في منزل كبير يتوسط المنطقه وكل من حولها يعرف البيت جيدآ واصحابه من الجيل القديم حتي شباب هذا الوقت،
يتكون البيت من عده طوابق بنظام الشقق المنفصله بخصوصيه و يطلق عليه بيت القاضي.
في زمن الفتونه جاء الجد الاكبر لهذه المنطقه، اشتهر بقوة بنيته وعمامته البيضاء وجلبابه التقليدي، كان دائما يناصر المظلومين ويخشي منه الظالم، اشتهر وذاع صيته واصبح رأيه يسير علي الكبير والصغير، واسس منزله مع زوجته واولاده، وتوالت السنين حتي مسك والد حسن الحاج عبدالرحيم القاضي من بعد والده، قام ببناء ذلك المنزل الكبير ليتسع اشقائه وزوجاتهم واولادهم ، كان يدرك جيدا ان القوة بالعصبه، خصوصا الذكور ترابطهم في المعارك كان يعطيهم القوة والرهبه للدخيل، لذلك كان محاوطهم جميعا حتي يكونوا دائما يد واحده قويه لاتكسر.
لم يرغمهم علي تجارة بعينها، اعمالهم منفصله بتجارات مختلفه و لكن اشهرهم ورش والد حسن والذي ورثها حسن بمفرده عن والده لعدم وجود اشقاء لديه، و احتفظ بالتجاره و عمل علي تكبيرها وتطوريها محتفظآ بأسم والده عبدالرحيم القاضي.
وبجانب منزل القاضي مبني منفصل، بيت مكون من طابق واحد بناه والد حسن منذ فترة ، لكن بعد وفاته تمسك به حسن لنفسه بعيدا عن بيت العائله ولا يذهب اليه الا عند النوم فقط.
دلف حسن وابن عمه سيف لمنزل العائلة قائلا سيف بتباهي لابن عمه:
-بس ظبطناهم يامعلم، احنا شفِناهم علي الآخر
اومأ له حسن برأسه وقال بتساؤل:
-سيف مين السكان الجداد دول
كاد ان يسأله سيف نفس السؤال ولكن سبقه ابن عمه رد عليه قائلا :
-و الله ماعرف كنت لسه هاسالك اصلا، باين عليهم مش من هنا خالص وشكلهم ولاد ناس
اومأ حسن مؤكده علي حديثه وقال بجديه :
-عندك حق اعرفلي دول مين وجاين منين وايه حكايتهم
هتف سيف :
-اكيد من عنيا
وتابع متسائلا:
-رايح لشقتك برضو
قال له حسن وهو ينظر باتجاه آخر :
-كده احسن ياسيف
اوما سيف برأسه متفهمآ:
-براحتك يابن عمي
صعد حسن لشقته، بعد انفصال والدته عن والده وتزوجت من اخر قضي عمره مع والده وعائلته حتي توفي والده من عدة سنوات، وبقي بشقته المنفصله بعيد عن تلصص اعين العائله عليه، وكان الاقرب اليه من ابناء اعمامه سيف،ذراعه اليمين والذي يذكره بالنصف الثاني من شخصيته القديمه، التي كان يتخللها بعض المرح و الاقبال علي الحياه،ولكن بعد تلك الأحداث الماضيه لم يعد حسن كما كان ،ولم يعد شئ كما هو، تغيرت شخصيته لا احد ينكر انها للأحسن ولكن بداخله يشعر ان ذلك الشرخ لم يلتئم بعد، وان ماضيه يؤرقه ويمرر عليه تلك الراحه التي ينشدها من الايام، ولكن في النهايه لم يجدها وتلك الغصه لا تفارقه ولا احد يعلم عنها شئ.
..................
جلست كريمه بركبتين هلاميتين من الخوف الذي عاشته منذ قليل قائله :
-الحمدلله انكم بخير ،كنتي جيتي معانا علي طول احسن بدل البهدله دي يادره
قالت دره وهي تنزع حقيبتها ملقيه بها بجانبها بحنق:
-اعمل ايه بس ياماما مش كنت بكمل ورق تحويلي لهنا
هتفت والدتها:
-الحمدلله انك في سنه امتياز ونخلص
اخفضت دره رأسها ارضا وقالت بصوت تغلب عليه الإحباط:
-مش مصدقه اننا عايشين هنا
ساندتها شهد في حديثها قائله:
-والله ولا انا شوفتي كانوا بيضربو بعض ازاي دول ولا افلام محمد رمضان (ممثل مصري)
والتفتت الي والدتها متسائله في فضول:
-صحيح ياماما مين القاضي ده
اجابتها كريمه وهي تتذكر سنوات عديده مرت :
-ده كان كبير المنطقه هنا من ايام ابوكي الله يرحمه اسمه عبد الرحيم ومن قبلها ابوه، عبد الرحيم كان في شبابه وقتها وقت ما سكنت هنا سنتين بعد جوازي من أبوكم قبل ماننقل من هنا، بس دلوقتي شكله ابنه اللي بقي مكانه
هتفت دره بتهكم ساخره:
-اخد منصب مهم اوي يعني ماهو بلطجي
قالت كريمه مصححه :
-ماكنش بلطجي يا دره الحاج عبد الرحيم كان راجل جدع وشهم ماحدش كان بيقصده في حاجه ويرده أبدا
قالت شهد وعقلها يتذكر ذلك الذي انتشلها من المعركه:
-ومين اللي معاه ده
قالت كربمه وهي تتحرك من مكانها:
-والله يابنتي معرف انا زي زيكم ،كل حاجه اتغيرت هنا ولسه مش عارفه حد، المهم يالا قومو غيرو هدومكوا عشان نتغدى
دخلت دره غرفتها، نظرت للارجاء وابتسمت بحزن من تغير الاحوال، لو كان والدها علي قيد الحياه لهون عليها الكثير وربما لم تكن متذمرة من ذلك المكان، لكانت شعرت بالامان انه معهن، التمعت عينيها اشتياق اليه وخوف من المجهول، لكن عليها ان تتسلح بالقوة، كل القوة حتي تتعايش في ذلك الوسط المريب حولها، لحماية نفسها وشقيقتها ووالدتها.
