السابع عشر

21.4K 435 7
                                    

الفصل السابع عشر-

دلف إلى المنزل وسط صخب إبنته وهدرها في الحديث الذي لم يتوقف معه..أخبرته عن مدى سعادتها لأنها ستعود مرة أخرى للعيش معه وفرحتها أنه لن يتركهم مرة أخرى ..منذ تحركهم من هناك متوجها إلى بيته لم يسمع كلمة واحدة من أمها ساهمة تنظر من نافذة السيارة على الطريق ومن وقت لآخرتنظر للخلف إلى ابنتيها..تبتسم لميرا التي حاولت أن تشركها في حديثهم بدون جدوى وهي توجه لها الأسئلة من وقت لآخر لتكتفي بالابتسام لها وتعود لشرودها,لا يعلم فيما تفكر؟ وماذا يأخذ عقلها؟ يعلم جيدًا أن عودة إسراء معه من أجل طفلتيها.ربما ما حدث مع عائلتها جعلها أخيرًا تنتبه لميرا وتاليا وتفكر في مستقبلهم,لا ينكر انه سيستغل هذه النقطة جيدًا لجعلها تبقى معه حتى يستطيع مرة أخرى اكتساب ثقتها،ويجعلها تصدقه,ولكن الخطوة الأهم لابد لإسراء أن تحصل على مساعدة يجب أن تُخرج ما بداخلها لمتخصص وهو سيتحمل من أجلها ومن أجل أطفاله إلى أن يبدأ معها البداية الصحيحة.
دخلت ورائه بدون صوت وراقبته كيف يتعامل مع ابنتيه وحديثهم الذي لا تستطيع إنكار مدى السعادة التي ظهرت على وجهه من احتضانه لهن. لم يمل من حديث ميرا الكثير لحظة واحدة بل يشجعها على الاسترسال في الحديث أكثر وكأنه يعوض نفسه عن فترة غيابهن عنه..التفت إليها بعد أن استقروا داخل المنزل ووضع أمتعتهم وقال لها بصوتٍ أجش:"يجب أن نتحدث إسراء وحدنا,أعلم أنك أتيت ربما مجبرة من أجل البنات ولكن يجب أن نتحدث ونحدد ما هو شكل مستقبلنا من أجل مصلحة الجميع."
أجابته ببرودها المعتاد عندما تريد أن تعلم الشخص أنه لا يعنيها:
"إذًاً أنت تعلم أني أتيت من أجلهما هذا جيد مراد لأني أريد أن أخبرك أنه لا حديث بيننا ولا مستقبل. دعنا نتفق أننا هنا بناء على رغبتك وكلامك من أجل مصلحتهما فقط"
أجابها بصوت رتيب -يعلم جيدًا كل ردودها ومتأكد من رفضها للحديث,طريقه طويل معها ولكن يجب أن يأخذه بصبر كما وعد نفسه:
"سنتحدث إسراء رغمًا عنك وعني ولكن بالتأكيد هذا ليس وقته والحديث لن ينفع أمام ابنتينا."
إنتقل في الحديث سريعًا وهو يجلس بجانب ابنتيه وهو يسألها مازحًا وكأنهم أسرة طبيعية:
"هل تناولتِ أي طعام اليوم؟ أنا جائع منذ أن استيقظت ولحقت بك,لم أجد وقت للأكل وأنا أحارب من أجل أن أفوز بالأميرة."
رفعت حاجبيها مستغربة كلامه ولكنها أجابته بصوت عادي:
"لا لم أجد وقتًا أنا أيضًا."
قاطعتهم ميرا تخبره:
"وأنا أيضًا بابا أشعر بالجوع,سحر لم تقبل أن تجعلني أتناول الباستا وقالت هذا للغداء."
نظر لإسراء التي لم تتحرك من مكانها منذ أن دخلا إلى المنزل وسألها مدعيًا الاستغراب:
"ماذا إسراء!! هل ستستمرين كثيرًا في تأملنا,لقد سمعتي بنفسك أنا جائع وأنت بالتأكيد جائعة وميرا تريد الباستا."
"وماذا تريدني أن أفعل بالضبط؟"
وقف من مجلسه وسحبها وراءه متوجهًا إلى المطبخ وهو يخبرها:
"أريدك أن تجهزي لنا الطعام بالتأكيد,ستجدي كل شيء متوفر هنا,لن تحتاجي شيء."
تركها وتوجه إلى الخزانة جلب لها المواد وبدأ في إشعال الموقد إلتفت لوقفتها التي لا تبدي أي ردة فعل ليتنهد بصبر وهو يتحرك مرة أخرى إليها رفع يده ومرر أصابعه على طول خدها و قال لها بهدوء:
"اشتقت للطعام من بين يديك حبيبتي ..مشتاق لكل لمساتك التي تضعيها على كل ركن من المنزل."
أرجعت رأسها للوراء وأبعد وجهها عن مرمى يده
( كانت تعلم أنها بمجيئها معه ,انه سيستخدم كل الطرق الشرعية و الغير شرعية ليسيطر عليها ,و إحيائه ذكريات الماضي ما هي إلا البداية ,لكنها أبدا...أبدا لن تخضع....والله لن تقبل ب الخيانة ,لن تقبل بمجاراة الحياة و الإستمرار كأن شيء لم يكن....كأنها لم تراه بعيناها )
قالت ببرود:
"مراد..لقد أخبرتك أسبابي في التواجد هنا فلا تحاول الاقتراب مني أو أن تتعامل بحميمية هكذا والتظاهر بأن شيئًا لم يكن وبأننا أسرة طبيعية."
عاد للموقد و أخبرها كأنه لم يسمع ردها:
"أنا سأساعدك لتنتهي سريعًا,أجلبي البنات إلى هنا."
بعد نصف ساعة من تجهيز الطعام الذي حضروه سويًا بدون أي اعتراض منها في جو أسري بوجود طفلتيه جلسوا جميعا حول المائدة المستديرة قام هو بغرف الطعام وتقديمه لهم ليضع الطبق أمامها بعد أن دعاها للجلوس قبله
همس لها في إذنها بصوته الأجش:"كالأيام الخوالي حبيبتي عندما كنتِ تجهزين الطعام لنا بنفسك وتتركي مهمة تقديمه لي أنا يا فتاتي المدللة."
علمت أنه يحاول أن يذكرها به يريد الضغط عليها بتذكر كل أوقاتهم الحميمة والسعيدة التي قضوها سابقًا سخرت داخل نفسها كم أنتم مغرورين أيها الرجال,لمجرد أنه أخبرها بعدم خيانته وارتضت أن تعود معه يريد أن ينسي كل ما كان وكأنه لم يحدث,بل ويطالبها بذلك لا والله لن تفعل هذا بنفسها مرة أخرى وتثق به.
لم تبدي ردت فعل وهي تأخذ (الشوكة) تغرسها في طعامها وتتناوله بهدوء.
فقط اكتفت بالنظر إليه وهو يجلس بين الطفلتين وجل اهتمامه مركز عليهما ويساعد الصغيرة بنفسه في تناول الطعام,وجه لها الكلام بعد لحظات:" أخبرتني أن هناك من تعتني بهن..المدعوة سحر هل تفضلين أن تأتي بها إلى هنا؟"
أجابته باقتضاب:
"لا..لا أريدها."
رد عليها يخبرها:
"كما تحبي،أنا سأكلم أحد المكاتب ليأتوا لك بأحد جيد يساعدك في أمور المنزل ورعايتهم."
أجابته بحزم:
"لا يا مراد أخبرتك لا أريد سحر أو غيرها. منذ هذه اللحظة لن يعتني ببناتي غيري ولا أريد أحد في المنزل,أنت قولت أنه منزلي وأتصرف كما أريد فيه أم تراجعت في كلامك."
أجابها بنبرة عادية:
" كما تحبي فهذا بيتك وأنا مازالت عند كلامي أفعلي ما تشائي فيه."
