسك ولعائلتنا الصغيرة أيضا,هذا هو الحب الحقيقي حبيبتي,المعاشرة الزوجية فقط ليست دليلا لإثبات حبي لك بل هو التوازن لعلاقتنا ولأجل السعادة المتبادلة بيننا,التفاهم والمصارحة يا مريم,أساس لا تستقيم دونه أي علاقة فما بالك بالزواج..الزواج حياة مريم فكيف ستمضي بيننا إن لم يصرح أحدنا للآخر بكل ما يشعر به,الوضوح والاهتمام والحرص عليك,كل ما حدث حبيبتي سابقا لأني قصرت في ذلك وعلاقتنا اعتمدت على الحب فقط"
كانت تتابع ابتسامته وهدوئه وهو يحدثها برفق,تتفهم كل كلمة تخرج منه,شعرت بالتيه نعم,هذا ما كانت تريده ولم تستطع أن تطالبه به في السابق أو حتى كانت تجهل معناه,كانت تعلم أن علاقتهما ليست سوية و ينقصها العديد من الأشياء ولكنها كانت متخبطة ولا تعلم طريقها ولا ما ينقص فعليا. لم ترد وهي تخرج تنهيدة مكبوتة كل لحظة وأخرى تتأمله كما يتأملها. ثم برفق مال عليها,يقبل شفتيها الرقيقة بهدوء ليعتدل مرة أخرى وهو يخرج حاسوبه من تحت إحدى الوسائد عندما يئس من ردها وملامحها التي لا توضح أنها فهمًت ما يحاول أن يخبرها به,ويشرحه لها باستسلام وكأنه يريد أن يفضي كل ما كان يخفيه عنها ليبدأ هو بالمصارحة التي شرحها هو الآن وقال:"حسناً مريم أريد أن أريك شيئا ما"
اعتدلت ببطء وعينيها تبرق بفضول منذ أن تحدث عنه في المشفى وهي تشعر بالفضول بينما يؤجل هو الأمر كل مرة ويزيد فضولها عند كل تردد منه يبديه. راقب عينيها اللامعة باهتمام,ابتسم ابتسامة جانبية وهو يجذبها ليعدل جلستها بين ذراعيه يضم جانبها إلى صدره حتى يستطيع أن يراقبا الحاسوب سوياً وهو يضعه أمامها
قائلاً:"أيا كان ما سوف أريه لك الآن لن يؤثر على علاقتنا مريم,سواء أرضاك أم لا,فهذه هي الحقيقة الوحيدة أنت زوجتي وحبيبتي"
قالت أخيراً بتوجس وهذا الغموض والتردد منه يجعل عقلها يخاف رغماً عنها:
"لم ماذا به الحاسوب؟"
فتح الحاسب وهو يضمها بأحد ذراعيه ويده الحرة تعبث بالأزرار فتحت ملفهم السابق ذو الرموز. مرت أمامها صورهما الخاصة بتعجل وهو يميل يلثم جانب وجهها المواجهة له عندما امتدت يدها توقفه وهي تقول:"انتظر أريد أن أرى صورنا مرة أخرى"تمتم لها من فوق وجنتها:"سوف ترينها كما تحبين لاحقا فقط اصبري حتى أتخلص من هذا الحمل الذي يطبق على صدري وأريك ما كنت أسعى إليه"كان أول مستند فتحه أمام عينيها باللغة العربية والإنجليزية على حد سواء,كان اعترافا منه بزواجهما ومرفق به عقد الزواج أشار إليها بصمت نظرت إلى تاريخ ورقة الاعتراف وهو يتأمل باهتمام ردود أفعالها. نظرت إليه مصدومة كانت الأوراق بتاريخ يتبع تاريخ عودتهما من إسبانيا بأسبوع واحد فقط,هذا يعني أن الأمر لم يكن أبدا كما رسمته وتخيلت,لم يكن....أبدا لتكون معاناتها بذلك الحجم لو علمت! همس لها بهدوء وهو قال:"عندما أتمتت زواجي منك انتابني الخوف والقلق المحمل بالذنب,سألت نفسي كثيرا عما قد يحدث لك إن أصابني مكروه,كيف ستستطيعين متابعة حياتك وشرح موقفك للجميع"
إلتفت إليه تناديه بصوت مبحوح يفضح تعجبها:"إيهاب!"
أعاد رأسها برفق على كتفه و قال بهدوء:"انتظري يا روح إيهاب !"
قلب الملف سريعاً أمام أعينها قائلاً:"وهنا أردت أن أؤمنك لأني أعلم أنك لن تجدي سندا بعدي,فنقلت بعض الممتلكات باسمك"
كانت ترتعش وهي تنظر مذهولة للتواريخ وما يخبرها به,ليصل إلى بعض الأوراق يأمرها برفق:"هل ترين التواريخ هنا,عندما بدأت ثورتك قبل اكتشافي لحملك كنت أسعى جاهداً أن أثبت حقك أو على الأقل أجد طريقة أخرى أي طريقة كانت المهم إثبات زواجك مني حتى لو تنازلت عن جنسيتي الأمريكية ولكن كان هذا سيكون صعبا أيضاً ولم أجد ثغرة في القانون تساعدني لتحقيق رغبتي هذه"
أدارها إليه وهو يحرك الحاسوب جانبا,يبعده عنها. أخذ أنفاسه بعمق يراقب تشوش أفكاها من ملامحها,معترفا وصوته رغما عنه ينضج بالألم من اتهام الجميع له وقال:
"لم أتحرك من أجل الطفل فقط,ربما هو كان سببا رئيسيا لأكثف محاولاتي في الإسراع والبحث عن ياسر واستسلامي لمخاطبته لأنه كان أقصر الطرق,لن أكذب عليك أنا كنت أرفض أي مبادرة لمكالمته حتى لا يتعرف عليك,أنا أخبرك الآن وأبسط الحقائق أمامك لأني أردت أن تعلمي أني كنت أحاول من قبل اكتشافي لحملك,لأني كنت أخشى عليك أنت,حاولت أن أحميك وأرجع لك حقك الذي أهدر على يدي,أنا أخطأت مريم وبشدة,أهنتك حبيبتي ولكني حاولت الإصلاح....أنا"
توتر وهو يراقب وجهها,يجاهد بينما يخفي المرارة وهي تقول:
"هذا رائع إيهاب,مؤثر جدا,أنا أشعر بالخجل حاليا,لا أدري ما أقول؟,أنت كنت تحميني بينما أنا اتهمك ولكن ماذا فعلت تلك الحماية لي,لما لم تصارحني,لما كنت تشعرني بإحساس العار وتوصم حبنا بالذل عند كل لقاء يجمعنا كنت تحجب عني كل سعيك هذا,تأخذ ما تريد وترحل فتوهمني أنك لا تهتم....ليتك أخبرتني إيهاب...ليتك...وليتني..."