توجهت لنافذتها وازاحت الستار وظهرت امامها مباشره تلك اللافته على الورشه و المكتوب عليها بخط كبير اسم القاضي،نفخت بضيق واغلقت النافذه وجذبت الستاره بعنف، ونظراته لها لا تغيب عن بالها مع ارتجافه داخليه تحاول مدارتها و تثني عقلها عن احداث ذلك اليوم الطويل.
..................
دخل لشقته و منها لغرفه والده رحمه الله
اقترب ببطئ لصوره والده ذات الاطار الكبير علي الحائط،والذي يشبهه كثيرا لم يأخذ من والدته اشياء كثيره ولكن والده اخذ منه النصيب الاكبر من شكله و قوانينه، وعندما قرر الخروج من عباءته للعالم الخارجي، تلقي تلك الضربة القاسيه علي رأسه افقدته اتزانه للآن،حتي بعد مرور تلك السنوات لم يتخطاها حسن رغم أنه يحاول ويحاول حتي ينال رضاه الذي خسره في حياته رغم علاقتهم التي كانت اكثر من مترابطه، لقد كانوا مثل الاخوة والاصدقاء كان قربهم وترابطهم يثير استعجاب من حولهم، ولم يتوقع احد ان الحاج عبدالرحيم بعد عشقه لابنه وترابطهم الغريب ان يموت وهو لا يحدث ابنه وغاضبآ عليه.
وقف حسن يتاملها باشتياق وحنين قائلا بخفوت ندم:
-وحشتني ياحاج وحشتني اوي كان نفسي تبقي عايش وتشوف اني بقيت زي ماكنت عايز.،يارب تكون سامحتني لطيشي وتهوري انا اتغيرت و الحته كلها بقت تعملي حساب ، بس مش عشان خائفين مني لا،عشان بيحبوني شايفني حمايتهم شايفني نسخه منك يابا.
بعمل كل حاجه عشان اسمك يفضل موجود، قوانين عبد الرحيم القاضي لسه بتمشي علي الكل، وطول مانا موجود هاعمل اللي انت كنت بتتمناه وعايزه يحصل بس، سامحني يابا سامحني.
الناس هنا لسه بتدعيلك لدلوقتي وبيدعولي...
ابتلع حسن تلك الغصه مكملآ و عينيه تناشد ذلك الرجل في الصورة كأنه حي امامه يتنفس:
-نسوا زمان ياحاج بس انا مش قادر أنسى مش قادر ياحاج.
غادر الغرفه وفتح شرفته لعل الهواء العليل البارد يطفئ من ناره ويخفف شعوره بالاختناق.
مرت عدة دقائق يأخذ انفاسآ عميقه ويذفرها،حتى ضيق حاجبيه عندما مرت صورتها بعقله فجاءه متذكرآ تلك الفتاه...
اول تصادم بينهما وهي علي أعتاب دخولها المنطقه، القت بأعتذار خافت ومرت من أمامه لم يشغل باله بها كثيرا،حتي وجد نفس الفتاه بملابسها المتشحه بالسواد واقفه عند اول الشارع تحاول الدخول رغم الشجار الناشب بالمنتصف، توقع عودتها حتي ينتهي الشجار ولكن ماجعله يقترب منها ومنعها هو محاولتها للدخول دون عمل حساب لأي شئ تصتدم به من الاشياء العديده الذي كانوا يلقونها علي بعض في الهواء.
تذكر ارتجافها بين يديه ، وعينيها البنيه المتفاجئه واندهاشها من كل شي تمر به في منطقته وكأنها تراه لاول مره، شبح ابتسامه مر علي شفتيه عندما تذكر حديثها الغاضب وقوتها الهاويه التي كانت تحاول ان تظهرها له حتي لو كان بها بعض التهكم عليه، ولكنه لم ينسي حقه وأجاب بأفعاله الواثقه الثابته، تغلب عليه فضوله اكثر لمعرفه من هي و ما حكايتها وسبب قدومهم المفاجئ الي هنا، وسيعرف بالتأكيد بالنهاية حي في منطقته، منطقة ال قاضي.
يتبع....
أنت تقرأ
دُرة القاضي / سارة حسن
Romanceخرجت من عالم الترف والثراء لتدخل في عالم اخر بقوانينه هو فقط، تنتقضه وتنفر قوانينه وتلوم نفسها علي ماتبعثر بداخلها قبالته. اما هو كبير عائله القاضي لم يدرك نفسه الا وهي تتسلل خفيه في اوردته حتي أصبحت دٌرته المكنونه .. حازت علي المركز الرابع 18/6...