حدث نفسه نقطة جيدة سيحاول استغلالها أن يشركها في كل شيء يخصه وأن يكون تركيزها على الطفلتين لا حياة الحفلات والنوادي التي علم عنها عندما تقصى عن أخبارها في العام الذي قضته مع إلهام.
يريدها أن تعود كسابق عهدهم عند بداية زواجهم رفضت بشكل قاطع أن يأتي أي أحد يساعدها وأن يشاركهما حياتهما كما قالت له وقتها,وعند ولادتها ميرا أيضًا رفضت وكان يحاول مساعدتها بنفسه في كل شيء,لا يعلم كانت حجتها وقتها أنها شعرت أن البيت مملكتها الخاصة ولا تريد أحد به كانوا يكتفوا بشركات التنظيف من وقت لآخر.
بعد انتهائهم من الطعام قامت هي بتنظيف كل شيء وإعادته لمكانه ..وخرج فوجدته نائمًا على الأريكة التي قضوا عليها ليلتهم السابقة,ويحتضن ابنتيه على صدره ابتسمت رغمًا عنها لمشاهدتهم هكذا.
هذا هو ما تتمنى أن ترى ابنتيها فيه دائمًا..الشعور بالأمان وهذه الابتسامة التي لا تفارق ثغرهم منذ أن رأوه.
أقسمت في سرها ستفعل أي شيء من أجل استقرارهما.
****************
"مرحبًا بالأجنبية."
رفعت عينيها تنظر للواقف بجانبها وهي تجلس على الأرض بجانب تلك البحيرة التي تجاور حديقة منزل هناء.
عادت بعينيها للبحيرة التي أمامها,كم شعرت بالاستقرار هنا. ربما الألم لا يفارقها وقله الحيلة ولا تعرف ماذا تفعل في مستقبلها ومستقبل أولادها المظلم ولكن رغم كل هذا شعرت بالسلام النفسي في هذا المنزل وسط زيارات مَي التي أخيرًا استطاعت أن تأتي لها بشكل منتظم وتتحدث معها لساعات وتجالسها. وهناء التي لا تتركها لحظة تحاوطها باهتمام لها وحتى لطفليها تهتم بغذائهما وأدويتهما شعرت أنها تراقبهم دائما تعلم أنه حرص عليها.
عاد الواقف بجانبها لمحادثتها ومال ليجلس بجانبها يجاورها على الأرض:
"أنا أحدثك يا أمريكية لما لا تردي أم أنكم لا تحدثون من هم من العالم الثالث."
لم تنظر له وهي تهز رأسها بيأس وتبتسم رغمًا عنها..إنه نزار إبن هناء طالب في أخر سنة من الثانوية ..شخصية مرحة كم تعجبها علاقته بأمه,عادت لتتأوه داخلها.
يبدو أن كل البشر علاقتهم جيدة بأمهاتهم إلا هي,ولكن ربما بدأت تقتنع بكلام هناء..العيب ليس فيها ..إنها شعرت بمحبة هناء لها حقًا,وتذكرت أيضا كيف أن حماة مَي استقبلتها بحنان ورحبت بها إذاً ربما في النهاية العيب ليس بها هي بل فيهم هم مثلما حاولت أن تقنعها هناء..عاود رفيقها الحديث مرة أخرى بإلحاح:
"يا أجنبية..هيا تكرمي وردي عليّ"
تمتمت له بهدوء وهي تهز كتفيها بلامبالاة:
"لا توجد أجنبية هنا لترد عليك نزار..أخبرتك عشرات المرات إسمي مريم."
هتف متصنعا الانتصار:
"هاااي هذا هو..لقد بدأنا ..مريم اللا أجنبية صاحبة اللكنة الغربية التي تدعي أنها من بلادنا."
ردت عليه وهي تنظر للبحيرة بشرود:
"أنا لا أدّعي نزار,أنا من البلاد حقًا ولكني لم آتي إلى هنا إلا منذ عام ونصف ربما وباقي حياتي عشتها هناك."
عاودت النظر بعبوس في وجهه :
"ولكن لهجتي ليست سيئة لهذه الدرجة."
رد عليها بتأكيد:
"بل هي سيئة صدقيني؛ أمي ومي يحاولان رفع روحك المعنوية لا أكثر."
أضاف بتآمر:
"إنهن مجنونات هذه نصيحتي أتركي صحبتهن وصادقيني أنا أو إعتبري أني أخا لكِ..هذا أفضل."
نظرت له برعب وهي تنهيه بقوة وتهز رأسها بالتزامن مع رفضها:
"لا أرجوك لا تقل هذه الكلمة أي أخوات؟!! هذا مستحيل لقد إكتفيت لباقي حياتي من الأخوة أنا غير البشر فالأخوة بالنسبة لي دمار شامل."
نظر لها بعدم فهم وأخبرها:
"حمقاء,لقد اعتقدت هذا ..حمقاء أخرى مثل إبنة خالي.أنا أخيرك بأسمى العلاقات الأسرية وأنت ترفضينها."
نظرت له وهي تضحك بسخرية:
"كما أخبرتك نزار..أصدقاء أفضل بكثير من لقب الأخوة هذا بالنسبة لي."
لتعود للنظر أمامها تضحك بألم تأكد لنفسها..
* أسمى العلاقات يا نزار! آاه لو تعلم أسمى العلاقات ماذا فعلت بي,كنت لأعنت هذا الرابط للأبد. نعم فمن نشأت بينهم على أنهم أخوة لي أحدهم أذلني وهو يحاول أن يلوث جسدي ولم يراعي حرمة أني أحمل اسم والده. والآخر أنا سعيت له بنفسي ولكن استغلني بكل الطرق,ليتركني بطفلين بالنهاية لا أعلم كيف مصيرهما.*
عاد نزار للقول لها بإلحاح:
"أرجوك لا تشردي هكذا وتحدثي معي."
جاوبته بتنهيدة متألمة:
"ما الذي تريده يا نزار أرجوك أنا متعبة."
أجابها بحزم:
"كما أخبرتك صداقتك ولو رغم عنك. ما رأيك أصدقاء فقط حتى لا تغضبي؟ كانت فكرة سيئة مني موضوع الأخوة هذا..ما رأيك؟"
نظرت ليده الممدودة إليها تتأملها للحظات ثم مدت يدها تصافحه وهي تخبر نفسها وسط محاوطة مَي وهناء لها بحزم هكذا ربما نزار يساعدها فيما تخطط له وتستطيع أن تأتمنه على سرها.
****************
دخل مسرعًا إلى مكان الجسد المسجى أمامه بعد أن هدد الحارس بأنه لو أخبر مستخدمه بحضوره سيقطع رزقه ولن يقوم أحد بتوظيفه مرة أخرى مذكرًا إياه أنه هو كبير العائلة هنا لا الآخر الذي تأكد أنه خارج المنزل الآن..سيقوم بأخذ ابنه سريعًا من هنا ويبتعد عن ذلك المجنون السادي !!ما الذي حدث له؟! هل يصدق حقًا إدعائهم أن ممدوح كان يخطط لإغتصاب مريم.لا يستوعب إلى الآن كل الحقائق التي اكتشفها في العائلة وما جري بدون علمه ..هل كان مغيب كما إدعى إيهاب..أراد إقناعه أن فريال سيئة وهي السبب في كل ماحدث ..لقد قام بإقناعها بصعوبة أن يغادروا المنزل بعد المواجهة الحامية بينها وبين إيهاب ومن يومها وهي تغلي كبركان ثائر لا تهدأ,لقد جن جنونها و تصرخ عليه أنها تريد إبنتها كما سلمها الي إيهاب تريدها وفِي اقًرب فرصة. يعلم أنها لا تريدها قلق أمومي ولكن ربما انتقام من إيهاب على ما أخبرها به. لم يعنيه ما فعلته بإبنتها ولكنها لم تعنف أولاده أبدا بل كانت تناصرهم على إبنتها.هل ما قاله إيهاب حقًا أنها تنتقم من زوجها السابق فيها! لطالما تساءل عن سبب معاملتها لإبنتها هكذا ولكنه لم يناقشها خوفًا من أن يخسرها مجددًا يكفيه أنها قبلت به في النهاية وأصبحت زوجة له ولكن رؤيته لإبنته منهارة هكذا وضرب هذا المجنون لابنه بوحشيته هكذا جعله ربما يريد أن يعيد حساباته قليلًا ولكن بعد أن يحرر ابنه من بطش إيهاب الذي أصبح لا يهتم بأحد.