الحقيقة فيما تقول صدمته,مع بشاعتها لم يستطع نكرنها,وقال بجمود وإقرار يحاول أن يجعلها تتفهمه:
"مريم هل تدركين حقاً كيف أراك بعيني ! أنت طفلتي التي ولدت على يدي,كبرت بين ذراعي,ثماني عشر عاماً أخذ عنك كل قراراتك بدون الرجوع إليك لأني أعتقد أن هذا الأفضل لمصلحتك"
صمت لبرهة وهو يضمها أكثر إليه يحجب عنها تألمه الواضح التي تفضحه عينيها يحجب عنها تلك النيران الذي يتلظى بها,عند كل ذكرى تطوف في عقله لتألمها.أردف بخفوت يداري ضعفه البادي من كلماته:
"عندما تم زواجنا مريم,اتهمتك أنك من بدأتِ,ربما كان هذا صحيحا ولكن غفلت أن أخبرك أني كنت أحترق بنيران أشواقي التي تهفو لوصال واحد منك,كنت أكاد أجن للمسك فقط,لمسك ليعود عقلي يخبرني بجنوني,كل حين كان ينقر دون توقف هذه طفلتك,ابنتك,كيف تفكر فيها كإمرأة !,ضميري كان يتعذب,يجلدني بسياط الحقيقة المرة فارق العمر بيننا,استحالة العلاقة وعوائقها,أنك أمانة بين يدي يفترض أن أحميك من الجميع فكيف أكون أنا الجاني الأول والوحيد !كيف؟؟"
أغمض عينيه بقوة وهو يسحب أنفاسه لداخل صدره المشتعل بقوة,يضم جسدها الذي يرتعش بين يديه يكبله وكأنه عاجز عن تركها أكمل حديثه يسترسل في اعترافه:
"وانهارت مقاومتي,رفعت رايتي,صغيرتي الخاصة عشيقة سرية أطيب بها أوجاعي وأبحث فيها عن راحتى لأجد سعادة حرمت منها منذ حداثة سني بين ذراعيها"
عندما حاولت الفكاك منه وجسدها يهتز بين يديه أبعدها عنه برفق ليجد عينيها تناظره بوجع مهلك,لم تبقى فقط عينيها تجلده بذنب بصمت..أكمل اعترافه باستسلام وهو يواجهها:
"لم أكن أعلم أنا ألمك ولم أقصد أن أجعل وضعك مهين"
صمت لبرهة أكمل الحقيقة المرة قائلاً:
"أنا كنت غافلا يا مريم,لاهيا فيما أنهله منك وأطيب جروحي الخاصة,كنت أنانيا,جبانا كليا وأنا أبرر لنفسي...أتصدقين !أبرر لها بأن أحدا لن يحبك ويفهمك مثلي,أن ما أفعله لأحميك,فلجأت لبضع أوراق اثبت حقي فيك وتناسيت أساس العلاقة الزوجية,نسيت الحب,المصارحة,نسيت أن أفهمك,كنت اكتفي بأن طفلتي بين يدي ولن تفهم ما أفعله أو لن تهتم بتفسيره يكفيني فقط انها تتقبل ما أقدمه لها في الوقت الذي أحب وبالطريقة التي أريد بامتنان...أخرس"
أسبل أهدابه لدقيقة كاملة مكتفيا بالصمت,كأنه يحجب عنها نفسه قال بعدها قائلاً:
"لن أحاول الإنكار وادعي البطولة وإن كنت أفعل وأحاول أن أبرر خطئي في حقك"
بإقرار أردف:"لأني لو لم أكن أنانيا ما كنت ارتضيت لك الوضع السابق"
نظرت له بحدقات مهتزة كسائر جسدها وهي تتنهد بقلب مثقل بصوت خافت لائم رغماً عنها قالت:
"جيد أنك تعرف,لن أنكر أن ما رأيته الآن ربما أسعدني ولو قليلاً جعلتني أعلم أنك بالنهاية كنت تهتم وأن لدي قيمة عندك,قيمة ترضيني بقلبك وعقلك ولكنك اعترفت بنفسك أنك كنت تعاملني كعشيقة حتى لو كنت تثبت حقي فيك كعادتك في السر مستترا ولكنك حاولت وهذا ربما يغفر لك عندي ويجعلني أتقبل الماضي بشكل أسرع"
كانت تتأمل وجهه الذي بدا عليه الألم وكأنه يحمل هموم العالم فوق كتفيه لينتقل إليها ألمه رغماً عن كل ما حدث ويحدث بينهما,هي لا تطيق رؤيته يتألم أو يعاني,يكفيها الألم الذي تسببت فيه له,لقد أخذت بحقها من الجميع ومنه هو أولهم.