وصل إليه وجثى على ركبتيه ورفعه قليلًا فأصابه الذعر من رؤية وجه ابنه المتورم بشدة والدماء الجافة التي تغطي وجهه..حاول تحريكه ففتح ممدوح عينيه متأوهًا بالألم لم ينظر لوجه أبيه و قال:
"ماذا؟ ألم تكتفي من ضربي يا جبان وأنا مقيد؟!أعرف إجابتك حتى أشعر بضعفها ولكنك لو كنت رجلًا حقاً فك قيدي ونتصارع كالرجال."
رد عليه والده بلهفة وهو يتفحص باقي جسده ليستكشف باقي جروحه:
"إنه أنا يا بني والدك وليس هذا الأحمق..أتيت لأحررك من بطشه."
رفع عينيه بصعوبة ونظر لوجه والده وعلت فمه ابتسامة سخرية مريرة فأجاب قائلًا:
"لا ..حسين زوج فريال هانم بنفسه خاطر من أجلي أنا,هذا شرف عظيم لي ولكني أفضل الموت على يديه عن أن تحررني يا زوج (فوفه) العزيزة."
رد والده ببعض الغضب من سخريته منه:
"اخرس ستتسبب في مقتلك يومًا ما بسبب لسانك هذا وتهور تفكيرك..بماذا كنت تفكر يا غبي عندما أتيت إلى هنا وأنت تعلم أنه يبحث عنك؟!انظر الى ما تسببت فيه لنفسك لقد أخبرتك بتهديده لي بك يا غبي."
رد ممدوح بنفس الصوت الساخر:
"لا يا أبي أرجوك سأصدق أنك تهتم بي وتخاف عليّ وحريص على حياتي. الآن تتذمر من طريقتي. أين كنت إذًاً بسنوات عمري التي تعدت الثامنة والعشرون آه صحيح نسيت..كنت ما بين رثائك على حب فريال,وبعدها كيف تتخلص من أمي,وأخيرًا زواجك من ست الحسن لتترك لها إذلالك أمامنا. حقًا أنت مثال للأب المثالي مثل إبن أخيك المثالي الذي أوقعت به بنت فريال."
ورغما عنه ضحك وهو يحاول أن يكتم الألم الذي يشعر به في جسده.
"إيهاب ومريم من كان يتوقع أو حتى يستطيع التخيل!!"
وحاول حسين فك قيده وأنكر لنفسه بشدة الحقيقة التي قالها ابنه. لا إنه ليس هكذا لقد أعطاهم كل ما يريدون من مال,هو فقط سعى ليتزوج من المرأة التي أحب وهذا من حقه..لماذا يعاقبه الجميع من وقتها كأنه ارتكب جرمًا. لا هو ليس المتسبب أبدا فيما يحدث الآن لإبن أخيه وأولاده وإبنة زوجته بل طيشهم هو السبب لا هو ولا فريال هما بريئان من تلك الاتهامات. خاطب ابنه قائلًا:
"هذا ليس وقت الحساب يا غبي ولا رد اتهاماتك..لنا حديث مطول بعد أن نخرج من هنا قبل أن يأتي المتهور الآخر."
فك قيده سريعًا بالأداة الحادة التي أتى بها لعلمه أنه بالتأكيد سيحتاجها...فك قيد يديه وساقيه ثم سأله وهو يحاول مساعدته على النهوض:
"هل تستطيع أن تنهض أم أنادي ذلك الحارس ليساعدني."
أزاح ممدوح يده بقرف و قال:
"ابتعد يا حسين مهمتك إلى هنا انتهت,لا أريد مساعدتك ولا مساعدة أحد أستطيع الخروج بنفسي ولكن أريد مفاتيح سيارتك لأخرج من هنا."
رد حسين بصبر:
"أنا سأصطحبك معي إلى أقًرب مستشفى وبعدها إلى ذلك الفندق الذي نقيم فيه."
أخبره ممدوح بصوت حازم:
"لن آتي معك إلى أي مكان ولا تظن أن مساعدتك لي هذه سترفع مكانتك في نظري,إن كنت تريد تمثيل دور الأبوة المتأخر هذا أعطني مفاتيح سيارتك وإجعلني أغادر بنفسي أو غادر أنت من هنا وأتركني أواجه مصيري بنفسي. أريد مواجهة الحقير ابن أخوك مرة أخرى أفضل من أن تساعدني أو أذهب معك."
وقف حسين للحظات يفكرإنه يعلم ابنه جيدًا وغبائه..إن رفض أن يأتي معه فهو جاد ولكنه قلق للغاية من مظهره انه لا يستطيع الوقوف حتى جيدًا فكيف بقيادة سيارة؟! ولكنه استسلم لطلبه خوفًا أن يأتي ابن أخيه ولا يستطيع أن يهرب به.
مد يديه بمفاتيح السيارة باستسلام وصمت فأخذها ممدوح من يده بحدة ثم خرج من باب غرفة أُسِر بها لثلاث أيام ماضيه.
وتعرض لانتقام مشبع بالخزي من الحقير لعدم قدرته الدفاع عن نفسه لقد كان يأتي إليه ليلًا المجنون ليضع كمامة على فمه ثم يقوم بجلده وهو يخبره بصوت لاهث غاضب أنه سينتقم لكل لمسه لجسدها حتى يشعر بمدى ما شعرت به...
ابن عمه الأحمق هل ظن أن إبنة فريال كباقي النساء ستشعر بإهانة ؟!بالطبع لا إن إبنتها عاهرة صغيرة لن يفرق معها أي لمسة لجسدها أو حتى شعرت بذل..أكد لنفسه وهو يمحي من عقله بإصرار نظراتها المذعورة الذليلة وبكائها المرير المتوسل ومقاومتها الشرسة في كثير من الأحيان.
لا ..لن يشعر بأي تعاطف أو ندم ليته استطاع أن يكمل ما كان يريد ليذبحها أكثر ويدمرها,بالتأكيد كانت تدعي البراءة والدليل القوي رؤية وضعها في اليوم الذي دخل غرفتها ليجدها تنام بسلام وآثار ما حدث بينها وبين حاميها واضحة للأعمى وحملها أيضًا الذي علم به. أي أن علاقتهم لابد أن تكون منذ وقت طويل للغاية ربما قبل حتى زواجه منها وهي تدعي البراءة وهو يدعي انه مجبر على الزواج.
وصل للسيارة وفتح بابها بصعوبة وإحتل كرسي القيادة متأوه بألم حقيقي مما يشعر به في جسده..الغبي الذي ضحك عليهم جميعًا قام بالانتقام بوحشية,حسنًا يا إيهاب لن أترك لك حقي مهما حدث..انطلق بالسيارة وهو غارق في تفكيره وعينيه المتورمة يفتحها بصعوبة ليرى الطريق أمامه..أغلق عينيه وقام بفتحها عدة مرات..لعن إيهاب وسبه..الغبي؛ ألم يجد في جسده إلى وجهه ليركز كل الضرب به.
أغمض عينيه بقوة مرة أخرى للحظات ليفتحها بقوة عند سماعه صوت سيارة من سيارات النقل الثقيل فأمسك بيديه الاثنين المقود بقوة وحاول الانحراف بعيدًا عنها ومقلتيه متوسعة على آخرهما وأدرك جيدًا أن الأوان قد فات ومصيره حُدد ببشاعة.
**************
بعد مرور شهر ،،
تحدثت بضجر وخاطبت رفيقتها:
"لقد أخبرتك أني لا أريد الخروج من المنزل,فلا أعلم سبب تصميمك لمرافقتك وأنت تعلمين أن في الأمر خطورة,فقد يراني أحد ما"
أجابتها رفيقتها بنفاذ صبر وهي تحدث البائع بأن يغلف لهم قالب الحلوى جيدا:
"كُفي عن التذمر قليلا ها قد قاربنا على الانتهاء وسوف نعود لحصنك الغالي ..كما أننا نجوب السوق منذ أكثر من ساعتين ولم يقابلنا أحد فتوقفي عن وسواسك يا فتاة,ولقد أخبرتك أن من تخافينه من المستحيل أن يأتي إلى هنا"
وأضافت بعبوس وهي تنظر لها:
"ومن سيعرفك من الأساس بمظهرك هذا وبطنك المنتفخ الذي يسبقك نحو الأمام بسنتيمترات عدة"
عاودت الرد عليها بإلحاح وقلق:
"لا أهتم بما تقولين ولا أعلم كيف سمعت كلامك وأتيت معك,أسرعي يا مَي أريد العودة حقاً كما أني متعبة ولم أتعود على هذا المجهود منذ أسابيع"
ردت عليها مَي وقد وصلت إلى أخر مداها من الصبر من إلحاحها المتواصل هذا,فمنذ أن أقنعتها هي وهناء بالخروج قليلا لشراء بعض الملابس للطفلين,بغرض أن تغير الأجواء من حولها قليلا وأيضاً إجبارها للذهاب إلى الطبيبة,التي ترفض أن تذهب إليها وتكتفي فقط من وقت لأخر بإرسال بعض المقويات لها أو أخذ النصائح من هناء,فألحت عليها اليوم بالخروج معها وبعدها أجبرتها على الذهاب لتطمئن على حملها ووضعها؛ تعلم جيدا أن الطبيبة أخبرتها أنه يجب عليها التزام الراحة التامة وعدم التعرض للقلق أو حتى ركوب السيارة لمسافة طويلة ولكن هي تريد أن إخراجها من قوقعتها تلك فهي لن تعيش باقي عمرها في بيت هناء.
شعرت أن حالتها النفسية أصبحت مستقرة كثيرا عن الأيام السابقة ويجب أن يبدؤوا بالتدريج وبهدوء بمحاولة إخراجها من عزلتها تلك وحثها على الحديث وتحديد خطوتها القادمة فكل يوم يمر بدون أن تحدد ما تريد وإقتراب موعد ولادتها ليس في مصلحتها ولا مصلحة طفليها,نعم تؤيدها ولكن كما أخبرها جاسر أن الأخر سيصاب بالجنون مع استمرار اختفائها,ومازال طوال الوقت يبحث في كل مكان يريد أن يطمئن عليها وعلى طفله,لقد علمت أن هذا الطفل بمثابة معجزة له وأنه يهتم به حقاً وسيفعل أي شيء ليمنحه اسمه,شعرت بتأنيب الضمير وأحيانا تحدث نفسها ربما الأفضل لمريم العودة له بعد أن تهدأ قليلا وترى ماذا سيقدم لها ولطفليها,هذا أفضل بكثير من أن يولد التوأم بلا هوية ففي النهاية هو والدهما الحقيقي وهما نتيجة زواج حقيقي وليس علاقة محرمة,والأكثر من ذلك وكما كرر جاسر على مسامعها كل فترة أن إيهاب ليس بهذا السوء ربما ظروفه أجبرته على التصرف معها بتلك الحقارة وأيضا ببعض القسوة التي لا يقصدها.
فأخبرتها:
"فقط انتظري قليلا سوف نبتاع قالب الحلوى هذا ونذهب على الفور ..ما رأيك أن تجلسي على إحدى هذه المقاعد إلى أن أنتهى,أعلم أني ربما ضغطت عليك ونحن نتنقل بين (محلات ملابس الأطفال) ولكن أنا أردت أن أشاركك في هذا الأمر لتعلمي مدى المتعة التي قد تحصلين عليها وأنت تختارين لأطفالك ملابسهم لأول مرة"
ردت مريم عليها وقد نسيت قلقها قليلا وهي تنظر للحقائب البلاستيكية التي معها وهزت رأسها بالنفي وتبتسم ببعض السعادة:
"لا هذا الجزء الوحيد الذي استمتعت به من هذه الرحلة لقد كان أمر مذهل..لديك حق فإختياري بنفسي تلك الأشياء الصغيرة أسعدني كثيرا"
تحركت مَي إلى الأمام قليلا وهي تتفحص بعينيها أنواع كعك الشوكولاتة المتعددة:
"إذن تحمليني قليلا طالما أسعدك الأمر,أريد شراء قالب حلوى لزوجي أيضا ولكنه لا يأكله إلا بمواصفات خاصة"
عبست مريم وهي تمشي بجانبها تريد أي حوار لتشتيت فكرها,تلوم نفسها أنها استمعت لمي وهناء ووافقتهم على هذا المشوار وخرجت من منزل الأخيرة وجاءت لوسط المدينة أيضاً,ألم تستطع أن تتمسك برأيها لعدة أيام أخرى على الأكثر
وبعدها ستغادر البلد نهائيا,لن تعود لأمريكا مجددا فيكفيها ما عاشته فيها بالطبع,لقد جهزت للأمر جيدا بمساعدة نزار,حيث حجز مقعدا في رحلة سفرها حين أعطته الكارت الخاص بالبنك لسحب المال اللازم لها,لقد فعل إيهاب شيئا جيدا عندما جعل لها بطاقة خاصة لحسابها,تستطيع السحب بها من أي مكان وفِي أي وقت.
لكنها اكتفت فقط بسحب بعض المال هنا لحجز تذكرة السفر وبعض المال يبقى بحوزتها وهناك عندما تصل لوجهتها ستقوم بسحب جميع ما في حسابها ..حاولت البدء في حياتها,تعلم أن طريقها صعب فهي لم تنهي من دراستها وأيضا بصحبة طفلين ولكن ما الحل البديل لها غير ذلك,سألت مَي تريد أن تشتت تفكيرها قليلا عن القلق الذي شعرت به من مستقبلها المجهول:
"وما هي مواصفات زوجك الخاص في قالب الحلوى؟"
وكأن سؤالها كان نكتة اليوم حين إنفجرت مي تضحك بصخب عند تذكرها قسم جاسر لها منذ عودتهما لبعضهما.
لتستغرب مريم أكثر عاقدة حاجبيها بعبوس من ضحكها هذا:
"لا تغضبي أرجوك أن لا أضحك من سؤالك ولكن عندما أتذكر مجنوني وشروطه الخاصة لتناول أي شيء بالشوكولاتة"
عقدت مريم يديها أعلى بطنها المنتفخ,وهي ترفع حاجبيها وسألتها بعبوس ظنا منها أنها تسخر منها:
"وما هو هذا الشرط الذي يجعلك تضحكين من كلامي هكذا؟!"
تأففت مي وهي تقول:
"أصبحت كثيرة الشك,أنا أخبرك أن لا علاقة لك بالأمر,هذه قصة قديمة بيني وبين جاسر ربما يوما ما سأخبرك بها,كل ما هناك أنه لا يتناولها إلى إن كانت صنعت من أردى أنواع الشيكولاته وأرخصها"
تمتمت مريم وهي تهز رأسها بيأس:
"أنتما لستما طبيعيين أبدا,أقسم على هذا"
قاطع كلامها صوت طفولي فرح يناديها باسمها:
"مريم..بابا هذه مريم"
قالتها ميرا بالتزامن مع تركها لِيَد والدها تحركت مسرعة بإتجاهها.