قالت بهدوء وهي ترفع يديها تحيط وجهه بينهما قالت:
"إذاً أنت أخطأت وأنا أخطأت ألن ننتهي لقد وعدتني في المشفى أنك لن تؤلمني مرة أخرى وأنا أخبرك أنا أتألم إيهاب من ابتعادك عني هذا يقتلني,الوجع يتسلل لي ببطء عندما أرى في عينيك أنك ما زلت هناك محبوسا في تلك الليلة التي أهنتك فيها,محبوسا في ماضينا الأسود القريب,فمتى تتحرر لما تصبح كالحلم عندما أقترب وأظن أني حصلت عليك وربحت سعادتي وهدوئي,تفلت من بين يدي هارباً وتأخذ سعادتي معك"
عندها أجهشت في البكاء مرة أخرى وهي تقول بحرقة:
"أنت قلت أن أخر دموع لي هناك على فراش مرضك,أنهيتها على صدرك إذاً لما تصر أن تجعلها تفارق عيني"
عندها احتواها مرة أخرى,بقلب وجل خائف عليها,يهددها بين يديه يراضيها وقال:
"أنا آسف,أخبرتك سوف أظل أعتذر منك كل ليلة وكل يوم إلى أخر يوم في حياتي"
ضربته على صدره بعنف وهي تشهق بغصة بكاء قائلة بسخط:
"أنا لا أريد اعتذارك تباً لك فقط توقف عن إيلامي وتذكيري بالأمر,أحب أن أخبرك كل ما قلته لا يعنيني ولا أريده"
شدد من احتضانها,يضم يديها التي تخبطه على صدره بعنف ليمددها بعدها برفق على الوسائد المحيطة بهما ويتمدد بجانبها وقال برفق:
"حسناً لا تنفعلي سأتوقف,كنت أحتاج لإيضاح بعض الأمور,لتغلق تلك الصفحة بشكل نهائي أعدك ألا أتحدث في الأمر مرة أخرى"
هدأت سريعاً وهي تدفن رأسها على كتفه ليتحول بكائها إلى شهقات متفرقة قالت بهمس:
"أنا لا أريد وعودك فأنت تخلفها معي كل مرة,أنا بالذات من بين البشر"
ضحك بخفوت وهو يسحب إحدى الوسائد ليضعها بينهما أسفل بطنها مباشرة برفق.
رفعت وجهها إليه تهمس من بين شهقاتها التي تهدأ باستغراب من فعلته البسيطة:"أنت تذكر !"
أجابها هامساً:"ومتى نسيت شيئا يخصك؟ أعلم أن تلك الوسادة تريح من ثقل حملك قليلاً أثناء النوم"
بعيون دامعة مترجية وهي تنظر إليه قالت:
"أنا لا أريد الوسادة ولا أريد حنانك الذي تحيطيني به لا أريد عاطفة الأبوة الجافة التي أصبحت تغلف سلوكك معي"
عقد حاجبيه باستفهام سائلاً:"إذا ماذا تريد أم أطفالي !؟"
علت شهقتها مرة أخرى وهو تقول بسخط:"أنا أريد أن أكل المانجو بطريقتك الخاصة"
****************
بعد يومين من حديثهما استمرت معاملته لها كما في الأيام السابقة,يحنو عليها,يعاملها برفق ولا يذكر الماضي بأي طريقة ولكنه مازال يبتعد عنها,لم يقربها بأي طريقة حتى,القبلات المسروقة منه منعها عنها تماماً,وهي توقفت,اكتفت,لم تعد تطالبه بشيء,بل تتقبل ما يمنحها إياه بصمت,تسايره في مزاحه وهزاره وانطلاقة تصرفاته معها,فقط تستمتع بتلك الشخصية التي اكتشفتها فيه بتمهل,إيهاب أخر غير هذا الجدي,الوقور والعاقل..كان يشاكسها بصبيانية طول الوقت,يمازحها وهو يحذرها أن تأتي له بفتاة وإلا سوف تعاقب,عندما استنكرت وكيف تفعل ذلك رد هذه ليست مشكلتي بغيظ منه وهي تراقب وقفته على حوض المطبخ يقوم بغسل بعض الأطباق بنفسه دعت الله أن يكون ما تحمله صبيين حتى تستمع بإزعاجه فقط كما يثير حنقها..وقفت ببطء وهي تخبره بجفاء:"أنا سأنام"
نظر إليها بطرف عينيه,وقفتها الجامدة مازالت ساخطة وغاضبة,لم تتفهم خوفه عليها,ربما سوف يجاريها,ففي النهاية هي ليست المرة الأولى التي تحمل وبالتأكيد ليس هناك رجل يمنع نفسه عن زوجته ولكن يريد بداية جديدة مميزة لهما وربما يستطيع اليوم مفاجأتها بما طلبت وقال بهدوء:"ألا تحبينني,ابقي معي قليلاً"
بنفس نبراتها الجافة ردت:"لا,إن كنت أنت تريد قربي فتعال أنا لن أمنعك"
ابتسم في أثرها بمشاكسة يستمتع بغضبها المستتر,لن تتغير طفلته الساخطة إن أرادت شيء يجب أن تحصل عليه دون إدراك العواقب,تنهد بقوة وهو يؤكد نعم طفلة وإلا ما كانت نست بسهولة كل ما حدث بينهما وتتصرف بعناد متزمت طوال الوقت.
بعد ساعة،،
رن جرس المنزل ليتوجه إلى الباب على الفور حتى لا يوقظها,بعد أن ذهب للاطمئنان عليها وجدها تغط في النوم بالفعل,يبدو أنه كلما اقترب موعد الولادة زادت ساعات نومها..فتح الباب ليجد مساعده الشخصي في وجهه,ابتسم عندما لمح حافظة الأطعمة الضخمة التي يحملها ليتناولها منه على الفور وهو يسأله بتأكيد:"من نفس العنوان الذي أعطيته لك؟"
رد مساعده باستغراب من الطلب الغريب لصاحب عمله,أرسله إلى خارج البلاد خصيصاً ليأتي فقط ببضع........