جمدت مكانها بصدمة عندما رأت ميرا تتوجه إليها بصخب وتفتح ذراعيها لها لتصل إليها تحتضن ساقيها.
لم تستطع قول حرف أو التحرك حتى أو أن تبادل الطفلة عناقهاـ فكل ما شعرت به حقيقةً الصدمة والخوف الذي رافقها طوال المشوار تحقق أمامها بثانية,وإن صادف من بين كل من تعرفهم سابقا أحد أفراد العائلة فإن كانت ميرا هنا...فهذا يعني أن إسراء ربما والأسوأ إيهاب....
نظرت لها ميرا وقالت لها بسعادة واضحة في صوتها:
"لقد إشتقت لك كثيرا مريم أين ذهبت,هل عدتي لوالدك مثلي لقد أتى البابا وذهبنا معه جميعا,أنا وماما وتاليا لمنزله"
مازالت بجمودها لا تقوى على الحراك ولا تعلم ما الحل وماذا تفعل أو بماذا تجيبها ؟؟ عيناها تطوفان في الأرجاء ووقعتا على أخر شخص توقعته خلف ميرا..
حاولت مَي التصرف سريعا وهي تخاطب ميرا وتحاول إقناعها بخطئها وإبعادها عن طريقهما:
"حبيبتي إذهبي من هنا هذه ليست مريم أنت مخطئة يا صغيرة"
عبست ميرا وهي تبعد خطوة للوراء ونظرت لوجه مريم المتصلب ببعض الخوف كأنها إنسان شوهد بالجرم المشهود.
وقالت بتصميم:
"لا هي مريم صديقتي أنا أعرفها جيدا كيف قد أخطئ في معرفتها لقد كانت تلعب معي كثيرا هي وعمي إيهاب"
أغمضت مريم عينيها بيأس وألم نازف لن يهدأ يوما عند ذكر اسمه .حاولت مَي أن تنهيها بحزم وهي تحدثها بصوت قوي آمرة إياها:
"أذهبي لِيَد والدك يا فتاة ولا تكوني عنيدة ..أخبرتك إنهالا تُدعى مريم ولا نعرف عمك إيهاب هذا ولا أمك إسراء,إذهبي من هنا"
عقدت ميرا يديها ووقفت بتحدي لا يليق بعمرها أو قامَتَها الصغيرة لتقاومها بعناد طفولي وبذكاء كأنها أمام غريمة في المدرسة لا ترغب أن تسمح لها بالتغلب عليها:
"أنا لم أخبرك أن ماما اسمها إسراء,فكيف علمت بإسمها,أنا أعلم جيدا هذه مريم ولكن يبدو أنها أكلت الكثير من الحلوى ولم تسمع كلام ماما فأصبحت سمينة هكذا,ماما ستغضب منك مريم"
إقترب مراد منها وهو يراقب الحوار الدائر بين ثلاثتهم,لم يصدق عينيه عندما هتفت ميرا بإسم مريم,ولم يستوعب مظهرها للحظات شكلها تغير تماما عن أخر مرة رآها بها ربما منذ عامين أو ثلاث لا يذكر بالضبط,كان يقابلها صدفة بالطبع لكن مع انقطاع العلاقات بينهم كاد ألا يتعرف عليها,لولا مسحة الحزن التي تسكن عينيها دائما,ذعرها الواضح الآن لم يستطع مسح نظرات الحزن تلك.
نظر اليها بتفحص ربما حقا ليست هي وإبنته مخطئة ولكن بطنها المنتفخ وصدمتها من رؤية ميرا والحوار الدائر بين إبنته ورفيقتها التي ربما أخطأت في ذكر إسراء وكما أشارت إبنته بذكاء !!وصل أمام مريم ونظر إليها,رفعت عينيها وحدقت به بدهشة ممزوجة ببعض الخوف..خاطبها يحاول أن يجعلها لا تجزع وتطمئن لوجوده:
"مرحبا مريم كيف حالك؟ سعيد برؤيتك بخير"
هزت رأسها بنفي لم يفهم معناه إقتربت منها رفيقتها ووقفت حائل بينهما وهي تخبره بتهديد وصوت عال:
"ابتعد حالا عنها,ما الذي تريده أنت وقصيرة القامة تلك؟! أخبرتكما لا يوجد هنا من يدعى مريم ولا إيهاب ولا أحد من تلك العائلة المشئومة,إذهب من هنا قبل أن أصرخ بأعلى صوتي واتهمك بالتحرش بنا"
أردفت سريعا:
"آه,ربما فعلا أنت تحاول التحرش وتستخدم طويلة اللسان هذه كأداة لإستعطاف السيدة ألا تخجل من نفسك تحاول التحرش بسيدة حامل وأخرى متزوجة"
نظر إليها بعيون ذاهلة مما يسمع لا يستطيع حتى الرد وكل الناس من حولهم بدأوا في التجمهر ليحدثها بصوت مذهول:
"هل أنت مريضة عقلية؟ !,ما الذي تقولينه كيف تحرشت بكما,أنا لم اقترب منكما حتى ولم أخاطبك أنت يا متزوجة أن أتحدث مع من خلفك إنها خالة أولادي كيف أخطئ في معرفتها أو أتحرش كما تدعين"
أجابته بصوت أعلي:
"آه الآن فهمًت أنت تدعي قرابة كاذبة لاختطافها"
يا إلهي هل وقع مع مريضة عقلية ؟,اقترب من إبنته وحملها بين ذراعيه خوفا مما قد يحدث لاحقاً خاصة مع تجمهر الناس من حولهما المجنونة سوف تتسبب لهم في مصيبة وفضيحة علنية،
وبدأ الناس في سؤالها عن سبب مضايقته لها وهناك أيضا من يتقدم لعرض المساعدة في ضربه ؟؟ ولكن قبل أن تتجمهر الناس عليه ومع ذعر صغيرته تقدمت مريم من إختبائها,هتفت بصوت مرتعش في الناس من حوله:
"أرجوكم ابتعدوا أنا أعرفه جيدا,إنه قريبي لم يفعل شيئا لي,رفيقتي فقط لا تعرفه ابتعدوا عنهما ألا ترون أن طفلته مرتعبة"
اقتربت من ميرا الملتصقة بوالدها خوفا من الناس الذين تجمعوا حولهم وحدثتها بهدوء رغم رعبها هي الخاص:
"مرحبا ميرا اشتقت إليك أنا أيضاً"
أجابتها الصغيرة بدموع:
"أنت نسيتني ولم تعرفيني"
أشارت لمي:
"وصديقتك المجنونة كما تدعوها ماما تقول أنها لا تعرفني وأنك لست مريم"
إبتسمت لها مريم وهي تخبرها:
"لا لقد عرفتك كيف أنساك نحن أصدقاء ولكني متعبة قليلا"
بدأ الجمع المتجمهر من حولهم بالانصراف بعد أن تأكدوا من كلامها ومن حوارها مع الطفلة تأكدوا بأنهم أقارب فعلا.
ردت عليها ميرا قائلة وهي ترفع أصابعها وكأنها تؤنبها:
"هذا لأنك لم تستمعي لكلام والدتك مثلي أنا وأكلتي كثيرا من الحلوى وأصبحت سمينة"
أطرقت عينيها في الأرض شعرت بالخزي من مراد الذي لمحت عينيه يتأمل انتفاخ بطنها بدقة,خاطبها بهدوء:
"كيف حالك مريم لم أراك منذ زمن تغيرت كثيرا"
هزت كتفيها بدون أن ترفع نظراتها لتواجهه شعورها داخليا بالخزي
"كما ترى عمي مظهري يتحدث عني"
حدثها مراد بهدوء أمر عندما شعر بنبراتها المحملة بالشعور بالعار أشفق عليها بشدة لم يتخيل أن يراها في يوم بهذا الوضع والخزي بسبب إيهاب,شتمه بداخله بأشنع الألفاظ لعن غبائه الذي جعله يتخذ ربيبته زوجة سرية له,كما فهم من كلام إسراء وكلامه يوم مواجهتهما داخله يريد ولو يساندها ببعض الكلمات أن تعلم أنه لا خطأ تتحمله في وضعها هذا:
"ارفعي عينيك وحدثيني مريم كما أحدثك ليس هناك ما تخجلي منه أنا علمت بزواجك"
رفعت عينيها المليئة بالدموع والدهشة,أكمل :
"إيهاب يبحث عنك في كل مكان مريم لقد أصبح على مقربة من الجنون"
تمالكت نفسها للحظات تريد أن ينتهي هذا الموقف سريعا لا تريد أن تسمع أي شيء يثنيها عن قرارها لن يفرق معها كيف علم مراد بزواجها,قالت برجاء خافت له:
"أرجوك عمي لا أريد الحديث ولا أن أسمع أي شيء عنه,أتوسل إليك أن لا تخبره بأنك رأيتني"
حدث نفسه بسخرية الطفلة مريم تناديه عمي,مثل السابق أين كان عقل المجنون وهو يراها فتاة تصلح له يعلم جيدا أنها حتى لو تبدوا أنثى كاملة ولكنه عند النظر إليها لا يستطيع إلا رؤيتها الطفلة التي نشأت أمام أعينهم يتذكر لمحات من طفولتها حتى وهي تبدو أمامه إمرأة تحمل طفلا لا يستطيع إلا أن يراها في ذاكرته إلا وهي مماثلة لعمر طفلته .
أخبرها بصوت رتيب:
"آسف يا مريم لن أستطيع أن أعدك بهذا أنت يجب أن تعودي وتتحدثي معه الهروب ليس حل أبدا لحالتك التي أراها"
طرقت بعينيها مرة أخرى وهي تخبره بألم:
"لقد إنتهى أي حديث بيننا وأنا إتخذت قراري ولن أعود أبدا أو أتحدث مع أحد آسفة"
تراجعت بخطواتها إلى الوراء وهي تنظر له وأخبرته برجاء أخير:
"أرجوك أنت لا تعلم شيئا مما عشته في ذلك المنزل ولن تستطيع مجرد التخيل,لذا لا أريد ما يذكرني به لقد إنتهى كل ما بيني وبين تلك العائلة إلى الأبد"
هتف بها عندما استدارت مسرعة تنضم لرفيقتها وتحركتا سريعا:
"مريم انتظري يجب أن نتحدث"
أخبرته بدون أن تلتفت له وهي تغادر المكان سريعاً:
"آسفة أخبرتك لا أريد الحديث"
تحركت أمام عينيه سريعا هي ورفيقتها,ومع تحركه بحمل طفلته خلفها وجد البائع يعترض طريقه يشير لما يحمله في اليد الأخرى وقد نسي مع لقاء مريم ما أوقفه وصغيرته قربها حتى نسي الأغراض التي كان ينتوي شرائها,ليعطّله الأمر بضع لحظات وهو يعتذر للبائع ويترك ما بيده بدون أن يبتاعه.
خرج وراءها يبحث عنها ولكنه لم يجد لها أثرا,شتم بصوت عال وهو يتلفت في كل اتجاه وكأن الأرض ابتلعتها وسط زحام المكان,قاطعته إبنته وهي تنهيه:
"بابا لا تقل كلام سيء"
أخبرها وهو يبحث بعينيه:
"آسف ميرا,أعتذر منك ولكن يجب أن نجد مريم مرة أخرى"
حدثته الطفلة قائلة:
"يبدو أنها خافت أن يراها أحد لقد أكلت الكثير من الطعام لو رأتها ماما سوف تعاقبها"
أجابها غير منتبه لكلماته:
"الذي يجب أن يعاقب خالك إيهاب فهو السبب في خوفها"
"لما بابا هي من لم تستمع لكلام الماما"
ألتف لها وهو يهم بمغادرة المكان يتوجه لسيارته بعد أن يأس بأنه قد يجدها خاطب إبنته بسخرية لم تفهمها:
"لا يا حبيبة البابا,خالك هو السبب في هذا يبدو أنه كان يهتم جيد بإطعامها الكثير لتصبح هكذا"
عبست بوجهه:
"كيف هذا بابا !؟"
إلتفت لها وهو يتدارك نفسه أن من معه طفلته صاحبة الخمس سنوات:
"لا تهتمي ميرا بكلام الكبار أحيانا نبدو مجانين"
قام بفتح الباب وإدخالها السيارة.
ردت عليه بهدوء وحكمة لا تليق بسنها:
"نعم أعلم هذا جيدا,أنتم جميعا مجانين لقد أخبرت تاليا بهذا حتى لا تخاف عند رؤيتكم تصرخون فجأة أو تضحكون في نفس الوقت مثل ما كان يحدث في بيت عمي إيهاب"
توقف وهو محني الرأس يغلق لها حزام الأمان يسألها باهتمام:
"دائماً أخبرك انه خالك حبيبتي وأنت تصرين انه عمك لمَ؟؟"
"هو أخبرني بهذا بابا وأكد لي أنه قريبك أنت لا قريب الماما وهو يحبني أنا وتاليا لأنك أخوه"
سألها بتأكيد به بعض الدهشة:
"هل أنت متأكدة ميرا أنه أخبرك أنه أخي !"
ردت عليه وهي تهز رأسها بيأس:
"نعم بابا هل ستظل تسأل نفس السؤال كثيرا مثل الماما عندما أخبرتها بكلام عمي"
ليتراجع للوراء وهو يغلق البابا يتوجه لكرسيه يخبر نفسه,رغم كل ما بيننا إيهاب وما تدعيه ولكن يظل جزء منك لن يتغير ولن تستطيع إنكار صداقتنا التي كانت أقًرب للأخوة يوماً .
جلس يفكر للحظات ليتخذ قراره وقام بالاتصال به,يجب أن يعلم بأنه رآها ربما يساعده في الاطمئنان عليها أو حتى يعلم من رفيقتها المجنونة هذه فإبنته تعرفها إذا بالتأكيد إيهاب يعرفها. ظل للحظات ينتظر الجواب فأتاه بعد قليل صوت إيهاب المستغرب:
"مرحبا إيهاب كيف حالك"
"مرحبا مراد ما سبب اتصالك هذا ؟؟هل هناك شيء لقد أخبرتك سابقاً بأن أي حديث بيننا غير مجدي"
حدثه مراد بادعاء واهي للصبر:
"اسمعني جيدًا بالتأكيد لا أسعى لرضا حضرتك,وأعلم جيدا كلامك وأخبرتك أن هذا قراري أيضاً ولكن أنا أتحدث اليوم لرد جميلك لا أكثر حتى لا أكون مديناً لك بشيء,كما رددت لي شيء ثمين وغالي على ربما أساعدك فيما تبحث عنه وأرده إليك"
أجابه بحدة:
"كف عن ألغازك مراد وأخبرني ما سبب اتصالك وعن أي شيء تتحدث ؟"
أخبره مراد بلامبالاة غير عابئ بحدته في الحديث:
"مثلما أعدت لي زوجتي وأطفالي ربما أعيد لك زوجتك وطفلك لقد رأيت مريم منذ دقائق فقط"
أجابه بصوت ملهوف:
"ماذا ! هل رأيتها حقاً أم تتلاعب بي؟"
هتف به بتأفف:
"ولما قد أتلاعب بك ما الذي قد أكسبه من إخباري لك بهذا !,لقد رأيتها الآن في محل حلوى شهير في وسط المدينة ولكنها للأسف هربت مسرعة ولم أجدها وسط الزحام"
أجابه وهو يقفز من مكانه وقد فقد سيطرته على أعصابه:
"يا غبي تعلم أني أبحث عنها كيف تاهت منك لِمَ لم توقفها بالقوة إلى أن آتي إليك يا إلهي كم أنت غبي"
"لن أرد عليك,وأتفهم ما أنت فيه ولكن لا أحد غبي مما رأيت إلا أنت,ولا لم استطع إيقافها لقد كانت ترافقها مجنونة ما اتهمتني بالتحرش بهم أو خطفها باستخدام طفلتي وأثارت فضيحة لي ربما الآن لولا تدخلت مريم خوفاً على ميرا كنت أصبحت في قسم الشرطة فرفيقتها مجنونة كلياً"
"كف عن الثرثرة بكلام تافه وأخبرني كل شيء بالضبط كيف تبدو رفيقتها"
"لم انتبه لها غير أنها مجنونة"
زمجر إيهاب بغضب:
"مراد أنا لست إسراء أعرفك جيدًا ومتأكد أنك حفظت شكلها جيدًا فخبرني الآن كيف هي رفيقتها ولا تضيع الوقت"
أجابه مراد وهو يتنهد باستسلام بعض العادات لا يستطيع أن يتخلي عنها يعترف لنفسه لقد تفحصها جيدا ولكن ليس لسبب إلا أن يطبع شكلها في عقله للمساعدة ومحاولة التعرف عليها مرة أخرى.