قاطع تفكيره إيهاب وهو يسأله بجدية:"أين ذهبت أكرم؟ هل هي من نفس المكان أجبني؟"
رد الآخر بعملية وهو قال:"نعم نفس العنوان سيد إيهاب,وتأكدت من الشخص الذي وصفته لي,أتيت لك بها بنفس الطريقة التي تريدها ولم يصبني إلا الإرهاق من هذا الجنون !,هل كان يجب أن أذهب لبلد أخر فقط من أجل بضع شرائح من...."
ببرود رد عليه إيهاب قائلاً:"أذهب أكرم,لا أحد طلب شرحك ورأيك العاقل,ولا أريد سردا لمعاناتك,لذا هيا من هنا"
أغلق الباب في وجهه بدون سلام !. هبط المساعد يضرب يدا على الأخرى وقال:
"لا حول ولا قوة إلا بالله,كنت عاقلا قبل زواجك سيد إيهاب,رحم الله عقلك الذي كان يزن بلدا بأكمله..."
أما الأخر كان ينظر لما بين يديه بانتصار..كان قلبه يرتجف إثارة وترقب من ردة فعلها,عندما ترى ما بين يديه,توجه مسرعاً إلى الغرفة وهو يعقد العزم على أنه حان وقت مراضاتها وربما مراضاة نفسه فيها,لن ينكر أنه يحترق ولا يستطيع إلا تخيلها بين ذراعيه يحرقها طوفان أشواقه.
وضع العلبة جانباً,ليجلس بجانبها على الفراش يكاد يلتهمها بنظرات عينيه الجائعة وهو يوقظها بتعجل,فتحت عينيها بتشوش قلق تنظر لعينيه اللامعة..اعتدلت على يديها نصف اعتدال وهي تسأل بعدم فهم:"ماذا هناك؟؟"
أمسك كتفيها يضمها إليه باختناق عاطفي ربما يستطيع أن يوصل لها حدة مشاعره ويجعلها تفيق سريعاً.
تأملته عاقدة حاجبيها وهي تزيح عنها أثار النوم قائلة بتعجب:"ماذا إيهاب ما بك؟؟"
أبعدها قليلاً وهو ينظر إليها بعبث قائلاً بإثارة:"أريد أن أكل المانجو يا قلب إيهاب"
تأملته بترقب وهو يقترب منها كانت تريد أن تستفهم ما الذي يحدث معه ولكنه لم يعطها حتى الفرصة وهو يميل عليها ليغيب عقلها معه في قبلة عاصفة جائعة شغوفة..بادلته قبلته بتعطش,رفعت يديها تضمه إليها بلهفة تستقبلها كتائه في صحراء ووجدت قطرات ماء..أما هو فكان يتحرر بها من كل قيد فرضه عليها وعليه في الشهور الماضية ،كان يتحرر من كل ألم مر عليهما يستسقي منها كل حرمان في بعدها عنه كان يأخذ بلهفة يبتلع دون شبع ولكنها كانت مختلفة فقد كان يمنحها دون أنانية كما يأخذ منها..انفصل عنها مرة أخرى ليضع جبهتها على جبهته وأنفاسه الثائرة لم تهدأ.
قالت هي بمشاكسة وأنفاسها هي الأخرى لم تهدأ:
"لا تقل أنك أتيت توقظني لتقبلني كالعادة وتعطيني إحدى محاضرتك في عدم أهمية العلاقة الزوجية بيننا"
ضحك بأنفاس متقطعة وهو يمد يده يأخذ حافظ الطعام يدسه بينهما قائلاً بشيطنة صبيانية يجاريها:
"لا بل أيقظتك لأشرح لك أهمية تلك العلاقة وأنا سوف أموت فعلا إن رفضتِ"
نظرت لما بين يديه وهي تقول:"هذا يتوقف على معرفة ما بين يديك لأني ربما وفقاً لغيظي منك قد أفعلها"
مال إليها مرة أخرى يُقبل عنقها بقُبل نارية يتمتم من بينها:"هل أهون عليك؟؟"
تمسكت بكتفيه ومازالت الحافظة بينهما قالت وما يفعله يذهب بعقلها:"لا ..لا أستطيع"
ابتعد مرة أخرى يبتسم بانتصار خبيث وهو يفتح الحافظة قائلاً:
"كنتِ تريدين أكل المانجو على طريقتي وأنا كنت أريد من يومها أن أطعمك إياها قطعة..قطعة في كل لحظة بيننا ولكن آثرت الانتظار"
أردف يوضح وهو يمد يديه يحرر إحدى الأطباق المتراصة بداخل الحافظة ليلتقط إحدى القطع بيديه يقربها من فمها و قال بعبث يراقب تألق عينيها اللامعة بعشقها الذي لا ينتهي إليه:
"لقد أرسلت في طلبها لكِ من نفس المكان رأساً وهذا ما جعلني أتأخر في تلبية طلبك"
وراقب كيفية مضغها وتقلب شفتيها مع كل قطعة ببطء,تلطخ بتعمد جانب فمها..أبعد الحافظة بإهمال محتفظاً بإحدى الأطباق بينهما ليدسه سريعاً بين ذراعيها فيسحبها لجسده وكله مشدودا,ملهوفا لوصالها,ليهمس لها بضراوة:
"سوف أطعمها لك بطريقة جديدة مبتكرة غير الطريقة الأولى"
عندها ارتفعت ضحكتها وهي تضم الطبق بينهم تهمس له بهمسها القديم:"حبيبتك بين يديك ولم يمنع أحد عنك تعليمها ما تريد وبالطريقة التي تحب"
انقض مرة أخرى على شفتيها ينهل منها بشغف و بجوع ضار إليها يشعر بطعم المانجو من بين شفتيها.
قال بإختناق وبعاطفة واضحة وهو يضمها إليه يرجعها إلى الوراء برفق:
"اشتقتُ إليكِ وافقي عقلك وإمسحي كل ما فات,الليلة يا مريم بدايتنا,لن تتألمي من قربي,لن اشعر بالذنب وأنت لن تتحملي العار سوف تتحررين يا مريم لن تتذكري شيئا إلا أنا وأنتِ,أنا زوجك أمام الجميع وأنت إمرأتي,ذوبي فيّ يا مريم وتلاشي بعاطفتي تذكري دائماً أنك قلبي وروحي يا ناعمة"
أنهى طلبه وهو يغمرها بين أحضانه يغوص في نعومتها بشغف يعوضها عن كل فعل سابق منه بقصد أو دونه يحررها ويتحرر من خوفِ كان يلازمه عند كل اجتماع بينهما..وهي كانت تذوب بدون تحفظ تتلاشى بدون خوف تعطيه بدون ترقب..فقط تتحرر !
بعد وقت،،
كان يضمها إليه بتشدد ويده تلتمسها باجتياح لم يهدأ ويدها هي تتشبث بِه كالغريق الذي وجد منقذه,كانت تدفن رأسها في صدره.بينما اكتفى كليهما بالصمت عقب مشاعرهما المتفجرة التي تبادلاها بدون تحفظ ..لم تجد ما تقوله وأنفاسه المشتعلة لم تهدأ بعد..حاولت التحرر من تشبثه بها فرفض وهو يثبط محاولتها بسهولة قالت بصوت خافت ووجهها يتورد:"أريد الاستحمام بقية المانجو ملتصقة بي وتزعجني"
هز رأسه برفض وهو يتأملها يبدو أنها وأخيراً تحلت ببعض الحياء و الخجل بعد أن حقق لها ما تريد..ضمها وهو يعيدها لنومها قائلاً:
"آسف حبيبتي ربما بعد وقت ما لأن هناك عهد أخذته على نفسي بأني لن أتركك لوقت طويل بعد كل مرة يحدث فيها شيئاً بيننا,هل هذا مفهوم !"
استسلمت ليديه بصمت وهي تعود لتغوص بين ذراعيه بطواعية.
ليلاً فتحت عينيها وهي تشعر بألم يضرب أسفل بطنها ويتردد صداه في ظهرها,اعتدلت قليلاً تبتعد من بين ذراعيه وهي تشعر أن هذا الألم مختلف,هذا ما نبهتها الطبيبة وحدثتها عنه..تأملت أنفاسه المنتظمة بجانبها,مترددة في إيقاظه,كان قد خلد للنوم مباشرة بعد استحمام كليهما وعندما خرجت هي بعد حمامها الطويل بالماء الدافئ وجدته غير غطاءالفراش بنفسه ليسحبها برفق يضمها إليه مرة أخرى,يأمرها بهدوء أن تلجأ للنوم..نظرت للساعة بجانبها فوجدت أنها لم تصل لمنتصف الليل بعد,لم يستغرقوا الكثير من الوقت في النوم,عادت من أفكارها الشاردة وضربة جديدة تنبهها وتؤكد لها أن الموعد قد حان وولادتها بالتأكيد قريبة..أخذت قرارها لإيقاظه على الفور..أنفاسها المتلاحقة ويدها الرقيقة التي ربتت على كتفه توقظه من النوم نبهته أن هناك خطب ما بها,اعتدل على الفور ينظر لها وتفحص وجهها الذي يتغضن بالألم قليلاً سألها متلهفا بقلق تمكن منه:
"ما بكِ حبيبتي؟"إغتصبت ابتسامة حتى لا تجزعه ويديها تضغط على بطنها:"أعتقد أنه حان موعد الولادة".
أغمضت عينيها بيأس منه وهي تراه يقفز من الفراش يتخبط في ظلام الغرفة يبحث عن ملابسه ويشرع في ارتدائها بعجل..استطاعت أن تناديه بهدوء عندما ذهبت أول نوبة انتابتها من المخاض تعلن عن بداية ولادتها فقد أخبرتها الطبيبة ونبهتها ألا تتسرع عند أول نوبة ألم تأتيها لأن الأمر قد يستغرق ساعات:"إيهاب إهدأ"
اقترب منها سريعاً يحاول حملها بدون حتى أن يهتم بالرد عقدت حاجبيها وهي تزيح يده الممتدة لجسدها باعتراض:
"ماذا تفعل؟! أخبرتك..."
كزّ على أسنانه و قال:"وماذا تعتقدين أني أفعل؟ أنت تلدين وكل ما تفعليه الآن الاعتراض"..
كان ردها الضحك على منظره غير المهندم لتخبره عندما رأت غضبه الذي بدأ في التصاعد:
"لا تغضب لكن عندما تخيلت ردة فعلك,أنت ميؤوس منك حبيبي"
نبهها باعتراض وهو يحاول حملها مرة أخرى قائلا:"لا وقت لتعليقاتك السخيفة"
احتل بعض الذنب صوته وهو يحملها بين يديه وقال:"أخبرتك أنه يجب ألا أقترب منكِ,بالتأكيد ما حدث بيننا عجّل في ولادتك"
عندها ارتفعت ضحكاتها وهي تتعلق بعنقه أردف بغيظ:
"أنت معدومة الإحساس،,يا حمقاء معاد ولادتك لم يتبقى عليه سوى أسبوع"
أكمل بعدها وهو يتأمل وجهها ويتحرك لباب الغرفة:
"هل ستصبح هذه عادة لدينا؟! كلما أقترب منك تحدث كارثة!"