وقال:
"حسن,سوف أخبرك ولكن أقسم إن أخبرت أحد ما أني وصفت لك إمرأة"
قاطعه إيهاب يصرخ به:
"أعرف مشكلتك جيدًا أخبرني فقط لا وقت لدينا ولم قد أخبر أحدا من الأساس"
أجابه مراد:
"حسن,حسن اهدأ واسمعني حاولت التعرف عليها ربما ملامحها تبدو عادية ولكنها قصيرة,خمرية اللون,بشعر أسود وما يميزها حقا مندفعة ولا تفكر حتى في العواقب قبل أن تتحدث أعتقد أن ميرا قالت اسمها"
تمتم إيهاب يقاطعه بذهول وهو يدرك تماماً ما يخبره به مراد..كيف لم يتوقع؟؟ شتم داخله هل سيستمر غبائه في كل ما يخص مريم وقال:
"مَي..تدعي مَي كيف لم أفهم بمجرد أن قلت مجنونة"
"إذا أنت تعرفها"
"إنها صديقتها وزوجة جاسر جلال رفيقنا"
أجابه مراد بإدراك:
"جاسر !,تليق بِه تماماً"
أجابه إيهاب بتعجل:
"حسن مراد,أنا أشكرك لا أعلم كيف أشكرك حقا"
أضاف يسأله قبل أن يغلق الخط بصوت متلهف يريد أن يعلم عنها أي شيء:
"مراد كيف هي؟ كيف تبدو هل هي بخير صحتها جيدة ؟ حزينة أم تبدو سعيدة أي شيء كيف رأيتها؟"
أجابه مراد بتأكيد:
"لا تبدو سعيدة على الإطلاق أما عما رأيته فيجب أن تراه بنفسك إيهاب لن أفسد عليك لحظة أن ترى صنع يديك وما فعلته بها"
سأله بألم:
"هل تبدو حالتها سيئة لهذا الحد ؟"
أجابه مراد:
"وأسوأ ولكن ربما مظهرها الخارجي يعجبك أخبرتك لن أفسد عليك أي صوره قد ترها بها أذهب سريعًا وابحث عنها"
أغلق بعدها إيهاب الخط متعجلاً وهو يشكره بدون أي سؤال أخر
نظر مراد إلى إبنته يخبرها:
"أعتقد أن خطة الكعكة فشلت تماما وهذا أفضل لنا من مواجهة ماما,سنكتفي أنا وأنت بما تناولناه ولن نخبرها ونتمنى لعمك الحظ الجيد وأن يجد مريم سريعا"
أومأت له الصغيرة وهي تؤكد له بدون فهم معظم كلامه:
"نعم بابا لا نريد لإسراء أن تغضب منا".
قاد سيارته,متوجهاً إلى منزله وهو يفكر نعم لا نريد غضب إسراء,هذا على أساس أنها غضبت في الشهر الماضي,يتمنى حقاً أن تغضب,تصرخ به لكنها تتلبس قناع البرود التام,لا تخاطبه في شيء إلا إذا كان يخص الفتاتين.
حاول على قدر استطاعته أن يجعلها تتفاعل معه,أن تسمع له,أخبرها أنهما يجب عليهما أن يتحدثا ولكنها تصر على الرفض ووضع الحدود بينهما.
حتى ليلا تذهب للنوم في غرفة الطفلتين,اللتان تنامان برفقته هو في غرفته؛ تحاول أن توصل له رسالة واضحة بتعاملها (أنا هنا من أجل الفتاتين حتى إشعار أخر) تنهد بضيق جثم على صدره من أفعالها,كيف يصل إليها ويجعلها تخرج من البرود ويواجهها بخطأ كل منهما ؟ يريد وصالها,كيف تكون أمامه وبعيدة هكذا نار حارقه تشتعل به وهي تتحرك في كل ركن أمامه بسحرها الذي يسكره ولكنها تتصنع البرود يعلم جيدا انه يؤثر بها كما تشعل جموح أفكاره ولكنه يعلم أن تلك الهوة السحيقة التي ساعدا هما الاثنان بخطئهما في حفرها أن تمنعها وبشدة من محاولة حتى الاستماع لمبرره,اشتعلت عينيه بإصرار يجب الحديث معها مهما حدث وفِي أقًرب فرصة حتى لو أجبرها وقام بتقييدها وتكميم فمها الذي يعلن بإصرار رفضها الدائم للاستماع له ؛
وصل المنزل وقام بفتح الباب وأنزل ميرا ولكن وقف بصدمة لصراخ إسراء الملتاع الذي يهز الأرجاء المحيطة من حوله باسم إبنته الصغيرة .
************************
توجه من فوره إلى منزل صديقه وهو في قمة غضبه ..هل جاسر كان يعلم بمكانها ويخبأها هو وزوجته و يشاهد جنونه وحرقة قلبه ؟ ألا يوجد لديه صديق جيد ومخلص واحد يستطيع الثقة به؟بالتأكيد جاسر يعلم..لهذا كان هادئا ومطمئنا و تظاهرأنه مهتم بل وشاركه في البحث عنها,وصل لمنزله يطرق الباب بتعجل فتحت له والدة صديقه باب المنزل لترحب به غير مدركة لنيران الغضب التي تشع من وجهه:
"مرحبا إيهاب كيف حالك بني هل يوجد أي أخبار عن مريم ؟"
رد عليها بتعجل وهو يسيطر على نبرات صوته وسألها مباشرة:
"كل أخبار مريم عند جاسر بك فهو الوحيد القادر عن إخبارنا"
عبثت بوجهه وقالت:
"لا أفهم كيف؟ جاسر يعلم أي أخبار عنها !!لو كان يعلم شيء كان بالتأكيد أعلمنا بالأمر"
رد عليها بنبرات غضب مكتومة متعجلة:
"أين هو لقد مررت عليه في مكتبه ولم أجده واتصل به ولا يرد"
عقدت حاجبيها وهي لا تفهم ما به وسبب غضبه هذا ..أشارت ناحية الدرج وهي تخبره:
"هو في شقته في الأعلى لقد أتى منذ ساعة و.."
قطع كلامها وتوجه لما أشارت اليه فورا يعلم جيدا طريقه وصل إلى باب الشقة طرقه بعصبية لبضع دقائق ..فتح له جاسر الباب و يبدو على وجهه أثار النوم نظر له بغرابة غير مستوعب للجنون المتلبس للشخص أمامه.