لم ترد وهي تستمتع بقلقه البادي وتخبطه وهو يحملها أكمل بصوت قاطع:"أنا لن أقترب منك مرة أخرى"
ضحكت بدلال وهي تقترب تلمس جانب فكه لتبتعد تضغط على حروفها بثقة نابعة من مشاعره التي يحيطها دائماً بها وهي تنظر لعينيه:"كاذب لن تستطيع أن تقاوم قربي يوماً"
توقف وهو ينظر لمظهرها الصاخب بفعل عبث يديه منذ ساعات..يتأمل عينيها اللتين تخلصتا أخيراً من نظرة العار والذنب عند كل علاقة حميمية تحدث بينهما ثقة في حبه لها وقال:
"بالتأكيد أستسلم,أعرف أني كاذب ومهما ابتعدت سوف أسلّم كل حصوني بين يديكِ يا قلب إيهاب"
الصمت الذي تبادلاه مع العينين واثقتي النظرات كانت تكفي عن أي كلام آخر..الحب والتحرر من أي اتهام لهما والمصارحة هذا ما كان يحتاجانه,عندما تغضّن وجهها مرة أخرى وأنفاسها ارتفعت لاهثة عاد لقلقه مرة أخرى ليتحرك سريعاً ناحية باب الشقة يهم بالخروج لتوقفه:
"إيهاب توقف أرجوك وأنزلني,هناك وقت طويل قبل الولادة"
اعترض:"هل جننتِ؟ انظري لنفسك"
بتبرم ردت:"إيهاب أنا أتألم ولا ينقصني جنونك الآن,أعلم أنك قلق ولكن اسمعني انزلني الآن وتوجه للهاتف وأخبر فريدة بما يحدث"
رد ببرود يحاول مداراة خوفه:"أنا لن أستمع إلى جنونك بل سأخرج من باب الشقة وأتوجه بكِ لأقرب مشفى"
لتصرخ به:"إيهاب سوف تستمع بما أخبرك أن تفعله,الأمر قد يستغرق ساعات طويلة أنا أعرف ما أفعل,لن تتم الولادة الآن..اتصل بفريدة الآن واتركني"
حاول الاعتراض:"لكن..."
بحزم ردت:"لا لكن,أنا من أتألم وأنا من سأنجب لك طفليك وإلى أن يتم الأمر سوف تستمع لي"
باستسلام لا يريد أن يزيد من ألمها أنزلها برفق ليمددها على الأريكة الواسعة مال إليها بعدها يضع جبهته على جبهتها قائلا بخفوت:"حسناً يا أم أطفالي سأكون طوع يديك اليوم فقط ولكن بعد الولادة انتظري العقاب"
تركها على الفور ليتحرك إلى الهاتف..تحدث مع الطبيبة باختصار ووضّح لها رفض الأخرى توجهه للمشفى لتؤكد عليه أن رأي مريم هو السليم وربما يستغرق الأمر ساعات طويلة فمن الأفضل ألا تتحرك إلى هناك إلا عندما يتكرر ألم المخاض بشكل متسارع ليخبرها إيهاب بعدم اقتناع:
"ولكنها تتألم ألا يجب أن تذهب لتعطوها أي مسكن أنا أعلم أن الأمرسوف يزداد سوءا".
ردت فريدة بهدوء:"هذا طبيعي إيهاب فلا تقلق وساعدها على الاسترخاء قلقك ربما يؤثر عليها سلباً"
"وكيف أفعل هذا؟"
بعملية أخبرته:"اهدأ أنت وشتت انتباهها عن الألم في الساعات القادمة"..
أغلق الهاتف وهو غير مقتنع بما قالته الطبيبة أو ما تصر عليه هي..
توجه إليها ليجد أن نوبة المخاض قد هدأت وتنظر له ببراءة مفتعلة تحسد عليها وهي تقول:
"أخبرتك لا داعٍ لتثير ضجة منذ الآن"
جلس القرفصاء يجاور الأريكة يمسّد على يديها قائلا:
"أنا خائف عليكِ لِمِ ترفضين؟ دعينا نتوجه من الآن سأكون أكثر اطمئنأنا"
ارتفعت يداها تحاوط يده بين كفيها إبتسمت قائلة:"وأنا حُرمت الكثير أثناء حملي,كنت دائماً أحلم بمجاورتك لي يوماً بيوم"
أردفت برجاء:"لذا أرجوك حبيبي أريد أن أخوض الأمر كاملاً أنا وأنت فقط إلى أن تأتي اللحظة الحاسمة"
ابتسم بدفء يتفهم طلبها وحقها في التعويض الذي لم تكف عن المطالبة به منذ أن عادا سوياً..أنزل يدها المحيطة بوجهه وقف وهو يشدها معه يضمها إليه ويقبّل قمة رأسها وقال بصوت هادئ يحجب عنها خوفه الذي قد يصل لحد الذعر قائلا:"إذا دعينا نشتت انتباهك وانتباهي"
"وكيف ستفعل؟!"سحبها برفق ناحية الشرفة الواسعة وهو يخبرها:
"أتذكرين مرحنا تحت المطر في أسبانياً؟"
ابتسمت وعينيها تخبرانه بكل ذكرى سعيدة مازالت عند ذكرها تبهجها ردت بدلال يرافقها:"وهل نسيت يوماً؟"
أوقفها في منتصف الشرفة ليواجهها وهو يميل يلثم وجنتها قائلاً بصوت مفعم بالعاطفة:
"إذاً سوف أراقصك تحت المطر إلى أن يقترب الوقت المناسب ولن أتنازل عن هذه الرقصة صغيرتي الشقية"
باستغراب سألته:"ومن أين ستأتي بالمطر؟! يبدو أن اقتراب الولادة جعلك فاقد الإدراك".
لثم جانب ثغرها بخفة وهو يؤكد لها:"سوف تعاقبي على كل كلمة يا ناعمه فاحترسي للسانك"
رفعت يدها ضاحكة تكتم فمها وراقبت ابتسامته التي ارتسمت من رد فعلها وهو يتركها ليفتح لوحة مفاتيح جانبية يعبث بها أنزلت يدها ببطء وهي تنظر لسقف الشرفة بانبهار وقطرات الماء تغرقها..اغرورقت عيناها بالدموع تأثراً,نادته بصوت خافت متأثر بفعلته:"إيهااااب!"
اقترب منها وهو يضمها عندما صدحت أغنيه (لماجده الرومي) (كلمات) في أرجاء الشرفة..أمسك يديها ليحاوط بهما عنقه لتتسلل يداه يحاوط خصرها المنتفخ يهمس لها وهو يقبل كل جزء من وجهها بهدوء:
"المطر كان شاهدا على كل لحظة سعادة أعيشها أول مرة بين يديكِ فأردته أن يشاركنا دوماً لحظاتنا الخاصة عندما نريد"
همست له بإرتعاش وعقلها يتناسى الألم الذي يأتيها خفيفا على فترات متفرقة:"لم تخبرني!"
"كنت أنتظر وقتا مميزا يا ناعمتي"
ألصقت جسدها به بتملك تشده إليها همست بنعومة:"أحبك"
ابتسم وهو يدفن رأسه في طيات شعرها التي تغرقها المياه الخفيفه المنهمره فوقهم:
"وأنا إن أخبرتك كل كلمات الحب التي أعرفها لن تستطيع أن تصف لكِ كم أعشقك حتى النخاع يا روح الروح"
رقصه الهادي معها وهو يحركها مستسلمة بين ذراعيه,يرفع ذراعها بحرص وهو يلفها حول نفسها بالتوافق مع النغمات الهادئة وسحر المياه التي تغرقهم سوياً لتكمل دورتها حول نفسها ويعود ليدفنها بين أحضانه مرة أخرى بحنو برفق وتمهل أصبح ملازما لتعامله معها..كل كلمة كانت تصل لمسامعها كانت تصف حالتها معه رددت له وهي تهمس وعينيها تبرقان سعادة وعشقا
(يحملـني معـهُ يحملـني لمسـاءٍ ورديِ الشُـرفـات وأنا كالطفلـةِ في يـدهِ كالريشةِ تحملها النسمـات يحمـلُ لي سبعـةَ أقمـارٍ بيديـهِ وحُزمـةَ أغنيـات يهديني شمسـاً يهـديني صيفاً وقطيـعَ سنونوَّات يخـبرني أني تحفتـهُ وأساوي آلافَ النجمات و بأنـي كنـزٌ وبأني أجملُ ما شاهدَ من لوحات)
قبّل طرف أنفها وهو يخبرها بصوت يماثل همسها:"طفلتي ومليكتي وسيدة قلبي الوحيدة هي أنتِ"
استمر رقصهما الهادي بعض الوقت وألامها تزداد وتيرتها بين كل وقت وآخر بتسارع متقارب تركت يديها من محاوطته وهي تميل تمسك أسفل بطنها,تطلق تأوها خافت..اقترب منها بقلب خافق مشفقا عليها,انحنى يوازي انحنائها ليضع إحدى يديه أسفل بطنها ويده الأخرى تمسد على ظهرها يمنحها القوة والمساندة عندما أطلقت تأوها عال هذه المرة. كان إعلان صريح منها أنه حان الوقت للتحرك. ليبدل ملابسهم المبتلة في وقت قياسي وهو يحاول ان يعطيها كل دعمه ويتحرك فورا بعدها الي المشفي
***********
بعد وقت,,
في المشفى كانت تبكي بنحيب متألم,تصرخ بدون قدرة على التوقف,تتمسك بيديه وهي تستنجد به من ألمها. لقد رفض المغادرة لقناعته ألا يتركها لوحدها في غرفة الولادة. كان مصرا على أنها لن تخوض ألم المخاض وحدها ومع تعلقها هي الأخرى به لم تكرر طبيبتها محاولتها لإخراجه..ضمها إليه بتلهف قلق,الخوف والرعب تمكنا منه بينما يكتمها وصراخها الحاد في كتفه,فيأخذها بين أضلعه بقلب وجل يكاد يفقد أنفاسه مع كل صرخة متألمة ومتوجعة تخرج منها تمسكت بكتفيه وكأنه نجدتها,تهدر من بين صراخها ودموع الألم لا تتوقف:
"أنا أموت إيهاب أفعل شيئا ما جسدي يتمزق اااااااه"
مع كل آه صارخة تخرج منها كان هو الأخر يزأر بآه متألمة بدون تحفظ كأنه يمر بنفس الألم الذي تمر به فيمزق قلبه المرتعب لأشلاء..هدرت الطبيبة به:"أنت هنا لتساعدنا لا لتزيد رعبها وألمها"
بدون أن يلتفت إليها كان يرد بإستسلام وقلبه يخفق بعنف ووجهها المعذب وأنفاسها المتلاحقة تقتله:
"لا أستطيع,أنا أشعر بها"
حاولت أن ترشده وترشدها بهدوء وسيطرة:
"مريم حبيبتي تذكري كل ما أخبرتك به وجهي ألمك وتركيزك لخلاصك وخلاص طفليك تشجعي حبيبيتي لقد قاربنا على الانتهاء"
ضمها إليه وهو يحتضن جسدها العلوي قائلاً بتلهف:
"أفرغي ألمك بي أنا تشجعي حبيبتي أسمعتِ لقد اقترب الأمر دقائق قليلة وتحملين طفلينا بين يديك"
كان ردها بصراخ متألم وأنفاسها المتلاحقة لا تساعدها وهي تخبره بشهقات متوجعة وعينيها تفز بوجع:
"لا أستطيع الأمر فوق طاقتي"
خرجت آه أخرى منها تدفنها به رغماً عنها,كانت تعصر ذراعيه تنخز لحمها بأظافرها وكأنها تبثه ألمها ليشاركها به لم يبالي بالألم المنتشر على طول ذراعيه وإحدى أظافرها تنبشه لتطول ذراعه الذي مازال متضرر ولم يلتئم جرحه بعد كانت أظافرها التي تنبشه فيه تسيل دمائه المترافق مع صرخاتها المنسابة ودمها المرافق للولادة شعر أنه يشاركها رحلة وجعها لإنجاب طفليه ولو بشيء ضئيل ..كان يعاني مثلها خوف وألم وترقب لم يكن يعنيه رؤية طفليه في هذه اللحظة كانت كل دعواته الصامتة وابتهاله الخالص لله أن يخلصها هي من هذا الوجع سريعاً وتعود له سالمة معافاة. خرجت صرخة منها أكثر قوة تحمل من الألم ما لا يوصف مع كتمها في ذراعه تنهشه بأسنانها بدون سيطرة لتخرج صرخة مترجية منه هو:"يا رب"
تترافق مع صرخته خروج أول أطفاله للحياة.
لم يتزحزح عنها وألمها مازالت إماراته جلية على ملامحها فتعلن عما تعانيه,لم تترك ذراعه ولم يبعدها والطبيبة تعاني معها لإخراج الأخر,ولم تمر دقيقة أخرى إلا وكانت تخرج للنور معلنة عن قدومها بصرخات طفلة,تعلن عن إنتهاء الأمر أخيرا. هدأت أنفاسها فجأة وتراخت يديها التي كانت تتشبث به لتعود فتستلقي على سريرها بإنهاك وتغمض عينيها بإرهاق. فقط أنفاسها المتلاحقة وصدرها الذي كان مازال يهبط ويعلو بانفعال كانت من تطمئنه أنها مازالت هنا معه. اقترب منها بلهفة يناديها بمعاناة حقيقية نابعة من قلبه المحترق:"مريم حبيبتي؟ حدثيني مريم؟ أنت بخير؟"
فتحت عينيها ببطء ووجها المحمر من البكاء والانفعال يغطيه العرق ويلتصق شعرها بجبينها ووجهها. أجابته بإنهاك وصوتها الضائع من أثر الصراخ يأتيه مبحوحا:"لقد فعلتها أتيت لك بطفلين,معجزتنا الصغيرة"
دفن وجهه في عنقها المتعرق يؤكد لها بصوت يماثل صوتها يردد كلامه لها:
"حبيبتي القوية لقد فعلتها...فعلتيها واجتزت الأمر يا ناعمة"
لفهم الصمت وهي تضم رأسه في نحرها بكلتا يديها بتعب,أنفاسها المتلاحقة كأنفاسه تعود للهدوء ببطء. لم يعلم أحدهما كم مر على الأمر ولم يلتفت أحدهما للطفلين ولو مرة واحدة. الرعب المتمكن منها والجزع لم يكن يمهله للتفكير في أحد ما عداها هي,أن تكون سليمة معافاة تضمه كأنه طفلها,تبثه الراحة أخيراً وتحرره من الذنب عند رؤيتها تعاني بسببه مرة أخرى..قاطعه هز الطبيبة لكتفه,فرفع وجهه إليها وعينيه التائهة النظرات لا تسعفه إدراك بغيتها من تنبيهاتها المتكررة,فأمرته برفق:"ابتعد لتضم طفليها"
راقب بعينيه حلمه أمامه يتحقق,بين ذراعي الطبيبة التي تضمهما إلى صدرها برفق وتنقلهما إلى صدر مريم مباشرة,قائلة بفخر:
"هل تعلمين أني أنا التي كانت تعاني رغم أني قمت بهذا الأمر ألاف المرات من قبل ولكن هذه أول مرة اشعر أن الأمر يخصني وحرصي على حياتك وحياة طفليك كانت ترعبني لذلك أردت أن احتضنهما وأعطيهما لك بنفسي"
ضمت طفليها إلى صدرها ودموع الفرحة تلتهم ملامحهما الصغيرة بعدم تصديق,تغرق وجهها المتعرق وتنزل على صدرها شلالات متدفقة كبحور ,راقبت وجهه المذهول مما يرى,هل هو في حلم؟ طفلته سليمة أمامه,تضم طفلين يحملان دماءه,جزئين منه. اقترب بوجل تخالطه اللهفة لينحني يضم ثلاثتهم بلهفة واشتياق. قلبه الذي يدق بعنف ورهبة يكاد يقفز من بين أضلاعه بدوي هادر,يكاد يقسم أن دقاته تفضحه فيسمعه كل من في الغرفة. وأجهش بنشيج عال في البكاء بدون تحفظ,دموعه تخالط دمعها,دموع كان يكتمها منذ أشهر,منذ تهديدها له بقتلهما,كان يكتمها بكبرياء وقد حان وقت خروجها بدون خجل أو تحفظ من أجل معجزته التي بين ذراعيه,ومن يلومه أو يستهين بدموعه,فهو قد صار أب!تمت
–
أنت تقرأ
دقات محرمة
Romanceرواية (دقات محرمة ) دقات كانت اول تجربة فعلية للكاتبة فى العمل الادبى تاخذ شكل جدى ..وتحليل نفسى وقضايا اجتماعية شائكة ... ولم اقتصر على تناولها في العالم العربي ولكن قصدت ان ادخل فيها ..اخطاء المغتربين منا فى خارج البلاد .. وهذا سيكون سيرة كل السلس...