عاجله إيهاب بلكمة على وجهه وهتف به:
"لقد وثقت بك وكشفت لك كل ما في قلبي,رأيتني أتعذب وأنزف ببطء وأنا أبحث بجنون عن إمرأتي وولدي وأنت تعلم مكانهما يا خائن ألا يوجد صديق واحد مخلص لي أخبرني الآن"
علت نبرات صوته الصارخة:
"أخبرني جاسر ..هل قمت بمساعدتها في قتل طفلي"
تراجع جاسر للوراء خطوات بعيدا عنه حتى لا يعيد الكرة بضربه ومسد على فكه وهو يبتسم باستفزاز,وسأله ببرود مستفز وهو يرفع حاجبيه:
"من أخبرك أني أعلم مكانها كاذب,أنا لا أعلم أي شيء عنها كيف تظن بي هكذا وتسارع لإتهامي"
أجابه بغضب:
"كف عن أسلوبك هذا أنا أعلم جيدا وأعلم أفكارك الخارقة للعادة,لديك دماغ غير جميع البشر والآن أنا تأكدت أنك تعلم مكانها لقد رآها مراد بصحبة زوجتك التي ينطبق عليها الوصف تماماً غير وارد تطابق المواصفات إلا على زوجتك"
صرخ به متسائلاً:
"أين هي جاسر أين تخبئها ؟ وهل ساعدتها في تنفيذ تهديدها لي اخبرني الآن؟"
"حسنا هل عدت لصحبة مراد مرة أخرى؟ وأنا الذي قطعت علاقتي به من أجلك؟"
إقترب منه وأمسكه من ملابسه يصرخ به:
"جاسر لا تزد في جنوني واستفزازي واجب عن أسئلتي أين تخبئ زوجتي ؟"
أمسك جاسر يديه بهدوء يبعدها عنه وهو يخبره مدعيا الاستسلام ربما يكفي هذا ..يجب أن يحل هذا الوضع ويتفاهم معها وطالما قد عرف أن زوجته من تخبئها لا داعي لادعائه بالجهل بمكانها وقال له:
"يبدو أن لا فائدة من الإنكار,حسنا أنا أعلم مكانها بالطبع وهي أمانة ولكن صدقني أنا لم أساعدها ولم أعلم بخطتها من الأساس,أقر واعترف أن زوجتي من ساعدتها وأنا كنت أراقب من بعيد حتى لا يتهورا,هي بخير اطمئن ولكن سؤال واحد فقط وأعلمك بمكانها بل واصطحبك بنفسي,لو أخبرتك أن مريم أجهضت الطفل بالفعل هل ستكون بهذه اللهفة والقلق عليها وسعيك لإيجادها أم أنك ستحاول إيجادها لمعاقبتها لقتله ؟ حدد والآن من أهم إليك وسبب قلقك وغضبك هذا؟"
نظر إليه بصمت وعيون متحجرة هل يفهم من سؤاله هذا أنها قتلت طفله بالفعل المنحة التي أتت إليه على غفلة منه قتلوها بدم بارد,ليتمتم بالسؤال على الفور:"هل قتلت ابني يا جاسر؟"
"أنا لم اقتل أحد ولم أقترب منها حتى أخبرك لقد تأكدت من وجودها سالمة بعد هروبها بوقت,سؤالي محدد..من تريد وبدون خداع يا إيهاب؟ !"
صمت للحظات من يريد وهل لديه أختيار سؤال سأله لنفسه منذ إختفائها ووضعه احتمال كبير بتخلصها من الطفل وكانت دائما الإجابة الدامية لقلبه يريدها هي فخسارته لطفل واحد أفضل بالتأكيد من خسارته لإثنين,ربما هذا العقاب العادل لما فعله بها,نعم هو يستحق كل ما يجري له حتى لو كان العقاب ذابح له وقتل بصيص الأمل الوحيد الذي أعاد له ثقته في رجولته التي إتهموه بالنقص فيها فرد بتأكيد قاطع رغم الألم الذي ذبحه:
"أريدها هي ربما أنا استحق هذا العقاب منها ربما استطيع أن أتحمل خسارة طفل لم أره رغم أنه كان حلم يداعب كل أفكاري في صحوتي ومنامي,تعلم جيدا ماذا كان يعني لي بزوغ أمل فجأة رغم ضعف احتمال وجوده ولكن هي أهم هي طفلتي أيضاً التي كبرت أمام عيني وعلى يدي فإن كان الأختيار بين طفل كان في أحلامي ولم أره حقيقة يوما وطفلة,حبيبة وزوجة كانت دائما جزءً مني بالتأكيد سأختارها هي"
أجابه جاسر وهو متأكد من صدق كل كلمة خرجت منه يعلم جيدا أنه لا يكذب أو حتى مجرد شعارات يتفوه بها:
"حسنا إيهاب لحظات فقط أبدل ملابسي وأتي معك"
أوقفه صوت مَي الصارخ به .
إلتفت لها ما بهم اليوم هل علق يافطة على باب المنزل (رجاء من يريد الحديث معي يصرخ بي أولاً)
توجهت له فورا وهي تخبره بتعجل وكلمات غير مترابطة من توترها غير مدركة بعد لوجود إيهاب معهم:
"جاسر ساعدني أرجوك لقد ارتكبت كارثة بدون أن أعي توابعها ظننت أني أسيطر عليها جيدا أنا وعمتي أقسم لك كنّا لا نتركها لحظة كنّا نساعدها لعجزها وقتها لحالتها النفسية آنذاك كانت بحاجة ملحة للابتعاد عن محيط أسرتها وصديقك ولكن يبدو أنها أذكى منا جميعاً وغافلتنا وربتت الأمر جيدا لمغادرة البلاد لم أكن أعلم أقسم لك وهذا خطر كبير عليها أنا خائفة أرجوك تحرك وامنعها أو حتى أخبر صديقك"
توجه لها إيهاب غير واعي لما يفعل وهو يفهم معنى كلامها,سألها بحدة:
"هل تتحدثين عن مريم ؟ أخبريني ما بها وعن أي مغادرة تتحدثين وأي خطر هذا الذي يهددها ليصرخ بها أين هي الآن تكلمي؟"
ليتحرك جاسر سريعا يزيحه بحدة قبل أن يصل إليها وصرخ بِه:
"سيطر على نفسك إيهاب وأدرك مع من تتحدث هل جننت,اسمح لك بأي شيء إلا الاقتراب من زوجتي أقسم لولا ذرة عقل متبقية لأدرك حالتك الآن لكنت أبرحتك ضرباً لتعي لنفسك"
لتعلو نبرات صوت مَي تأمره ولكن بصوت متوتر ومتعجل:
"اصمتا الآن لا اهتمً جاسر بما يفعل,دعني الآن,هناك المصيبة التي يجب أن تمنع لن أسامح نفسي إن تضررت مريم أرجوك,"
توجهت للأخر تخاطبه:"إيهاب جيد أنك هنا,أنا آسفة حقاً ولكن يجب أن تلحق بها لقد كانت ترتب للأمر منذ وقت طويل بمساعدة ابن عمتي ولكن لم أعرف أنا أو عمتي بالأمر,مما فهمًت من تجعلها وإصرارها وهي تخبرني بعد رؤيتها لشخص يدعى مراد أصابها بالذعر وعلمت أنك سوف تعلم مكانها بالتأكيد وهي لا تريد هذا لتقوم بعد أن وصلنا بيت عمتي بأخبارنا أنها ستتوجه المطار فورا وتغادر البلاد ولم نستطع منعها لقد قامت بالاتصال بالفعل أمام أعيننا بشركة الطيران والتعجيل برحلتها لتجد رحلة بديلة"
نظرت لساعتها وهي تنظر له بيأس باقي على الموعد الذي أخبرتنا به خمسه عشر دقيقه فقط
دمعت عينيها و أضافت:
"يا إلهي مستحيل أن تلحق بها"
لم يرد عليها إيهاب وهو يتحرك بخطوات أقرب للركض متوجها فورا ربما يستطيع اللحاق بها ولكنه يٍعلم جيدا أنه كما أخبرته مَي هذا من المستحيلات .
000000000000000000000000000000

دقات محرمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن